1..الافتقار إلى الله
أرسل ابن تيمية رحمه الله في آخر عمره قاعدةً في التفسير بخطِّه إلى تلميذه ابن القيِّم رحمه الله وعلى ظهرها أبياتٌ بخطِّه من نظمه يقول فيها:
أرسل ابن تيمية رحمه الله في آخر عمره قاعدةً في التفسير بخطِّه إلى تلميذه ابن القيِّم رحمه الله وعلى ظهرها أبياتٌ بخطِّه من نظمه يقول فيها:
أَنَا الفَقِيرُ إِلَى رَبِّ البَرِيَّاتِ * أَنَا المُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالَاتِي
أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي * وَالخَيْرُ إِنْ يَأْتِنا مِنْ عِنْدِهِ يَاتِي
لَا أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ * وَلَا عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرَّاتِ
وَلَيْسَ لِي دُونَهُ مَوْلًى يُدَبِّرُنِي * وَلَا شَفِيعٌ إِذَا حَاطَتْ خَطِيئَاتِي
وَالفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لَازِمٌ أَبَدًا * كَمَا الغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
[«مدارج السالكين» لابن القيِّم (١/ ٥٢٤)]
2..الرضى بقضاء الله وقدره
قال الشافعي رحمه الله:
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ * وَطِبْ نَفْسًا إِذَا حَكَمَ القَضَاءُ
وَلَا تَجْزَعْ لِحَادِثَةِ اللَّيَالِي * فَمَا لِحَوَادِثِ الدُّنْيَا بَقَاءُ
وَكُنْ رَجُلًا عَلَى الأَهْوَالِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ جَلْدًا * وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةُ وَالوَفَاءُ
وَإِنْ كَثُرَتْ عُيُوبُكَ فِي البَرَايَا * وَسَرَّكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا غِطَاءُ
تَسَتَّرْ بِالسَّخَاءِ فَكُلُّ عَيْبٍ * يُغَطِّيهِ ـ كَمَا قِيلَ ـ السَّخَاءُ
وَلَا تُرِيَ الأَعَادِيَ قَطُّ ذُلًّا * فَإِنَّ شَمَاتَةَ الأَعْدَا بَلَاءُ
وَلَا تَرْجُ السَّمَاحَةَ مِنْ بَخِيلٍ * فَمَا فِي النَّارِ لِلظَّمْآنِ مَاءُ
وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَّأَنِّي * وَلَيْسَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ العَنَاءُ
وَلَا حُزْنٌ يَدُومُ وَلَا سُرُورٌ * وَلَا بُؤْسٌ عَلَيْكَ وَلَا رَخَاءُ
إِذَا مَا كُنْتَ ذَا قَلْبٍ قَََََنُوعٍ * فَأَنْتَ وَمَالِكُ الدُّنْيَا سَوَاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ المَنَايَا * فَلَا أَرْضٌ تَقِيهِ وَلَا سَمَاءُ
وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ وَلَكِنْ * إِذَا نَزَلَ القَضَا ضَاقَ الفَضَاءُ
دَعِ الأيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ * فَمَا يُغْنِي عَنِ المَوْتِ الدَّوَاءُ
[«ديوان الشافعي» (١٢)]..
3..نصائح غاليات
قال طَرَفَة بن العبد:
قال طَرَفَة بن العبد:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا * وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالأَنْبَاءِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ * بَتَاتًا وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
لَعَمْرُكَ مَا الأَيَّامُ إِلَّا مُعَارَةٌ * فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
وَلَا خَيْرَ فِي خَيْرٍ تَرَى الشَّرَّ دُونَهُ * وَلَا نَائِلٌ يَأْتِيكَ بَعْدَ التَّلَدُّدِ
عَنِ المَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ * فَإِنَّ القَرِينَ بِالمُقَارَنِ مُقْتَدِ
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَوَاجِلٌ * أَفِي اليَوْمِ إِقْدَامُ المَنِيَّةِ أَمْ غَدِ
فَإِنْ تَكُ خَلْفِي لَا يَفُتْهَا سَوَادِيَا * وَإِنْ تَكُ قُدَّامِي أَجِدْهَا بِمَرْصَدِ
وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يتمثَّل بعجز البيت الأوَّل من هذه القصيدة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا اسْترَاثَ (استبطأ) الخبر تمثَّل فيه ببيت طَرَفَة: وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ» [أخرجه أحمد (٢٤٠٢٣)، وصحَّحه الألباني في «الصحيحة» (٢٠٥٧)].
[«جمهرة أشعار العرب» للقريشي (١٦٠)]
4..فضل العلم والحثُّ عليه
قال العلَّامة حافظ الحكمي ـ رحمه الله ـ:
قال العلَّامة حافظ الحكمي ـ رحمه الله ـ:
العِلْمُ أَغْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ * أُذْنٌ وَأَعْرَبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
العِلْمُ غَايَتُهُ القُصْوَى وَرُتْبَتُهُ الْـ *ـعَلْياء فَاسْعَوْا إِلَيْهِ يَا أُولِي الهِمَمِ
العِلْمُ أَشْرَفُ مَطْلُوبٍ وَطَالِبُهُ * للهِ أَكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
العِلْمُ نُورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ * أَهْلُ السَّعَادَةِ وَالجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ
العِلْمُ أَعْلَى حَيَاةٍ لِلْعِبَادِ كَمَا * أَهْلُ الجَهَالَةِ أَمْوَاتٌ بِجَهْلِهِمِ
لَا سَمْعَ لَا عَقْلَ بَلْ لَا يُبْصِرُونَ وَفِي السْ * سَعِيرِ مُعْتَرِفٌ كُلٌّ بِذَنْبِهِمِ
فَالجَهْلُ أَصْلُ ضَلَالِ الخَلْقِ قَاطِبَةً * وَأَصْلُ شِقْوَتِهِمْ طُرًّا وَظُلْمِهِمِ
وَالعِلْمُ أَصْلُ هُدَاهُمْ مَعْ سَعَادَتِهِمْ * فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ذَوُو الحِكَمِ
وَالخَوْفُ بِالجَهْلِ وَالحُزْنُ الطَّوِيلُ بِهِ * وَعَنْ أُولِي العِلْمِ مَنْفِيَّانِ فَاعْتَصِمِ
العِلْمُ ـ وَاللهِ ـ مِيرَاثُ النُّبُوَّةِ لَا * مِيرَاثَ يُشْبِهُهُ طُوبَى لِمُقْتَسِمِ
لِأنَّهُ إِرْثُ حَقٍّ دَائِمٍ أبَدًا * وَمَا سِوَاهُ إِلَى الإِفْنَاءِ وَالعَدَمِ
العِلْمُ يَا صَاحِ يَسْتَغْفِرْ لِصَاحِبِهِ * أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ مِنْ لَمَمِ
كَذَاكَ تَسْتَغْفِرُ الحِيتَانُ فِي لُجَجٍ * مِنَ البِحَارِ لَهُ فِي الضَّوْءِ وَالظُّلَمِ
وَإِنَّ أَجْنِحَةَ الأَمْلَاكِ تَبْسُطُهَا * لِطَالِبِيهِ رِضًا مِنْهُمْ بِصُنْعِهِمِ
وَالسَّالِكُونَ طَرِيقَ العِلْمِ يُسْلِكُهُمْ * إِلَى الجِنَانِ طَرِيقًا بَارِئُ النَّسَمِ
وَالسَّامِعُ العِلْمَ وَالوَاعِي لِيَحْفَظَهُ * مُؤَدِّيًا نَاشِرًا إِيَّاهُ فِي الأُمَمِ
فَيَا نَضَارَتَهُ إِذْ كَانَ مُتَّصِفًا * بِذَا بِدَعْوَةِ خَيْرِ الخَلْقِ كُلِّهِمِ
كَفَاكَ فِي فَضْلِ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ رُفِعُوا * مِنْ أَجْلِهِ دَرَجَاتٍ فَوْقَ غَيْرِهِمِ
وَكَانَ فَضْلُ أَبِينَا فِي القَدِيمِ عَلَى الْـ * أَمْلَاكِ بِالعِلْمِ مِنْ تَعْلِيمِ رَبِّهِمِ
كَذَاكَ يُوسُفُ لَمْ تَظْهَرْ فَضِيلَتُهُ * لِلْعَالَمِينَ بِغَيْرِ العِلْمِ وَالْحِكَمِ
وَمَا اتِّبَاعُ كَلِيمِ اللهِ لِلْخَضِرِ الْـ * مَعْروفِ إِلَّا لِعِلْمٍ عَنْهُ مُنْبَهِمِ
مَعْ فَضْلِهِ بِرِسَالَاتِ الإِلَهِ لَهُ * وَمَوْعِدٍ وَسَمَاعٍ مِنْهُ لِلْكَلِمِ
وَقَدَّمَ المُصْطَفَى بِالعِلْمِ حَامِلَهُ * أَعْظِمْ بِذَلِكَ تَقْدِيمًا لِذِي قَدَمِ
كَفَاهُمُو أَنْ غَدَوْا لِلْوَحْيِ أَوْعِيَةً * وَأَضْحَتِ الآيُ مِنْهُ فِي صُدُورِهِمِ
وَخَصَّهُمْ رَبُّنَا بَصْرًا بِخَشْيَتِهِ * وَعَقْلَ أَمْثالِهِ فِي أَصْدَقِ الكَلِمِ
وَمَعْ شَهَادَتِهِ جَاءَتْ شَهَادَتُهُمْ * حَيْثُ اسْتَجَابُوا وَأَهْلُ الجَهْلِ فِي صَمَمِ
وَيَشْهَدُونَ عَلَى أهْلِ الجَهَالَةِ بِالْـ * مَوْلَى إِذَا اجْتَمَعُوا فِي يَوْمِ حَشْرِهِمِ
وَالعَالِمُونَ عَلَى العُبَّادِ فَضْلُهُمُو * كَالبَدْرِ فَضْلًا عَلَى الدُّرِّيِّ فَاغْتَنِمِ
هُمُ الهُدَاةُ إِلَى أَهْدَى السَّبِيلِ وَأَهْـ * لُ الجَهْلِ عَنْ هَدْيِهِمْ ضَلُّوا لِجَهْلِهِمِ
وَفَضْلُهُمْ جَاءَ فِي نَصِّ الكِتَابِ وَفِي الْـ * حَدِيثِ أَشْهَرَ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمِ
[«حاشية الحكمي» على «روضة العقلاء» لابن حبَّان (٤٧)]
5..من الشعر الحكيم
قال زهير بن أبي سُلْمى في معلَّقته المشهورة:
قال زهير بن أبي سُلْمى في معلَّقته المشهورة:
وَمَنْ لم يُصَانِعْ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ * يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسَمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ * يَفِرْهُ، وَمَنْ لَا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ * يُهَدَّمْ، وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًّا صَدِيقَهُ * وَمَنْ لَا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَا يُكَرَّمِ
وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ * عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ
وَمَنْ يُوفِ لَا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ * إِلَى مُطْمَئِنِّ البرِّ لَا يَتَجَمْجَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَهُ * وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ * يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمًّا عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ * ـ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ ـ تُعْلَمِ
[«بلوغ الأرب» للألوسي (٣/ ٩٨)]
6..المنافحة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ» فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: «قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ»، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الأَدِيمِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ»، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى». قَالَ حَسَّانُ:
[البحر الوافر]
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ» فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: «قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ»، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الأَدِيمِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ»، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى». قَالَ حَسَّانُ:
[البحر الوافر]
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ * وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا * رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي * لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا * تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ * عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ * تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا * وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ * يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا * يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا * هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ * سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ * وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا * وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
[«صحيح مسلم» (٢٤٩٠)]
7..شعر التوحيد في الجاهلية
قال زيد بن عمرو بن نفيلٍ ـ وكان من الموحِّدين في زمن الجاهلية ـ:
قال زيد بن عمرو بن نفيلٍ ـ وكان من الموحِّدين في زمن الجاهلية ـ:
إِلَى اللهِ أُهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا * وَقَوْلًا رَضِيًّا لَا يَنِي الدَّهْرَ بَاقِيَا
إِلَى المَلِكِ الأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ * إِلَهٌ وَلَا رَبٌّ يَكُونُ مُدَانِيَا
أَلَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِيَّاكَ وَالرَّدَى * فَإِنَّكَ لَا تَخْفَى مِنَ اللهِ خَافِيَا
وَإِيَّاكَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ * فَإِنَّ سَبِيلَ الرُّشْدِ أَصْبَحَ بَادِيَا
حَنَانَيْكَ إِنَّ الجِنَّ كَانَتْ رَجَاءَهُمْ * وَأَنْتَ إِلَهِي رَبُّنَا وَرَجَائِيَا
رَضِيتُ بِكَ ـ اللَّهُمَّ ـ رَبًّا فَلَنْ أُرَى * أَدِينُ إِلَهًا غَيْرَكَ ـ اللهَ ـ ثَانِيَا
وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ * بَعَثْتَ إِلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا
فَقُلْتَ لَهُ: اذْهَبْ وهَارُونَ فَادْعُوَا * إِلَى اللهِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ طَاغِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ * بِلَا وَتَدٍ حَتَّى اطْمَأَنَّتْ كَمَا هِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ رَفَعْتَ هَذِهِ * بِلَا عَمَدٍ أَرْفِقْ إِذًا بِكَ بَانِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوَّيْتَ وَسْطَهَا * مُنِيرًا إِذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ هَادِيَا
وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُرْسِلُ الشَّمْسَ غُدْوَةً * فَيُصْبِحُ مَا مَسَّتْ مِنَ الأَرْضِ ضَاحِيَا
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الحَبَّ فِي الثَّرَى * فَيُصْبِحُ مِنْهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فِي رُؤُوسِهِ * وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا
وَلَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْكَ نَجَّيْتَ يُونُسًا * وَقَدْ بَاتَ فِي أَضْعَافِ حُوتٍ لَيَالِيَا
وَإِنِّي وَلَوْ سَبَّحْتُ بِاسْمِكَ رَبَّنَا * لَأُكْثِرُ ـ إِلَّا مَا غَفَرْتَ ـ خَطَائِيَا
فَرَبَّ العِبَادِ أَلْقِ سَيْبًا وَرَحْمَةً * عَلَيَّ وَبَارِكْ فِي بَنِيَّ وَمَالِيَا
[«بلوغ الأرب» لمحمود الألوسي (٢/ ٢٤٩)]
8..أبياتٌ وَعْظية
ذكر الإمام ابن كثيرٍ أنَّ الواعظ أبا عثمان المنتخب ابن أبي محمَّدٍ الواسطيَّ ـ وكان من كبار الصالحين ـ أنشد نور الدين محمود زنكي أبياتًا يعظه فيها، ومن جملة ما قال:
ذكر الإمام ابن كثيرٍ أنَّ الواعظ أبا عثمان المنتخب ابن أبي محمَّدٍ الواسطيَّ ـ وكان من كبار الصالحين ـ أنشد نور الدين محمود زنكي أبياتًا يعظه فيها، ومن جملة ما قال:
مَثِّلْ وُقُوفَكَ أَيُّهَا المَغْرُورُ * يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
إِنْ قِيلَ: نُورَ الدِّينِ رُحْتَ مُسَلِّمًا * فَاحْذَرْ بِأَنْ تَبْقَى وَمَا لَكَ نُورُ
مَاذَا تَقُولُ إِذَا نُقِلْتَ إِلَى البِلَى * فَرْدًا وَجَاءَكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ
مَاذَا تَقُولُ إِذَا وَقَفْتَ بِمَوْقِفٍ * فَرْدًا ذَلِيلًا وَالحِسَابُ عَسِيرُ
وَتَعَلَّقَتْ فِيكَ الخُصُومُ وَأَنْتَ فِي * يَوْمِ الحِسَابِ مُسَلْسَلٌ مَجْرُورُ
وَوَدِدْتَ أَنَّكَ مَا وَلِيتَ وِلَايَةً * يَوْمًا وَلَا قَالَ الأَنَامُ: أَمِيرُ
أَرَضِيتَ أَنْ تَحْيَا وَقَلْبُكَ دَارِسٌ * عَافِي الخَرَابِ وَجِسْمُكَ المَعْمُورُ
مَهِّدْ لِنَفْسِكَ حُجَّةً تَنْجُو بِهَا * يَوْمَ المَعَادِ وَيَوْمَ تَبْدُو العُورُ
فلمَّا سمع نور الدين هذه الأبياتَ بكى بكاءً شديدًا.
[«البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٢٨٢)]
المصدر ...موقع الشيخ فركوس حفظه الله