ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع
ﻳﻌﻮد اﻟﺒﺎراداﻳﻢ اﻟﻜﻤﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ philosophy) .(positive ﺗﻘﻮل ﻫﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ إن اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻘﺼﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﺑﻞ إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ knowledge) (factual واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﻘﻴﺎس، ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ذات ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ. اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ أوﻏﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ (1857-1798)، ﻣﺆﺳﺲ ﻫﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، أن ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، وﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ. واﻟﻮﺳﻴﻠﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺘﻘﺼﻲ (inquiry)، أي ﺟﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت واﻷدﻟﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺛﻢ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ (analysis) واﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻘﻮاﻋﺪ.
اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ (Empirical Methodology)
اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﺬي ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻣﻦ أﺟﻞ اﺳﺘﺨﺮاج ﻗﻮاﻋﺪﻫﺎ وﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺑﺎﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ. ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﺒﻌﺾ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻤﻨﻬﺞ "اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ" ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ. ﻟﻜﻦ ﻛﻠﻤﺔ "ﺗﺠﺮﻳﺒﻲ" ﻗﺪ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺘﺒﺮ، ﻋﻠﻤﺎ ﺑﺄن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﺨﺘﺒﺮﻳﺔ (ﻋﻴﻨﺔ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ وﻋﻴﻨﺔ ﺿﺎﺑﻄﺔ) ﻫﻲ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻴﺔ، وﻻ ﻳﺼﺢ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺠﺰء ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ. وﻫﻨﺎك أﻳﻀﺎ ﻃﺮق أﺧﺮى ﻟﺠﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻣﺜﻞ اﻻﺳﺘﺒﻴﺎن واﻟﻤﺸﺎﻫﺪة واﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ، وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷدوات اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ وﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ. ﻟﺬﻟﻚ أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺘﻌﺮﻳﺐ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ.ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﺗﻘﻮم اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻴﺔ إذن ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ اﻟﺒﻴﻨﺎت (evidence) ﺑﻮاﺳﻄﺔ أدوات ﻣﻀﺒﻮﻃﺔ، ﺑﺤﻴﺚ إذا ﻗﺎم ﺷﺨﺼﺎن ﻣﺨﺘﻠﻔﺎن ﺑﺠﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻷداة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﻔﺘﺮض أن ﻳﺼﻼ إﻟﻰ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻧﻔﺴﻬﺎ. وﻫﺬه ﻫﻲ "اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ" اﻟﺘﻲ ﻳﺪّﻋﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻬﺞ. ﻳﺤﺼﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع وﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد )ﺑﻴﺎﻧﺎت اﻟﺸﺮﻛﺎت ﻣﺜﻼً( وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ )اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﻤﻘﻨﻨﺔ ﻣﺜﻼً.( واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ (objectivity) ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أن اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻻ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆون اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ، ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﻢ. ﻓﻘﻂ ﻳﺴﺠﻞ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻪ أو ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ.
واﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت وﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ: اﻟﻄﺮق اﻟﻜﻤﻴﺔ واﻟﻄﺮق اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ، ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ أو ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ. وﻫﻮ ﻟﻴﺲ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ.
وأﻟﺨﺺ ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻲ أدﻧﺎه اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ واﻟﻄﺮق اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ facts) .(Social وﻓﻴﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮاء ﻧﺠﺪ اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻏﻴﺮ اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ، اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺪﻻل (deduction) اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻜﺒﺮى.
ﺛﻢ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، أﻛﺎﻧﺖ أﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ أﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻴﺔ، ﻫﻨﺎك اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻏﻴﺮ اﻟﻌﻘﻠﻲ، وﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات، أو ﺗﺤﻜﻤﻪ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات. وﻫﺬا اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﺬ أن ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺑﺸﺮ، ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﺮ. ﺗﺒﻌﺘﻬﺎ اﻷدﻳﺎن ﻏﻴﺮ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﺛﻢ اﻷدﻳﺎن اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ. وﻗﺪ اﻧﺘﻈﺮت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ آﻻﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﺸﻮء اﻷﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. واﻷﺣﺰاب ﺗﺘﺤﻠﻖ ﺣﻮل ﻣﻌﺘﻘﺪات. ﻧﻀﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ ﻓﺌﺔ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ.
| إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ | ﻣﻌﺮﻓﺔ (ﻋﻘﻠﻴﺔ) | ||
أﺳﺎﻃﻴﺮ، أدﻳﺎن، أﺣﺰاب، | ﻣﻨﻬﺞ ﻏﻴﺮ أﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ | ﻣﻨﻬﺞ أﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ | |
ﻓﻠﺴﻔﺔ، ﺗﺎرﻳﺦ، اﺑﺴﺘﻴﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، ﻧﻈﺮﻳﺎت | ﻃﺮق ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ | ﻃﺮق ﻧﻮﻋﻴﺔ | ﻃﺮق ﻛﻤﻴﺔ |
| دراﺳﺎت إﺣﺼﺎﺋﻴﺔ | دراﺳﺎت ﺑﺤﺜﻴﺔ |
وأﻟﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ أن اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ. ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ )ﻛﺎﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت أﺣﺰاﺑﺎ ﺷﻴﻮﻋﻴﺔ.( واﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﺘﺴﺮب إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺴﻤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ. أي أن اﻟﺒﺎﺣﺚ )اﻷﻣﺒﻴﺮﻳﻘﻲ( واﻟﻤﻔﻜﺮ ﻣﻌﺮﺿﺎن ﺑﻘﻮة ﻟﻸﺛﺮ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ. وﻫﺬا ﻣﻐﺰى اﺗﻬﺎم أﻫﻞ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺒﺤﺘﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ﻷﻫﻞ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮا "ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﻴﻦ" ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺒﺤﺘﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ. ﻳﻘﻮﻟﻮن إن اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﻪ (اﻟﺴﻠﻮك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ) وﻟﺪﻳﻪ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻧﺤﻮه، وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻘﻴﺪ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻴﻬﺎ.
تحميل المقال كامل :
MediaFire
[اضغط هنا للتحميل]