يعتبر الصراع الدولي حدث مستمر على مر العصور، منذ الحضارات القديمة كالإغريقية والرومانية وحتى يومنا هذا. ينشأ الصراع نتيجة لتضارب مصالح الدول، سواء الداخلية او الخارجية. تتنافس الدول العظمى في العالم على الموارد لمحدوديتها، ومع تطور الأسلحة وظهور الحدود للدولة الحديثة، واختلاف الحروب ودخول جهات فاعلة غير الدول فيها، أصبح التنافس بين هذه القوى العظمى وحلفائها عابر للقارات وبعيد عنها. تمتلك السودان موقعاً استراتيجياً مهما وموارد طبيعية من مياه، واراضي زراعية، وثروة حيوانية، ومعادن. تعد السودان أرضاً خصبة للصراع الدولي والتنافس بين القوى العظمى. خصيصاً بعد التداعيات التي تسبب بها الحرب الروسية الأوكرانية وسلبياتها على الاقتصاد العالمي. دخلت السودان في صراع داخلي جديد، بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني. بناء على ما سبق، أصبحت السودان ساحة للتدخلات الدولية خصيصاً من القوى الكبرى والذي يفضي الى مصالحها الخاصة.
بعد توتر دام لمدة واتهامات إعلامية بين الطرفين، انطلق الصراع بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. اتخذ الصراع منحنى الاشتباكات المسلحة العنيفة، والتي انطلقت شرارتها من العاصمة السودانية. نشب الصراع، الذي أسفر عن مئات القتلى والمصابين، على خلفية خلافات بين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع. السبب الرئيسي للصراع المعلن عنه هو خلاف على موعد دمج قوات الدعم السريع في صفوف القوات المسلحة بموجب اتفاق مسبق تم في 5 كانون الأول من العام 2022. حاولت قوات الدعم السريع السيطرة على قاعدة جوية للجيش في مروي مما أدى الى تفجر الأزمة. ظهرت ملامح التنافس بين الطرفين، عند تشكيل مجلس السيادة الذي شمل السلطة لمرحلة انتقالية بعد اسقاط الرئيس السوداني السابق في عام 2019. وبعد عدة أحداث بشأن الاتفاق الإطاري والتفاهمات بين الجيش وقوات الدعم السريع، نشب الصراع العسكري بين الطرفين مستغلا الخلاف بين القوى المدنية.
اتخذت الأطراف الإقليمية موقف غير واضح في السودان. حاولت بعض الدول لعرض الوساطة بين الطرفين مثل مصر ودولة جنوب السودان. ايضاً، دعت مصر والمملكة العربية السعودية الى مناقشة الوضع في السودان في اجتماع طارئ في جامعة الدول العربية. ولكونها أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، تعد السودان مركزاً لمصالح كبرى بالنسبة للمملكة العربية السعودية. ومن جهة أخرى، بعد تعرض سفيرهم الى اعتداء في الخرطوم، دعا الاتحاد الأوروبي لوقف قتال النار، وحماية البعثات الدبلوماسية تطبيقاً للقانون الدولي. واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً شبيهاً بموقف الاتحاد الأوروبي بمكالمة أجراها وزير الخارجية انتوني بلينكون، داعياً الطرفين لوقف إطلاق النار وحماية البعثات الدبلوماسية. على الرغم من الانفصال بين السودان الجنوبية والسودان الشمالية، إلا ان الصين لا تزال تحتفظ بالاستثمارات والشراكات الاقتصادية في شمال السودان بما في ذلك قطاع التعدين. وتدخلت بعض الدول بشكل غير مباشر للحفاظ على مصالحها الخاصة. ومن هذه الدول، روسيا.
تمثل التدخل الروسي في السودان من خلال مجموعة فاغنر. وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة ارتباط وثيق بالحكومة الروسية. على الرغم من أن الصراع في السودان متجذر بعمق في السياسة الداخلية فيها، إلا انها تخلق فرصاً للفواعل الدولية بالتدخل لتشكيل مستقبل سياسي يفضي الى مصالحها الخاصة. نُشرت فاغنر في السودان عام 2017 للمساعدة السياسية والعسكرية للرئيس في ذلك الحين عمر البشير. سبق هذا الانتشار مفاوضات بين موسكو والخرطوم على عدد من الصفقات الاقتصادية والأمنية لتسهيل الشركة بينهما. تضمن هذه الاتفاقات السابق ذكرها على وجه الخصوص امتيازات تعدين الذهب لشركة "M-Invest” الروسية المرتبطة بفاغنر ورئيسها يفغيني بريغوزين. استمرت أنشطة فاغنر بالسودان حتى بعد الانقلاب الذي أطاح بالبشير من السلطة. بقيت مجموعة فاغنر متكيفة وانتهازية بدلا من ربط نفسها بشكل لا ينفصم بثروات الإدارة الحاكمة. ودعمت فاغنر بالنهاية الانقلاب العسكري عام 2021، والذي نتج عنه حكومة أكثر اهتماما باستمرار وتعزيز العلاقات مع الجانب الروسي. بناء على ما سبق، ترى الولايات المتحدة المتمثلة بإدارة بايدن، السودان كساحة معركة رئيسية لتحجيم صعود موسكو الجيوسياسي في القارة الافريقية.
تناول مقال في مجلة Foreign Policy تحت عنوان " في السودان.. السياسات الأمريكية مهدت الطريق للحرب" الازمة الأخيرة في السودان والاشتباكات المستمرة بين طرفي الصراع الجيش وقوات الدعم السريع، أن الولايات المتحدة تسببت في هذا الصراع من خلال إصرارها على أن هناك فرصة حقيقية لمواصلة العمل من أجل انتقال البلاد الى قيادة مدنية. على الرغم من كونه مستحيلاً، ذكرت المقالة أن "الجهد المضلل" هو الذي روج لفكرة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. بناء على التاريخ القديم من محاولة الولايات المتحدة من تحجيم ومحاصرة نفوذ الاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً، تعتبر السودان حلقة جديدة من هذه المحاولات. اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة إخراجها من القارة الافريقية، والقاء اللوم عليها بالانفصال الذي حدث بين أجزاء السودان والذي أدى لظهور دولتين، السودان وجنوب السودان. ومع رؤية الصين وروسيا والولايات المتحدة لمصالح مختلفة في السودان، فلا أحد منهم لديه مصلحة راسخة في انهيار الدولة.
في الخاتمة، على الرغم من معاناة السودان لازمات سياسية واقتصادية، وتورات داخلية بين أطراف الدولة من قبائل وأعراق. دخلت اليوم في أزمة داخلية جديدة، جعلت منها مفتوحة الأبواب للتدخلات الخارجية، بحجة الدعوى للسلام وإيقاف إطلاق النار. ومن جهة أخرى، يحاول جانبا الصراع استمالة الأطراف الدولية في صراعهما. يحاول كل منهما عرض الصراع بصراع الخير ضد الشر. وفي رواية كل منهما كلاهما الخير وكلاهما الشر. في الطرف الآخر، تحاول الدول الحفاظ على مصالحها الخاصة في السودان، من مصالح سياسة، وعسكرية، واقتصادية، وجيوسياسية. وأشار وليام بيرنز الى المصالح الأجنبية الأخرى في السودان، فنرى مصر تعزز علاقتها مع القوات المسلحة، وفي الطرف الآخر، تحافظ دولة الامارات العربية المتحدة وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر على اتصالاتهم مع قوات الدعم السريع. وهكذا، نجد اهتماماً دولياً مصالحياً كبيراً في الأراضي السودانية، وما أن وقعت الازمة حتى بدأت الدول تستغل الأوضاع للتدخل واتمام مصالحها وطرد اعدائها من المنطقة.
بعد توتر دام لمدة واتهامات إعلامية بين الطرفين، انطلق الصراع بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. اتخذ الصراع منحنى الاشتباكات المسلحة العنيفة، والتي انطلقت شرارتها من العاصمة السودانية. نشب الصراع، الذي أسفر عن مئات القتلى والمصابين، على خلفية خلافات بين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع. السبب الرئيسي للصراع المعلن عنه هو خلاف على موعد دمج قوات الدعم السريع في صفوف القوات المسلحة بموجب اتفاق مسبق تم في 5 كانون الأول من العام 2022. حاولت قوات الدعم السريع السيطرة على قاعدة جوية للجيش في مروي مما أدى الى تفجر الأزمة. ظهرت ملامح التنافس بين الطرفين، عند تشكيل مجلس السيادة الذي شمل السلطة لمرحلة انتقالية بعد اسقاط الرئيس السوداني السابق في عام 2019. وبعد عدة أحداث بشأن الاتفاق الإطاري والتفاهمات بين الجيش وقوات الدعم السريع، نشب الصراع العسكري بين الطرفين مستغلا الخلاف بين القوى المدنية.
اتخذت الأطراف الإقليمية موقف غير واضح في السودان. حاولت بعض الدول لعرض الوساطة بين الطرفين مثل مصر ودولة جنوب السودان. ايضاً، دعت مصر والمملكة العربية السعودية الى مناقشة الوضع في السودان في اجتماع طارئ في جامعة الدول العربية. ولكونها أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، تعد السودان مركزاً لمصالح كبرى بالنسبة للمملكة العربية السعودية. ومن جهة أخرى، بعد تعرض سفيرهم الى اعتداء في الخرطوم، دعا الاتحاد الأوروبي لوقف قتال النار، وحماية البعثات الدبلوماسية تطبيقاً للقانون الدولي. واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً شبيهاً بموقف الاتحاد الأوروبي بمكالمة أجراها وزير الخارجية انتوني بلينكون، داعياً الطرفين لوقف إطلاق النار وحماية البعثات الدبلوماسية. على الرغم من الانفصال بين السودان الجنوبية والسودان الشمالية، إلا ان الصين لا تزال تحتفظ بالاستثمارات والشراكات الاقتصادية في شمال السودان بما في ذلك قطاع التعدين. وتدخلت بعض الدول بشكل غير مباشر للحفاظ على مصالحها الخاصة. ومن هذه الدول، روسيا.
تمثل التدخل الروسي في السودان من خلال مجموعة فاغنر. وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة ارتباط وثيق بالحكومة الروسية. على الرغم من أن الصراع في السودان متجذر بعمق في السياسة الداخلية فيها، إلا انها تخلق فرصاً للفواعل الدولية بالتدخل لتشكيل مستقبل سياسي يفضي الى مصالحها الخاصة. نُشرت فاغنر في السودان عام 2017 للمساعدة السياسية والعسكرية للرئيس في ذلك الحين عمر البشير. سبق هذا الانتشار مفاوضات بين موسكو والخرطوم على عدد من الصفقات الاقتصادية والأمنية لتسهيل الشركة بينهما. تضمن هذه الاتفاقات السابق ذكرها على وجه الخصوص امتيازات تعدين الذهب لشركة "M-Invest” الروسية المرتبطة بفاغنر ورئيسها يفغيني بريغوزين. استمرت أنشطة فاغنر بالسودان حتى بعد الانقلاب الذي أطاح بالبشير من السلطة. بقيت مجموعة فاغنر متكيفة وانتهازية بدلا من ربط نفسها بشكل لا ينفصم بثروات الإدارة الحاكمة. ودعمت فاغنر بالنهاية الانقلاب العسكري عام 2021، والذي نتج عنه حكومة أكثر اهتماما باستمرار وتعزيز العلاقات مع الجانب الروسي. بناء على ما سبق، ترى الولايات المتحدة المتمثلة بإدارة بايدن، السودان كساحة معركة رئيسية لتحجيم صعود موسكو الجيوسياسي في القارة الافريقية.
تناول مقال في مجلة Foreign Policy تحت عنوان " في السودان.. السياسات الأمريكية مهدت الطريق للحرب" الازمة الأخيرة في السودان والاشتباكات المستمرة بين طرفي الصراع الجيش وقوات الدعم السريع، أن الولايات المتحدة تسببت في هذا الصراع من خلال إصرارها على أن هناك فرصة حقيقية لمواصلة العمل من أجل انتقال البلاد الى قيادة مدنية. على الرغم من كونه مستحيلاً، ذكرت المقالة أن "الجهد المضلل" هو الذي روج لفكرة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. بناء على التاريخ القديم من محاولة الولايات المتحدة من تحجيم ومحاصرة نفوذ الاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً، تعتبر السودان حلقة جديدة من هذه المحاولات. اتهمت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة إخراجها من القارة الافريقية، والقاء اللوم عليها بالانفصال الذي حدث بين أجزاء السودان والذي أدى لظهور دولتين، السودان وجنوب السودان. ومع رؤية الصين وروسيا والولايات المتحدة لمصالح مختلفة في السودان، فلا أحد منهم لديه مصلحة راسخة في انهيار الدولة.
في الخاتمة، على الرغم من معاناة السودان لازمات سياسية واقتصادية، وتورات داخلية بين أطراف الدولة من قبائل وأعراق. دخلت اليوم في أزمة داخلية جديدة، جعلت منها مفتوحة الأبواب للتدخلات الخارجية، بحجة الدعوى للسلام وإيقاف إطلاق النار. ومن جهة أخرى، يحاول جانبا الصراع استمالة الأطراف الدولية في صراعهما. يحاول كل منهما عرض الصراع بصراع الخير ضد الشر. وفي رواية كل منهما كلاهما الخير وكلاهما الشر. في الطرف الآخر، تحاول الدول الحفاظ على مصالحها الخاصة في السودان، من مصالح سياسة، وعسكرية، واقتصادية، وجيوسياسية. وأشار وليام بيرنز الى المصالح الأجنبية الأخرى في السودان، فنرى مصر تعزز علاقتها مع القوات المسلحة، وفي الطرف الآخر، تحافظ دولة الامارات العربية المتحدة وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر على اتصالاتهم مع قوات الدعم السريع. وهكذا، نجد اهتماماً دولياً مصالحياً كبيراً في الأراضي السودانية، وما أن وقعت الازمة حتى بدأت الدول تستغل الأوضاع للتدخل واتمام مصالحها وطرد اعدائها من المنطقة.