بسم الله الرحمن الرحيم
بسمة وضاءة
في صمت وإشراقه غائبة, تجر عربتها الصغيرة المثقلة بتجاعيد السنين .
تقابل بوجهها أشعة الشمس الصافية, فيشرق عن عينين مضيئتين وصفحة لونتها تعرجات سنين خلت.
بقوامها النحيل للغاية , وجلبابها الأسود , تخترق أمواج الصباح الندية وتجر العربة صاعدة إلى الأعلى ..
في مسيرة سنوات عاتية.
تقابل بظلها ظلال المنازل العتيقة فتنحني إجلالا لذكريات سنين خلت , ومشاهد من زمن مضى .
تردد في أعماقها
-لاشيء
-لاشيء غير يوم جديد
-وإطلالة جديدة
وآنتظار مرير للغاية
تقف لتلتقط أنفاسها في منتصف الطريق وتمسح بعينيها أطلال الذكريات الغائبة
هنا وهناك
وفي كل مكان مرا منه سويا
تتلقف برئتيها عبير الصباح
وتتبع خيوط الريح
في بحث ضاني عن نسيم مفقود
ثم تردد
لا شئ..
لا شئ غير يوم جديد
وإطلالة جديدة
و تستأنف السير
مثل يوم أخر ستمضي هذا اليوم
وفي مجلس احتمت به لسنوات ستستأنف الطواف حول نفس الساقية
دون كلل أو ملل
وإذا كتب لها يوما أن تطمئن في سعيها فلن تنعم من طمأنينتها إلا بالقليل
القليل جدا مما يدفع عودها النحيل
في جلستها هناك على بعد 10 أمتار من المقابر كانت تأخذ موقعها في ساعة محددة لا تتغير
وفي مشهد يتكرر مند سنين خلت.. نعرفه هنا في قريتنا من صغيرنا إلى كبيرنا
تعتلي تلها الصغير وتركن عربتها الصغيرة جانبا .. في متناول اليد
ثم تستسلم لريح عطرة قادمة من هناك حيت تصطف القبور بالمدافن , فتهمس لبنات الريح وترخي سمعها لأجوبتها
ويطول بها الجلوس والحديث في عالم لا يخص غيرها .
كالغائب الحاضر تراقب العابرين من المحطة المحادية إلى المسجد , وتستمر مراقبتها لهم طوال صلوات النهار, وحين تلتقي عيناها بعيني أحد المارة تبادر إلى إهدائه ابتسامة مضيئة للغاية, تم ما تلبت أن ترفع بصرها إلى المقابر المقابلة وتستقر بنظرها على القبر المعلوم.
ليست أبدا بالمتسولة ,ولم ترضى يوما بهبات المحسنين, بل أقصى ما كانت تسعد به ابتساماتهم العابرة , وكانت تردها بأجمل منها
كنا نناديها أمي زهرة المجدوبة
ومرارا سعدنا بتقبيل يديها هناك على قمة تلها , لا لشيء إلا لنفوز منها بقطع الخبز الصغيرة, وكنا نعرف جيدا ما علينا قوله (الله يرحم جدي المحجوب) وسرعان ما تنطلق منها بسمة مضيئة لسماع ذلك.
لكن
في يوم من أيام خلت
ومن أيام تؤرخ لتاريخ قريتنا
اختفت أمي زهرة عن الأنظار دون سابق إشعار
وبقي المكان فوق التل هناك
معلقا وفارغا في مشهد غير مألوف
تعددت و تنوعت الأحاديث عن سبب اختفائها
الحسين صاحب الدكان أخبرنا أنها سافرت إلى المدينة للعلاج
وإبراهيم الموظف بالبلدية كان يردد أنها مجذوبة من مجاذيب الأرض وأنها غادرت إلى مقام أخر
أما أبي فتأسف لغيابها وسمعته يردد في مجلسه مع أصدقائه
فقدنا بسمة وضاءة في طريقنا للمسجد.
ثم ما لبتت نسمة الريح أن محت أثار عربتها الصغيرة من الطريق ومن ذاكرتنا.
#شبكة_انكور_التطويرية