طرح الإشكالية : يعتبر التفكير ميزة أساسية ينفرد بها الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى ومن منطلق أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فإنه يحتاج ولا شك إلى وسيلة إلى الاتصال والتواصل مع غيرك من الناس وللتعبير عن أفكاره وهذا ما يعرف في الفلسفة بالغة فإذا كنا أمام موقفين متعارضين أحد هما يرى أن العلاقة اللغة بالفكر انفصال والأخر يرى أنها علاقة اتصال فالمشكلة المطروحة هل العلاقة بين اللغة والفكر علاقة اتصال أم انفصال ؟
التحليل:
عرض الأطروحة الأولى : ترى هذه الأطروحة (الاتجاه الثنائي) أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة انفصال أي أنه لا يوجد توازن بين لا يملكه الإنسان من أفكار وتصورات وما يملكه من ألفاظ وكلمات فالفكر أوسع من اللغة أنصار هذه الأطروحة أبو حيان التوحيدي الذي قال : ((ليس في قوة اللغة أن تملك المعاني)) ، ويبررون موقفهم بحجة واقعية إن الإنسان في الكثير من المرات تجول بخاطره أفكار لاكته يعجز عن التعبير عنها ومن الأمثلة التوضيحية أن الأم عندما تسمع بخبر نجاح ابنها تلجأ إلى الدموع للتعبير عن حالتها الفكرية والشعورية وهذا يدل على اللغة وعدم مواكبتها للفكر ومن أنصار هذه الأطروحة الفرنسي برغسون الذي قال : (( الفكر ذاتي وفردي واللغة موضوعية واجتماعية )) ، وبهذه المقارنة أن اللغة لا يستطيع التعبير عن الفكر وهذا يثبت الانفصال بينهما .
النقد : هذه الأطروحة تصف اللغة بالعجز وبأنها تعرقل الفكر لكن اللغة ساهمت على العصور في الحفاظ على الإبداع الإنساني ونقله إلى الأجيال المختلفة .
عرض الأطروحة الثانية : ترى هذه الأطروحة (الاتجاه الو احدي) إن هناك علاقة اتصال بين اللغة والفكر مما يثبت وجود تناسب وتلازم بين ما تملكه من أفكار وما تملكه من ألفاظ وعبارات في عصرنا هذا حيث أثبتت التجارب التي قام بها هؤلاء أن هناك علاقة قوية بين النمو الفكري والنمو اللغوي وكل خلل يصيب أحداهما ينعكس سلبا على الأخر ومن أنصار هذه الأطروحة هاملتون الذي قال ((الألفاظ حصون المعاني)) وقصد بذلك إن المعاني سريعة الظهور وسريعة الزوال وهي تشبه في ذلك شرارات النار ولا يمكن الإمساك بالمعاني إلا بواسطة اللغة)) .
النقد : هذه الأطروحة ربطت بين اللغة والفكر لكن من الناحية الواقعية يشعر أكثر الناس بعدم المساواة بين قدرتهم على التفكير وقدرتهم على التعبير .
التركيب : تعتبر مشكلة اللغة والفكر أحد المشكلات الفلسفية الكلاسيكية واليوم يحاول علماء اللسانيات الفصل في هذه المشكلة بحيث أكدت هذه الدراسات أن هناك ارتباط وثيق بين اللغة والفكر والدليل عصر الانحطاط في الأدب العربي مثلا شهد تخلفا في الفكر واللغة عكس عصر النهضة والإبداع ومن المقولات الفلسفية التي تترجم وتخلص هذه العلاقة قول دولا كروا ((نحن لا نفكر بصورة حسنة أو سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة))
حل الإشكالية : وخلاصة القول أن اللغة ظاهرة إنسانية إنها الحل الذي يفصل بين الإنسان والحيوان ولا يمكن أن نتحدث عن اللغة إلا إذا تحدثنا عن الفكر وكمحاولة للخروج من الإشكالية إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر نقول أن الحجج والبراهين الاتجاه الو احدي كانت قوية ومقنعة ومنه نستنتج العلاقة بين العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تفاعل وتكامل .
المقالة السادسة : هل اللغة منفصلة عن الفكر؟ جدلية
طرح المشكلة : للغة معنيان عام وخاص ، يتحدد المعنى الأخير حسب لالاند في كونها التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا أي أثناء عمليتي التفكير الداخلي والتواصل الخارجي. ولكن ماذا نستنتج من كلمة "التعبير"؟ هل يعني ذلك أن اللغة تعبر بعديا عن فكر سابق ومستقل؟ أم أن الفكر لا يوجد قبل أو خارج سيرورة التعبير اللغوي؟ بعبارة أخرى: هل تجمع الفكر واللغة علاقة أسبقية وانفصال أم علاقة تزامن واتصال؟
الأطروحة والبرهنة عليها : يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن الفكر سابق عل اللغة وأوسع منها أي العلاقة بينهما هي علاقة انفصال . وقد استشهدوا على ذلك بالتجربة أو الملاحظة الداخلية أو ما يسمى بالاستبطان والتي تؤكد وجود فكر غير منطوق به أي فكرا خالصا منفصلا عن التعبير اللغوي ، وتتخذ هذه الأسبقية شكلين: أسبقية زمنية تتمثل في أن لحظة إنتاج الأفكار سابقة في الزمن على لحظة التعبير عنها وكأننا نفكر أولا ثم ننتقل بعد ذلك إلى إلباس الكلمات لفكرنا .
قال برغسون : وهو أحد أنصار الاتجاه الثنائي-" ليست الموضوعات الخارجية وحدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل".
وقال أيضا:" وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون ، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟ ".
نفهم من هذا ، أن اللغة عاجزة عن نقل حقيقة العالم الخارجي ، لأن اللغة تعبر عن المعاني العامة . ولأن اللغة مرتبطة من جهة أخرى بالحاجة. كذلك أن اللغة عاجزة عن التعبير عن حالاتنا النفسية ، لأن الأصل الاجتماعي للغة وطابعها الأداتي يوجهها للتعبير عن عما هو عام مشترك موضوعي لا ماهو خاص وفردي وحميمي ، فرغم أن كل واحد منا يحب ويكره .. إلاّ أننا نختلف في الحب والكراهية . إذن فاللغة محدودة . وفي الاتجاه نفسه يشتكي المتصوفة عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية . فهذا الحلاج كان يقول "ليس في الجبة إلاّ الله". و هذا البسطامي يقول : "سبحاني ما أعظم شأني" و ربما هذا ما قصده فاليري في قوله : "إن أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها" .
وفي هذا الإطار عينه تندرج الثنائية الديكارتية التي تنسب للفكر طبيعة روحية وللغة طبيعة مادية لتخلص إلى استحالة ارتباطهما أو تداخلهما، رغم أن ديكارت يقر بان الكلام علامة على الفكر ودليل على الوعي والعقل المنفرد بهما الإنسان.
ونخلص من كل ما سبق إلى أنه لا يوجد تناسب بين القدرة على الفهم والتمثل والقدرة على التعبير. وهذا ما يؤكد أسبقية الفكر على اللغة وانفصاله عنها ،حسب أنصار هذا الاتجاه .
المناقشة: . ولكن هل يمكن حقا للفكر أن يوجد بمعزل عن اللغة ؟ ألا نجانب الصواب عندما ننتهي مع أنصار الاتجاه الثنائي إلى أن اللغة لا تعدو أن تكون سوى أداة بعدية ثانوية تعبر عن فكر خالص مستقل؟ ثم إنه حتى و إن سلمنا بعدم وجود تناسب بين الفكر واللغة فإننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة.إن الطفل لا يقوى على التفكير بدون لغة.
نقيض الأطروحة والبرهنة : أنصار الاتجاه الو احدي : يذهب أنصار الاتجاه الو احدي إلى أنه لا وجود لفكر دون لغة. فهما مترابطان ومتلازمان أي أن العلاقة بينهما علاقة اتصال.
-وقد استشهدوا على ذلك بأن اللغة شرط تحقق الفكر وإنتاج المعنى وانفتاح الوعي: فإذا كان الفكر ليس جوهرا ميتافيزيقيا ، بل نشاطا كليا يتمظهر في عمليات جزئية كالتذكر والمقارنة والترتيب...فإن تحققها غير ممكن بدون أداة رمزية لغوية .
-إن المعنى يؤخذ من الكلام والكلام هو الوجود الخارجي للمعنى حسب ميرلوبونتي الذي يضيف بأن وعي الذات المفكرة بأفكارها متوقف على تعبيرها عنها ولو لذاتها .
بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك فيرجع خاصية الوعي لدى الإنسان إلى قدرته على ترميز الأشياء والدلالة عليها. و إذا استعرنا تعبير ارنست كاسيرر سنقول بأن الإنسان كائن واع لأنه أولا حيوان رامز أي قادر على الإحالة على الأشياء من خلال رموزها. وقد عبر عن ذلك بنفنيست بقوله: " الإنسان يسمي إحساساته ولا يكتفي بالتعبير عنها ".
بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لا يرى في الفكر قبل لغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان ، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والاحترام دون الاستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لا يتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لا تدرك إن لم يكن ثمة دال. بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لا يرى في الفكر قبل اللغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والاحترام دون الاستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لا يتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني ، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لا تدرك إن لم يكن ثمة دال. " الألفاظ حصون المعاني". وذهب دوسوسير نفسه إلى حد تشبيه العلاقة بين اللغة والفكر بالورقة ظهرها الفكر ووجهها اللغة ولا يمكن تمزيق الوجه دون التأثير على ظهر الورقة. وقد عبر هيجل عن هذه العلاقة بقوله : "إننا نفكر داخل كلمات".
المناقشة : إن أصحاب الاتجاه الو احدي ككل يدعوننا إلى المطابقة بين اللغة والفكر ، فإلى أي حد تصح هذه المطابقة ؟ ثم كيف نطابق بينهما ولكل منا تجربة شخصية تعلمه أن الفكرة أحيانا تحضر أولا ونتأخر أو نفشل في إيجاد التعبير الملائم عنها ؟ إننا وإن سلمنا مع أنصار هذا الاتجاه بالصلة الوثيقة بين اللغة والفكر فإننا نرفض المطابقة بينهما .
التركيب : إننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة أي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة ، كما نرفض المطابقة بينهما أي لا يمكن اعتبارهما شيئا واحدا . ولذلك فالعلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تبادلية أي علاقة تأثير وتأثر ، فاللغة تؤثر في الفكر وتتأثر به ، فاللغة تزود الفكر بأطر التفكير من خلال المفاهيم والعلاقات والفكر يساعد اللغة على التجديد .
حل المشكلة : رغم أنه لا يوجد تناسب بين القدرة على الفهم والتمثل و القدرة على التعبير إلا أنه لا يمكن القول باستقلال الفكر عن اللغة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن اللغة هي أفضل أداة للتعبير عن الأشياء و عن حالاتنا النفسية
التحليل:
عرض الأطروحة الأولى : ترى هذه الأطروحة (الاتجاه الثنائي) أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة انفصال أي أنه لا يوجد توازن بين لا يملكه الإنسان من أفكار وتصورات وما يملكه من ألفاظ وكلمات فالفكر أوسع من اللغة أنصار هذه الأطروحة أبو حيان التوحيدي الذي قال : ((ليس في قوة اللغة أن تملك المعاني)) ، ويبررون موقفهم بحجة واقعية إن الإنسان في الكثير من المرات تجول بخاطره أفكار لاكته يعجز عن التعبير عنها ومن الأمثلة التوضيحية أن الأم عندما تسمع بخبر نجاح ابنها تلجأ إلى الدموع للتعبير عن حالتها الفكرية والشعورية وهذا يدل على اللغة وعدم مواكبتها للفكر ومن أنصار هذه الأطروحة الفرنسي برغسون الذي قال : (( الفكر ذاتي وفردي واللغة موضوعية واجتماعية )) ، وبهذه المقارنة أن اللغة لا يستطيع التعبير عن الفكر وهذا يثبت الانفصال بينهما .
النقد : هذه الأطروحة تصف اللغة بالعجز وبأنها تعرقل الفكر لكن اللغة ساهمت على العصور في الحفاظ على الإبداع الإنساني ونقله إلى الأجيال المختلفة .
عرض الأطروحة الثانية : ترى هذه الأطروحة (الاتجاه الو احدي) إن هناك علاقة اتصال بين اللغة والفكر مما يثبت وجود تناسب وتلازم بين ما تملكه من أفكار وما تملكه من ألفاظ وعبارات في عصرنا هذا حيث أثبتت التجارب التي قام بها هؤلاء أن هناك علاقة قوية بين النمو الفكري والنمو اللغوي وكل خلل يصيب أحداهما ينعكس سلبا على الأخر ومن أنصار هذه الأطروحة هاملتون الذي قال ((الألفاظ حصون المعاني)) وقصد بذلك إن المعاني سريعة الظهور وسريعة الزوال وهي تشبه في ذلك شرارات النار ولا يمكن الإمساك بالمعاني إلا بواسطة اللغة)) .
النقد : هذه الأطروحة ربطت بين اللغة والفكر لكن من الناحية الواقعية يشعر أكثر الناس بعدم المساواة بين قدرتهم على التفكير وقدرتهم على التعبير .
التركيب : تعتبر مشكلة اللغة والفكر أحد المشكلات الفلسفية الكلاسيكية واليوم يحاول علماء اللسانيات الفصل في هذه المشكلة بحيث أكدت هذه الدراسات أن هناك ارتباط وثيق بين اللغة والفكر والدليل عصر الانحطاط في الأدب العربي مثلا شهد تخلفا في الفكر واللغة عكس عصر النهضة والإبداع ومن المقولات الفلسفية التي تترجم وتخلص هذه العلاقة قول دولا كروا ((نحن لا نفكر بصورة حسنة أو سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة))
حل الإشكالية : وخلاصة القول أن اللغة ظاهرة إنسانية إنها الحل الذي يفصل بين الإنسان والحيوان ولا يمكن أن نتحدث عن اللغة إلا إذا تحدثنا عن الفكر وكمحاولة للخروج من الإشكالية إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر نقول أن الحجج والبراهين الاتجاه الو احدي كانت قوية ومقنعة ومنه نستنتج العلاقة بين العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تفاعل وتكامل .
المقالة السادسة : هل اللغة منفصلة عن الفكر؟ جدلية
طرح المشكلة : للغة معنيان عام وخاص ، يتحدد المعنى الأخير حسب لالاند في كونها التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا أي أثناء عمليتي التفكير الداخلي والتواصل الخارجي. ولكن ماذا نستنتج من كلمة "التعبير"؟ هل يعني ذلك أن اللغة تعبر بعديا عن فكر سابق ومستقل؟ أم أن الفكر لا يوجد قبل أو خارج سيرورة التعبير اللغوي؟ بعبارة أخرى: هل تجمع الفكر واللغة علاقة أسبقية وانفصال أم علاقة تزامن واتصال؟
الأطروحة والبرهنة عليها : يرى أنصار الاتجاه الثنائي أن الفكر سابق عل اللغة وأوسع منها أي العلاقة بينهما هي علاقة انفصال . وقد استشهدوا على ذلك بالتجربة أو الملاحظة الداخلية أو ما يسمى بالاستبطان والتي تؤكد وجود فكر غير منطوق به أي فكرا خالصا منفصلا عن التعبير اللغوي ، وتتخذ هذه الأسبقية شكلين: أسبقية زمنية تتمثل في أن لحظة إنتاج الأفكار سابقة في الزمن على لحظة التعبير عنها وكأننا نفكر أولا ثم ننتقل بعد ذلك إلى إلباس الكلمات لفكرنا .
قال برغسون : وهو أحد أنصار الاتجاه الثنائي-" ليست الموضوعات الخارجية وحدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل".
وقال أيضا:" وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون ، فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا؟ ".
نفهم من هذا ، أن اللغة عاجزة عن نقل حقيقة العالم الخارجي ، لأن اللغة تعبر عن المعاني العامة . ولأن اللغة مرتبطة من جهة أخرى بالحاجة. كذلك أن اللغة عاجزة عن التعبير عن حالاتنا النفسية ، لأن الأصل الاجتماعي للغة وطابعها الأداتي يوجهها للتعبير عن عما هو عام مشترك موضوعي لا ماهو خاص وفردي وحميمي ، فرغم أن كل واحد منا يحب ويكره .. إلاّ أننا نختلف في الحب والكراهية . إذن فاللغة محدودة . وفي الاتجاه نفسه يشتكي المتصوفة عجز اللغة عن التعبير عما يعيشونه من حقائق فيبدو لنا ما يقولونه مجرد شطحات تعارض النصوص الشرعية . فهذا الحلاج كان يقول "ليس في الجبة إلاّ الله". و هذا البسطامي يقول : "سبحاني ما أعظم شأني" و ربما هذا ما قصده فاليري في قوله : "إن أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها" .
وفي هذا الإطار عينه تندرج الثنائية الديكارتية التي تنسب للفكر طبيعة روحية وللغة طبيعة مادية لتخلص إلى استحالة ارتباطهما أو تداخلهما، رغم أن ديكارت يقر بان الكلام علامة على الفكر ودليل على الوعي والعقل المنفرد بهما الإنسان.
ونخلص من كل ما سبق إلى أنه لا يوجد تناسب بين القدرة على الفهم والتمثل والقدرة على التعبير. وهذا ما يؤكد أسبقية الفكر على اللغة وانفصاله عنها ،حسب أنصار هذا الاتجاه .
المناقشة: . ولكن هل يمكن حقا للفكر أن يوجد بمعزل عن اللغة ؟ ألا نجانب الصواب عندما ننتهي مع أنصار الاتجاه الثنائي إلى أن اللغة لا تعدو أن تكون سوى أداة بعدية ثانوية تعبر عن فكر خالص مستقل؟ ثم إنه حتى و إن سلمنا بعدم وجود تناسب بين الفكر واللغة فإننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة.إن الطفل لا يقوى على التفكير بدون لغة.
نقيض الأطروحة والبرهنة : أنصار الاتجاه الو احدي : يذهب أنصار الاتجاه الو احدي إلى أنه لا وجود لفكر دون لغة. فهما مترابطان ومتلازمان أي أن العلاقة بينهما علاقة اتصال.
-وقد استشهدوا على ذلك بأن اللغة شرط تحقق الفكر وإنتاج المعنى وانفتاح الوعي: فإذا كان الفكر ليس جوهرا ميتافيزيقيا ، بل نشاطا كليا يتمظهر في عمليات جزئية كالتذكر والمقارنة والترتيب...فإن تحققها غير ممكن بدون أداة رمزية لغوية .
-إن المعنى يؤخذ من الكلام والكلام هو الوجود الخارجي للمعنى حسب ميرلوبونتي الذي يضيف بأن وعي الذات المفكرة بأفكارها متوقف على تعبيرها عنها ولو لذاتها .
بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك فيرجع خاصية الوعي لدى الإنسان إلى قدرته على ترميز الأشياء والدلالة عليها. و إذا استعرنا تعبير ارنست كاسيرر سنقول بأن الإنسان كائن واع لأنه أولا حيوان رامز أي قادر على الإحالة على الأشياء من خلال رموزها. وقد عبر عن ذلك بنفنيست بقوله: " الإنسان يسمي إحساساته ولا يكتفي بالتعبير عنها ".
بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لا يرى في الفكر قبل لغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان ، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والاحترام دون الاستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لا يتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لا تدرك إن لم يكن ثمة دال. بأي شيء يتميز الموجود في الذهن إن لم يكن بالعلاقات والرموز؟ وهذه فكرة تلتقي مع تصور عالم اللسانيات "دوسوسير" الذي لا يرى في الفكر قبل اللغة سوى سديم أو عماء ضبابي لاشيء متميز فيه قبل ظهور اللسان، من ذلك مثلا أنه يستحيل التمييز بين فكرتين متقاربتين كالتقديس والاحترام دون الاستعانة بمقابليهما من الرموز اللسانية. كما أن حصول الدلالة اللسانية لا يتم بالمدلول وحده أي الفكرة أو التصور الذهني ، بل باقتران هذا الأخير بالدال أو الصورة السمعية، وعليه فالدلالة لا تدرك إن لم يكن ثمة دال. " الألفاظ حصون المعاني". وذهب دوسوسير نفسه إلى حد تشبيه العلاقة بين اللغة والفكر بالورقة ظهرها الفكر ووجهها اللغة ولا يمكن تمزيق الوجه دون التأثير على ظهر الورقة. وقد عبر هيجل عن هذه العلاقة بقوله : "إننا نفكر داخل كلمات".
المناقشة : إن أصحاب الاتجاه الو احدي ككل يدعوننا إلى المطابقة بين اللغة والفكر ، فإلى أي حد تصح هذه المطابقة ؟ ثم كيف نطابق بينهما ولكل منا تجربة شخصية تعلمه أن الفكرة أحيانا تحضر أولا ونتأخر أو نفشل في إيجاد التعبير الملائم عنها ؟ إننا وإن سلمنا مع أنصار هذا الاتجاه بالصلة الوثيقة بين اللغة والفكر فإننا نرفض المطابقة بينهما .
التركيب : إننا نرفض القول بوجود فكر مستقل عن اللغة أي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة ، كما نرفض المطابقة بينهما أي لا يمكن اعتبارهما شيئا واحدا . ولذلك فالعلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تبادلية أي علاقة تأثير وتأثر ، فاللغة تؤثر في الفكر وتتأثر به ، فاللغة تزود الفكر بأطر التفكير من خلال المفاهيم والعلاقات والفكر يساعد اللغة على التجديد .
حل المشكلة : رغم أنه لا يوجد تناسب بين القدرة على الفهم والتمثل و القدرة على التعبير إلا أنه لا يمكن القول باستقلال الفكر عن اللغة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن اللغة هي أفضل أداة للتعبير عن الأشياء و عن حالاتنا النفسية