المذهب المشهور في تراثنا النحوي وما عليه العربية أن أداة التعريف هي (أل)؛ ولكنهم اختلفوا في تفسيرهم لهذه الأداة، قال سيبويه "وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرّفون بهما حرفٌ واحد كـ(قد)، وأن ليست واحدةٌ منهما منفصلة من الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله: أأريد"(1)، وأما غير الخليل فأداة التعريف اللام وحدها، قال الزجاجي "وأما غيره [الخليل] من علماء البصريين والكوفيين فيذهبون إلى أن اللام للتعريف وحدها، وأن الألف زيدت قبلها ليوصل إلى النطق باللام لما سكنت"(2)، ولذا أرى قول ابن مالك "قد اشتهر عند المتأخرين أن أداة التعريف هي اللام وحدها"(3) غير دقيق، فهو نفسه ينسب القول إلى سيبويه قال "والتعريف بحرف التعريف سواء قيل: إنه اللام وحدها على ما ذهب إليه سيبويه، أو: إنه الألف واللام معًا على ما ذهب إليه الخليل"(4). واحتج ابن جنّي لكون الأداة اللام، قال "ويدل أيضًا عندي على أن حرف التعريف قياسه أن يكون على حرف واحد أنه نقيض التنوين، وذلك أن التنوين يدل على التنكير، واللام تدل على التعريف. فلما كان التنوين حرفًا واحدًا كان قياس حرف التعريف أن يكون حرفًا واحدًا؛ وهم مما يُجرون الشيء مُجرى نقيضه، كما يجرونه مجرى نظيره"(5).
ونجد قولًا ثالثًا كأنما يكمل الاحتمالات الرياضية لتفسير أداة التعريف، قال الرضي "وذكر المبرد في كتابه (الشافي) أَنَّ حَرْفَ التعريفِ: الهمزةُ المفتوحةُ وحدَها، وإنما ضُمَّ اللام إليها لِئَلّا يشتبه التعريف بالاستفهام"(6)، غير أن هذا المذهب الغريب مخالف لما قاله في (المقتضب) "فَأَما الْألف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف فمفتوحة نَحْو (اَلرجل والغلام)؛ لِأَنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَإِنَّمَا ألحقت لَام التَّعْرِيف لسكون اللَّام فخولف بحركتها لذَلِك"(7).
واختلف المحدثون أيضًا، فنرى أستاذنا داود عبده يذهب مذهب سيبويه ويدافع عنه، قال "بقي رأي سيبويه في أن اللام وحدها هي أداة التعريف، وهو أصح هذه الآراء، في ظني، على الرغم مما يمكن أن يثار حوله من اعتراضات"(/users/2814/54/98/72/smiles/698865.gif.
وأما غيره من المتأثرين بالدراسات السامية فمالوا إلى قول الخليل ناظرين إليه على أنه تحوّل من أصل ساميّ، فذهبوا إلى القول بأن أصل أداة التعريف هو (هل)، متابعين في ذلك ما رجحه علماء اللغات السامية وهو "أن الأصل في أداة التعريف السامية، هو (الهاء واللام)...غير أن هذا الأصل، لم تحتفظ به أية لغة من اللغات الساميّة؛ ولذلك اختلف العلماء في تصوره؛ إذ نجد في العبرية الهاء...وحدها مشكّلة بالفتحة القصيرة، ثم نجد ما بعدها مشدّدًا...والتشديد في نظر هؤلاء العلماء، علامة على إدغام العنصر الثاني من عناصر أداة التعريف في أول حروف الكلمة المعرَّفة"(9)، ويذكر أستاذنا رمضان عبدالتواب أن منهم من قدّر اللام ومنهم من قدّر النون(10)، وقال "والذين قالوا بأن أصل أداة التعريف الساميّة هي (الهاء واللام)، قالوا: إن الألف حلّت محل الهاء فيها، في اللغة العربية، كما أن اللام تدغم كذلك في العربية فيما بعدها، إذا كان حرفًا من الحروف الشمسية"(11).
ويذكر أنّ (برجشتراسر) يرى أداتين للتعريف في السامية وهما: (ها) كما في العبرية والآرامية، و(أل) كما في العربية(12).
ونجد أعمالًا جاءت في ساقة مذهب القائلين بأن أصل أداة التعريف (هل)(13)، وبلغ من حماسة بعضهم محاولة تتبّع "تطور (ها) إلى (همزة) في أداة التعريف العربية (أل) في ضوء ظاهرتي التعريف والإشارة في اللغات السامية" وهو منير سمير شطناوي(13). الذي نسب إلى رمضان القول بأن أصل الأداة (هل)، وهذا غير صحيح، والباحث يؤيد مذهبه بجملة أمور لا تستقيم عند المراجعة، منها تفسيره ما جاء في العربية من ألفاظ بالهمزة والهاء، مثل (أراق) و(هراق) زاعمًا أن أراق متحولة عن هراق، وهذا لا دليل عليه، ومخالف لما هو معروف من ميل اللغة إلى التخلص من الهمزة بالإبدال أو الحذف، لذا نجد ابن درستويه يقول "وإنما هرقت من باب أفعلت بالألف عند جميع النحويين، وإنما هذه الهاء التي في هرقت بدل من الألف التي تكون في أفعلت؛ لأن أصل هرقت: أرقت... فلما كانت هذه الكلمة مما يكثر استعماله في الكلام، استثقلت الهمزة في أولها، فأبدلت منها الهاء؛ لأنها ألين، كما قالوا: هِيّاكَ في إيّاكَ، ولَهِنَّكَ، في لَإنَّك"(15).
ونجد عند السيوطي نصًّا غريبًا وهو قوله "من حروف التَّعريفِ (أمْ) في لغةِ طيِّئٍ، و(هَلْ) في لغةٍ، وهيَ ألْ، أُبْدلَتْ لامُهَا ميمًا في الأُولَى، وهمزتُهَا هاءً في الثانيةِ"(16). والغرابة هنا أن السيوطي لم يعيّن أصحاب اللغة، ولم يستشهد لها، ولكنا نجد بيتًا ذكره الزمخشري قد يعده من يريد شاهدًا لهذه اللغة وهو:
"عَرَضنا فقلنا هسّلامُ عليكُمُ ... فأنكرها ضَيْقُ الـمَجَمّ غَيُورُ
أبدل من ألف لام التعريف هاء"(17).
ولكن رواية البيت عند ابن جني مختلفة تجعل الهاء للتنبيه، ورواية ابن جني نجدها في معاجم أخرى كالمحكم واللسان، قال ابن جني "وقال الشاعر:
وقفنا، فقلنا: ها السلام عليكم ... فأنكرها ضيق المجم غيور"(18)
وليس ببعيد عندي أن تكون اللغة التي ذكرها السيوطي هي هاء تنبيه أدخلت على أداة التعريف (ها+ ال> هَل).
ويمكن جدلًا القول: إن صحت اللغة التي ذكرها السيوطي والرواية التي ذكرها الزمخشري فما المانع من القول إن أداة التعريف في السامية (هل) متحولة عن أداة التعريف العربية (أل)، وهو قول نسب إلى Kautzsch(19)، وتفسير إبدال الهمزة إلى الهاء أيسر من تفسير إبدال الهاء إلى همزة. وأما مقابلة ألفاظ العربية البادئة بالهمزة بألفاظ بادئة بالهاء في العبرية أو غيرها فلا يدعو إلى القول بتحول الهمزة عن الهاء، فقد يكون العكس هو الأحرى.
ويبقى أن نقول إن أداة التعريف في العربية هي ما عليه جمهرة علمائها وهي لام ساكنة قبلها همزة وصْل.
ونجد قولًا ثالثًا كأنما يكمل الاحتمالات الرياضية لتفسير أداة التعريف، قال الرضي "وذكر المبرد في كتابه (الشافي) أَنَّ حَرْفَ التعريفِ: الهمزةُ المفتوحةُ وحدَها، وإنما ضُمَّ اللام إليها لِئَلّا يشتبه التعريف بالاستفهام"(6)، غير أن هذا المذهب الغريب مخالف لما قاله في (المقتضب) "فَأَما الْألف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف فمفتوحة نَحْو (اَلرجل والغلام)؛ لِأَنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَإِنَّمَا ألحقت لَام التَّعْرِيف لسكون اللَّام فخولف بحركتها لذَلِك"(7).
واختلف المحدثون أيضًا، فنرى أستاذنا داود عبده يذهب مذهب سيبويه ويدافع عنه، قال "بقي رأي سيبويه في أن اللام وحدها هي أداة التعريف، وهو أصح هذه الآراء، في ظني، على الرغم مما يمكن أن يثار حوله من اعتراضات"(/users/2814/54/98/72/smiles/698865.gif.
وأما غيره من المتأثرين بالدراسات السامية فمالوا إلى قول الخليل ناظرين إليه على أنه تحوّل من أصل ساميّ، فذهبوا إلى القول بأن أصل أداة التعريف هو (هل)، متابعين في ذلك ما رجحه علماء اللغات السامية وهو "أن الأصل في أداة التعريف السامية، هو (الهاء واللام)...غير أن هذا الأصل، لم تحتفظ به أية لغة من اللغات الساميّة؛ ولذلك اختلف العلماء في تصوره؛ إذ نجد في العبرية الهاء...وحدها مشكّلة بالفتحة القصيرة، ثم نجد ما بعدها مشدّدًا...والتشديد في نظر هؤلاء العلماء، علامة على إدغام العنصر الثاني من عناصر أداة التعريف في أول حروف الكلمة المعرَّفة"(9)، ويذكر أستاذنا رمضان عبدالتواب أن منهم من قدّر اللام ومنهم من قدّر النون(10)، وقال "والذين قالوا بأن أصل أداة التعريف الساميّة هي (الهاء واللام)، قالوا: إن الألف حلّت محل الهاء فيها، في اللغة العربية، كما أن اللام تدغم كذلك في العربية فيما بعدها، إذا كان حرفًا من الحروف الشمسية"(11).
ويذكر أنّ (برجشتراسر) يرى أداتين للتعريف في السامية وهما: (ها) كما في العبرية والآرامية، و(أل) كما في العربية(12).
ونجد أعمالًا جاءت في ساقة مذهب القائلين بأن أصل أداة التعريف (هل)(13)، وبلغ من حماسة بعضهم محاولة تتبّع "تطور (ها) إلى (همزة) في أداة التعريف العربية (أل) في ضوء ظاهرتي التعريف والإشارة في اللغات السامية" وهو منير سمير شطناوي(13). الذي نسب إلى رمضان القول بأن أصل الأداة (هل)، وهذا غير صحيح، والباحث يؤيد مذهبه بجملة أمور لا تستقيم عند المراجعة، منها تفسيره ما جاء في العربية من ألفاظ بالهمزة والهاء، مثل (أراق) و(هراق) زاعمًا أن أراق متحولة عن هراق، وهذا لا دليل عليه، ومخالف لما هو معروف من ميل اللغة إلى التخلص من الهمزة بالإبدال أو الحذف، لذا نجد ابن درستويه يقول "وإنما هرقت من باب أفعلت بالألف عند جميع النحويين، وإنما هذه الهاء التي في هرقت بدل من الألف التي تكون في أفعلت؛ لأن أصل هرقت: أرقت... فلما كانت هذه الكلمة مما يكثر استعماله في الكلام، استثقلت الهمزة في أولها، فأبدلت منها الهاء؛ لأنها ألين، كما قالوا: هِيّاكَ في إيّاكَ، ولَهِنَّكَ، في لَإنَّك"(15).
ونجد عند السيوطي نصًّا غريبًا وهو قوله "من حروف التَّعريفِ (أمْ) في لغةِ طيِّئٍ، و(هَلْ) في لغةٍ، وهيَ ألْ، أُبْدلَتْ لامُهَا ميمًا في الأُولَى، وهمزتُهَا هاءً في الثانيةِ"(16). والغرابة هنا أن السيوطي لم يعيّن أصحاب اللغة، ولم يستشهد لها، ولكنا نجد بيتًا ذكره الزمخشري قد يعده من يريد شاهدًا لهذه اللغة وهو:
"عَرَضنا فقلنا هسّلامُ عليكُمُ ... فأنكرها ضَيْقُ الـمَجَمّ غَيُورُ
أبدل من ألف لام التعريف هاء"(17).
ولكن رواية البيت عند ابن جني مختلفة تجعل الهاء للتنبيه، ورواية ابن جني نجدها في معاجم أخرى كالمحكم واللسان، قال ابن جني "وقال الشاعر:
وقفنا، فقلنا: ها السلام عليكم ... فأنكرها ضيق المجم غيور"(18)
وليس ببعيد عندي أن تكون اللغة التي ذكرها السيوطي هي هاء تنبيه أدخلت على أداة التعريف (ها+ ال> هَل).
ويمكن جدلًا القول: إن صحت اللغة التي ذكرها السيوطي والرواية التي ذكرها الزمخشري فما المانع من القول إن أداة التعريف في السامية (هل) متحولة عن أداة التعريف العربية (أل)، وهو قول نسب إلى Kautzsch(19)، وتفسير إبدال الهمزة إلى الهاء أيسر من تفسير إبدال الهاء إلى همزة. وأما مقابلة ألفاظ العربية البادئة بالهمزة بألفاظ بادئة بالهاء في العبرية أو غيرها فلا يدعو إلى القول بتحول الهمزة عن الهاء، فقد يكون العكس هو الأحرى.
ويبقى أن نقول إن أداة التعريف في العربية هي ما عليه جمهرة علمائها وهي لام ساكنة قبلها همزة وصْل.