أن تكون ذكياً فذلك أمر مألوف، لكن أن تتقن فن التغابي، فهذه هي المهارة الحقيقية التي لا يتقنها إلا الأذكياء. فالتغابي ليس جهلاً، بل استراتيجية تتيح للمرء أن يراقب، يتعلم، ويناور بحذر في عالم لا يرحم.
الذكاء في قناع الغباء
في بعض الأحيان، يكون التغابي الوسيلة المثلى لتمكين الآخرين من ممارسة ذكائهم الوهمي، بينما يُدير المتغابي الأمور بدهاء من خلف الستار. فلا بأس أن تبدو غافلاً حين يكون ذلك هو السبيل الوحيد لإنجاز ما تريد، تمامًا كما قال عبد القدير خان، العالم الباكستاني الذي استطاع الحصول على آلية النابذات لتخصيب اليورانيوم ليس عن طريق القوة، بل عبر الدهاء والمناورة. لقد أدرك أن الأمور لا تُنال بالتمني، بل تؤخذ غلابًا.
حين يكون الذكاء خطراً
من جهة أخرى، تعلّمنا تجربة يحيى المشد أن الذكاء قد يكون قاتلاً إذا لم يُحسن صاحبه إخفاءه. في عالمٍ تحكمه المصالح والتنافس الشرس، من يُظهر عبقريته بلا تحفظ قد يجد نفسه هدفًا لمن يسعون لإقصائه. فليس الذكاء وحده كافيًا، بل يجب أن يكون مصحوبًا بحكمة التحرك في الظل، بعيدًا عن الأنظار.
نحن ونقطة ضعفنا الظاهرة
كثيرًا ما نكشف عن أنفسنا باندفاع، نفضح نقاط ضعفنا كما لو كنا هياكل مكشوفة، يسهل على أي عابر تحديد مواطن الكسر فينا. نطارد الزيف بينما نُقحم أنفسنا في عالم من الأوهام التي نصنعها بأنفسنا، فتتجلى سذاجتنا أمام أول اختبار حقيقي. لهذا، من لا يتقن لعبة التغابي سيظل بلا مرافئ تحميه من العواصف.
التغابي طريق للنهضة
لطالما اعتقد البعض أن النهضة تأتي من الجهد والعمل المتواصل وحده، لكن الحقيقة أعمق من ذلك. فالألمانيون تفوقوا علمياً، لكن الياباني تاكيو أوساهيرا استطاع التغابي والتعلم منهم حتى صنع هدير الماكينة الذي انتظره إمبراطور اليابان. لم تكن مسألة جري خلف المعرفة فقط، بل كانت مسألة دهاء، إيمان، وتضحية.
السياسة والدهاء
حتى السياسة تعلّمنا دروسًا في فن التغابي. فقد كان هنري كسينجر يدرك تمامًا أن البترول ليس مجرد سلعة، بل سلاح قد ينقلب على مستخدمه. لهذا، لم يكن يُظهر أوراقه كاملة، بل كان ينتظر اللحظة المناسبة ليضحك أخيرًا. إنه درس آخر في كيف يكون الذكاء أداة فاعلة حين يتخفى في قناع الغباء.
رأسي يؤلمني حين أسلك طريقًا يقودني إلى منصة الصلب، لكن ما يؤلمني أكثر هو أن من سيحضر صلبي سيرحل دون أن يأخذ رأسي معه. لذا، سأمضي معهم متغابيًا عن وجود المنصة نفسها، مدركًا أن التغابي في بعض الأحيان هو مفتاح النجاة. فباختصار، تاريخ المعلمين العظماء علّمني أن التغابي هو فن لا يتقنه إلا الأذكياء.
رأسي يؤلمني حين أسلك طريقًا يقودني إلى منصة الصلب، لكن ما يؤلمني أكثر هو أن من سيحضر صلبي سيرحل دون أن يأخذ رأسي معه. لذا، سأمضي معهم متغابيًا عن وجود المنصة نفسها، مدركًا أن التغابي في بعض الأحيان هو مفتاح النجاة. فباختصار، تاريخ المعلمين العظماء علّمني أن التغابي هو فن لا يتقنه إلا الأذكياء.