Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.
في مقال نشره مايكل هيرش في مجلة Foreign Policy، يستعرض الكاتب مسار إسرائيل الطويل نحو الهيمنة الإقليمية، مشيرًا إلى انتقالها من التفوق العسكري على جيرانها العرب إلى السعي لفرض الهيمنة على إيران، خصمها الإقليمي الأخير. رغم ما حققته من نجاحات عسكرية واستخباراتية، لا تزال إسرائيل تعتمد بشكل كبير على دعم الولايات المتحدة، لا سيما في ظل قيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي يبدو مترددًا بين توسيع الحرب أو السعي لصفقة دبلوماسية مع طهران. المقال يسلّط الضوء على الانقسامات داخل الإدارة الأميركية والجمهوريين بشأن كيفية التعامل مع التصعيد، مشيرًا إلى أن إسرائيل، رغم تفوقها الحالي، لن تتمكن من حسم الصراع مع إيران دون تدخل أميركي مباشر، خاصةً في ما يتعلق بمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. كما يناقش الكاتب احتمالات التصعيد الإيراني، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية أو الإرهاب الدولي، في ظل غياب ردع حقيقي من دول الخليج. في النهاية، يرى بعض المحافظين الأميركيين أن الاعتماد على إسرائيل كحليف قوي قد يكون مخرجًا استراتيجيًا للولايات المتحدة لتقليص وجودها في الشرق الأوسط.
الطريق الطويل لإسرائيل نحو الهيمنة الإقليمية

Israel’s Long Road to Regional Dominance​

تقترب إسرائيل من نهاية قوس تاريخي استثنائي امتد لنصف قرن، بدأت فيه بتكريس تفوقها العسكري على جيرانها العرب، وهي الآن تمارس نفس الدرجة من التفوق على إيران، التي تُعد التهديد الإقليمي الوحيد المتبقي لها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا السجل اللافت من النجاحات العسكرية، فإن إسرائيل لا تزال بحاجة إلى الولايات المتحدة، حليفتها الجيوسياسية الأساسية، أكثر من أي وقت مضى. ومن الإنصاف القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحده قادر على إنهاء هذه الحرب الأخيرة وإحلال الاستقرار الاستراتيجي الذي تحتاجه المنطقة بشدة.

السؤال الوحيد الآن هو: هل سيوقف ترامب الحرب أم سيوسّعها؟

بمعنى آخر، وحده ترامب يستطيع أن يقرر ما إذا كان يريد أن يتخلى عن مجمل برنامجه الانتخابي وينخرط في حرب شرق أوسطية جديدة — وربما يأمر الجيش الأميركي بقصف المنشأة النووية الإيرانية الأكثر تحصينًا، فوردو — أو ما إذا كان سيقرر وقف الإسرائيليين عند ما يعتبرونه عتبة النجاح النهائي، من خلال التفاوض على اتفاق مع النظام الإيراني المترنّح.

المشكلة تكمن في أن ترامب، على ما يبدو، لم يحسم بعد ما الذي يريد فعله، ويواجه انقسامًا عميقًا داخل حزبه الجمهوري حول هذا الملف. ففي الأيام القليلة الماضية فقط، انتقلت إدارة ترامب بشكل حاد من السعي إلى الدبلوماسية وإنكار المشاركة في الهجمات الإسرائيلية، إلى التصريح — بكلمات ترامب نفسه — بأن "لدينا السيطرة الكاملة على الأجواء فوق إيران"، بل إن الولايات المتحدة وإسرائيل قد "تتخلصان" من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.

يبدو، مرة أخرى، أن إسرائيل نجحت في جرّ واشنطن المترددة إلى صراع إقليمي — وهو صراع قد يُعرّض حياة 40,000 جندي أميركي منتشرين في أنحاء المنطقة للخطر، في حال شنّ ترامب هجومًا على إيران.

لكن هذا ليس أمرًا جديدًا. فعلى مدار عقود، ورغم التقدم المتواصل في تكنولوجيا السلاح، والتدريب، وجمع المعلومات الاستخباراتية — وهو ما ساعد هذه الدولة الصغيرة التي يقل عدد سكانها عن عشرة ملايين نسمة على الهيمنة على جيرانها الأكبر — ظل اعتماد إسرائيل محوريًا على تحالفها مع الولايات المتحدة لتحقيق الكثير من نجاحاتها.

بدأت هذه العلاقة تقريبًا منذ نشوء إسرائيل عام 1948، حين اختارت الجانب الصحيح في الحرب الباردة: الولايات المتحدة. أما الدول العربية، فقد أصبحت في معظمها شركاء وحلفاء للاتحاد السوفييتي — وقد بلغ هذا التحالف ذروته في تزويد مصر وسوريا بكميات هائلة من السلاح السوفييتي في حرب عام 1973، بما في ذلك أنظمة متطورة آنذاك مثل دبابات T-62 وصواريخ أرض-جو من طراز SA-9. وقد اقتربت مصر وسوريا حينها من الانتصار في الحرب.

لكن ذلك التهديد الوجودي شبه المؤكد كان آخر مرة تواجه فيها إسرائيل خطرًا حقيقيًا من الدول العربية. فقد منحها اتفاق السلام مع مصر عام 1979، الذي رعاه الرئيس الأميركي جيمي كارتر في كامب ديفيد، فترة طويلة من الهدوء سمحت لها بتطوير قدراتها التكنولوجية بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة. وقد تبع ذلك تبادل واسع للخبرات. في المقابل، عانت الدول العربية المعزولة من الجمود، وظلت جيوشها متخلفة.

يقول رويل مارك غيريشت، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وصاحب خبرة واسعة في شؤون المنطقة: "من الواضح أنه مع تراجع السوفييت وفقدانهم القدرة على الابتكار العسكري، تبعهم العرب. وحين انهار الاتحاد السوفييتي، انتهت اللعبة". وأضاف: "إنهيار أو تفقير الدول العربية الأكثر حداثة وغربية — مثل الأنظمة القمعية المتزايدة في سوريا والعراق ومصر — أنهى كل شيء. فمع التقدم السريع في التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية منذ نهاية الحرب الباردة، نشأت فجوة مستحيلة الردم". وأضاف غيريشت في رسالة إلكترونية: "الجمهورية الإسلامية (الإيرانية) تعيش الآن هذه الفجوة".

وفي الواقع، لا شيء غيّر ملامح الشرق الأوسط بقدر القوة العسكرية والاستخباراتية التي أظهرتها إسرائيل منذ الهجمات الدموية التي شنّتها حركة حماس — الحليف الإيراني — في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

قبل 620 يومًا، بدت إسرائيل فجأة أكثر ضعفًا مما كانت عليه منذ عقود. لم يكن الأمر فقط أن حماس، التي كانت تُعتبر سابقًا حركة خامدة، قد نفّذت أسوأ مذبحة في يوم واحد بحق اليهود منذ المحرقة (هذا كلام كاتب المقال ولا اتفق معه فيه)، بقتلها أكثر من 1,200 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 شخص في غارة مفاجئة عبر الحدود. بل كان أيضًا لأن حزب الله، المدعوم من إيران، هدّد بالدمار من الشمال، فيما كانت طهران تواصل تطوير برنامجها النووي.

بعد عام ونصف فقط، انقلبت المعادلة رأسًا على عقب. فبفضل سلسلة من العمليات العسكرية والاستخباراتية المعقدة، لم تكتفِ إسرائيل بالقضاء على قيادة حماس، بل دمّرت أيضًا بنية حزب الله وأضعفت إيران بشدة، فاتحةً الطريق لإسقاط حليف طهران، الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أدى استبدال عائلة الأسد الحاكمة — المنتمية إلى طائفة علوية شيعية قديمة — بزعيم سني يُدعى أحمد الشرع، إلى حرمان حزب الله الشيعي فعليًا من طريق التسلّح البرّي الحيوي عبر سوريا.

ولا يزال حزب الله مشلولًا وصامتًا حتى في مواجهة الهجمات الإسرائيلية على إيران. كما أن الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، وقد أُنهكت بدورها، التزمت الصمت. ففي منشور على منصة "إكس" يوم الجمعة الماضي، دعا رجل الدين العراقي المعادي سابقًا لإسرائيل، مقتدى الصدر، إلى أن "يبقى العراق بعيدًا عن هذه الحرب"، رغم استخدام الطائرات الإسرائيلية للأجواء العراقية.

وفي الأيام الأخيرة، أهانت إسرائيل راعي هذه الميليشيات بالضربة القاضية: قتلت القيادة العسكرية الإيرانية وأبرز علمائها النوويين، وفرضت سيطرة جوية كاملة. والرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى خامنئي وقيادته السياسية واضحة: "يمكننا قتلكم أيضًا، متى شئنا".

وقد لمح نتنياهو إلى أن النجاح السريع لقواته في تدمير الدفاعات العسكرية الإيرانية أقنع حكومته بأن تغيير النظام الإيراني قد بات هدفًا ممكنًا — وهو طموح كان حتى وقت قريب لا يمكن تصوّره.

وهكذا، تُعدّ إسرائيل — دون شك — القوة المهيمنة في الشرق الأوسط حاليًا (مع ضرورة أخذ تركيا بالحسبان). لكن، مرة أخرى، بدون الدعم الأميركي، قد لا يتحقق هذا التفوق كنجاح استراتيجي دائم. إذ ما لم تتدخل واشنطن، ستتفاقم الأعمال العدائية، ومن المرجّح أن تحتفظ إيران ببعض القدرة على تطوير سلاح نووي.

المشكلة، كما في السابق، أن ترامب يبدو منقسمًا على نفسه وحركته السياسية بشأن ما يجب فعله. فبعد أن عاد من قمة مجموعة السبع في كندا قبل موعدها بيوم، نفى أنه يسعى لاستئناف المفاوضات مع إيران، بل وحذر الإيرانيين من البقاء في طهران. لكنه في الوقت نفسه ألمح إلى انفتاحه على اتفاق أوسع، قائلاً إن هدفه في إيران هو "نهاية حقيقية، لا مجرد وقف إطلاق نار".

وبحسب تقارير ومصادر قريبة من الإدارة الأميركية، فإن كبار المسؤولين في إدارة ترامب منقسمون بحدة بشأن مدى دعمهم لإسرائيل في حربها الجديدة. ففي البنتاغون ومجلس الأمن القومي، يضغط قائد القيادة المركزية الجنرال مايكل إي. كوريللا بقوة لدعم إسرائيل، في مواجهة مقاومة من جناح "الانكفائيين" مثل وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات إلبريدج كولبي، الذين يؤيدون انسحاب ترامب من الصراعات الخارجية. هذا الصراع يعكس الانقسام داخل الحزب الجمهوري بين الجناح القديم من المحافظين الجدد المتشددين — الساعين لتغيير النظام في طهران — وبين الشعبويين الانعزاليين الجدد الذين أوصلوا ترامب إلى السلطة.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، بدا أن الرئيس نفسه يفضل خيار صفقة دبلوماسية جديدة، وليس من المفاجئ أنه في الأول من أيار/مايو، أقال كبير صقور إدارته تجاه إيران، مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز. وقد ناشد ترامب طهران مرارًا بقبول الاتفاق الصارم الذي كان يعرضه قبل بدء الأعمال العدائية، والذي يتضمن وقفًا تامًا لتخصيب اليورانيوم.

لكن بحلول الثلاثاء، وقبيل اجتماع لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بدا أن ترامب قد تبنّى نهجًا أكثر عدائية، مطالبًا بـ"الاستسلام غير المشروط!" لخامنئي، كما كتب في منشور على منصة "تروث سوشال". وأضاف: "لدينا الآن السيطرة الكاملة على الأجواء فوق إيران"، مشيرًا إلى أن واشنطن باتت شريكة في العملية الإسرائيلية. وتابع: "نحن نعلم تمامًا أين يختبئ ما يُسمى بـ‘المرشد الأعلى‘. إنه هدف سهل، لكنه آمن هناك — نحن لن نقتله (حتى الآن)... صبرنا بدأ ينفد".

كما قال ترامب للصحفيين: "كان عليهم عقد الصفقة. المدن دُمرت، وخسروا الكثير من الناس. كان عليهم أن يعقدوا الصفقة. قلت لهم: أبرموا الصفقة، لا أعلم... لست في مزاج للمفاوضات الآن".

ما يبدو واضحًا هو أنه بدون تدخل أميركي، قد تجد إسرائيل نفسها عالقة في صراع لا نهاية له مع الفلسطينيين والإيرانيين — خصوصًا وأن منع طهران من امتلاك قنبلة نووية قد لا يكون ممكنًا دون مساعدة عسكرية أميركية. ويُعتقد عمومًا أن الوسيلة الوحيدة لتدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية — المدفونة تحت جبل — هي قنبلة أميركية خارقة للتحصينات من طراز GBU-57A/B، تزن نحو 30,000 رطل، وتُنقل عبر قاذفة B-2 الأميركية.

لكن إيران ليست العراق ولا سوريا؛ إنها دولة أكثر تطورًا وثروة، ومن غير المرجّح أن تستسلم بسهولة. وحتى إن نجحت إسرائيل في الإطاحة بخامنئي، فقد يكون النظام الذي يخلفه أكثر تصميمًا — وربما أكثر عدوانية — في السعي لتطوير سلاح نووي.

وفي غضون ذلك، تعتمد إيران استراتيجية خطيرة تستهدف المدنيين الإسرائيليين. يقول بهنام بن طلابلو، الخبير في الشأن الإيراني بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في مقابلة هاتفية: "المسؤولون الإيرانيون لا يزالون يعوّلون على ضرب المدن مثل تل أبيب وحيفا لكسب هدنة عبر إراقة الدماء". لكنه أضاف: "كلما واصل النظام إطلاق أقوى أسلحته نحو إسرائيل، زادت احتمالية إغلاق نافذة الحل الدبلوماسي أمام الإسرائيليين".

وتمتلك إيران، كما يُعتقد، أسلحة كيميائية، وقد تختار التصعيد بطريقة كارثية. يقول طلابلو: "هذه هي نقطة اللايقين الكبرى... قد تلجأ إيران أيضًا إلى الإرهاب الدولي". ولا تمتلك أي من دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة — حيث يتمركز جنود أميركيون — درعًا صاروخيًا يماثل ما تملكه إسرائيل.

ورغم هذه المخاطر، يرى بعض الجمهوريين أن الهيمنة الجديدة لإسرائيل في الشرق الأوسط قد تتيح مخرجًا من الجدل الدائر بين صقور المحافظين الجدد والعزلة الشعبوية في واشنطن.

يقول النائب الجمهوري السابق مايك غالاغر، الخبير الدفاعي البارز في الكونغرس والذي يشغل الآن منصب رئيس الاستراتيجية الدفاعية في شركة Palantir المتعاقدة مع البنتاغون: "ربما تكون أفضل طريقة لتقليل التزامات أميركا الخارجية إذا كنا نريد تقليص حضورنا العسكري في الشرق الأوسط هي الاستثمار بشكل كبير في حلفاء فتاكين". وأضاف: "من الرائع أن يكون لدينا حليف موثوق وفعّال مثل إسرائيل. وسيكون من الرائع لو كانت لدينا حالة مماثلة في منطقة الإندو-باسيفيك".​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى