بسم الله الرحمن الرحيم
استعدت الطائرة للإقلاع .. وقد التزم الركاب بالمقاعد بعد الإشارة بربط الأحزمة .. لحظات فيها جرت تلك الضجة الضئيلة التي سادت حين طقطقت ألسنة الأحزمة .. وقد التزم الجميع بفروض السلامة .. ولكن فجأة قام ذلك الشاب من مقعده ولم يلتزم بضروريات اللحظة .. مما أربك حسابات المضيفة التي سارعت إليه لتجبره على العودة والجلوس في المقعد .. ولكنه تجاهل أمرها وواصل السير متحدياَ نحو الأمام في الكابينة .. والمضيفة تسرع خلفه وهي ما زالت تلاحقه بإصرار .. واصل المضي بجرأة تحت دهشة الركاب الذين كانوا يراقبون الحدث في حيرة .. وهم أسرى حيارى في قيود المقاعد .. أراد ذلك الشاب أن يبلغ المدى الذي يراوغ ذهنه .. وهنالك فجأة تعثر ثم أسقط قلماَ من يده .. كانت تجلس هنالك شابة في غاية الجمال والروعة .. وحين أسقط القلم بجوارها لم تكن عثرة يد .. بل كانت حيلة شاطر يجيد التمثيل .. انحنى ومال ليأخذ القلم .. ولكنه حين أنحنى أوقع ورقة مطوية بجوار أقدامها في غفلة الأعين .. ثم أخذ القلم واعتذر لها بأدب جم وبوقار تنم عن الذوق والأخلاق .. كانت نبرة صوته حافته تصول بين الهمس والوشوشة .. وتحت إلحاح المضيفة أبتعد وتراجع حتى جلس في مقعده .. أما هي فبنباهة فائقة استدركت الخطوة .. وعلمت أن الدراما والتمثيلية مخططة ومسبوقة .. وكانت بمنتهى الذكاء والمهارة حين التزمت بالسكينة والهدوء .. وتجاهلت المجريات بعدم الاكتراث والطناش .. ولم تظهر ما يلفت الأنظار .. وبعد انتهاء تلك التمثيلية المحبوكة بمهارة أنشغل الجميع بلحظات الإقلاع التي تعني الترقب والإرباك المشوب بالمخاوف .. تلك اللحظات الوجيزة التي عادةَ تتلاشى عندما يعلن كابتن الطائرة بسلامة الإقلاع .. ثم السماح بالتجوال في كابينة الطائرة مع أفضلية البقاء في المقاعد .. أما ذلك الشاب فلم يتحرك من مقعده وقد اكتفى بتلك الخطوة التي تعنى أن الكرة الآن أصبحت في شباكها .. وأما هي فقد طغى عليها حب الاستطلاع لمعرفة النوايا والخبايا .. فقررت أن لا تواصل حرب الطناش حتى النهاية .. فمالت في غفلة من الأعين وتناولت الورقة .. ثم قرأت .. السلام عليكم ورحمة الله .. لست بذلك الطالح الذي يحمل الصيت المقيت .. ولست بذلك الفالت الذي يصطاد في الأوحال .. وأعلم جيداَ أنني أفقد الحق في كسر الأعراف والتقاليد .. كما لا أملك الحق في رفع الكلفة والتواجد عند سياجكم مهما كانت المبررات .. وأدرك كذلك أن مجرد الإقدام بالخطوة هي شائبة تخالف الأصول والأخلاق .. ولكن هو ذلك القلب الذي أبى أن يتراجع حين وقعت النظرة على كنز من كنوز المحاسن والجمال .. روعة أربكت حسابات الحشمة والوقار .. فتلك صورة إنسانة كانت في الخيال منذ أيام الطفولة والصبا .. تسكن الأعماق في صورة طيف يراود الخيال دون أصل يتواجد في الحقيقة .. والآن أرى أمامي ذلك الطيف وقد تطابق مع الواقع المتمثل في شخصكم الكريم .. وحين وقعت نظرتي عليكم لأول وهلة أدركت أني قد وجدت ضالتي التي أبحث عنها طوال العمر والحياة .. وتلك هي خلاصة قصتي وإقدامي وجرأتي .. ثم أجد في نفسي واجب الاعتذار لكم بشدة على رفع الكلفة البينية .. كما أجد واجب الاعتذار عن التعدي لسياجكم ومقامكم .. وبعد ذلك أفرض عليكم سؤالاَ كان لا بد منه .. وهو هل ترون ما أرى في نفسي من المبررات مستوفية لشروط الثقة والأمان ؟؟ .. وهل أجد في قلبكم تلك المساحة من الترحيب حتى أطرق بابكم حسب الأصول والأعراف ؟؟ .. فإذا كانت الإجابة مرضية بإشارة ( نعم ) فذلك يعني أن الحظ قد أطرق مسار حياتنا .. وأن السعادة عند مشارف أبوابنا .. وحينها المرجو إفادتنا بالمعلومات التي تمكننا من طرق أبواب أهلكم بمسار الكتاب والسنة .. وإذا كانت الإجابة بغير ( نعم ) فنحن نكتفي بالتجاهل .. ثم نكرر الاعتذار .. قرأت الرسالة بتعمق وأحست بغرابة الواقعة .. كما أحست بطرافة الخطوة .. ولكنها تيقنت أن تلك الرسالة تحمل الكثير من المصداقية بين السطور .. أخذت ورقة وكتبت فيها أسطراَ .. ثم احتفظت بالورقة حتى نهاية الرحلة .. وبعد أن حطت الطائرة وبدأ الركاب في النزول جلست في مقعدها ولم تتعجل بالمغادرة .. وهو أيضاَ تريث في مقعده وكان يحاور النفس ولا يدري بمستجدات السيرة .. والسؤال تلو السؤال يجول في خاطره .. هل تلك الحسناء تناولت تلك الورقة من أرضية الطائرة ؟؟ .. وهل قرأت السطور التي فيها ؟؟ .. أم أنها تجاهلته حتى النهاية ؟؟ .. غادر جميع الركاب الطائرة .. فأصبحت كابينة الطائرة خالية .. إلا هو في مقعده وهي في مقعدها .. ثم فجأة قامت من مقعدها وتقدمت إليه ثم ناولته الورقة في اليد بثقة وجرأة دون تردد .. ودون أن تكون هنالك أعين الآخرين .. ثم غادرت الطائرة في عجالة واختفت وكأن شيئاَ لم يكن .. تفاجأ كثيراَ ثم بلهفة شديدة فتح الورقة وقرأ فيها : الأخ الفاضل .. وعليكم السلام ورحمة الله .. أمرك عجيب أيها الفتى !!.. حيرتني بخطوتك تلك الجريئة الغريبة .. فأنت قد أشغلت رحلتي بغرابة حدث لم يكن في الحسبان في يوم من الأيام .. ورغم أني قد سمعت الكثير عن حكايات الشباب ومحاولات التقرب .. وسمعت الكثير عن محاولات الطيش والأهواء .. إلا أن حكايتك قد خرجت وفاقت المألوف كثيراَ .. ولم أسمع في حياتي برواية تجلب الحيرة مثل روايتك .. كما لم أسمع بقصة جريئة مثل قصتك .. وبالرغم من تلك التعديات التي نالت سياجنا .. وتلك الجرأة التي كسرت موجبات الكلفة البينية .. وتلك الخطوة التي مست مقدارنا ومقامنا إلا أنني تابعت سطوركم بتعمق وتفهم .. وأدركت أنها خالية من إشارات النفاق والفساد .. كما أدركت أنها تحمل الكثير من مصداقية النوايا وبراءة الهدف .. مما استوجب أن نتعامل معكم بقدر محدود من منطلق تلك النوايا الحسنة .. كما أنني وجدت بين سطوركم أن حساباتكم غير صائبة .. وأنكم في حاجة إلى بعض النصائح .. وقد فات عليكم سؤال من البديهيات الأولية الهامة .. ذلك السؤال الذي يفترض أن يكون في المقدمة قبل السفر في المتاهات والأخذ والرد .. والسؤال ا لك أيها الشاب وهو .. هل كل امرأة أو فتاة جميلة تقع عليها عينك هي معروضة للزواج غير محصنة ؟؟!!.. فكيف حكمت علينا بالعزوبية وبأننا لا نملك زوجاَ ولا نملك أطفالاَ ؟؟!! .. فأين حساباتك في ذلك أيها الجريء المتسابق المتعجل ؟؟!! .. فتلك زلة يقع فيها الكثير من الشباب حين يخلطون في غمرة الأهواء بين المتاح المباح وبين المحظور الممنوع .
#شبكة_انكور_التطويرية