Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.

الطريق الضيق نحو شرق أوسط جديد

في مقال نشرته مجلة Foreign Affairs ، تحلل الكاتبة دانا سترول التحديات التي تواجه النظام الإيراني في أعقاب الضربات الإسرائيلية وتصاعد التوترات الإقليمية، ويوضح كيف يمكن للولايات المتحدة استغلال ضعف إيران لبناء نظام إقليمي أكثر استقرارًا. يشير المقال إلى أن إيران تعاني من انكشاف غير مسبوق داخليًا وخارجيًا منذ الثورة الإسلامية عام 1979، حيث فقدت العديد من حلفائها الإقليميين وشبكاتها العسكرية والسياسية، مما يخلق فرصة تاريخية لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن السياسات الأحادية الجانب لإدارة ترامب، مثل تقليص المساعدات وتجميد التعاون الدبلوماسي، قد تعيق استغلال هذه الفرصة. يدعو الكاتب إلى استراتيجية متعددة الأطراف تجمع بين الضغط العسكري والدبلوماسية الخلاقة، مع تقديم رؤية إيجابية للحوكمة والتنمية الاقتصادية بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين والعرب. بدون هذا النهج الشامل، قد تتمكن إيران من استعادة نفوذها عبر شبكاتها الإقليمية واستمرار زعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يجعل من الضروري على واشنطن قيادة جهد دولي لتحقيق استقرار دائم ودعم الحكومات المحلية البديلة.
الطريق الضيق نحو شرق أوسط جديد

The Narrow Path to a New Middle East​

النظام الإيراني في موقف دفاعي، أكثر ضعفًا داخليًا وانكشافًا خارجيًا من أي وقت مضى منذ الثورة الإسلامية عام 1979. قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، والحرب المتعددة الجبهات التي شنتها إسرائيل لاحقًا على مصالح إيران، كانت الاستثمارات الضخمة لإيران في ترسانة صواريخها، وبرنامجها للأسلحة النووية، وشبكة وكلائها الإقليميين قد قيّدت بشكل حاد استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. ورغم أن المحللين السياسيين الأمريكيين المتخصصين في الشأن الإيراني اختلفوا في ما يتعلق بمزيج الأدوات الأكثر فاعلية لردع العدوان الإيراني، إلا أنهم اتفقوا عمومًا على أن دفع طهران إلى الزاوية قد يدفعها إلى الرد بوسائل قد تؤدي إلى حرب شاملة. ولهذا، فإن أربعة رؤساء أمريكيين متعاقبين — جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب في ولايته الأولى، وجو بايدن — اعتمدوا على الدبلوماسية والعقوبات كوسائل للردع، ولم يجيزوا شن ضربات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية.

لكن نجاحات إسرائيل العملياتية حطّمت تلك التصورات السابقة — وفتحت نافذة فرصة لتفكيك شبكة التهديد الإقليمي الإيرانية وبناء شرق أوسط أكثر أمانًا واستقرارًا. لقد قُتل قادة رئيسيون ضمن ما يسمى بمحور المقاومة الذي تقوده إيران، وتم إخراج عشرات الآلاف من المقاتلين المدعومين من إيران من ساحة القتال. كما دُمّرت ترسانات المحور، وأضعفت إسرائيل المجمع الصناعي العسكري الإيراني الذي كان يعيد تزويدها بالسلاح. ومع فرار الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق في ديسمبر، خسر قادة طهران حليفًا أساسيًا ساعدهم في تحويل سوريا إلى مركز عبور لتزويد الميليشيات بالأسلحة والأموال والمقاتلين. وقد فشل هجومان صاروخيان باليستيان شنهما النظام الإيراني على إسرائيل في عام 2024، ما زاد من تآكل قوة الردع الإيرانية وأضعف معنويات الجماعات التابعة لها، وأثار تساؤلات حول قيمة طهران كراعٍ.

الظروف الآن مهيأة لإطار سياسي جديد يمكنه إصلاح وتقوية البيروقراطيات الضعيفة والفاسدة التي كانت إيران تتغذى عليها، واستبدال القادة المتورطين الخاضعين لنفوذها. ولا يمكن ترك مهمة منع إيران من استعادة قوتها التخريبية في المنطقة لإسرائيل وحدها، التي تفتقر إلى الموارد، والتحالفات، والخبرة الطويلة بعد انتهاء النزاعات لتأمين نظام إقليمي جديد وأكثر سلامًا. كما أن القوة العسكرية وحدها لن تمنع إيران من إعادة تموضعها. وحده مسار سياسي قادر على تحقيق ذلك — والولايات المتحدة في أفضل موقع لقيادة هذا المسار.

لكن الخطوات التي اتخذها ترامب في الأشهر الأولى من ولايته الثانية ستجعل من الصعب على واشنطن اغتنام هذه الفرصة التاريخية. فترامب قد يعتقد أن تفريغ وزارة الخارجية من الكوادر الدبلوماسية وموظفي المساعدات الخارجية، وتجنّب التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وفرض عقوبات جديدة على إيران، وتصعيد الضربات العسكرية ضد وكلاء إيران في اليمن، كلها تعزز الاستراتيجية الأمريكية وتُظهر عودة لحملة "الضغط الأقصى" التي اتبعها ضد إيران في ولايته الأولى. لكن مقاربة تعتمد على أداة واحدة فقط من أدوات السياسة الخارجية — وهي العمل العسكري — لن تتيح للولايات المتحدة استغلال ضعف إيران.

عوضًا عن ذلك، ينبغي على ترامب أن يجمع بين الإجراءات الصارمة ودبلوماسية خلاقة تتجاوز مجرد الاتصال برؤساء الدول والسعي لعقد صفقات لافتة للأنظار. فلدى الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول العربية هدف مشترك يتمثل في تحرير الشرق الأوسط من النفوذ الإيراني — وهو توافق نادر. يجب على واشنطن جمع هذه الأطراف لوضع خطة واقعية لحوكمة غزة وأمنها وإعادة إعمارها. كما يجب أن تعلن بوضوح عن الاستثمارات الطويلة الأمد التي ستلتزم بها في أمن المنطقة. وبدلًا من تجميد المساعدات، عليها أن تطرح استراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والاستجابة لاحتياجات سكانه من خلال تخصيص موارد أكبر، وليس أقل، لمكافحة الشبكات الإجرامية التي دعمت النفوذ الإيراني لفترة طويلة.

ومن دون هذه الاستراتيجية، لن يتمكن الشرق الأوسط من تثبيت المكاسب العسكرية الإسرائيلية المذهلة ضد إيران. قادة طهران يتحركون بالفعل لاستعادة نفوذهم المفقود: تشير بعض التحليلات، على سبيل المثال، إلى أن الجمهورية الإسلامية ساعدت في تأجيج العنف الطائفي الذي اندلع في سوريا في مارس. ورغم نفي طهران الكامل، فإنها تستفيد من ضعف الحكومة في دمشق. هناك فرصة حقيقية اليوم لتغيير مسار الشرق الأوسط. لكن إذا أضاعت الولايات المتحدة فرصتها في القيادة، فقد لا تتكرر هذه الفرصة إلا بعد أجيال.​

الضربة القاضية​

في غضون عام ونصف، أرغمت إسرائيل العديد من حلفاء إيران على الركوع. فقد فقدت جهات فاعلة رئيسية مدعومة من إيران في الشرق الأوسط قدرتها على شن حملات تمرد فعالة أو الهيمنة حتى على حكومات شرق أوسطية ضعيفة. وبحلول أغسطس 2024، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية أنها "فككت" 22 من كتائب حماس الـ24، وقتلت أكثر من نصف قادتها العسكريين، وقضت على أكثر من 17,000 مقاتل من عناصر الصفوف الدنيا. كما حيّدت القوات الإسرائيلية معظم بنية الأنفاق التابعة لحماس في غزة، والمنشآت التي كانت تستخدمها الجماعة لتصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ والذخائر الأخرى. وقد عكس قبول حماس بوقف إطلاق نار تدريجي في يناير تدهورها: حيث بات قادتها يعلمون أن بقاء الجماعة بات مرهونًا بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية.

في الوقت ذاته، تم القضاء على قيادة حزب الله — شريك إيران في لبنان — بدرجة كبيرة. فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 70% من الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى للحزب، وصواريخ الدفاع الجوي، وصواريخ مضادة للسفن، وقاذفات الصواريخ قصيرة المدى. وفي اعتراف بضعف حزب الله، وجهت طهران ما تبقى من قادته إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار في نوفمبر بشروط مواتية لإسرائيل. واضطُر حزب الله إلى فصل حملته ضد إسرائيل عن الحرب في غزة، ما شكّل ضربة كبيرة لمحاولات إيران تطويق إسرائيل بحلقة نار. وفي فبراير، شكّل لبنان حكومة جديدة استبعدت للمرة الأولى منذ عقود سياسيين موالين لحزب الله.

وفشلت إيران في حماية الأسد، الوحيد من بين رؤساء الدول في الشرق الأوسط الذي كانت تعتبره شريكًا استراتيجيًا. فبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، استثمرت إيران ما يُقدر بـ30 إلى 50 مليار دولار في دعم نظام الأسد، عبر إرسال ضباط إيرانيين، وتوجيه مقاتلين أجانب إلى سوريا، وتقديم دعم لوجستي وعملياتي واسع. وفي المقابل، سمح الأسد لإيران باستخدام بلاده لتوسيع شبكتها الإقليمية، ومنحها السيطرة على مستودعات ومطارات، وسمح لها بنقل الأموال والمعدات إلى وكلائها عبر الأراضي والأجواء السورية. لكن هذا التحالف المتبادل المنفعة بين طهران ودمشق انهار فجأة في ديسمبر، عندما قادت جماعة هيئة تحرير الشام تحالفًا مناوئًا للأسد، ونفّذت هجومًا خاطفًا استولى على دمشق دون أن يواجه مقاومة جدّية.

وأخيرًا، فشلت استراتيجية إيران في تصدير القوة لحماية نفسها داخليًا في ردع إسرائيل عن ضرب أراضيها مرتين في عام 2024. فقد أدى تدمير إسرائيل للدفاعات الجوية الاستراتيجية الإيرانية، وضربها لمرافق صناعية دفاعية، إلى كشف برنامج إيران النووي، وأضعف بشكل كبير قدرتها على تصنيع الأسلحة التقليدية. والأهم من ذلك، أن العمليات الإسرائيلية خفّضت حاجز الخوف من تنفيذ ضربات داخل الأراضي الإيرانية. ففي أبريل 2024، ردّت إيران على مقتل جنرالين إيرانيين بارزين في دمشق بهجوم صاروخي وبطائرات مسيّرة على الأراضي الإسرائيلية. لكن نظام دفاع متعدد الأطراف ومنسق — قادته الولايات المتحدة وشارك فيه عسكريون من إسرائيل ودول عربية وأوروبية — تمكّن من اعتراض معظم صواريخ إيران المجنحة وطائراتها المسيّرة قبل أن تصل الأجواء الإسرائيلية. ثم، في أكتوبر الماضي، دافعت إسرائيل، بمساعدة أمريكية، عن نفسها بنجاح ضد وابل إيراني أكبر شمل أكثر من 180 صاروخًا باليستيًا. وقد أظهرت هذه الأحداث أن الهجمات التقليدية التي تشنها إيران يمكن إحباطها، وأنه من الممكن إقناع الدول المجاورة بالانضمام إلى دفاع منسق ضد العدوان الإيراني.​

استعداد واستقرار​

لقد أضعفت إسرائيل قوة إيران بشكل كبير من خلال العمليات القتالية، لكن المرحلة التالية من الحرب، والتي تُعرف في العقيدة العسكرية الأمريكية باسم "الاستقرار"، لا تقل أهمية. فمن أجل منع تكرار دورات العنف ومنع الجهات الخبيثة من استغلال الفوضى التي تعقب الصراعات، تشمل مرحلة الاستقرار إعادة فرض الأمن الأساسي الذي يمكن للسكان الوثوق به، وتقديم خدمات حيوية مثل الكهرباء والصرف الصحي، ووقف التدهور الاقتصادي بعد الحرب، ومساعدة الحكومات الجديدة على إعادة بناء مجتمعاتها. وهذه المرحلة من الحرب — والتي تُعد سياسية بطبيعتها — لا يمكن خوضها من قبل الجنود فقط؛ بل يجب أن يشارك فيها دبلوماسيون وخبراء فنيون لما بعد النزاع، وقادة محليون، وفاعلو مجتمع مدني، حتى إن استمرت بعض العمليات العسكرية المحدودة.

الشرق الأوسط مهيأ الآن للاستقرار الاستراتيجي. ففي بيروت ودمشق، بدأ قادة جدد العمل على انتزاع بلدانهم من قبضة إيران على أمنهم وسياساتهم. ففي تحدٍ مباشر لحزب الله، دعا الرئيس اللبناني الجديد، قائد الجيش السابق جوزيف عون، علنًا إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة. وقد منح الجيش اللبناني تفويضًا للانتشار في جنوب البلاد واستكمال عملية نزع سلاح حزب الله. وقد دعت الأمم المتحدة إلى هذا النزع منذ عام 2006، ولكن فقط الآن، وبفضل تدهور قدرات حزب الله، والإرادة السياسية الجديدة في بيروت، والإشراف العسكري المباشر من الولايات المتحدة، بات لهذا الهدف فرصة واقعية للتحقق.

أما في سوريا، فيواجه قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات المرتبطة بإيران على الحدود اللبنانية، وقد اتهم إيران بشكل علني بإثارة عدم الاستقرار في المنطقة. وقد دعا حكومته المؤقتة إلى حوار وطني لرسم مستقبل سوريا، ووقعت اتفاقيات اندماج مع مجموعات مسلحة أخرى، وعملت على إحباط مؤامرات لتنظيم الدولة (داعش) باستخدام معلومات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة. وعلى الرغم من قلق المسؤولين الأمريكيين من ارتباطات الهيئة السابقة بتنظيم القاعدة، فإن هذه الجهود الأولية تعكس ميولًا نحو الشمولية السياسية والتعاون الأمني، وهي خصائص، إذا تم تعزيزها، يمكن أن تشكّل حصنًا ضد التدخل الإيراني الذي يستغل الانقسامات الطائفية والبؤس الاقتصادي. وقد بدأ السكان في لبنان وسوريا، بعد أن أدركوا أن قبضة إيران قد ضعفت، ينظرون إلى حكوماتهم بدلًا من الجماعات الخارجة عن الدولة كمصدر للمساعدة في إعادة بناء حياتهم.

لكن من دون مساعدات خارجية وتواصل فعّال — وفي غياب رؤية شاملة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي — فإن المجتمعات المتضررة في الشرق الأوسط ستضطر إلى الاعتماد على شبكات خارجة عن مؤسسات الدولة، بما فيها شبكات غير شرعية، من أجل البقاء اليومي. وهذا بدوره سيضعف الحكومات. وقد لاحظ القادة الإيرانيون موجة القادة القوميين الجدد الذين لا يستجيبون لتوجيهاتهم، وهم يعلمون أن كثيرين من الناس يتوقون للتحرر من سطوة "محور المقاومة". إلا أن إيران تنوي بوضوح استعادة نفوذها الإقليمي: ففي خطاب ألقاه في ديسمبر، كشف الجنرال الإيراني البارز، بهروز إسباتي، عن خطط طهران لتجنيد متمردين جدد في سوريا، معلنًا أن بلاده ستنجح تدريجيًا في إعادة تفعيل "الطبقات الاجتماعية" العميقة من النفوذ التي أنشأتها عندما كان الأسد في الحكم.

إن إزاحة الأسد تشكّل فرصة تاريخية لوضع سوريا على مسار استقرار طويل الأمد، حيث لا تعود بمثابة قاعدة تستخدمها إيران لإسقاط نفوذها. لكن مهما كانت رغبة أحمد الشرع في تفكيك عقد من النفوذ الإيراني، فلن يستطيع تحقيق ذلك ما لم يحصل على إعفاء من العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة. ومن دون دعم خارجي كبير مشروط بتحقيق معايير واقعية للحكم الرشيد، فلن يتمكن من معالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية السورية — وهي حالة من عدم الاستقرار تخدم المصالح الإيرانية.

ولا تزال إيران تحتفظ بموطئ قدم قوي في أماكن أخرى. فرغم ضعفها، لم تُظهر حماس أي مؤشر على قبول الهزيمة، كما أن قادتها لا يفاوضون على مستقبل يتخلون فيه عن حكم غزة. وتستفيد حماس حاليًا من شح الموارد، إذ تقوم بتحويل المساعدات الإنسانية والسيطرة على توزيعها. كما تفرض نفسها في فراغ الحوكمة في غزة، وتنسب الفضل لنفسها في حملة تلقيح ضد شلل الأطفال نُفذت عام 2024 بدعم من الأمم المتحدة وبمساعدة من إسرائيل والولايات المتحدة. وتعمل مع شبكات إجرامية لابتزاز المدنيين، وتنظّم مراسم معقدة لتبادل الأسرى لإظهار قوتها المتبقية. ومنذ السابع من أكتوبر، يُقدّر أن الجماعة قد جندت أكثر من 10,000 عضو جديد، بينما يعرف ممولوها كيف يتجاوزون ثغرات نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، ويُديرون محفظة استثمارية عالمية تقدر بمئات الملايين من الدولارات. ولم تُفصح إسرائيل عن أي رؤية لحكم فلسطيني غير تابع لحماس في غزة، كما أن الاقتراح الذي طرحته الدول العربية في قمة القاهرة في مارس لم يطالب بتفكيك حماس.

أما ضربات إسرائيل لحزب الله، فقد تركت الجماعة في حالة ضعف شديد. ولكن القادة الجدد في بيروت ورثوا دولة ضعيفة ومجوّفة. ولتفكيك حزب الله بالكامل، فهم بحاجة إلى المساعدة. لكن بعد وقت قصير من تنصيب عون في يناير، جمّدت إدارة ترامب عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات أمنية للجيش اللبناني. وحتى قبل السابع من أكتوبر، لم تكن الولايات المتحدة (وغيرها من الجهات الدولية) تقدم دعمًا للبنان سوى على المستوى الإنساني المحلي المباشر، بسبب هيمنة حزب الله على مؤسسات الدولة. ورغم التغيير الكبير الذي طرأ في بيروت، لم تقم واشنطن بتعديل نهجها في تقديم المساعدات. وقد أشار الزعيم الجديد لحزب الله، نعيم قاسم، بالفعل إلى أنه يتوقع فشل جهود الإصلاح في بيروت، ورفض دعوة عون لنزع السلاح. وإذا لم تتمكن الحكومة اللبنانية من تقديم مساعدات اقتصادية وإعادة إعمار بسرعة، فقد يتمكن حزب الله من الاستيلاء على الدولة من جديد من خلال الفوز بمقاعد برلمانية في الانتخابات المقبلة العام المقبل. وهو يعمل بالفعل على إعادة التسلح والتمويل، ويعزز دعمه الشعبي من خلال تقديم آلاف الدولارات كتعويضات للبنانيين الذين دُمرت منازلهم خلال الحملة الإسرائيلية.​

راعي منفرد​

من أجل استعادة نفوذها، ستسعى إيران أيضًا إلى ترسيخ نفوذها المؤسسي أكثر في العراق واليمن. لا تزال السياسة في كلٍّ من بغداد وصنعاء متأثرة بشكل كبير بطهران، وتستخدم الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة والمرتبطة بإيران هذين البلدين لعرض القوة. ومع تراجع نفوذ حزب الله، تدخل الحوثيون المتمركزون في اليمن كخطة تأمين جديدة لإيران، وربطوا استفزازاتهم بحملة إسرائيل في غزة. فمنذ 7 أكتوبر، حسّنوا تكتيكاتهم وقدراتهم الصاروخية، وطوروا حضورًا إعلاميًا بارعًا. ولا يزالون يسيطرون على صنعاء، يطبعون النقود، ويجمعون الضرائب، ويحولون المساعدات الإنسانية لأغراضهم الخاصة، بل وحصلوا في ديسمبر على 500 مليون دولار من السعودية لدعم ميزانيتهم. ولم تنجح الضربات المتعددة الأطراف بقيادة الولايات المتحدة على أهداف عسكرية للحوثيين، ولا هجمات إسرائيل على البنية التحتية للموانئ والطاقة، في وقف اعتداءات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر، إلا بعد تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة في يناير. كما فشلت هذه الضربات بشكل حاسم في خلق فرصة لقيادة يمنية جديدة أو في قطع تدفق الأسلحة والتدريب والدعم الفني الذي ترسله إيران إلى اليمن.

وقد أعاد ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو تصنيف كانت إدارة سلفه قد ألغته في 2021. ولن يؤثر هذا القرار على قادة الحوثيين، الذين لا يسافرون ولا يملكون حسابات مصرفية دولية، لكنه سيزيد من إنهاك الاقتصاد اليمني المدمَّر، وسيلحق الضرر بالمدنيين الذين يعانون بالفعل من آثار أكثر من عقد من الحرب الأهلية، مما يخلق فرصًا جديدة لتوسع النفوذ الإيراني.

وفي العراق، تقيّدت جهود الولايات المتحدة وإسرائيل في تحجيم نفوذ إيران بسبب دور بغداد كمضيف للقوات الأمريكية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية. واستعدادًا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، تعمل الميليشيات المدعومة من إيران على ترسيخ مصالحها في بغداد، وتتغلغل في النظام السياسي العراقي وتستولي على مؤسسات الدولة لضمان بقاء شبكة التهديد الإيرانية. وقد تبنّى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سياسات غير مواتية لطهران، منها حظر سفر مقاتلين مدعومين من إيران إلى سوريا، وإبداء استعداده لاستمرار استضافة القوات الأمريكية. لكن واشنطن لم تبذل أي جهد لمكافأة هذه الخطوات، بل جمدت المساعدات للمجتمعات التي تعرّضت للإرهاب من داعش، وعلّقت البرامج الداعمة للتنمية الاقتصادية في العراق. وفي مارس، أنهت إدارة ترامب أيضًا إعفاءً من العقوبات كان يسمح للعراق بشراء الكهرباء من إيران، مما سيزيد من الضغط على شبكة الكهرباء الهشة أساسًا في العراق مع اقتراب فصل الصيف، ويجعل السوداني أكثر عرضة للخطر

يعتمد معظم المسؤولين الأمريكيين اليوم على قناعة جديدة مفادها أن النظام الإيراني في أضعف حالاته الآن، وبالتالي فإن الوقت قد حان لتشديد الموقف أكثر. فبعد وقت قصير من توليه المنصب في يناير، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يعيد حملة "الضغط الأقصى" التي تهدف إلى إنهاء التهديد النووي الإيراني، و"تقليص برنامجه الصاروخي"، و"وقف دعمه للجماعات الإرهابية". وأعلن عن عدة حزم جديدة من العقوبات الأمريكية، استهدفت برنامج الطائرات المسيّرة الإيراني، وصادرات النفط، والشبكات الإجرامية العابرة للحدود التي تضخم تأثير الإرهاب الممول من إيران. كما استلهمت إدارته من الاستراتيجية الإسرائيلية فشنّت حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، موسعة نطاق الضربات الأمريكية السابقة التي كانت محدودة، لتستهدف أفرادًا، وبنية تحتية عسكرية، ومبانٍ حكومية.

ورغم أن العقوبات والضربات العسكرية يمكن أن تكون جزءًا من استراتيجية ناجحة، فإنها لا تكفي وحدها في هذا الوقت الحاسم. تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة تقوم على الانخراط متعدد الأطراف من أجل تقديم رؤية إيجابية لشرق أوسط خالٍ من النفوذ الإيراني المدمر. وتبدو هشاشة الدبلوماسية الأمريكية جلية في سوريا، حيث تعرب حكومة الشرع علنًا وباستمرار عن رغبتها في مواجهة النفوذ الإيراني، ومحاربة الإرهاب العابر للحدود، والحفاظ على حدود سلمية مع إسرائيل. وقد أدركت دول مثل الأردن وقطر والسعودية وتركيا، إلى جانب وفود أوروبية رفيعة المستوى، أهمية الفرصة، واجتمعوا بالفعل مع القادة الجدد في دمشق. لكن الولايات المتحدة لا تزال تقف إلى حد كبير على الهامش الدبلوماسي. قد يكون القلق مبررًا — فالشرع لا يزال غير مجرب — لكنه بحاجة إلى دعم دولي حازم حتى لا يُهدد حكمه من قبل المفسدين. ويجب منحه مجموعة واقعية من معايير الأداء التي تشجعه على الاستمرار في جهود الاستقرار، إلى جانب تخفيف للعقوبات الأمريكية حتى يتمكن من إعادة بناء اقتصاد شرعي.

وحيثما تنخرط إدارة ترامب، فإن نهجها الأحادي وردودها الارتجالية تهدد بتقويض النتائج المستدامة. فارتباكها في التعامل مع غزة — بدءًا من عرض "تبنّي" مسؤولية القطاع، مع اقتراح إعادة توطين الملايين من المدنيين بطريقة ما، إلى بدء مفاوضات مباشرة مع حماس — يُمثل انقطاعًا حادًا عن عام ونصف من الدبلوماسية الأمريكية، التي ركز فيها المسؤولون الأمريكيون على خلق حل مستدام لغزة يعزز أمن إسرائيل، ويلبي احتياجات المدنيين الفلسطينيين، ويأخذ في الاعتبار مواقف جيران إسرائيل العرب. وقد أثمر هذا النهج في النهاية عن وقف لإطلاق النار استمر عدة أسابيع، سمح بإعادة الأسرى الإسرائيليين، ووصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. أما النهج الحالي، فيُرجّح أن يؤدي إلى شلل سياسي وسط سيل من المقترحات غير المنسقة وغير الواقعية، مما سيخلق أرضًا خصبة لإعادة تنظيم حماس وإيران.​

هدف عكسي​

عند تعامله مع إيران مباشرة، امتنع ترامب عن بناء دعم دولي قبل التواصل مع المرشد الأعلى علي خامنئي لفتح مفاوضات. ومن خلال تجاهله الحاجة إلى التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، فإنه يكرر خطأ ارتكبته واشنطن عند ترتيب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015: ففي ذلك الوقت، أدى غياب التشاور مع إسرائيل والعواصم العربية إلى توترات كبيرة، وترك الاتفاق من دون مدافعين عندما قرر ترامب الانسحاب منه عام 2019. وتبدو استراتيجية الولايات المتحدة الحالية تجاه إيران قائمة على قناعة مفادها أن الضغط، بالتنسيق مع إسرائيل فقط، يمكن أن يرغم النظام في طهران على إنهاء أنشطة يعتبرها ضرورية لبقائه. لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تنهار اقتصاد إيران أو تنفذ ضربات عسكرية دون دعم أوسع. فهي بحاجة إلى تعاون الصين، التي تُعد أكبر مستورد للنفط الإيراني، وإلى دول الشرق الأوسط التي تستضيف القواعد والقوات الأمريكية. كما تحتاج إلى دعم العواصم الأوروبية في مجلس الأمن. ومن دون توافق دولي أوسع بكثير حول أفضل السبل لعزل طهران، فإن النظام سيستغل علاقاته مع بكين وموسكو لمقاومة أي جهود أمريكية لانتزاع تنازلات حقيقية.

تحتاج واشنطن إلى توضيح دقيق لكيفية تقديمها لتخفيف العقوبات للجهات التي تتوقف عن الأنشطة الخاضعة للعقوبات. وتُعد إعادة النظر في العقوبات على سوريا ما بعد الأسد أولوية ملحة، لكن ينبغي على الحكومة الأمريكية أيضًا أن تصوغ مسارًا لتخفيف اقتصادي ذي معنى لإيران نفسها — إذا اتخذت طهران الخطوات اللازمة للحد من برنامجها النووي وجهودها لزعزعة استقرار الدول الأخرى.

يجب على الولايات المتحدة أن تدعم استراتيجيتها الإقليمية بالموارد والخبرة المدنية، حتى وهي تشجع الآخرين على تقاسم الأعباء. فالمساعدة والخبرة التقنية التي يقدمها المدنيون عنصر أساسي في عمليات الاستقرار. وقد استثمرت الولايات المتحدة عقودًا ومئات الملايين من الدولارات لبناء هياكل بيروقراطية، وكوادر تنفيذية، وخبرات في إنشاء مبادرات تمويل مشتركة وبرامج مساعدات ذكية تُمكن الدول من الانتقال بنجاح من مرحلة النزاع. وستكون هذه الأدوات والمهارات ضرورية لتثبيت المكاسب ضد إيران: فالمجتمعات التي دمّرها العنف تريد إعادة البناء، لكن قادتها الجدد يفتقرون إلى الخبرة في الحوكمة، والإدارة التقنية، والاقتصاد لمعالجة التحديات الفريدة التي تواجهها مجتمعات ما بعد النزاع. كما أن الجيوش النظامية في الشرق الأوسط غير مستعدة لنزع سلاح الجماعات المدعومة من إيران وإعادة دمجها.

لكن خبرة الولايات المتحدة الواسعة في الاستقرار تُهدر الآن مع تقليص واشنطن بشكل منهجي لقواها العاملة المتخصصة في المساعدات. فقد كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية — التي يبدو أن ترامب مصمم على تفكيكها — تضم مكتب مبادرات الانتقال، وهو هيئة مصممة لسد الفجوة بين التنمية والمساعدات الإنسانية. كما يتخصص مكتب وزارة الخارجية لعمليات النزاع والاستقرار — الذي تموّله ميزانية المساعدات التي يسعى ترامب إلى تجميدها — في مساعدة الدول على التعافي من الضرر الذي تسببت به الجماعات المسلحة غير الحكومية، ويضم "مستشارين للاستقرار" جاهزين للنشر في مناطق النزاع.

وتخطط إدارة ترامب لتقليص عدد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية بشكل كبير، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يتولى الدبلوماسيون مسؤوليات أكبر عقب التطورات العسكرية الهائلة التي شهدها عام 2024. وقد جمّدت المساعدات المخصصة للاستقرار في العراق وسوريا واليمن، في وقت كان يمكن أن تحقق فيه هذه المساعدة أعظم فائدة. كما أوقفت مؤقتًا المساعدات العسكرية للجيش اللبناني في اللحظة التي التزمت فيها الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله. وأوقفت تمويل الأمن لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي استمرت في تعاونها الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية لمواجهة نفوذ حماس هناك. وإذا كانت الولايات المتحدة تأمل في تفكيك شبكة النفوذ الإيراني الإقليمية بالكامل، فعليها أن تقدم مساعدات غير عسكرية بينما تضغط على الآخرين لتقاسم العبء. وإذا لم توسّع استراتيجيتها، فإنها ستتخلى عن أفضل الأدوات المتاحة لدعم بروز جهات بديلة.

وأخيرًا، على الولايات المتحدة أن تقدم لشركائها الإقليميين تطمينات أوضح بشأن التزاماتها الأمنية، حتى وهي تطلب منهم الاستمرار في التعاون الأمني المتعدد الأطراف الذي أثبت فعاليته الكبيرة في مواجهة الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية. فقد زادت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ بعد 7 أكتوبر. وقد ساعد ذلك الدعم الاستخباراتي والعسكري المباشر لإسرائيل على تركيز جهودها ضد شبكة التهديد الإيرانية، ما غيّر المشهد الاستراتيجي في المنطقة بشكل جذري. وسيكون الحفاظ على هذا الأساس من الدعم العسكري ضروريًا بينما تتحول المنطقة نحو مرحلة الاستقرار.

ولتعظيم الضغط على الحوثيين، يجب على الولايات المتحدة أن تصمم حزمة مساعدات ملموسة مستعدة لتقديمها للشعب اليمني إذا تخلّى الحوثيون عن السيطرة. كما ينبغي أن تشرك شركاءها في حملتها العسكرية لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وتوضح أنها مستعدة لدعم الدول التي يهددها الحوثيون، مثل السعودية والإمارات. إن تعهدًا بالحفاظ على وضع عسكري متقدم على المدى المتوسط سيُرسل رسالة واضحة إلى طهران ويطمئن القادة الإقليميين الآخرين المتواجدين على الخطوط الأمامية في مواجهة إيران. وفي العراق وسوريا، ينبغي على واشنطن الإبقاء مؤقتًا على قواتها البرية، والتأكد من أنها توضح دعمها لشعبي البلدين. وفي لبنان، سيحتاج الأمر إلى الحفاظ على الدور الرقابي الفعّال الذي يلعبه الجيش الأمريكي في مساعي نزع سلاح حزب الله، وتقديم دعم مباشر للقادة الجدد في بيروت إذا اتخذوا خطوات إضافية نحو الإصلاح.

الحفاظ على الوجود العسكري هو استثمار لا بد أن تقوم به الولايات المتحدة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط مرحلة انتقالية، وتحتاج فيه القيادات الجديدة إلى ترسيخ الدعم الشعبي، وتبدأ فيه ترتيبات أمنية جديدة في التبلور. كما يجب تخفيف العقوبات تدريجيًا مع إحراز القادة الجدد في سوريا تقدمًا في الحوكمة الرشيدة، وزيادة المساعدات والخبرة الفنية للمجتمعات الهشة، والقيام بدور قيادي في جمع الشركاء المحليين والدوليين لصياغة رؤية ملموسة وواقعية لنظام إقليمي خالٍ من الهيمنة الإيرانية. لقد نجحت محاولات إيران السابقة في زعزعة استقرار حكومات المنطقة، وإخضاع شعوبها، وتحدي المصالح الأمريكية، ونشر الإرهاب في الخارج، لأنها استهدفت دولًا تفتقر إلى الحوكمة، وتعاني من الفساد والضعف السياسي. ويجب أن يكون الهدف المركزي لاستراتيجية الاستقرار هو دعم بروز حكومات أكثر استجابة وشفافية، تحتكر استخدام القوة، وتتمكن من تحقيق الرخاء لشعوبها، وتكون مستعدة لمواجهة النفوذ الإيراني. فعلى عكس ما افترضته عقود من التفكير التقليدي، تبيّن أن حملة عسكرية استثنائية يمكن أن تقلّص بشكل كبير من النفوذ الإيراني في المنطقة. والآن، على الولايات المتحدة أن تقوم بدورها في قيادة جهد مدني استثنائي مماثل لجعل هذا التغيير دائمًا.​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى