بعض الناس ينظرون إلى ساعة اليد، وآخرون يستخدمون تطبيقًا على الهاتف الذكي أو يراقبون موقع الشمس. لكن رغم أن هذه الوسائل تخبرك بالوقت الحالي، إلا أنها لا تكشف عن الوقت الداخلي لديك – أي حالة الساعات الموجودة في خلاياك وأنسجتك. وهذا ما يفسر لماذا أقف الآن أمام المرآة، وأنتف شعرات من رأسي لأغمس جذورها المنتفخة في أنبوب صغير يحتوي على محلول عازل. فبمجرد أن يتم تحليل هذه الشعرات في مختبر بألمانيا، من المفترض أن أكتشف ما هو الوقت داخل جسدي.
لطالما افتقدنا عنصرًا حيويًا في الصحة والطب على مدى قرون، ألا وهو: الساعة البيولوجية. فعلى مدى العقود الماضية، اكتشف الباحثون أن حالتنا المزاجية، واستقلابنا، وأداءنا الرياضي، وقدراتنا الإدراكية، كلها تتغير خلال دورة الـ 24 ساعة. كما أن اضطراب الساعة البيولوجية يرتبط بقائمة متزايدة من الحالات الصحية، مثل السكري من النوع الثاني والسرطان. وقد أصبح من الواضح أيضًا أن توقيت تناول الأدوية أو إجراء التدخلات الطبية يمكن أن يغير بشكل عميق من فعاليتها وآثارها الجانبية، إذ يتأثر أكثر من نصف الأدوية بإيقاعنا الداخلي المعروف بـ "الإيقاع اليوماوي" أو "الساعة البيولوجية".
لكن، ولغياب وسيلة سريعة ودقيقة لقراءة هذه الساعات البيولوجية، تبقى قدرتنا على الاستفادة من هذه المعارف محدودة، وربما حتى مضرة لنا. غير أن مجموعة من الاختبارات قيد التطوير حاليًا قد تغير ذلك، إذ تعدنا بفهم ساعتنا البيولوجية من خلال عينة من اللعاب أو الدم، أو حتى من خلايا الشعر كتلك التي أرسلتها إلى ألمانيا. وقد طُرح أحد هذه الاختبارات بالفعل في الأسواق. ومجتمعة، قد تؤدي هذه التطورات إلى ثورة في عالم الطب.
فهم الإيقاع اليوماوي
الإيقاعات اليوماوية هي تقلبات طبيعية في نشاط أنسجتنا، تُحركها ساعة داخلية – أو بالأحرى تريليونات من الساعات التي تدق في كل خلية من خلايا أجسامنا. تقول روزماري براون من جامعة نورثويسترن في شيكاغو: "إذا نظرت إلى تعبير الجينات في أنسجة مختلفة، ستجد أنها تقوم بأشياء مختلفة في أوقات مختلفة من اليوم، وما تقوم به هذه الجينات يعتمد على توقيت الساعة في ذلك النسيج".
تُدار هذه الساعات من خلال مجموعة من جينات الساعة التي تُنتج تقلبات يومية في عدد قليل من بروتينات الساعة، وهذه بدورها تؤثر على نشاط العديد من الجينات الأخرى. ففي عام 2014، اكتشف باحثون بقيادة جون هوغنيش من جامعة بنسلفانيا أن 43% من جينات الفئران تُعبّر بشكل إيقاعي. وكشف البحث كذلك أن 56 من أصل 100 دواء من أكثر الأدوية مبيعًا في الولايات المتحدة – ونسبة مماثلة من قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية – تستهدف بروتينات تتقلب إيقاعاتها خلال 24 ساعة.
تدعم هذه النتائج مفهوم "العلاج الزمني" أو Chronotherapy – أي إعطاء الأدوية في الأوقات التي تكون فيها أكثر فاعلية وأقل احتمالًا للتسبب في آثار جانبية. وهناك أيضًا دلائل سريرية تدعم هذا التوجه، ولا سيما في مجال علاج السرطان.
أصبح فرانسيس ليفي من جامعة باريس-ساكلاي في فرنسا مهتمًا بفكرة الإيقاعات البيولوجية من خلال الطب الصيني التقليدي، الذي يصف أن حيوية الأعضاء تختلف في أوقات مختلفة من اليوم. بدأ ليفي بدراسة ذلك في سياق السرطان، مدركًا أن الخلايا السليمة عادة ما تنقسم فقط في أوقات معينة من اليوم، بينما تنقسم الخلايا السرطانية باستمرار. ونظرًا لأن العديد من أدوية العلاج الكيميائي تستهدف الخلايا سريعة الانقسام، فقد استنتج أن إعطاء هذه الأدوية عندما تكون الخلايا السليمة "نائمة" قد يتيح إعطاء جرعات أكبر مع آثار جانبية أقل.
وقد أكدت التجارب الأولية على الفئران هذا التصور، وتبعتها تجربة سريرية صغيرة على نساء مصابات بسرطان المبيض المتقدم. نُشرت نتائجها عام 1990، وأشارت إلى أن الآثار الجانبية مثل الغثيان والتعب يمكن أن تنخفض بشكل كبير إذا تلقّت النساء أدوية العلاج الكيميائي في الساعة السادسة صباحًا بدلًا من السادسة مساءً.
منذ ذلك الحين، أجرى ليفي وآخرون تجارب أخرى على العلاج الزمني باستخدام أدوية مختلفة وفي أنواع مختلفة من السرطان. ووفقًا لمراجعة نُشرت عام 2022 لـ 18 تجربة من هذا النوع، أظهرت معظمها دلائل على انخفاض السمّية، مع الحفاظ على فعالية الأدوية. وتُظهر نتائج مماثلة في مجالات طبية أخرى الآن. فعلى سبيل المثال، قد يكون القلب أكثر قدرة على تحمل العمليات الجراحية في فترة ما بعد الظهر مقارنةً بالصباح، كما أن لقاح الإنفلونزا الموسمية يُنتج أربعة أضعاف كمية الأجسام المضادة إذا تم إعطاؤه بين الساعة التاسعة والحادية عشرة صباحًا مقارنة بست ساعات بعد ذلك.
يقول روبرت دالمان، مدير مختبر الساعات الجزيئية الفيزيولوجية المرضية في جامعة وُرويك بالمملكة المتحدة: "ليس فقط تأثير الأدوية على أهدافها يتأثر بالساعة البيولوجية، بل هناك أيضًا أدلة على أن كيفية دخول الأدوية إلى الجسم وكيفية طرحها منه تختلف حسب وقت اليوم".
ومع ذلك، "كانت هناك بعض الدراسات التي لم تُظهر الفوائد المتوقعة"، كما يقول ليفي. وتفسير ممكن لذلك هو أن الساعة البيولوجية لكل مشارك قد تكون مضبوطة بشكل مختلف قليلًا. "حتى الآن، اعتمد العلاج الزمني على إيقاع يوماوي متوسط لمجموعة من الأشخاص"، كما يوضح. "لكن توقيت هذه الإيقاعات يمكن أن يختلف بين المرضى بما يصل إلى 12 ساعة". ربما إذًا، لا يكفي إعطاء الدواء المناسب في الوقت المناسب فحسب، بل في الوقت المناسب لكل مريض، كما تقول أنجيلا ريلوجيو من كلية الطب MSH في هامبورغ بألمانيا. "المشكلة هي أنك بحاجة إلى وسيلة لقياس الوقت [الداخلي]".
تُدار هذه الساعات من خلال مجموعة من جينات الساعة التي تُنتج تقلبات يومية في عدد قليل من بروتينات الساعة، وهذه بدورها تؤثر على نشاط العديد من الجينات الأخرى. ففي عام 2014، اكتشف باحثون بقيادة جون هوغنيش من جامعة بنسلفانيا أن 43% من جينات الفئران تُعبّر بشكل إيقاعي. وكشف البحث كذلك أن 56 من أصل 100 دواء من أكثر الأدوية مبيعًا في الولايات المتحدة – ونسبة مماثلة من قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية – تستهدف بروتينات تتقلب إيقاعاتها خلال 24 ساعة.
تدعم هذه النتائج مفهوم "العلاج الزمني" أو Chronotherapy – أي إعطاء الأدوية في الأوقات التي تكون فيها أكثر فاعلية وأقل احتمالًا للتسبب في آثار جانبية. وهناك أيضًا دلائل سريرية تدعم هذا التوجه، ولا سيما في مجال علاج السرطان.
أصبح فرانسيس ليفي من جامعة باريس-ساكلاي في فرنسا مهتمًا بفكرة الإيقاعات البيولوجية من خلال الطب الصيني التقليدي، الذي يصف أن حيوية الأعضاء تختلف في أوقات مختلفة من اليوم. بدأ ليفي بدراسة ذلك في سياق السرطان، مدركًا أن الخلايا السليمة عادة ما تنقسم فقط في أوقات معينة من اليوم، بينما تنقسم الخلايا السرطانية باستمرار. ونظرًا لأن العديد من أدوية العلاج الكيميائي تستهدف الخلايا سريعة الانقسام، فقد استنتج أن إعطاء هذه الأدوية عندما تكون الخلايا السليمة "نائمة" قد يتيح إعطاء جرعات أكبر مع آثار جانبية أقل.
وقد أكدت التجارب الأولية على الفئران هذا التصور، وتبعتها تجربة سريرية صغيرة على نساء مصابات بسرطان المبيض المتقدم. نُشرت نتائجها عام 1990، وأشارت إلى أن الآثار الجانبية مثل الغثيان والتعب يمكن أن تنخفض بشكل كبير إذا تلقّت النساء أدوية العلاج الكيميائي في الساعة السادسة صباحًا بدلًا من السادسة مساءً.
منذ ذلك الحين، أجرى ليفي وآخرون تجارب أخرى على العلاج الزمني باستخدام أدوية مختلفة وفي أنواع مختلفة من السرطان. ووفقًا لمراجعة نُشرت عام 2022 لـ 18 تجربة من هذا النوع، أظهرت معظمها دلائل على انخفاض السمّية، مع الحفاظ على فعالية الأدوية. وتُظهر نتائج مماثلة في مجالات طبية أخرى الآن. فعلى سبيل المثال، قد يكون القلب أكثر قدرة على تحمل العمليات الجراحية في فترة ما بعد الظهر مقارنةً بالصباح، كما أن لقاح الإنفلونزا الموسمية يُنتج أربعة أضعاف كمية الأجسام المضادة إذا تم إعطاؤه بين الساعة التاسعة والحادية عشرة صباحًا مقارنة بست ساعات بعد ذلك.
يقول روبرت دالمان، مدير مختبر الساعات الجزيئية الفيزيولوجية المرضية في جامعة وُرويك بالمملكة المتحدة: "ليس فقط تأثير الأدوية على أهدافها يتأثر بالساعة البيولوجية، بل هناك أيضًا أدلة على أن كيفية دخول الأدوية إلى الجسم وكيفية طرحها منه تختلف حسب وقت اليوم".
ومع ذلك، "كانت هناك بعض الدراسات التي لم تُظهر الفوائد المتوقعة"، كما يقول ليفي. وتفسير ممكن لذلك هو أن الساعة البيولوجية لكل مشارك قد تكون مضبوطة بشكل مختلف قليلًا. "حتى الآن، اعتمد العلاج الزمني على إيقاع يوماوي متوسط لمجموعة من الأشخاص"، كما يوضح. "لكن توقيت هذه الإيقاعات يمكن أن يختلف بين المرضى بما يصل إلى 12 ساعة". ربما إذًا، لا يكفي إعطاء الدواء المناسب في الوقت المناسب فحسب، بل في الوقت المناسب لكل مريض، كما تقول أنجيلا ريلوجيو من كلية الطب MSH في هامبورغ بألمانيا. "المشكلة هي أنك بحاجة إلى وسيلة لقياس الوقت [الداخلي]".
قياس الوقت الداخلي لجسمك
حتى وقت قريب، كانت الطريقة المُعتمدة لتحديد الوقت الداخلي للجسم تعتمد على تسجيل موعد بدء إفراز هرمون يسمى الميلاتونين من الغدة النخامية، وهو ما يحدث عادة قبل ساعتين إلى ثلاث ساعات من لحظة النوم الطبيعي. وتُعدّ هذه العملية الليلية مؤشرًا تتحكم فيه "الساعة المركزية" في الدماغ، وتحديدًا في نواة تسمى النواة فوق التصالبة (SCN)، والتي تعمل على الحفاظ على تزامن المليارات من الساعات البيولوجية في أنسجتنا المختلفة مع بعضها البعض ومع الوقت الخارجي خلال اليوم (انظر الإطار التوضيحي). يُعتقد أن إطلاق الميلاتونين يمثل إحدى الإشارات التي تساعد الجسم على الانتقال إلى "وضع الليل"، لذا فإن قياس بداية إفرازه يُشبه مجازًا الاستماع إلى ساعة تدقّ معلنة منتصف الليل.
ورغم أهمية هذا "القياس تحت ضوء خافت لبداية إفراز الميلاتونين"، إلا أن تنفيذه متعب للغاية؛ إذ يتطلب أخذ عينات من الدم أو اللعاب كل 30 دقيقة بدءًا من فترة بعد الظهر، وبما أن الضوء الساطع يثبط إفراز الميلاتونين، فإن الشخص يحتاج إلى البقاء في غرفة مظلمة طوال هذه الفترة. ثم تُرسل العينات إلى مختبر متخصص للمعالجة، ما يعني أن النتيجة قد تستغرق أيامًا أو حتى أسابيع لتُظهر التوقيت الداخلي للجسم.
وقد أعاق هذا التعقيد تقدم الطب القائم على الإيقاع اليوماوي (الساعة البيولوجية). ومع ذلك، يعمل الباحثون على تطوير بدائل. وبما أن بروتينات جينات الساعة – والعديد من الجينات التي تُنظَّم عبرها – تتذبذب في أوقات مختلفة من اليوم، يبحث العلماء عن بروتينات أو "مؤشرات حيوية" أخرى في سوائل وأنسجة الجسم يمكنها أن تكشف بشكل موثوق عن الوقت الداخلي للفرد.
فعلى سبيل المثال، تتولى أنجيلا ريلوجيو رئاسة شركة TimeTeller، التي طورت اختبارًا يعتمد على اللعاب. بينما يعمل فريق هوغنيش على دراسة مؤشرات حيوية يوماوية في الجلد. وهناك فرق بحثية أخرى – من بينها فريق بقيادة براون، وآخر بقيادة ديرك-يان ديك من جامعة سري في المملكة المتحدة، وفريق ثالث بقيادة كريستوفر ديبنر من جامعة يوتا في سولت ليك سيتي – تطور اختبارات تعتمد على مؤشرات حيوية في الدم.
لكن في الوقت الحالي، فإن التحليل الوحيد المتاح للمستهلكين مثلي هو اختبار الشعر الذي تُقدمه شركة ألمانية تُدعى BodyClock. مقابل 199 يورو، يفحص هذا الاختبار كمية الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA) – القالب الجيني لإنتاج البروتينات – الذي يتم التعبير عنه بواسطة جينات الساعة في بصيلات الشعر عند اقتلاعها. ومن خلال مقارنة هذه البيانات بمواعيد ذروة وانخفاض البروتينات لدى البشر عمومًا، يحسب خوارزم BodyClock مدى تقدم أو تأخر الساعة البيولوجية للفرد بالنسبة للمعدل العام.
وقد أظهرت نتائج اختباري أنني من النوع المتوسط، أو ما يُعرف بـ"الحمامة"، وأن جسدي يبدأ في زيادة إفراز الميلاتونين حوالي الساعة 9:30 مساءً. وبعد نحو ساعتين، يصل تركيز الميلاتونين إلى مستوى يُدخل جسدي في "وضع النوم"، ما يعني أنني يجب أن أشعر بالنعاس الطبيعي قرابة منتصف الليل. ويوصي الاختبار بأن أبدأ النوم في هذا الوقت، وأستيقظ حوالي الساعة الثامنة صباحًا.
كما تشير الشركة إلى أن وقتي المثالي لتناول الطعام يقع بين 8:30 صباحًا و8:30 مساءً – أو حتى 6:30 مساءً إذا كنت أحاول إنقاص الوزن، نظرًا إلى أن جسمي يكون أكثر كفاءة في تحويل الطعام إلى طاقة خلال ساعات النهار المبكرة، وأقل ميلًا لتخزينه كدهون (انظر الإطار الثاني). أما الوقت الأمثل لممارسة التمارين لتعزيز القوة أو التحمل فيقع بين 5:30 و7:30 مساءً، لأن درجة حرارة الجسم وتدفق الدم وضغطه ترتفع تدريجيًا خلال اليوم، مما يُحسّن من أداء العضلات في المساء.
ورغم أهمية هذا "القياس تحت ضوء خافت لبداية إفراز الميلاتونين"، إلا أن تنفيذه متعب للغاية؛ إذ يتطلب أخذ عينات من الدم أو اللعاب كل 30 دقيقة بدءًا من فترة بعد الظهر، وبما أن الضوء الساطع يثبط إفراز الميلاتونين، فإن الشخص يحتاج إلى البقاء في غرفة مظلمة طوال هذه الفترة. ثم تُرسل العينات إلى مختبر متخصص للمعالجة، ما يعني أن النتيجة قد تستغرق أيامًا أو حتى أسابيع لتُظهر التوقيت الداخلي للجسم.
وقد أعاق هذا التعقيد تقدم الطب القائم على الإيقاع اليوماوي (الساعة البيولوجية). ومع ذلك، يعمل الباحثون على تطوير بدائل. وبما أن بروتينات جينات الساعة – والعديد من الجينات التي تُنظَّم عبرها – تتذبذب في أوقات مختلفة من اليوم، يبحث العلماء عن بروتينات أو "مؤشرات حيوية" أخرى في سوائل وأنسجة الجسم يمكنها أن تكشف بشكل موثوق عن الوقت الداخلي للفرد.
فعلى سبيل المثال، تتولى أنجيلا ريلوجيو رئاسة شركة TimeTeller، التي طورت اختبارًا يعتمد على اللعاب. بينما يعمل فريق هوغنيش على دراسة مؤشرات حيوية يوماوية في الجلد. وهناك فرق بحثية أخرى – من بينها فريق بقيادة براون، وآخر بقيادة ديرك-يان ديك من جامعة سري في المملكة المتحدة، وفريق ثالث بقيادة كريستوفر ديبنر من جامعة يوتا في سولت ليك سيتي – تطور اختبارات تعتمد على مؤشرات حيوية في الدم.
لكن في الوقت الحالي، فإن التحليل الوحيد المتاح للمستهلكين مثلي هو اختبار الشعر الذي تُقدمه شركة ألمانية تُدعى BodyClock. مقابل 199 يورو، يفحص هذا الاختبار كمية الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA) – القالب الجيني لإنتاج البروتينات – الذي يتم التعبير عنه بواسطة جينات الساعة في بصيلات الشعر عند اقتلاعها. ومن خلال مقارنة هذه البيانات بمواعيد ذروة وانخفاض البروتينات لدى البشر عمومًا، يحسب خوارزم BodyClock مدى تقدم أو تأخر الساعة البيولوجية للفرد بالنسبة للمعدل العام.
وقد أظهرت نتائج اختباري أنني من النوع المتوسط، أو ما يُعرف بـ"الحمامة"، وأن جسدي يبدأ في زيادة إفراز الميلاتونين حوالي الساعة 9:30 مساءً. وبعد نحو ساعتين، يصل تركيز الميلاتونين إلى مستوى يُدخل جسدي في "وضع النوم"، ما يعني أنني يجب أن أشعر بالنعاس الطبيعي قرابة منتصف الليل. ويوصي الاختبار بأن أبدأ النوم في هذا الوقت، وأستيقظ حوالي الساعة الثامنة صباحًا.
كما تشير الشركة إلى أن وقتي المثالي لتناول الطعام يقع بين 8:30 صباحًا و8:30 مساءً – أو حتى 6:30 مساءً إذا كنت أحاول إنقاص الوزن، نظرًا إلى أن جسمي يكون أكثر كفاءة في تحويل الطعام إلى طاقة خلال ساعات النهار المبكرة، وأقل ميلًا لتخزينه كدهون (انظر الإطار الثاني). أما الوقت الأمثل لممارسة التمارين لتعزيز القوة أو التحمل فيقع بين 5:30 و7:30 مساءً، لأن درجة حرارة الجسم وتدفق الدم وضغطه ترتفع تدريجيًا خلال اليوم، مما يُحسّن من أداء العضلات في المساء.
قراءة مؤشرات الساعة البيولوجية
يقول بيرت ماير، عالم بيولوجيا زمنية في مستشفى شاريتيه ببرلين وعضو المجلس الاستشاري العلمي للشركة، إن معظم من يشترون الاختبار يعانون من مشاكل في النوم. "بعض أنواع الأرق ترتبط باضطرابات في الساعة البيولوجية، وفي هذه الحالة يمكننا مساعدة العملاء على إعادة ضبط ساعتهم أو إرشادهم إلى ما يمكنهم فعله لتحسينها أو تقويتها".
كما يمكن أن تكون اختبارات المؤشرات الحيوية مفيدة في التجارب السريرية. في وقت لاحق من هذا العام، يأمل فرانسيس ليفي في بدء تجربة للعلاج الزمني، تشمل 242 شخصًا مصابًا بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة، حيث يتلقون علاجًا مناعيًّا وكيميائيًّا. وبينما سيتلقى معظم المشاركين العلاج إما صباحًا أو مساءً بشكل عشوائي، سيخضع عدد منهم لتحليل إيقاعهم البيولوجي باستخدام اختبار TimeTeller من اللعاب لمعرفة ما إذا كان تخصيص توقيت تناول الدواء يعزز فعاليته. وقد أظهرت تجربة سابقة أن إعطاء العلاج قبل الساعة 11:30 صباحًا ضاعف تقريبًا معدل النجاة من السرطان. يقول ليفي: "إذا استطعنا مضاعفة نجاة المرضى من خلال تقديم العلاج في الصباح مقارنة بالمساء، فأعتقد أنه يمكننا على الأقل مضاعفة ذلك مرة أخرى عبر تخصيص توقيت تناول العلاج لكل مريض".
وثمة مجال ثالث يمكن لاختبارات المؤشرات الحيوية أن تسهم فيه. فقد تراكمت خلال العقد الماضي أدلة على الضرر الذي تُسببه اضطرابات الإيقاع اليوماوي على الصحة العامة، وذلك من خلال ارتباطها بأمراض نفسية وعصبية، وسرطان، وسكري من النوع الثاني، وسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وتحدث هذه الاضطرابات عندما تختل مزامنة الساعات الداخلية للجسم، بسبب العمل بنظام المناوبات، أو التعرض للضوء في أوقات غير مناسبة، أو ما يُعرف بالـ"اضطراب الزمني الاجتماعي" الناتج عن مواعيد نوم واستيقاظ غير منتظمة.
يقول ديبنر: "الاختلال الزمني الداخلي مرتبط بقوة بالعديد من مشكلات الصحة في المجتمعات الحديثة". "وإذا تمكنا من قياس المؤشرات الحيوية بفعالية، سيوسّع ذلك من نطاق الأشخاص الذين يمكننا الوصول إليهم من خلال أبحاثنا. والأكثر إثارة هو أننا سنتمكن من استخدامها على العاملين بنظام المناوبات لفهم كيف تتحرك ساعاتهم وفقًا لجدول عملهم. وهذا قد يساعدنا في تطوير تدخلات لتقليل المخاطر الصحية". على سبيل المثال، يبحث الباحثون فيما إذا كان تحديد توقيت تناول الطعام، أو نوعية الضوء الذي يتعرض له الأشخاص أثناء العمل الليلي، يمكن أن يخفف من بعض الآثار الصحية الضارة للعمل الليلي.
ومع ذلك، فإن الاختبارات المتاحة حاليًا، أو قيد التطوير، ما زالت محدودة من حيث المعلومات التي توفرها، لأنها تتطلب إرسال العينات إلى مختبر لمعالجتها، ولا تُقدم نتائج فورية.
فعلى سبيل المثال، يستغرق اختبار الشعر من BodyClock نحو خمسة أسابيع لإرسال النتائج إلى العملاء، وهو ما يمثل مشكلة محتملة لأن "النمط الزمني" الخاص بنا ليس ثابتًا تمامًا، حيث إن نوع وتوقيت التعرض للضوء يمكن أن يُسرّع أو يُبطئ الساعة البيولوجية لدينا. وقد أجريت في السابق تجربة مع ديك، قطعتُ خلالها الضوء الصناعي بعد الغروب وتعرّضتُ أكثر للضوء الطبيعي أثناء النهار. ونتيجة لذلك، تغير توقيت ساعتي البيولوجية (كما قيس ببداية إفراز الميلاتونين تحت ضوء خافت) بمقدار ساعتين إلى الأمام.
لذا، فعلى الرغم من أن نتائج اختبار BodyClock تشير إلى أن إفراز الميلاتونين لديّ يزداد بشكل ملحوظ في الساعة 9:30 مساءً، فإن هذه النتيجة تعكس الحالة البيولوجية لجسدي كما كانت قبل عدة أسابيع، وقد لا تعكس حالتي الآن، أو بعد خمسة أسابيع من اليوم.
قد لا تكون النتائج "القديمة قليلًا" ذات أهمية كبيرة إذا كان الطبيب يحاول فقط التحقق مما إذا كان الأرق الذي يعاني منه المريض مرتبطًا بساعة بيولوجية متقدمة أو متأخرة بشكل كبير، أو إذا كانت تُستخدم في سياق تجربة سريرية. لكن القدرة على الحصول على نتائج فورية قد تكون مفيدة جدًا للعمال بنظام المناوبات الذين يرغبون في التكيّف مع نمط دوام جديد، أو للمسافرين المتكررين الذين يسعون للتغلب بسرعة على اضطراب الرحلات الجوية الطويلة (Jet Lag).
لنفترض مثلًا أنك وصلت لتوك من رحلة من لندن إلى نيويورك. يقول ديك: "في الصباح، يمكنك أن تنتف شعرة واحدة وتُجري اختبارًا لتكتشف توقيت ساعتك الداخلية"، ثم يمكنك استخدام هذه المعلومة للمساعدة في التغلب على اضطراب الرحلات الجوية عبر تعريض نفسك للضوء في أوقات محددة أو تناول حبة ميلاتونين في وقت مناسب".
ومن الإضافات المحتملة والمفيدة أيضًا أن تتمكن اختبارات المؤشرات الحيوية من تقييم توقيت عمل الأعضاء الفردية، ومدى توافقها فيما بينها. فعلى الرغم من أن ساعات الجسم تتكيف تدريجيًا مع تغيّر أنماط التعرض للضوء الناتجة عن تغير أوقات العمل أو المناطق الزمنية، فإن الأعضاء المختلفة تتكيف بسرعات متفاوتة. وقد يؤدي ذلك إلى خروج إيقاعات الجهاز الهضمي، مثلًا، عن التزامن مع تلك الخاصة بالدماغ، وغير ذلك. ويُعتقد أن هذا الخلل المستمر في التناسق هو أحد الأسباب الكامنة وراء بعض الآثار الصحية السلبية المرتبطة بالعمل بنظام المناوبات.
يقول ديبنر: "إذا كانت هناك مؤشرات جزيئية تعكس ما يجري في الكبد والبنكرياس والعضلات وغيرها من الأنسجة المحددة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكننا استخدام هذه المعلومات لوضع تدخلات تساعد على تحسين التوافق الزمني فيما بينها؟"
بعبارة أخرى، فإن الجيل الأول من اختبارات الساعة البيولوجية لا يزال في مراحله الأولية، وهو بالكاد يخدش سطح القدرة على "قراءة" الوقت داخل أجسامنا بطريقة يُمكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في أنماط حياتنا أو في الرعاية الصحية. ومع ذلك، يرى الباحثون أن هذه الاختبارات تمثل بداية واعدة. فإذا كانت العقود القليلة الماضية قد سلّطت الضوء على أهمية الساعات البيولوجية لصحة الإنسان، فإن الأمل أن يكشف العقد القادم عن "التروس والمفاتيح والآليات" التي يمكننا ضبطها لضبط تلك الساعات بدقة، والحفاظ على تشغيل أجسادنا بانسجام مع الزمن.
المصدر: NewScientist
كما يمكن أن تكون اختبارات المؤشرات الحيوية مفيدة في التجارب السريرية. في وقت لاحق من هذا العام، يأمل فرانسيس ليفي في بدء تجربة للعلاج الزمني، تشمل 242 شخصًا مصابًا بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة، حيث يتلقون علاجًا مناعيًّا وكيميائيًّا. وبينما سيتلقى معظم المشاركين العلاج إما صباحًا أو مساءً بشكل عشوائي، سيخضع عدد منهم لتحليل إيقاعهم البيولوجي باستخدام اختبار TimeTeller من اللعاب لمعرفة ما إذا كان تخصيص توقيت تناول الدواء يعزز فعاليته. وقد أظهرت تجربة سابقة أن إعطاء العلاج قبل الساعة 11:30 صباحًا ضاعف تقريبًا معدل النجاة من السرطان. يقول ليفي: "إذا استطعنا مضاعفة نجاة المرضى من خلال تقديم العلاج في الصباح مقارنة بالمساء، فأعتقد أنه يمكننا على الأقل مضاعفة ذلك مرة أخرى عبر تخصيص توقيت تناول العلاج لكل مريض".
وثمة مجال ثالث يمكن لاختبارات المؤشرات الحيوية أن تسهم فيه. فقد تراكمت خلال العقد الماضي أدلة على الضرر الذي تُسببه اضطرابات الإيقاع اليوماوي على الصحة العامة، وذلك من خلال ارتباطها بأمراض نفسية وعصبية، وسرطان، وسكري من النوع الثاني، وسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وتحدث هذه الاضطرابات عندما تختل مزامنة الساعات الداخلية للجسم، بسبب العمل بنظام المناوبات، أو التعرض للضوء في أوقات غير مناسبة، أو ما يُعرف بالـ"اضطراب الزمني الاجتماعي" الناتج عن مواعيد نوم واستيقاظ غير منتظمة.
يقول ديبنر: "الاختلال الزمني الداخلي مرتبط بقوة بالعديد من مشكلات الصحة في المجتمعات الحديثة". "وإذا تمكنا من قياس المؤشرات الحيوية بفعالية، سيوسّع ذلك من نطاق الأشخاص الذين يمكننا الوصول إليهم من خلال أبحاثنا. والأكثر إثارة هو أننا سنتمكن من استخدامها على العاملين بنظام المناوبات لفهم كيف تتحرك ساعاتهم وفقًا لجدول عملهم. وهذا قد يساعدنا في تطوير تدخلات لتقليل المخاطر الصحية". على سبيل المثال، يبحث الباحثون فيما إذا كان تحديد توقيت تناول الطعام، أو نوعية الضوء الذي يتعرض له الأشخاص أثناء العمل الليلي، يمكن أن يخفف من بعض الآثار الصحية الضارة للعمل الليلي.
ومع ذلك، فإن الاختبارات المتاحة حاليًا، أو قيد التطوير، ما زالت محدودة من حيث المعلومات التي توفرها، لأنها تتطلب إرسال العينات إلى مختبر لمعالجتها، ولا تُقدم نتائج فورية.
فعلى سبيل المثال، يستغرق اختبار الشعر من BodyClock نحو خمسة أسابيع لإرسال النتائج إلى العملاء، وهو ما يمثل مشكلة محتملة لأن "النمط الزمني" الخاص بنا ليس ثابتًا تمامًا، حيث إن نوع وتوقيت التعرض للضوء يمكن أن يُسرّع أو يُبطئ الساعة البيولوجية لدينا. وقد أجريت في السابق تجربة مع ديك، قطعتُ خلالها الضوء الصناعي بعد الغروب وتعرّضتُ أكثر للضوء الطبيعي أثناء النهار. ونتيجة لذلك، تغير توقيت ساعتي البيولوجية (كما قيس ببداية إفراز الميلاتونين تحت ضوء خافت) بمقدار ساعتين إلى الأمام.
لذا، فعلى الرغم من أن نتائج اختبار BodyClock تشير إلى أن إفراز الميلاتونين لديّ يزداد بشكل ملحوظ في الساعة 9:30 مساءً، فإن هذه النتيجة تعكس الحالة البيولوجية لجسدي كما كانت قبل عدة أسابيع، وقد لا تعكس حالتي الآن، أو بعد خمسة أسابيع من اليوم.
قد لا تكون النتائج "القديمة قليلًا" ذات أهمية كبيرة إذا كان الطبيب يحاول فقط التحقق مما إذا كان الأرق الذي يعاني منه المريض مرتبطًا بساعة بيولوجية متقدمة أو متأخرة بشكل كبير، أو إذا كانت تُستخدم في سياق تجربة سريرية. لكن القدرة على الحصول على نتائج فورية قد تكون مفيدة جدًا للعمال بنظام المناوبات الذين يرغبون في التكيّف مع نمط دوام جديد، أو للمسافرين المتكررين الذين يسعون للتغلب بسرعة على اضطراب الرحلات الجوية الطويلة (Jet Lag).
لنفترض مثلًا أنك وصلت لتوك من رحلة من لندن إلى نيويورك. يقول ديك: "في الصباح، يمكنك أن تنتف شعرة واحدة وتُجري اختبارًا لتكتشف توقيت ساعتك الداخلية"، ثم يمكنك استخدام هذه المعلومة للمساعدة في التغلب على اضطراب الرحلات الجوية عبر تعريض نفسك للضوء في أوقات محددة أو تناول حبة ميلاتونين في وقت مناسب".
ومن الإضافات المحتملة والمفيدة أيضًا أن تتمكن اختبارات المؤشرات الحيوية من تقييم توقيت عمل الأعضاء الفردية، ومدى توافقها فيما بينها. فعلى الرغم من أن ساعات الجسم تتكيف تدريجيًا مع تغيّر أنماط التعرض للضوء الناتجة عن تغير أوقات العمل أو المناطق الزمنية، فإن الأعضاء المختلفة تتكيف بسرعات متفاوتة. وقد يؤدي ذلك إلى خروج إيقاعات الجهاز الهضمي، مثلًا، عن التزامن مع تلك الخاصة بالدماغ، وغير ذلك. ويُعتقد أن هذا الخلل المستمر في التناسق هو أحد الأسباب الكامنة وراء بعض الآثار الصحية السلبية المرتبطة بالعمل بنظام المناوبات.
يقول ديبنر: "إذا كانت هناك مؤشرات جزيئية تعكس ما يجري في الكبد والبنكرياس والعضلات وغيرها من الأنسجة المحددة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكننا استخدام هذه المعلومات لوضع تدخلات تساعد على تحسين التوافق الزمني فيما بينها؟"
بعبارة أخرى، فإن الجيل الأول من اختبارات الساعة البيولوجية لا يزال في مراحله الأولية، وهو بالكاد يخدش سطح القدرة على "قراءة" الوقت داخل أجسامنا بطريقة يُمكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في أنماط حياتنا أو في الرعاية الصحية. ومع ذلك، يرى الباحثون أن هذه الاختبارات تمثل بداية واعدة. فإذا كانت العقود القليلة الماضية قد سلّطت الضوء على أهمية الساعات البيولوجية لصحة الإنسان، فإن الأمل أن يكشف العقد القادم عن "التروس والمفاتيح والآليات" التي يمكننا ضبطها لضبط تلك الساعات بدقة، والحفاظ على تشغيل أجسادنا بانسجام مع الزمن.
المصدر: NewScientist