بسم الله الرحمن الرحيم
"القرية الحزينة"
يقول الشاعر الطيب العباسي في مقدمة قصيدته الرثائية الرائعة والمؤثرة جدا: "في شهر مايو من العام 1956 توفيَ أخي وابن عمي المغفور له بإذن الله المهندس أبوالحسن محمد صالح، في حادث سيارة في مدينة ودمدني، وتم دفنه في قريتنا "أم الرَّحي"، شمال الخرطوم.
عملت بالقضاء بعد ذلك بشهور قليلة، ونُقِلتُ إلى "دنقلا" شمال السودان، وعدتُ بعد عامين لقريتي، وفي الطريق إليها بالقطار أنشأتُ هذه القصيدة":
إلى قريتي قد عُدتُ يا قلب ثانيا...
و هذا محياها يطل أماميا
أحدّق فيه و الرؤى تستثيرني...
فأنظر ظمآناً إلى الأهل صاديا
أعود إلى أهلي و مثوى أحبتي...
و نبع صباباتي و ماضي شبابيا
و في خاطري تختال أطياف غابري...
و في خافقي شوق يهز الرواسيا
و تنظر عينايَ الرّبوع و تنثني...
يميناَ بها تسعى و أخرى شماليا
و هاتيك أمّي هدّم الشوق عمرها...
فغاضت أساريراً و شابت نواصيا
تقبلني في الخد و النحر و الحشا...
و تذرو على صدري الدموع الغواليا
وتسألني يا إبن هل كنتَ ساليا؟
فأخبرها يا أُمُّ ما كنتُ ساليا
وتنظر عيْنَيْ إخوتي... لاتُراهموا...
فكلهمو قد فارق الأهل نائيا
يفرّقُ هذا الدّهر بيني وبينهم...
ويحدو بهم للّرزقِ ما قد حدا بِيا
وأذكُرُ أترابي وهذي المغانيا...
وإذ كان عُمُري يا مغاني ثمانيا
ونحن بها نلهو على تلكمو الرُّبا...
فصرنا وكُلٌّ عن ربا اللهو لاهيا
فأين صِحابي يا زمان فإنني...
مشوقٌ إليهم أين أين صحابيا
وتلك النخيلات التي كنت فوقها...
أُغَنّي وأَجني من جِناها غذائيا
ذَوت مثلما يذوي مع الدهرِ غيرها...
فأضحت تماثيلا يُذكِرن ماضيا
وفي ربوةٍ ما بين وادٍ وأربُعٍ...
وقفتُ حزينا داميَ القلبِ باكيا
أسائل قبرا بين أحشائه ثوى...
أخٌ في حنايا القلبِ مازال ثاويا
ويسألني الغادون: ما أنت فاعلٌ؟!
أَقَبراً تُناجي؟ أم تُسائلُ فانيا؟!
وما علمَ الغادون أن تساؤلي...
ونجوايَ هذا القبرَ أضحى عزائيا
فقدتُ أخاً لا تهدأُ العينُ إن بكت...
عليه ومهما قلتُ فيه المراثيا
قد كانَ لي بالأمسِ سيفا وساعدا...
وقلبا رحيما يمنح الوُدّ صافيا
وكنّا معا نلقى العوادي فها أنا...
من بعده وحدي أُلاقي العواديا
وقبل الفراقِ المرِّ كانت لنا منىً...
فودّعَتْ من بعد الفراقِ الأمانيا
لكم قرّحَت جفني الليالي بذكرِهِ...
وما سئِمَتْ عيَنايَ تلك اللياليا
وكم بتُّ أشكو من فراقي له لظىً...
تُسَعِّرُ أضلاعي وتُشقي فؤاديا
ألا يا ابن عمّي يا نصيري على العِدا...
فؤادي غدَا من حُرقةِ البيْنِ باليا
فلو كنتَ تُفدى لافتديتك راضيا...
بدمي وأبنائي الصِّغار وما ليا
#شبكة_انكور_التطويرية
"القرية الحزينة"
يقول الشاعر الطيب العباسي في مقدمة قصيدته الرثائية الرائعة والمؤثرة جدا: "في شهر مايو من العام 1956 توفيَ أخي وابن عمي المغفور له بإذن الله المهندس أبوالحسن محمد صالح، في حادث سيارة في مدينة ودمدني، وتم دفنه في قريتنا "أم الرَّحي"، شمال الخرطوم.
عملت بالقضاء بعد ذلك بشهور قليلة، ونُقِلتُ إلى "دنقلا" شمال السودان، وعدتُ بعد عامين لقريتي، وفي الطريق إليها بالقطار أنشأتُ هذه القصيدة":
إلى قريتي قد عُدتُ يا قلب ثانيا...
و هذا محياها يطل أماميا
أحدّق فيه و الرؤى تستثيرني...
فأنظر ظمآناً إلى الأهل صاديا
أعود إلى أهلي و مثوى أحبتي...
و نبع صباباتي و ماضي شبابيا
و في خاطري تختال أطياف غابري...
و في خافقي شوق يهز الرواسيا
و تنظر عينايَ الرّبوع و تنثني...
يميناَ بها تسعى و أخرى شماليا
و هاتيك أمّي هدّم الشوق عمرها...
فغاضت أساريراً و شابت نواصيا
تقبلني في الخد و النحر و الحشا...
و تذرو على صدري الدموع الغواليا
وتسألني يا إبن هل كنتَ ساليا؟
فأخبرها يا أُمُّ ما كنتُ ساليا
وتنظر عيْنَيْ إخوتي... لاتُراهموا...
فكلهمو قد فارق الأهل نائيا
يفرّقُ هذا الدّهر بيني وبينهم...
ويحدو بهم للّرزقِ ما قد حدا بِيا
وأذكُرُ أترابي وهذي المغانيا...
وإذ كان عُمُري يا مغاني ثمانيا
ونحن بها نلهو على تلكمو الرُّبا...
فصرنا وكُلٌّ عن ربا اللهو لاهيا
فأين صِحابي يا زمان فإنني...
مشوقٌ إليهم أين أين صحابيا
وتلك النخيلات التي كنت فوقها...
أُغَنّي وأَجني من جِناها غذائيا
ذَوت مثلما يذوي مع الدهرِ غيرها...
فأضحت تماثيلا يُذكِرن ماضيا
وفي ربوةٍ ما بين وادٍ وأربُعٍ...
وقفتُ حزينا داميَ القلبِ باكيا
أسائل قبرا بين أحشائه ثوى...
أخٌ في حنايا القلبِ مازال ثاويا
ويسألني الغادون: ما أنت فاعلٌ؟!
أَقَبراً تُناجي؟ أم تُسائلُ فانيا؟!
وما علمَ الغادون أن تساؤلي...
ونجوايَ هذا القبرَ أضحى عزائيا
فقدتُ أخاً لا تهدأُ العينُ إن بكت...
عليه ومهما قلتُ فيه المراثيا
قد كانَ لي بالأمسِ سيفا وساعدا...
وقلبا رحيما يمنح الوُدّ صافيا
وكنّا معا نلقى العوادي فها أنا...
من بعده وحدي أُلاقي العواديا
وقبل الفراقِ المرِّ كانت لنا منىً...
فودّعَتْ من بعد الفراقِ الأمانيا
لكم قرّحَت جفني الليالي بذكرِهِ...
وما سئِمَتْ عيَنايَ تلك اللياليا
وكم بتُّ أشكو من فراقي له لظىً...
تُسَعِّرُ أضلاعي وتُشقي فؤاديا
ألا يا ابن عمّي يا نصيري على العِدا...
فؤادي غدَا من حُرقةِ البيْنِ باليا
فلو كنتَ تُفدى لافتديتك راضيا...
بدمي وأبنائي الصِّغار وما ليا
#شبكة_انكور_التطويرية