Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.

هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية

Basil Abdallah

عضو جديد
عضو انكور
:

طرح المشكلة :كل مجتمع من المجتمعات يسعى إلى تحقيق العدل بين أفراده ، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه ، ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي المساواة ، وبين الفروق الفردية التي تقتضي مراعاتها ، إذ إن تأسيس العدالة على المساواة يوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين الأفراد ، وتأسيسها على التفاوت فيه تكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعلنا نطرح المشكلة التالية : ما هو المبدأ الأمثل الذي يحقق عدالة موضوعية : هل هو مبدأ المساواة أم مبدأ التفاوت ؟

محاولة حل المشكلة :

عرض الأطروحة : يرى البعض أن العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار ان العدالة الحقيقية تعني المساواة بين الجميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون ، وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا أنصار المذهب الاشتراكي .

الحجة :- ويؤكد ذلك ، ان الأفراد – حسب فلاسفة القانون الطبيعي - الذين كانوا يعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة فيما بينهم ، ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ، لذلك فالأفراد سواسية ، فـ« ليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان » ، وعليه فالعدالة تقتضي المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ، ومادام الناس متساوون في كل شيء فما على العدالة إلا ان تحترم هذه المساواة .

- أما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون ان انتقال الإنسان من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما ان الأفراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا التعاقد ما لم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيام العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات .

- في حين ان الاشتراكيين يرون ان لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين الأفراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الإقرار بمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ، لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والاستغلال وهي بذلك تقضي على روح المساواة التي هي أساس العدالة .

النقد : إن أنصار المساواة مثاليون في دعواهم إلى إقامة مساواة مطلقة ، ويناقضون الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي أمر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولا متجانسين في كل شيء ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواة ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .

عرض نقيض الأطروحة : وبخلاف ما سبق ، يرى البعض الأخر ان العدالة لا تعني بالضرورة المساواة ، بل ان في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين الناس ، ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ ليس من العدل ان نساوي بين أناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب إلى هذه الوجهة من النظر فلاسفة قدامى ومحدثين وأيضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .

الحجة :- فأفلاطون قديما قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الإنسانية : النفس العاقلة والغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع إلى الاختلاف بين الأفراد في القدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة ان تحترم هذا التمايز الطبقي ، ومن واجب الدولة ان تراعي هذه الفوارق أيضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .

- أما أرسطو فاعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث ان الناس متفاوتين بطبيعتهم ومختلفين في قدراتهم وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا كله يستلزم التفاوت في الاستحقاق ؛ فلا يجب ان يحصل أناس متساوون على حصص غير متساوية ، أو يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية .

- وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ التفاوت بين الأمم ، وان الأمة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق وتسيطر على العالم ، على أساس أنها أفضل الأمم ، وعلى الأمم الأخرى واجب ، هو الخضوع للأمة القوية.

- وفي نفس الاتجاه ، يذهب ( نيتشه 1844 – 1900 ) ان التفاوت بين الأفراد قائم ولا يمكن إنكاره ، فيقسم المجتمع إلى طبقتين : طبقة الأسياد وطبقة العبيد ، وان للسادة أخلاقهم وحقوقهم ، وللعبيد أخلاقهم وواجباتهم .

- أما أنصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على أساس التفاوت ، فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين .

- ويؤكد بعض العلماء ان كل حق يقابله واجب ، غير ان قدرة الأفراد في رد الواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ، هناك اختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنه اختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم في الحقوق ، بل يجب ان نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الارتقاء اجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ( ألكسيس كاريل 1873 – 1944 ) : « بدلا من ان نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العضوية والعقلية ، يجب توسيع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجالا عظماء » . ومن الناحية النفسية ، نجد تمايز بين الأفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدرات العقلية الأخرى ، ومن العبث ان نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون طبيعيا .

وأخيرا ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .

النقد : ان التفاوت الطبيعي بين الأفراد أمر مؤكد ولا جدال فيه ، غير انه لا ينبغي ان يكون مبررا لتفاوت طبقي أو اجتماعي أو عرقي عنصري . كما قد يكون الاختلاف في الاستحقاق مبنيا على فوارق اصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لا تحترم فيه الفروق الفردية .

التركيب :ان المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ، وعلى المجتمع ان يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا يكون ذلك إلا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها إقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بين الكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .

حل المشكلة : وهكذا يتضح ان العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديمها وحديثها إلى تجسيدها ، ويبقى التناقض قائما حول الأساس الذي تبنى عليه العدالة ، غير ان المساواة – رغم صعوبة تحقيقها واقعا – تبقى هي السبيل إلى تحقيق هذه العدالة كقيمة أخلاقية عليا .

المقالة الخامسة عشر : هل يمكن إبعاد القيم الأخلاقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .

I- طرح المشكلة : إن الدولة وجدت لأجل غايات ذات طابع أخلاقي ، مما يفرض أن تكون الممارسة السياسية أيضا أخلاقية ، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك تماماً ، سواء تعلق الأمر بالممارسة السياسية على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العلاقات بين الدول ، حيث يسود منطق القوة والخداع وهضم الحقوق .. وكأن العمل السياسي لا ينجح إلا إذا أُبعدت القيم الأخلاقية ؛ فهل فعلا يمكن إبعاد الاعتبارات الأخلاقية من العمل السياسي ؟
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى