النظام الرئاسي
إن النظام الرئاسي هو نوع من أنظمة الحكم يضع الهيئة التنفيذية بيد رئيس الدولة وهو رئيس الصفوة الحاكمة يعاونه مجموعة وزراء يعدون بمثابة مستشارين "وأحياناً يطلق عليهم أسم
سكرتير كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية" ويكون رئيس الدولة هو رئيس الحكومة بالوقت نفسه، ويكون غير مسؤول سياسياً أمام السلطة التشريعية، ويختار رئيس الدولة "الحكومة" من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعطي البعض تعريف للنظام الرئاسي فيرى إنه "ذلك النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات"، (محمد كامل ليله،1968، 568).
ويقوم النظام الرئاسي على مجموعة من الأسس وله مجموعة من المميزات كما أن له عيوب بالوقت نفسه، وعلى هذا الأساس سنتناول هذه الفقرات أدناه:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام الرئاسي.
لقد كان لآراء لوك مونتسكيو في ألفعل بين السلطات تأثير كبير على واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية في سنة1787 فأقاموا نظامهم السياسي على أساس ذلك المبدأ وقد كان قصد
واضعي الدستور الأمريكي اعتماد الفصل المطلق بين السلطات وتحقيق المساواة بينها، غير أن النصوص الدستورية التي قررها أسفرت عن فصل نسبي سمح ببعض التداخل في
الاختصاصات كما إن العمل قد أدى إلى رجحان كفه السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة، وهذا النظام يختلف اختلافاً كبيراً عن الأنظمة المسماة خطأ بالرئاسية مثل بعض نظم دول أمريكا
اللاتينية أو مصر وهي ليست بذات المعنى القانوني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ففي مصر مثلاً يمكن لمجلس الشعب إقالة وزير وفقاً للمادة "126" من الدستور المصري
لعام1971 والتي نصت على المسؤولية السياسية الفردية لكل وزير على حده إذ نصت على أن لمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب الرئيس لمجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم
وسحب الثقة يكون بناءاً على تصويت مجلس الشعب عقب استجواب تمت مناقشته. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). ومع هذا تم وضع عدة شروط وضمانات لذلك العمل بيد أنه نص على
إمكانية تدخل السلطة التشريعية بعمل السلطة التنفيذية وهناك أيضاً المسؤولية الجماعية للوزراء أمام البرلمان التي نصت عليها المادة "127" والدستور المصري لعام1971. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). وهذا غير موجود في أسس النظام الرئاسي.
إن أساس فكرة إقامة نظام سياسي يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات وهو النظام الرئاسي
كانت أفكار لوك إذ وجد أنه في عام1988 وهو عام الثورة في إنكلترا وإعلان وثيقة الحقوق BiII of Riyhts إذ إن القضاة كانوا قابلين للعزل في وقت كانوا فيه خاضعين لسلطة الملك يتصرفون
حسب ما يوصي إليهم به، وكانت الأمور تسير على أساس التنكيل بخصوم الملك وتبرئة أنصاره، وبالرغم من تغير وضع القضاة بعد الثورة إذ أصبحوا غير قابلين للعزل إلا بقرار من البرلمان إلا
إن هذا التغير في الوضع لم يضمن لهم الاستقلال الكامل في قضائهم والحياد والنزاهة في إحكامهم لأنهم كانوا خاضعين ومتأثرين باتجاهات وميول حزب الأغلبية في البرلمان، (عبد الحميد
متولي،1961، 112) وهذا ما دفع لوك إلى إدراج القضاء بين سلطات الدولة التنفيذية وعدم اعتباره سلطة مستقلة، لكننا نلاحظ أن القضاء أصبح بمضي الزمن سلطة مستقلة لها ضماناتها
وحقوقها. (رايموند كيتل،1960، 285 وما بعدها). وبمرور الزمن استطاع الرئيس الأمريكي الاستئثار بالعديد من السلطات والصلاحيات مما أدى إلى رجحان كفه الرئيس باعتباره مرشح
الأمة وممثل الشعب بأكمله وكذلك من خلال السلطات الممنوحة له من قبل البرلمان "الكونكرس" نفسه فالصلاحيات المالية التي يتمتع بها الرئيس قد فوضت إليه وفقاً للقوانين التي صدرت بخصوص الميزانية والحساب الختامي في عام1921. (رايموند كيتل،1960، 251).
وبتوالي الأحداث وانتشار النموذج الأمريكي في الحكم والديمقراطية الأمريكية أدى ذلك إلى محاولة العديد من دول العالم نقل النموذج الأمريكي، لكن الحقيقة تشير إلى الكثير من بلدان
العالم لم تنجح في مسعاها ذاك لأسباب تختلف من بلد لأخر بسبب اختلاف المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية... الخ، فالدستور والنظام السياسي هو وليد البيئة
الاجتماعية وليس حدثاً طارئاً عليها، ويجب الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير التي آخذت بالنظام الرئاسي قد تأثرت بشكل كبير بآراء مونيسكيو وخصوصاً كتابة
روح القوانين Siprit of Laws الذي بين فيه نظريته الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام الرئاسي.
إن النظام الرئاسي يقوم على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس والمتطلبات بالآتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2- الفصل شبه المطلق بين السلطات.
3- يكون اختيار الوزراء "الحكومة" بيد رئيس الدولة دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
4- المرونة الحزبية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات وفقاً لمجموعة محاور وكما يأتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
يقوم النظام الرئاسي على وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب، ويجمع بين صفة رئيس الدولة ورئيس الحكومة وقد قصد واضعوا الدستور الأمريكي مثلاً بذلك تحقيق المساواة ما بين السلطة
التنفيذية والسلطة التشريعية فقد ركزوا السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة المنتخب من الشعب، ولذلك أصبح في مركز متعادل مع البرلمان الذي يستمد سلطته من الشعب هو الأخر. (محمد كامل
ليله،1968، 570 وكذلك لتفاصيل أكثر حول الظروف التي أدت إلى استئثار الرئيس بالقيادة الأمريكية توضع للنظام الرئاسي،(Martin Bureh and others,1985, 237-238) لكن
الواقع العملي أثبت أن الكفه تميل لصالح الرئيس إذ أنه ممثل الشعب بأكمله ويتمتع بتأييد غالبيته، بينما النائب في البرلمان وإنْ كان ممثل الشعب بأكمله إلا إنه لا يتمتع بالأغلبية إلا في
دائرته الانتخابية والتطور العلمي والثقافي أدى إلى ازدياد دور السلطة التنفيذية وتزايد اختصاصها مع جعل الرئيس يتمتع بقوة ونفوذ في مواجهة البرلمان.
إن الشعب هو من ينتخب رئيس الجمهورية وليست الهيئة النيابية وذلك عن طريق الاقتراع العام سواء أكان مباشراً أم غير مباشر-لذا- فإن رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة وهذا يعني أنه
لا يوجد فصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية "رئيس الحكومة"، وتظهر لنا عملية الانتخاب ووحدة المركز بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة هو إن النظام الرئاسي لا يمكن تطبيقه في النظام الملكي. (ثروت بدوي،1975، 341).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام وعلى درجتين "مرحلتين"، ولكن المندوبين الذين ينتخبون الرئيس إنما يتلقون في الواقع- وكما يؤكد ذلك موريس دوفرجيه
توكيلاً على سبيل الإلزام. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95). ولكن ما زالت واقعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لعام2000 ماثله في الأذهان إذ إن المرشح
الديمقراطي ال غور قد فاز في الاستقصاءات العامة "انتخابات الدرجة الأولى" بينما فاز المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات النهائية "انتخابات الدرجة الثانية" وعلى هذا
الأساس فإن مسألة التوكيل على سبيل الإلزام، قد تكون واقعة قانونية بيد إنها في الوقت نفسه مسألة نسبية في كل الأحوال.
ويتضح مما سبق أيضاً أن الرئيس "رئيس الدولة" يسود ويحكم بنفس الوقت، بل إنه يتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة جداً.
2- الفصل شبه المطلق ما بين السلطات.
إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الرئاسي هو مبدأ الفصل بين السلطات ولهذا المبدأ تاريخ قديم يعود إلى فلاسفة الاغريق إذ رأى افلاطون ضرورة توزيع وظائف الدولة وأعمالها المختلفة على
هيئات متعددة مع إقامة التوازن والتعادل بينهما حتى لا تستبد هيئة بالحكم في الدولة فتضطرب أحوالها ويؤدي ذلك إلى حدوث ثورات وانقلابات... الخ لذلك نرى أن افلاطون قد رأى ضرورة
فصل وظائف الدولة وفصل الهيئات التي تمارسها عن بعضها على أن تتعاون كلها للوصول إلى الهدف النهائي أو الرئيسي للدولة وهو تحقيق النفع العام للشعب وفي سبيل عدم انحراف هيئات
الحكم عن اختصاصها وأهدافها تقرر لها بعض الوسائل الرقابية فيما بينها. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95).
ومع إن البعض يرى أن النظام الرئاسي يقوم على الفصل التام بين السلطات. (محمد كامل ليله،1968، 551). إنهم استخدموا عبارة الفصل بين السلطات وهم يقصدون مجرد توزيع السلطات
بين هيئات مختلفة دون أن يستلزموا إقامة فصل جامد أو حواجز منيعه بين تلك الهيئات. (عبد الغني بسيوني،1985، 279).
لقد تصور رجال الثورة الفرنسية أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ فصل السلطات تفقد أساسها الدستوري وفسروا مبدأ الفصل بين السلطات بمعنى الفصل التام والمطلق والجامد ما بين
السلطات، إذ تنفي كل علاقة أو تداخل بين الهيئات التي تتولى هذه السلطات، وفوق هذا وذاك لم يجعل رجال الثورة الفرنسية من مبدأ الفصل بين السلطات مجرد وسيلة لتحديد السلطة أو ضمانة
لحريات الأفراد بل وجدوا فيه مبدأ قانونياً يسند إلى عد كل وظيفة من وظائف الدولة جزءاً منفصلاً ومستقلاً عن أجزاء السيادة الأخرى وتأسيساً لذلك تأسس أول دستور للثورة الفرنسية
في 3- أيلول1791 الذي جعل كل سلطة مستقلة تماماً عن السلطات الأخرى متأثراً بالدستور الأمريكي، وهذا ما أدى في فرنسا إلى الاستبداد وقمع الحريات وإقامة أبشع صور الإرهاب. (ثروت بدوي،1975، 322).
إن النظام الرئاسي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً
للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء سياسياً أمام البرلمان، ولا يحق
للرئيس بالمقابل حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي،1975، 234، ولتفاصيل أكثر انظر حسن الحسن،1971 وخصوصاً 37، 39).
ولكن في حقيقية الأمر ليس فصلاً مطلقاً وإنما توجد له بعض الاستثناءات فلرئيس الجمهورية حق الاعتراض على مشروعات القوانين التي وافق عليها البرلمان، ولكنه اعتراض توفيقي فقط إذ إن
البرلمان يستطيع إقرار القانون الذي اعترض عليه الرئيس وجعله نافذاً مباشرةً دون اشتراط موافقة الرئيس في حالة موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على المشروع، وفي المقابل يقر الدستور
الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا
وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. (عبد الغني بسيوني،1985، 280)، إذ إن موافقة مجلس الشيوخ ضرورية ولازمة لإبرام أي معاهدة أو اتفاقية دولية ولعل
حادثة عصبة الأمم التي هندسها الرئيس الأمريكي الأسبق ودرو ويلسن بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وفي مؤتمر فرساي عام1920 إلا إن عدم موافقة مجلس الشيوخ عليها حال دون دخول الولايات المتحدة الأمريكية للعصبة.
3- يكون اختيار الوزراء "الحكومة" بيد رئيس الدولة فقط دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
مع إننا سبق وإنْ بينا أن تعين كبار موظفي الدولة لا يتم الا بموافقة مجلس الشيوخ فإنه قد جرى عرفاً في الأنظمة الرئاسية وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية- أن يقوم رئيس الدولة دون
تدخل من احد بتعيين وزراءه أو مساعدية وهو يعينهم كما يحق له إقالتهم دون تدخل من احد وهكذا ظفرت السلطة التنفيذية متمثله بشخص رئيس الدولة بصلاحيات واسعة وسلطات عظيمة.
(ثروت بدوي،1975، 298). ويسيطر الرئيس تماماً على وزراءه ويخضعون له ولهم سلطات استشارية فقط معه، مما يروى عن سيطرة الرئيس على وزراءه إن الرئيس الأمريكي الأسبق
لنكولن قد لاحظ عند استشارته لوزراءه في إحدى المسائل أنهم أجمعوا على رأي مخالف لرأيه فلم يعتد برأيهم وقال بابتسامه ساخره"سبعه قالوا لا، واحد قال نعم، إذن هي نعم صاحبة الأغلبية"
واتخذ قراراً مخالفاً لرأي مستشاريه- وزراءه-، ومن جهة أخرى فإن الوزراء لا يسألون أمام أي جهة أخرى عدا مؤسسة الرئاسة ممثلة بالرئيس، وإنْ كان هناك المسألة الجنائية التي يرى البعض
إنها قد تتحول إلى مسؤولية سياسية إذا كانت الأمور قد سارت بهذا الشكل وذلك الاتجاه. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،96). لكنه أمر صعب ولعل قضية مونيكا لوينسكي التي عصفت باركان البيت الأبيض في عهد رئاسة كلينتون خير دليل على ذلك.
4- المرونة الحزبية.
إذ إن النظام الرئاسي يتطلب توافر درجة عالية من المرونة الحزبية، أي عدم التصويت ككتلة حزبية واحدة وقد يثور التساؤل لماذا؟ الجواب إن السلطة التشريعية تمتلك الكثير من السلطات ومن بينها
السلطة المالية، والحكومة لا تنبثق من حزب الأغلبية البرلمانية في النظام الرئاسي أي قد يكون رئيس حزب رئيس الدولة لا يستند إلى أغلبية حزبية مماثلة في البرلمان، فإذا حصل تصويت
لمسألة ما تقدمت بها السلطة التنفيذية، ولتكن تتعلق بأمور مالية وكان هناك انضباط وصرامة حزبية وهناك معارضة للحكومة داخل البرلمان كان التصويت حتماً سيكون لغير صالح الحكومة، مما يعني حدوث نوع من الجمود الحكومي وعدم قدرة الحكومة على العمل وبالتالي إلغاء مبدأ قاطع.
وعلى هذا الأساس نرى إن الأحزاب في الولايات المتحدة الأمريكية أحزاب لا تقوم على قاعدة ايدلوجيه واجتماعية وإنما تهدف إلى السيطرة على بعض المناطق الإدارية والسياسية. (عامر فاخوري،2004، 98).
المطلب الرابع:- مزايا وعيوب النظام الرئاسي.
للنظام الرئاسي كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى مجموعة من المزايا والعيوب ويمكن إيجازها بالآتي:-
أ- المزايا.
1- توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة. (محمد كامل ليله،1968، 597).
2- تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
3- يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية. (نادية المختار،2001، 30).
4- إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة.
5- إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (د.ثناء فؤاد عبد الله،1997، 256). لأن الديمقراطية لا تكتفي
برسم حدودها لما يحق أو لا يحق أن تفعله، ولكنها أيضاً تحكم على بعض الأفكار والمعتقدات التي تجد لها مكاناً في أذهان بعض الأفراد من الشعب، بل يجري في بعض الأحيان السماح
للعنصرين بالتظاهر والتعبير ضد هذه الجهة أو تلك باسم الديمقراطية وحرية الفكر وهذا غير موجود في كثير من دول العالم الأخرى. (د. رجا بهلول،2000، 50-51).
ب- العيوب.
1- إن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالاً عضوياً.
2- إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
3- يرى روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون مثل بعض الفقهاء/ المان كجيلنك ولاباند والفرنسي العميد ديكي إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة. (راجع أحسان المفرجي وآخرون،1990، 75).
4- أنه يؤدي إلى الاستبداد في دول عالم الجنوب أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.
5- ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل
الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون
التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363). ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
إن النظام الرئاسي هو نوع من أنظمة الحكم يضع الهيئة التنفيذية بيد رئيس الدولة وهو رئيس الصفوة الحاكمة يعاونه مجموعة وزراء يعدون بمثابة مستشارين "وأحياناً يطلق عليهم أسم
سكرتير كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية" ويكون رئيس الدولة هو رئيس الحكومة بالوقت نفسه، ويكون غير مسؤول سياسياً أمام السلطة التشريعية، ويختار رئيس الدولة "الحكومة" من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعطي البعض تعريف للنظام الرئاسي فيرى إنه "ذلك النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات"، (محمد كامل ليله،1968، 568).
ويقوم النظام الرئاسي على مجموعة من الأسس وله مجموعة من المميزات كما أن له عيوب بالوقت نفسه، وعلى هذا الأساس سنتناول هذه الفقرات أدناه:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام الرئاسي.
لقد كان لآراء لوك مونتسكيو في ألفعل بين السلطات تأثير كبير على واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية في سنة1787 فأقاموا نظامهم السياسي على أساس ذلك المبدأ وقد كان قصد
واضعي الدستور الأمريكي اعتماد الفصل المطلق بين السلطات وتحقيق المساواة بينها، غير أن النصوص الدستورية التي قررها أسفرت عن فصل نسبي سمح ببعض التداخل في
الاختصاصات كما إن العمل قد أدى إلى رجحان كفه السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة، وهذا النظام يختلف اختلافاً كبيراً عن الأنظمة المسماة خطأ بالرئاسية مثل بعض نظم دول أمريكا
اللاتينية أو مصر وهي ليست بذات المعنى القانوني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ففي مصر مثلاً يمكن لمجلس الشعب إقالة وزير وفقاً للمادة "126" من الدستور المصري
لعام1971 والتي نصت على المسؤولية السياسية الفردية لكل وزير على حده إذ نصت على أن لمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب الرئيس لمجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم
وسحب الثقة يكون بناءاً على تصويت مجلس الشعب عقب استجواب تمت مناقشته. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). ومع هذا تم وضع عدة شروط وضمانات لذلك العمل بيد أنه نص على
إمكانية تدخل السلطة التشريعية بعمل السلطة التنفيذية وهناك أيضاً المسؤولية الجماعية للوزراء أمام البرلمان التي نصت عليها المادة "127" والدستور المصري لعام1971. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). وهذا غير موجود في أسس النظام الرئاسي.
إن أساس فكرة إقامة نظام سياسي يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات وهو النظام الرئاسي
كانت أفكار لوك إذ وجد أنه في عام1988 وهو عام الثورة في إنكلترا وإعلان وثيقة الحقوق BiII of Riyhts إذ إن القضاة كانوا قابلين للعزل في وقت كانوا فيه خاضعين لسلطة الملك يتصرفون
حسب ما يوصي إليهم به، وكانت الأمور تسير على أساس التنكيل بخصوم الملك وتبرئة أنصاره، وبالرغم من تغير وضع القضاة بعد الثورة إذ أصبحوا غير قابلين للعزل إلا بقرار من البرلمان إلا
إن هذا التغير في الوضع لم يضمن لهم الاستقلال الكامل في قضائهم والحياد والنزاهة في إحكامهم لأنهم كانوا خاضعين ومتأثرين باتجاهات وميول حزب الأغلبية في البرلمان، (عبد الحميد
متولي،1961، 112) وهذا ما دفع لوك إلى إدراج القضاء بين سلطات الدولة التنفيذية وعدم اعتباره سلطة مستقلة، لكننا نلاحظ أن القضاء أصبح بمضي الزمن سلطة مستقلة لها ضماناتها
وحقوقها. (رايموند كيتل،1960، 285 وما بعدها). وبمرور الزمن استطاع الرئيس الأمريكي الاستئثار بالعديد من السلطات والصلاحيات مما أدى إلى رجحان كفه الرئيس باعتباره مرشح
الأمة وممثل الشعب بأكمله وكذلك من خلال السلطات الممنوحة له من قبل البرلمان "الكونكرس" نفسه فالصلاحيات المالية التي يتمتع بها الرئيس قد فوضت إليه وفقاً للقوانين التي صدرت بخصوص الميزانية والحساب الختامي في عام1921. (رايموند كيتل،1960، 251).
وبتوالي الأحداث وانتشار النموذج الأمريكي في الحكم والديمقراطية الأمريكية أدى ذلك إلى محاولة العديد من دول العالم نقل النموذج الأمريكي، لكن الحقيقة تشير إلى الكثير من بلدان
العالم لم تنجح في مسعاها ذاك لأسباب تختلف من بلد لأخر بسبب اختلاف المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية... الخ، فالدستور والنظام السياسي هو وليد البيئة
الاجتماعية وليس حدثاً طارئاً عليها، ويجب الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير التي آخذت بالنظام الرئاسي قد تأثرت بشكل كبير بآراء مونيسكيو وخصوصاً كتابة
روح القوانين Siprit of Laws الذي بين فيه نظريته الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام الرئاسي.
إن النظام الرئاسي يقوم على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس والمتطلبات بالآتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2- الفصل شبه المطلق بين السلطات.
3- يكون اختيار الوزراء "الحكومة" بيد رئيس الدولة دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
4- المرونة الحزبية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات وفقاً لمجموعة محاور وكما يأتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
يقوم النظام الرئاسي على وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب، ويجمع بين صفة رئيس الدولة ورئيس الحكومة وقد قصد واضعوا الدستور الأمريكي مثلاً بذلك تحقيق المساواة ما بين السلطة
التنفيذية والسلطة التشريعية فقد ركزوا السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة المنتخب من الشعب، ولذلك أصبح في مركز متعادل مع البرلمان الذي يستمد سلطته من الشعب هو الأخر. (محمد كامل
ليله،1968، 570 وكذلك لتفاصيل أكثر حول الظروف التي أدت إلى استئثار الرئيس بالقيادة الأمريكية توضع للنظام الرئاسي،(Martin Bureh and others,1985, 237-238) لكن
الواقع العملي أثبت أن الكفه تميل لصالح الرئيس إذ أنه ممثل الشعب بأكمله ويتمتع بتأييد غالبيته، بينما النائب في البرلمان وإنْ كان ممثل الشعب بأكمله إلا إنه لا يتمتع بالأغلبية إلا في
دائرته الانتخابية والتطور العلمي والثقافي أدى إلى ازدياد دور السلطة التنفيذية وتزايد اختصاصها مع جعل الرئيس يتمتع بقوة ونفوذ في مواجهة البرلمان.
إن الشعب هو من ينتخب رئيس الجمهورية وليست الهيئة النيابية وذلك عن طريق الاقتراع العام سواء أكان مباشراً أم غير مباشر-لذا- فإن رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة وهذا يعني أنه
لا يوجد فصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية "رئيس الحكومة"، وتظهر لنا عملية الانتخاب ووحدة المركز بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة هو إن النظام الرئاسي لا يمكن تطبيقه في النظام الملكي. (ثروت بدوي،1975، 341).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام وعلى درجتين "مرحلتين"، ولكن المندوبين الذين ينتخبون الرئيس إنما يتلقون في الواقع- وكما يؤكد ذلك موريس دوفرجيه
توكيلاً على سبيل الإلزام. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95). ولكن ما زالت واقعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لعام2000 ماثله في الأذهان إذ إن المرشح
الديمقراطي ال غور قد فاز في الاستقصاءات العامة "انتخابات الدرجة الأولى" بينما فاز المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات النهائية "انتخابات الدرجة الثانية" وعلى هذا
الأساس فإن مسألة التوكيل على سبيل الإلزام، قد تكون واقعة قانونية بيد إنها في الوقت نفسه مسألة نسبية في كل الأحوال.
ويتضح مما سبق أيضاً أن الرئيس "رئيس الدولة" يسود ويحكم بنفس الوقت، بل إنه يتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة جداً.
2- الفصل شبه المطلق ما بين السلطات.
إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الرئاسي هو مبدأ الفصل بين السلطات ولهذا المبدأ تاريخ قديم يعود إلى فلاسفة الاغريق إذ رأى افلاطون ضرورة توزيع وظائف الدولة وأعمالها المختلفة على
هيئات متعددة مع إقامة التوازن والتعادل بينهما حتى لا تستبد هيئة بالحكم في الدولة فتضطرب أحوالها ويؤدي ذلك إلى حدوث ثورات وانقلابات... الخ لذلك نرى أن افلاطون قد رأى ضرورة
فصل وظائف الدولة وفصل الهيئات التي تمارسها عن بعضها على أن تتعاون كلها للوصول إلى الهدف النهائي أو الرئيسي للدولة وهو تحقيق النفع العام للشعب وفي سبيل عدم انحراف هيئات
الحكم عن اختصاصها وأهدافها تقرر لها بعض الوسائل الرقابية فيما بينها. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95).
ومع إن البعض يرى أن النظام الرئاسي يقوم على الفصل التام بين السلطات. (محمد كامل ليله،1968، 551). إنهم استخدموا عبارة الفصل بين السلطات وهم يقصدون مجرد توزيع السلطات
بين هيئات مختلفة دون أن يستلزموا إقامة فصل جامد أو حواجز منيعه بين تلك الهيئات. (عبد الغني بسيوني،1985، 279).
لقد تصور رجال الثورة الفرنسية أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ فصل السلطات تفقد أساسها الدستوري وفسروا مبدأ الفصل بين السلطات بمعنى الفصل التام والمطلق والجامد ما بين
السلطات، إذ تنفي كل علاقة أو تداخل بين الهيئات التي تتولى هذه السلطات، وفوق هذا وذاك لم يجعل رجال الثورة الفرنسية من مبدأ الفصل بين السلطات مجرد وسيلة لتحديد السلطة أو ضمانة
لحريات الأفراد بل وجدوا فيه مبدأ قانونياً يسند إلى عد كل وظيفة من وظائف الدولة جزءاً منفصلاً ومستقلاً عن أجزاء السيادة الأخرى وتأسيساً لذلك تأسس أول دستور للثورة الفرنسية
في 3- أيلول1791 الذي جعل كل سلطة مستقلة تماماً عن السلطات الأخرى متأثراً بالدستور الأمريكي، وهذا ما أدى في فرنسا إلى الاستبداد وقمع الحريات وإقامة أبشع صور الإرهاب. (ثروت بدوي،1975، 322).
إن النظام الرئاسي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً
للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء سياسياً أمام البرلمان، ولا يحق
للرئيس بالمقابل حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي،1975، 234، ولتفاصيل أكثر انظر حسن الحسن،1971 وخصوصاً 37، 39).
ولكن في حقيقية الأمر ليس فصلاً مطلقاً وإنما توجد له بعض الاستثناءات فلرئيس الجمهورية حق الاعتراض على مشروعات القوانين التي وافق عليها البرلمان، ولكنه اعتراض توفيقي فقط إذ إن
البرلمان يستطيع إقرار القانون الذي اعترض عليه الرئيس وجعله نافذاً مباشرةً دون اشتراط موافقة الرئيس في حالة موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على المشروع، وفي المقابل يقر الدستور
الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا
وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. (عبد الغني بسيوني،1985، 280)، إذ إن موافقة مجلس الشيوخ ضرورية ولازمة لإبرام أي معاهدة أو اتفاقية دولية ولعل
حادثة عصبة الأمم التي هندسها الرئيس الأمريكي الأسبق ودرو ويلسن بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وفي مؤتمر فرساي عام1920 إلا إن عدم موافقة مجلس الشيوخ عليها حال دون دخول الولايات المتحدة الأمريكية للعصبة.
3- يكون اختيار الوزراء "الحكومة" بيد رئيس الدولة فقط دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
مع إننا سبق وإنْ بينا أن تعين كبار موظفي الدولة لا يتم الا بموافقة مجلس الشيوخ فإنه قد جرى عرفاً في الأنظمة الرئاسية وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية- أن يقوم رئيس الدولة دون
تدخل من احد بتعيين وزراءه أو مساعدية وهو يعينهم كما يحق له إقالتهم دون تدخل من احد وهكذا ظفرت السلطة التنفيذية متمثله بشخص رئيس الدولة بصلاحيات واسعة وسلطات عظيمة.
(ثروت بدوي،1975، 298). ويسيطر الرئيس تماماً على وزراءه ويخضعون له ولهم سلطات استشارية فقط معه، مما يروى عن سيطرة الرئيس على وزراءه إن الرئيس الأمريكي الأسبق
لنكولن قد لاحظ عند استشارته لوزراءه في إحدى المسائل أنهم أجمعوا على رأي مخالف لرأيه فلم يعتد برأيهم وقال بابتسامه ساخره"سبعه قالوا لا، واحد قال نعم، إذن هي نعم صاحبة الأغلبية"
واتخذ قراراً مخالفاً لرأي مستشاريه- وزراءه-، ومن جهة أخرى فإن الوزراء لا يسألون أمام أي جهة أخرى عدا مؤسسة الرئاسة ممثلة بالرئيس، وإنْ كان هناك المسألة الجنائية التي يرى البعض
إنها قد تتحول إلى مسؤولية سياسية إذا كانت الأمور قد سارت بهذا الشكل وذلك الاتجاه. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،96). لكنه أمر صعب ولعل قضية مونيكا لوينسكي التي عصفت باركان البيت الأبيض في عهد رئاسة كلينتون خير دليل على ذلك.
4- المرونة الحزبية.
إذ إن النظام الرئاسي يتطلب توافر درجة عالية من المرونة الحزبية، أي عدم التصويت ككتلة حزبية واحدة وقد يثور التساؤل لماذا؟ الجواب إن السلطة التشريعية تمتلك الكثير من السلطات ومن بينها
السلطة المالية، والحكومة لا تنبثق من حزب الأغلبية البرلمانية في النظام الرئاسي أي قد يكون رئيس حزب رئيس الدولة لا يستند إلى أغلبية حزبية مماثلة في البرلمان، فإذا حصل تصويت
لمسألة ما تقدمت بها السلطة التنفيذية، ولتكن تتعلق بأمور مالية وكان هناك انضباط وصرامة حزبية وهناك معارضة للحكومة داخل البرلمان كان التصويت حتماً سيكون لغير صالح الحكومة، مما يعني حدوث نوع من الجمود الحكومي وعدم قدرة الحكومة على العمل وبالتالي إلغاء مبدأ قاطع.
وعلى هذا الأساس نرى إن الأحزاب في الولايات المتحدة الأمريكية أحزاب لا تقوم على قاعدة ايدلوجيه واجتماعية وإنما تهدف إلى السيطرة على بعض المناطق الإدارية والسياسية. (عامر فاخوري،2004، 98).
المطلب الرابع:- مزايا وعيوب النظام الرئاسي.
للنظام الرئاسي كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى مجموعة من المزايا والعيوب ويمكن إيجازها بالآتي:-
أ- المزايا.
1- توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة. (محمد كامل ليله،1968، 597).
2- تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
3- يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية. (نادية المختار،2001، 30).
4- إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة.
5- إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (د.ثناء فؤاد عبد الله،1997، 256). لأن الديمقراطية لا تكتفي
برسم حدودها لما يحق أو لا يحق أن تفعله، ولكنها أيضاً تحكم على بعض الأفكار والمعتقدات التي تجد لها مكاناً في أذهان بعض الأفراد من الشعب، بل يجري في بعض الأحيان السماح
للعنصرين بالتظاهر والتعبير ضد هذه الجهة أو تلك باسم الديمقراطية وحرية الفكر وهذا غير موجود في كثير من دول العالم الأخرى. (د. رجا بهلول،2000، 50-51).
ب- العيوب.
1- إن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالاً عضوياً.
2- إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
3- يرى روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون مثل بعض الفقهاء/ المان كجيلنك ولاباند والفرنسي العميد ديكي إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة. (راجع أحسان المفرجي وآخرون،1990، 75).
4- أنه يؤدي إلى الاستبداد في دول عالم الجنوب أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.
5- ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل
الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون
التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363). ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.