Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.
تناول تونغ زاو في مقالته تطور النظرة الاستراتيجية الصينية تجاه الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، مركزًا على ما تعتبره بكين تحوّلًا في ميزان القوى العالمي. ترى الصين أن "الجمود الاستراتيجي" الحالي مع واشنطن يعكس تكافؤًا متزايدًا، وأن تراجع الالتزام الأميركي، خاصة تجاه تايوان، يمنحها فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز بناء قوتها العسكرية. رغم تفضيلها للحلول غير العسكرية في الوقت الراهن، فإن بكين تبني قوتها بهدوء وتعيد تشكيل استراتيجيتها تجاه تايوان لتكون قائمة على التغلغل الناعم وفرض واقع تدريجي. بالمقابل، تعاني إدارة ترامب من ارتباك داخلي وتصدعات مؤسساتية، مما يضعف مصداقية الردع الأميركي ويعزز قناعة بكين بأن الهيمنة الأميركية في تراجع. يرى الكاتب أن هذا التفاعل بين القوة المتصاعدة للصين والضعف المؤسسي الأميركي قد يحوّل الجمود الحالي إلى أزمة حادة، ما لم يُعالج عبر مراجعة ذاتية لدى الطرفين.
هل ستصعد الصين؟

Will China Escalate?​

في عام 2021، خلال الاجتماع الأول المثير للجدل بين كبار المسؤولين في السياسة الخارجية الصينية ونظرائهم في إدارة بايدن، صرّح كبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على "التحدث مع الصين من موقع قوة". وقد بدا أن هذا التصريح أزعج وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، لكنه أثبت لاحقًا أهميته في فهم النظرة الاستراتيجية الصينية. فمنذ ذلك الحين، عملت بكين على أساس أن تحولًا عميقًا في ميزان القوى بين البلدين قد بدأ. ويرى الاستراتيجيون الصينيون أن ما وصفوه بـ "الضعف الاستراتيجي" الذي استمر لعقود في مواجهة الولايات المتحدة بدأ ينتهي، مدفوعًا بالتقدم المستمر في القدرات الصناعية والتكنولوجية والعسكرية للصين، إضافة إلى تنامي نفوذها الدولي. وقد أفضى هذا التقدم إلى ما تعتبره بكين "جمودًا استراتيجيًا" مع الولايات المتحدة، حيث بات كلا البلدين يمتلكان قوى متكافئة تقريبًا.

إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تُزعزع تفاؤل بكين بإمكانية التعامل مع التهديدات الأميركية المستمرة، وتحقيق توازن دائم، والمنافسة على الهيمنة العالمية. بل إن تحركات ترامب في وقت مبكر من ولايته الثانية عززت قناعة بكين بأن الولايات المتحدة تسرّع من وتيرة انحدارها، مما يقرّب أكثر فأكثر من عصر التكافؤ. وقد أسهم إدراك الصين بأنها على الأرجح لا تواجه تهديدًا وجوديًا من الولايات المتحدة في استقرار السياسة الصينية، حيث تعاملت بكين مع تصعيد ترامب للتوترات التجارية في أبريل بصبر، متوقعة أن يقوم ترامب في نهاية المطاف بخفض الرسوم الجمركية الأميركية في محاولة للتوصل إلى اتفاق.

لكن، وعلى الرغم من انخفاض خطر نشوب صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين في الوقت الراهن، فقد لا يكون هذا الجمود الاستراتيجي مستدامًا. فمن المرجّح أن يرتفع خطر اندلاع أزمة عسكرية خلال السنوات الأربع المقبلة، مع تزايد اختبارات البلدين لمدى عزيمة بعضهما البعض. وبحلول نهاية ولاية ترامب الحالية، ستكون الصين قد حصلت على فرصة كافية لإعادة تقييم الوضع السياسي الداخلي الأميركي، ودرجة التزامه تجاه تايوان، واعتماد الاقتصاد العالمي على صناعة أشباه الموصلات في الجزيرة، ومسار التنمية الاقتصادية والتحديث العسكري داخل الصين. وقد يتصاعد خطر الأزمة العسكرية بين الولايات المتحدة والصين بشكل حاد إذا ما أغلقت بكين فجوة القدرات مع واشنطن بشكل أكبر، وشعرت بلامبالاة دولية إزاء وضع تايوان، وازدادت إحباطًا من الجهود غير العسكرية لضم تايوان، وتوقعت وصول قيادة أكثر دعمًا لتايوان في كل من واشنطن وتايبيه. ما يبدو اليوم كجمود استراتيجي قد يتحول بسرعة إلى وضع أكثر تقلبًا—وأشد خطورة—على البلدين.​

اهزم المساوِم​

أبدت بكين استعدادًا لانتظار الوقت المناسب بينما يُضعف ترامب من مكانة الولايات المتحدة عالميًا بشكل أحادي. فعلى الرغم من الرسوم الجمركية العدوانية التي فرضتها إدارة ترامب على الصين، فقد قلّل العديد من الاستراتيجيين الصينيين من أهمية المخاوف الدولية المتكررة بشأن أن الحرب التجارية قد تؤدي إلى صراع عسكري. فبرأيهم، فإن تصاعد التوترات التجارية ليس إلا المرحلة الأولى من أسلوب ترامب التفاوضي المعروف: الضغط الشديد أولًا، ثم التراجع وعقد صفقة. وتبدو الصين راضية عن ترك استراتيجية ترامب تمضي بطريقتها المعتادة، متوقعة أن تنهار مع تعرّض الولايات المتحدة لعواقب اقتصادية ودبلوماسية وخيمة.

وبنفس الروح، لم تُبدِ بكين رغبة كبيرة في بدء صراع عسكري في الأمد القريب، حتى في قضايا تُعدّ من صميم مصالحها الوطنية مثل تايوان. لكن هذا التريث لا يعني غياب التحضير، إذ تُموَّل هذه السياسة بضخ استثمارات كبرى في بناء قدراتها العسكرية التقليدية والنووية، والتي تراها القيادة الصينية ضرورية لإعادة تشكيل ميزان القوى مع الولايات المتحدة. وهوس ترامب بفكرة "امتلاك أوراق القوة" في النزاعات الدولية لا يزيد بكين إلا قناعة بأن القوة الصلبة هي التي تحكم. وتعتقد بكين أنها باتت في موقع يمكّنها من امتلاك اليد العليا.

وعلى الرغم من إبداء ترامب اهتمامًا بالدخول في محادثات للحد من التسلح مع الصين وروسيا، يرى المسؤولون في بكين أن حالة التخبط والانفصال بين مؤسسات اتخاذ القرار في البيت الأبيض تُعدّ عائقًا أمام التوصل إلى أي صفقة كبرى. وهم يشعرون بفتور إزاء التعاون في مجال الأمن، ويُعطون الأولوية لتطوير القدرات العسكرية الصينية. ومع التراجع السريع في سلطة الولايات المتحدة العالمية، فإن الضغط الدولي على الصين للمشاركة في محادثات الحد من التسلح آخذٌ في الانحسار. وإلى جانب ذلك، ترى بكين أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية تعاني من التدهور، بفعل نظام حكم يزداد اضطرابًا. أما استعراضات ترامب، بما في ذلك التزامه بالحفاظ على أقوى جيش في العالم واقتراحه بناء نظام دفاع صاروخي باسم "القبة الذهبية"، فلم تعد تُقلق بكين كما كانت في السابق. ومع تحويل الولايات المتحدة مواردها نحو جهود خيالية لحماية أراضيها من قدرات هجومية صينية منخفضة الكلفة نسبيًا، تُرهق الصين موارد واشنطن بكلفة زهيدة عليها.

وقد أدّى تراكم القوة العسكرية الصينية وتقييمها لجمود الولايات المتحدة إلى تشجيع بكين على التصرف بشكل أكثر حزمًا لتشكيل سلوك الدول الأصغر في المنطقة. فمع تآكل قدرة ومصداقية واشنطن، تسعى الصين علنًا لاستمالة حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، بينما ترسم خطوطًا حمراء أكثر صرامة حول مصالحها الأساسية. وتعتبر بكين أن هذه الموجات الظاهرة من الانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي المتزامنة مع استعراض عضلاتها العسكرية—كما في المناورات الرفيعة المستوى قرب أستراليا واليابان في فبراير—هي سلوكيات طبيعية للقوة العظمى التي ترى أنها أصبحت عليها.​

اللعب على مضيق تايوان​

تتصدّر تايوان قائمة المصالح الجوهرية للصين. وعلى الرغم من تصاعد التوترات السياسية والعسكرية عبر المضيق منذ تولي الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي منصبه عام 2024، أظهرت مؤتمرات العمل حول تايوان في فبراير و"الدورتان" للحزب الشيوعي الصيني في مارس استمرارًا أكثر من التغيير في استراتيجية بكين قصيرة الأجل تجاه تايوان. تقوم هذه الاستراتيجية على الصبر إلى جانب توسيع منهجي ومنظم للسيطرة على العلاقات عبر المضيق، ما يشير إلى عدم وجود تصعيد كبير في احتمال شن هجوم عسكري في المستقبل القريب.

لكن، ورغم أن الاجتماعات الأخيرة للحزب الشيوعي الصيني لم تُظهر أن تحركًا عسكريًا وشيكًا ضد الجزيرة على الأبواب، فإن خطر نشوب صراع على المدى المتوسط آخذ في الازدياد. فقد تطورت استراتيجية بكين في السنوات الأخيرة من مجرد منع استقلال تايوان إلى السعي الفعلي للوحدة، وبلغ ذلك ذروته في خطة الحزب لعام 2021 بعنوان "الاستراتيجية العامة لحل قضية تايوان في العصر الجديد". ورغم شح التفاصيل، يبدو أن التوجه الجديد يركز على تعزيز النفوذ الصيني داخل المجتمع التايواني، ودفع التايوانيين إلى رؤية الوحدة مع الصين كخيار "أقل سوءًا". وتشير السلطات التايوانية إلى أن بكين تتعاون مع منظمات مجتمع مدني وأحزاب سياسية وشخصيات مؤثرة تايوانية لإضعاف الرواية الرسمية لتايبيه، بل إنها وزعت بطاقات هوية صينية على مواطنين تايوانيين، وحصلت حتى على تعهدات بالولاء من بعض الضباط العسكريين التايوانيين.

وترى الصين أن هذه التدابير مشروعة، في حين تنظر إلى الإجراءات المضادة التي تتخذها تايوان—مثل خطة لاي المكونة من 17 نقطة لمواجهة الاختراق الصيني—كأعمال تحدٍ مؤيدة للاستقلال، الأمر الذي دفعها لتكثيف اختراقاتها الجوية والبحرية وإجراء تدريبات عسكرية أكبر وأكثر جرأة. وقد تخلّت بكين إلى حد كبير عن التواصل مع إدارة لاي، ولا تأمل كثيرًا بأن يفوز زعيم مؤيد للصين في الانتخابات الرئاسية التايوانية لعام 2028، مما يزيد من احتمالية التصعيد مع تايبيه. وفي نهاية المطاف، حتى التدابير "السلمية" للوحدة التي تراها بكين غير عسكرية قد تؤدي إلى تصعيد عسكري شامل، بما قد يستدعي تدخل الولايات المتحدة.

ويزيد غياب أولويات واضحة في السياسة الخارجية لترامب من هذا الخطر. فإحجامه عن الانخراط في صراعات مع قوى كبرى، وعدم اهتمامه بالدفاع عن الديمقراطيات الأخرى، والتزامه المتذبذب تجاه تايوان، كل ذلك يثير قلق المسؤولين الصينيين. ويعتقد كثيرون في بكين أنه إذا كان هناك رئيس أميركي قد يتغاضى بصمت عن استيلاء الصين القسري على تايوان، فهو ترامب. وتُعتبر التدريبات العسكرية الصينية في مضيق تايوان في أوائل أبريل بمثابة اختبار لعزيمة ترامب. لكن ردود الفعل الأميركية اللفظية لم تثر إعجاب بكين، حيث أشار المحللون الصينيون إلى أن الرد الأميركي كان "باهتًا" نسبيًا.

أما القوى الكابحة الأخرى، فهي أيضًا تتآكل بسرعة. فمع استخدام الولايات المتحدة للإكراه الصريح ضد الحلفاء والخصوم على حد سواء، تواجه الدول الأصغر في المنطقة وما وراءها معضلات جديدة. وأمام هذا الوضع، تقلّ الحوافز لديها لمعاداة الصين، خصوصًا في ظل تقديم بكين لنفسها كقوة عالمية أكثر اتساقًا واستقرارًا، وأقل اضطرابًا مقارنةً بالولايات المتحدة، ناهيك عن تفوقها الاقتصادي والعسكري المتزايد. ومع تفكك التكتل الغربي بقيادة الولايات المتحدة، قد تضعف الإرادة والقدرة الدولية على الضغط على الصين لكبح نفسها في تايوان، في عالم أكثر تعددية في الأقطاب.​

أسر الجمهور؟​

من جهتها، تعمل إدارة ترامب على تعزيز الردع العسكري الأميركي ضد الصين في ظل تصاعد المخاوف من السلوك العدواني لبكين في آسيا. لكن الانقسامات الداخلية أعاقت هذا الجهد. فقد أدّت التغييرات الفوضوية والمربكة داخل البنتاغون وفي البيروقراطية الأوسع، والتي يقودها موالون للرئيس يسعون لتنفيذ أجندته، إلى تشكيك بكين في قدرة الولايات المتحدة على تعزيز قدراتها العسكرية. كما أن كبار مسؤولي وزارة الدفاع ليسوا متفقين تمامًا بشأن أهمية تايوان في الاستراتيجية الأميركية؛ فمثلًا، صرّح إلبرج كولبي، رئيس السياسات في البنتاغون، أن "الأميركيين يمكنهم البقاء من دونها"، ويُركّز بدلًا من ذلك على منع الهيمنة الإقليمية الأوسع للصين. أما التزام ترامب المتذبذب تجاه تايوان، فيُهدّد بجعل أي استعدادات عسكرية فاقدة للمعنى والجدوى. وقد أطلق ترامب مؤخرًا تحذيرًا حين أقال عددًا من كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي لعدم التزامهم الكافي بسياسة "أميركا أولًا"، وهو ما كان بمثابة إشارة تحذير لزملائهم المقرّبين منه في الإدارة.

في الوقت نفسه، أدّت التوترات المتصاعدة نتيجة الحرب التجارية إلى تعزيز التماسك الوطني داخل الصين. حتى أكثر الاستراتيجيين الصينيين ميولًا لليبرالية—الذين كانوا في السابق أقل انتقادًا للسياسات الأميركية—باتوا اليوم يصفون واشنطن بالمعتدي، ويدعون إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية الأميركية. وبالنسبة للكثيرين، يبدو توقع الرئيس شي جين بينغ بـ"تغيرات عظيمة لم يشهدها العالم منذ قرن" نبوءة دقيقة. غير أن هذا الإجماع الداخلي المتنامي يُقلل من احتمال أن تُجري بكين مراجعة ذاتية نقدية ضرورية لتقييم استراتيجياتها بموضوعية، ويجعل من المرجح أن تُكثف بناءها العسكري ومساعيها للوحدة.

وبالمثل، فإن مطالبة ترامب بالولاء واستخدامه الواسع للسلطة التنفيذية لفرض الانضباط والتطابق داخل الحكومة قد قوّضا قدرة إدارته على التقييم الذاتي. وبدون وجود أصوات معارضة داخل الإدارة، لا يمكن للولايات المتحدة أن تخطط وتطوّر ردعًا عسكريًا فعالًا أو أن تُدير أزمات عسكرية مستقبلية بشكل مسؤول.

في النهاية، فإن هذه الديناميكيات الداخلية—أكثر من الخلافات الطويلة الأمد بشأن التجارة والسياسة الخارجية—هي التي تُشكّل التهديد الأكبر لتحوّل الجمود الاستراتيجي إلى أزمة حادة. ولتجنب خطر وقوع صراع كارثي، ينبغي على الاستراتيجيين في بكين وواشنطن التأمل في ذواتهم وفحص قياداتهم الداخلية قبل أن يصبح هذا الجمود الهش غير قابل للاستمرار.​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى