في مقالها المنشور في مجلة Foreign Affairs، تحذر سانام فاكيل من أن الشرق الأوسط يقف على شفا حرب إقليمية كارثية، بعد تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران وتلويح الولايات المتحدة بالتدخل. ورغم التاريخ الطويل من التدخلات الأميركية الفاشلة في العراق وأفغانستان وليبيا، يبدو أن واشنطن تكرر الخطأ نفسه، وسط غياب استراتيجية واضحة ورئيس أميركي متقلب كدونالد ترامب. تبيّن الكاتبة أن الدول العربية وتركيا، رغم تباين علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران، أصبحت اليوم الطرف الأقدر على الوساطة وتهدئة التصعيد عبر مبادرة دبلوماسية جماعية تشمل قنوات خلفية وتنسيقًا إقليميًا مستقلًا عن واشنطن. وتشدد على أن استمرار الحرب سيهدد استقرار الخليج، ويقوّض اقتصاده، ويعرض المدنيين للخطر. ومع ضيق الوقت، تمثل هذه اللحظة "الفرصة الأخيرة" لتجنب الانهيار، عبر فرض هدنة، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وإعادة تفعيل المسار الدبلوماسي الشامل — بقيادة إقليمية حاسمة.
لا تزال هناك نافذة ضيقة لتجنّب اندلاع حرب شاملة. لكن ومع ما يبدو من فتور واشنطن تجاه الحلول الدبلوماسية، بات من الضروري أن تتحرك دول المنطقة لوقف النزاع. فالدول العربية وتركيا، في نهاية المطاف، هي الوحيدة التي تتمتع بعلاقات عمل جيدة مع كل من إسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة. والآن، يتعيّن على هذه الدول أن تطرح مبادرات لخفض التصعيد. عليها أن تُنشئ مبادرة وساطة تُدار إقليميًا، تتيح لها التحدث إلى أطراف النزاع والقيام بدور الوسيط بينها. ولا شك أن إشراك واشنطن في هذه العملية لا يزال ضروريًا، لكن لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل.
وإن فشلت الدول العربية وتركيا في ذلك، فإن الحرب ستتوسع إقليميًا. وقد تتعرّض منشآتها الحيوية لهجمات إيرانية، كما ستنتشر مشاعر الخوف والقلق بين شعوبها.
أما علاقات دول الخليج مع إسرائيل، فقد كانت أفضل نسبيًا في السنوات الأخيرة. غير أن الحرب الطويلة والوحشية التي تشنّها إسرائيل في غزة، ومعاملتها للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتوسيعها للمستوطنات، ورفضها الانخراط في أي محادثات سلام أو أمن بعد الحرب، كلها أثارت مخاوف من أن إسرائيل بدورها أصبحت قوة مزعزعة للاستقرار. ورغم أن إنجازاتها العسكرية — مثل إضعاف قيادة حماس وحزب الله، واستهداف القوات الإيرانية في سوريا، وشنّ ضربات مباشرة ضد إيران — تحظى بإعجاب خفي في دوائر الأمن الخليجية، إلا أن الغضب الشعبي العارم في الشارع العربي جرّاء حملة إسرائيل في غزة أصبح عبئًا متزايدًا يعيق مسار التطبيع. كما تعارض الحكومات العربية استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا ما بعد الأسد، إذ إنها تُفاقم من حالة عدم الاستقرار في وقت ترغب فيه غالبية الدول العربية برؤية سوريا تنعم بالسلام.
لكن ما تخشاه الدول العربية أكثر من غيره هو اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. لم يُصرّح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يسعون لتوسيع النزاع، لكن ضرباتهم ضد منشآت الطاقة الإيرانية — بما في ذلك مصفاة شهر ري في طهران وأجزاء من مصفاة بارس الجنوبية في الخليج — قد تكون مصممة لدفع إيران إلى تنفيذ تهديداتها باستهداف منشآت الطاقة الخليجية أو إغلاق مضيق هرمز. مثل هذه التطورات من شأنها أن تجرّ الدول العربية إلى النزاع وتدفعها لاتخاذ موقف علني مؤيد لإسرائيل — وهو تمامًا ما تسعى إليه إسرائيل. أما الولايات المتحدة، فقد تنضم قريبًا إلى الحرب دعمًا لإسرائيل. وإذا حدث ذلك، فإن إيران ستكون أكثر ميلًا لاستهداف الدول العربية التي تحتضن العديد من القواعد العسكرية الأميركية.
وبالنسبة لدول الخليج، فإن تعرّض القواعد الأميركية، أو منشآتها النفطية، أو السفن في مضيق هرمز لهجمات إيرانية، سيكون كارثيًا. فهو سيُعرّض صادرات النفط للخطر، ويقوّض ثقة المستثمرين، ويعرقل اقتصاداتها المعتمدة على الكربون، كما سيهدد مبادرات تنموية كبرى مثل رؤية السعودية 2030. وقد يؤدي أيضًا إلى تفاقم الصراع في اليمن، حيث من المرجح أن يستأنف الحوثيون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وشنّ ضربات مباشرة ضد دول الخليج. وستتضرر الشعوب العربية من أي هجمات تهدد إمدادات الغذاء، أو تلوّث المياه، أو تتسبب في اضطرابات سيبرانية. وبوعيها الحاد بالمخاطر التي تواجهها، أصبحت هذه الدول في حالة يأس متزايد لمنع انتشار النزاع.
ولا يزال من غير الواضح ما الذي يقترحه أردوغان تحديدًا، لكن الفاعلين الإقليميين يتمتعون بموقع فريد، ومصداقية، ونفوذ يمكنهم من وقف الانزلاق نحو مواجهة بين إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة. فدول الخليج تحتفظ بخطوط اتصال مباشرة مع كل من طهران وواشنطن، وتستضيف قوات أميركية، وتلعب دور الوساطة في محادثات غير رسمية، وتفهم الحسابات الأمنية لدى الطرفين. كما أصبحت تملك قنوات للتواصل مع إسرائيل، سواء علنًا أو سرًا. وفي لحظة الأزمة هذه، عليها استخدام كل ما تملك — ليس فقط لإدارة التداعيات — بل لفرض وقف لإطلاق النار وفتح مسار جديد نحو الدبلوماسية النووية والإقليمية الأوسع.
للقيام بذلك، ينبغي على حكومات المنطقة إطلاق مبادرة دبلوماسية، ربما برعاية جامعة الدول العربية أو مجموعة اتصال أصغر بقيادة خليجية، تستخدم قنوات استخباراتية ودبلوماسية موثوقة لإجراء محادثات غير مباشرة بين ممثلين عن إسرائيل وإيران. ويمكنهم استخدام هذه الشبكة للدفع باتجاه فترة تهدئة يتفق فيها الطرفان على الحد من الضربات، لا سيما في المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية. وفي الوقت نفسه، يجب على الدول العربية وتركيا فتح قناة دبلوماسية موازية تركّز على حماية البنية التحتية للطاقة والممرات البحرية، ومنع الأزمات البيئية والصحية المحتملة نتيجة الهجمات على المنشآت النووية. وستكون لهذه المبادرات العلنية فائدة إضافية تتمثل في إيصال رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترامب مفادها أن التهدئة والمفاوضات هما السبيل الأفضل — وهو أيضًا ما تريده المنطقة. كما ستمهد الطريق نحو التفاوض على وقف إطلاق نار شامل واتفاق سلام دائم.
قد يبدو في البداية من الصعب تصوّر أن ترامب سيقبل بهدنة تتوسط فيها دولة أجنبية. لكن دول الخليج العربية كانت أول من زاره بعد عودته إلى البيت الأبيض، وقد منحت زيارته زعماء الخليج شعورًا متجدّدًا بأن واشنطن لا تستمع إليهم فحسب، بل تتماهى مع أولوياتهم الأمنية أيضًا. فقد نبذ ترامب التدخلات العسكرية السابقة وجهود نشر الديمقراطية، ودعا إلى عصر جديد من "السلام والشراكة". وأشاد باستثمارات الخليج في "التجارة لا الفوضى" و"التكنولوجيا لا الإرهاب"، وعبّر عن دعمه لتخفيف العقوبات عن سوريا ومساندته لحكومتها الجديدة. والأهم، أنه أظهر في الاجتماعات الخاصة استعداده لدعم أولويات الخليج. وأوحت الزيارة بأنه مستعد ليس فقط للاستماع، بل أيضًا لاتخاذ خطوات بناءً على ما يسمعه.
قد تكون إسرائيل أكثر تحفظًا من الولايات المتحدة تجاه اتفاق سلام بوساطة خليجية. لكن هناك دولتين خليجيتين، هما البحرين والإمارات، أصبحتا شريكتين اقتصاديتين واستراتيجيتين أساسيتين لإسرائيل. كما أن إسرائيل تسعى لتطبيع العلاقات مع السعودية، ويعلم المسؤولون الإسرائيليون أن ذلك سيكون أسهل بكثير إذا ابتعدوا عن التصعيد مع إيران. ورغم أن نتنياهو قد يرغب في استمرار التصعيد، إلا أن قادة إسرائيليين آخرين يدركون أن اتساع رقعة الحرب قد يهدد أسواق الطاقة، مما سينعكس سلبًا على حياة مواطنيهم.
أما إيران، فلديها كل الدوافع لقبول اتفاق بوساطة خليجية. فمع تعرّضها للقصف المستمر من قِبل إسرائيل، يبحث قادتها عن مخرج مشرف. وقد عبّر المسؤولون الإيرانيون علنًا عن استعدادهم للعودة إلى طاولة المفاوضات إذا توفّر وقف لإطلاق النار. من جانبها، أثبتت الدول العربية قدرتها على التعامل مع مفاوضات معقدة مع إيران. فالهجمات الإيرانية في الخليج عام 2019، وهجمات الحوثيين عام 2022، أثارت قلق المنطقة، لكنها أدت أيضًا إلى تهدئة وتطبيع: فقد أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2022، وتبعتها السعودية عبر وساطة صينية عام 2023.
ويحدو الأمل هذه الدول في أن تتمكن من إقناع إيران وإسرائيل بالتوقف عن القتال، وإقناع الولايات المتحدة بعدم الانخراط فيه. بإمكانها أن توضح لإسرائيل أن أفعالها الحالية قد تحول مسار التطبيع إلى مسار عزلة، وتحوّل واقع الردع القائم إلى صراع دائم. ويمكنها أن تُبلغ إيران بأن برنامجها النووي، وهجماتها الصاروخية، وأنشطتها بالوكالة، لم تعد مقبولة — وأن اندماجها الإقليمي لن يتحقق ما لم تغيّر سلوكها.
صحيح أن التوصل إلى اتفاق سلام سيكون بالغ الصعوبة. فإيران وإسرائيل متمسكتان بمواقفهما. ويبدو أن النزاع آخذ في الاشتعال لا التراجع. ومع ذلك، فإن العالم بأمسّ الحاجة إلى جهد دبلوماسي جاد ومستمر لخفض التصعيد. ويجب أن يشمل هذا الجهد كلًّا من إيران وإسرائيل، ويحظى بدعم الولايات المتحدة، لكن لا يمكن أن تقوده — أو حتى تبادر به — إلا دول المنطقة نفسها.
A Last Chance at Middle East Peace
يقف الشرق الأوسط على حافة حرب إقليمية شاملة. ففي 12 حزيران/يونيو، بدأت إسرائيل حملة قصف متواصلة ضد البنية التحتية النووية في إيران، وقيادة النظام، ومستودعات النفط والغاز، في محاولة لـ— بحسب تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو — "إضعاف وتدمير وإزالة التهديد" المحتمل المتمثل في تسلّح إيران نوويًا. وقد ردّت إيران بوابل من الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى انسحابها من مفاوضات الملف النووي مع واشنطن. ومنذ أن بدأ البلدان يتنازعان بشكل غير مباشر قبل عام ونصف، والدول العربية قلقة من أن يُجرّها الصراع إلى مواجهة مباشرة. لكن مع توسّع القتال، ومع تحليق الصواريخ بشكل روتيني فوق منطقة الخليج بأكملها، بدأت الدول المجاورة تتساءل لا عن "إن كان" النزاع سيصل إليها، بل "متى" سيحدث ذلك.لا تزال هناك نافذة ضيقة لتجنّب اندلاع حرب شاملة. لكن ومع ما يبدو من فتور واشنطن تجاه الحلول الدبلوماسية، بات من الضروري أن تتحرك دول المنطقة لوقف النزاع. فالدول العربية وتركيا، في نهاية المطاف، هي الوحيدة التي تتمتع بعلاقات عمل جيدة مع كل من إسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة. والآن، يتعيّن على هذه الدول أن تطرح مبادرات لخفض التصعيد. عليها أن تُنشئ مبادرة وساطة تُدار إقليميًا، تتيح لها التحدث إلى أطراف النزاع والقيام بدور الوسيط بينها. ولا شك أن إشراك واشنطن في هذه العملية لا يزال ضروريًا، لكن لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل.
وإن فشلت الدول العربية وتركيا في ذلك، فإن الحرب ستتوسع إقليميًا. وقد تتعرّض منشآتها الحيوية لهجمات إيرانية، كما ستنتشر مشاعر الخوف والقلق بين شعوبها.
عالقون في مرمى النيران
لسنوات، نظرت الحكومات العربية إلى كلٍّ من إيران وإسرائيل كدولتين مثيرتين للمشاكل. فالتوسّع الأيديولوجي الإيراني، وتقدّم برنامجها النووي، ودعمها للميليشيات الوكيلة في العراق ولبنان واليمن، بالإضافة إلى دعمها السابق لنظام بشار الأسد في سوريا، جعل منها تهديدًا دائمًا لجيرانها. وفي عام 2019، راقبت الدول العربية بقلق الهجوم الإيراني — بحسب تقارير الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمحققين السعوديين — على منشآت النفط السعودية (رغم نفي طهران تورّطها، لكنها أبدت ترحيبًا علنيًا بالضربات). كما سادها القلق عندما حوّلت طهران جماعة الحوثي — التي كانت في السابق تمردًا يمنيًا محليًا — إلى تهديد بعيد المدى، وصل إلى حد قصف موقع إنشائي ومنشأة نفطية في أبوظبي عام 2022.أما علاقات دول الخليج مع إسرائيل، فقد كانت أفضل نسبيًا في السنوات الأخيرة. غير أن الحرب الطويلة والوحشية التي تشنّها إسرائيل في غزة، ومعاملتها للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتوسيعها للمستوطنات، ورفضها الانخراط في أي محادثات سلام أو أمن بعد الحرب، كلها أثارت مخاوف من أن إسرائيل بدورها أصبحت قوة مزعزعة للاستقرار. ورغم أن إنجازاتها العسكرية — مثل إضعاف قيادة حماس وحزب الله، واستهداف القوات الإيرانية في سوريا، وشنّ ضربات مباشرة ضد إيران — تحظى بإعجاب خفي في دوائر الأمن الخليجية، إلا أن الغضب الشعبي العارم في الشارع العربي جرّاء حملة إسرائيل في غزة أصبح عبئًا متزايدًا يعيق مسار التطبيع. كما تعارض الحكومات العربية استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا ما بعد الأسد، إذ إنها تُفاقم من حالة عدم الاستقرار في وقت ترغب فيه غالبية الدول العربية برؤية سوريا تنعم بالسلام.
لكن ما تخشاه الدول العربية أكثر من غيره هو اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. لم يُصرّح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يسعون لتوسيع النزاع، لكن ضرباتهم ضد منشآت الطاقة الإيرانية — بما في ذلك مصفاة شهر ري في طهران وأجزاء من مصفاة بارس الجنوبية في الخليج — قد تكون مصممة لدفع إيران إلى تنفيذ تهديداتها باستهداف منشآت الطاقة الخليجية أو إغلاق مضيق هرمز. مثل هذه التطورات من شأنها أن تجرّ الدول العربية إلى النزاع وتدفعها لاتخاذ موقف علني مؤيد لإسرائيل — وهو تمامًا ما تسعى إليه إسرائيل. أما الولايات المتحدة، فقد تنضم قريبًا إلى الحرب دعمًا لإسرائيل. وإذا حدث ذلك، فإن إيران ستكون أكثر ميلًا لاستهداف الدول العربية التي تحتضن العديد من القواعد العسكرية الأميركية.
وبالنسبة لدول الخليج، فإن تعرّض القواعد الأميركية، أو منشآتها النفطية، أو السفن في مضيق هرمز لهجمات إيرانية، سيكون كارثيًا. فهو سيُعرّض صادرات النفط للخطر، ويقوّض ثقة المستثمرين، ويعرقل اقتصاداتها المعتمدة على الكربون، كما سيهدد مبادرات تنموية كبرى مثل رؤية السعودية 2030. وقد يؤدي أيضًا إلى تفاقم الصراع في اليمن، حيث من المرجح أن يستأنف الحوثيون هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وشنّ ضربات مباشرة ضد دول الخليج. وستتضرر الشعوب العربية من أي هجمات تهدد إمدادات الغذاء، أو تلوّث المياه، أو تتسبب في اضطرابات سيبرانية. وبوعيها الحاد بالمخاطر التي تواجهها، أصبحت هذه الدول في حالة يأس متزايد لمنع انتشار النزاع.
وسطاء في زمن الحرب
في محاولة لتفادي الهجمات، بذلت الدول العربية جهدًا كبيرًا للنأي بنفسها عن أفعال إسرائيل. فقد أدانت كل من السعودية والإمارات الحملة العسكرية الإسرائيلية، بينما دعت الأردن إلى خفض التصعيد. أما سلطنة عُمان وقطر، فقد أصدرتا بيانات شديدة اللهجة ضد الضربات الإسرائيلية، تعكس مخاوفهما من أن تكون إسرائيل تتعمّد إفشال جهود التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران. وكانت تركيا بدورها ناقدة بشدة، حيث عرض الرئيس رجب طيب أردوغان أن تبذل بلاده "كل ما بوسعها" لـ"منع التصعيد غير المنضبط".ولا يزال من غير الواضح ما الذي يقترحه أردوغان تحديدًا، لكن الفاعلين الإقليميين يتمتعون بموقع فريد، ومصداقية، ونفوذ يمكنهم من وقف الانزلاق نحو مواجهة بين إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة. فدول الخليج تحتفظ بخطوط اتصال مباشرة مع كل من طهران وواشنطن، وتستضيف قوات أميركية، وتلعب دور الوساطة في محادثات غير رسمية، وتفهم الحسابات الأمنية لدى الطرفين. كما أصبحت تملك قنوات للتواصل مع إسرائيل، سواء علنًا أو سرًا. وفي لحظة الأزمة هذه، عليها استخدام كل ما تملك — ليس فقط لإدارة التداعيات — بل لفرض وقف لإطلاق النار وفتح مسار جديد نحو الدبلوماسية النووية والإقليمية الأوسع.
للقيام بذلك، ينبغي على حكومات المنطقة إطلاق مبادرة دبلوماسية، ربما برعاية جامعة الدول العربية أو مجموعة اتصال أصغر بقيادة خليجية، تستخدم قنوات استخباراتية ودبلوماسية موثوقة لإجراء محادثات غير مباشرة بين ممثلين عن إسرائيل وإيران. ويمكنهم استخدام هذه الشبكة للدفع باتجاه فترة تهدئة يتفق فيها الطرفان على الحد من الضربات، لا سيما في المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية. وفي الوقت نفسه، يجب على الدول العربية وتركيا فتح قناة دبلوماسية موازية تركّز على حماية البنية التحتية للطاقة والممرات البحرية، ومنع الأزمات البيئية والصحية المحتملة نتيجة الهجمات على المنشآت النووية. وستكون لهذه المبادرات العلنية فائدة إضافية تتمثل في إيصال رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترامب مفادها أن التهدئة والمفاوضات هما السبيل الأفضل — وهو أيضًا ما تريده المنطقة. كما ستمهد الطريق نحو التفاوض على وقف إطلاق نار شامل واتفاق سلام دائم.
قد يبدو في البداية من الصعب تصوّر أن ترامب سيقبل بهدنة تتوسط فيها دولة أجنبية. لكن دول الخليج العربية كانت أول من زاره بعد عودته إلى البيت الأبيض، وقد منحت زيارته زعماء الخليج شعورًا متجدّدًا بأن واشنطن لا تستمع إليهم فحسب، بل تتماهى مع أولوياتهم الأمنية أيضًا. فقد نبذ ترامب التدخلات العسكرية السابقة وجهود نشر الديمقراطية، ودعا إلى عصر جديد من "السلام والشراكة". وأشاد باستثمارات الخليج في "التجارة لا الفوضى" و"التكنولوجيا لا الإرهاب"، وعبّر عن دعمه لتخفيف العقوبات عن سوريا ومساندته لحكومتها الجديدة. والأهم، أنه أظهر في الاجتماعات الخاصة استعداده لدعم أولويات الخليج. وأوحت الزيارة بأنه مستعد ليس فقط للاستماع، بل أيضًا لاتخاذ خطوات بناءً على ما يسمعه.
قد تكون إسرائيل أكثر تحفظًا من الولايات المتحدة تجاه اتفاق سلام بوساطة خليجية. لكن هناك دولتين خليجيتين، هما البحرين والإمارات، أصبحتا شريكتين اقتصاديتين واستراتيجيتين أساسيتين لإسرائيل. كما أن إسرائيل تسعى لتطبيع العلاقات مع السعودية، ويعلم المسؤولون الإسرائيليون أن ذلك سيكون أسهل بكثير إذا ابتعدوا عن التصعيد مع إيران. ورغم أن نتنياهو قد يرغب في استمرار التصعيد، إلا أن قادة إسرائيليين آخرين يدركون أن اتساع رقعة الحرب قد يهدد أسواق الطاقة، مما سينعكس سلبًا على حياة مواطنيهم.
أما إيران، فلديها كل الدوافع لقبول اتفاق بوساطة خليجية. فمع تعرّضها للقصف المستمر من قِبل إسرائيل، يبحث قادتها عن مخرج مشرف. وقد عبّر المسؤولون الإيرانيون علنًا عن استعدادهم للعودة إلى طاولة المفاوضات إذا توفّر وقف لإطلاق النار. من جانبها، أثبتت الدول العربية قدرتها على التعامل مع مفاوضات معقدة مع إيران. فالهجمات الإيرانية في الخليج عام 2019، وهجمات الحوثيين عام 2022، أثارت قلق المنطقة، لكنها أدت أيضًا إلى تهدئة وتطبيع: فقد أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2022، وتبعتها السعودية عبر وساطة صينية عام 2023.
الفرصة الأخيرة
في عام 2003، عارضت الدول العربية وتركيا بشدة الغزو الأميركي للعراق، محذّرة من أنه سيزعزع استقرار المنطقة ويمنح المتطرفين مساحة أكبر للنفوذ. واليوم، تتوحد هذه الحكومات مجددًا في الدعوة إلى خفض التصعيد، مدركة أن حربًا جديدة بلا ضوابط قد تُطلق العنان لفوضى أكبر بكثير. فالمخاطر التي تواجهها عالية للغاية، وهي تعلم أن استمرار النزاع سيجعل من الصعب — إن لم يكن مستحيلاً — حماية نفسها من تداعياته وانفلات الأوضاع. ومع ضيق الوقت وتصاعد المخاطر، أصبح التحرك الإقليمي المنسق ضرورة حتمية لتجنّب كارثة أوسع نطاقًا.ويحدو الأمل هذه الدول في أن تتمكن من إقناع إيران وإسرائيل بالتوقف عن القتال، وإقناع الولايات المتحدة بعدم الانخراط فيه. بإمكانها أن توضح لإسرائيل أن أفعالها الحالية قد تحول مسار التطبيع إلى مسار عزلة، وتحوّل واقع الردع القائم إلى صراع دائم. ويمكنها أن تُبلغ إيران بأن برنامجها النووي، وهجماتها الصاروخية، وأنشطتها بالوكالة، لم تعد مقبولة — وأن اندماجها الإقليمي لن يتحقق ما لم تغيّر سلوكها.
صحيح أن التوصل إلى اتفاق سلام سيكون بالغ الصعوبة. فإيران وإسرائيل متمسكتان بمواقفهما. ويبدو أن النزاع آخذ في الاشتعال لا التراجع. ومع ذلك، فإن العالم بأمسّ الحاجة إلى جهد دبلوماسي جاد ومستمر لخفض التصعيد. ويجب أن يشمل هذا الجهد كلًّا من إيران وإسرائيل، ويحظى بدعم الولايات المتحدة، لكن لا يمكن أن تقوده — أو حتى تبادر به — إلا دول المنطقة نفسها.