تهدف هذه السلسلة من المواضيع التي سأنشرها على منتدى انكور التطويري إلى رسم صورة شاملة لتطور الحضارات العالمية، بما تضمنته من اكتشافات علمية وابتكارات تكنولوجية، وذلك لإبراز تنوع أصول الثقافات الإنسانية المبكرة. فلا يمكننا فهم أنفسنا بوضوح إلا من خلال الفهم الكامل للعالم. وفي سلسلة المواضيع هذه، سيتم اختيار حضارات وأحداث ذات تأثير تاريخي عميق على المجتمع البشري وبالتركيز على توضيح أصول ومسارات تطور العلوم في مختلف الحضارات، إلى جانب أهمية بعض الأحداث المفتاحية في تطور الحضارة الإنسانية، فإن السرد التالي سيكون مختلفًا عن السرد التقليدي لتاريخ العالم.
هذا الموضوع الاول من السلسلة، وهذه السلسلة حصرية في منتدى انكور التطويري ولن تجدها في مكان آخر ومستخرجه من مصادر اكاديمية يمكن استخدامها كمعلومات مرجعية.
هذا الموضوع الاول من السلسلة، وهذه السلسلة حصرية في منتدى انكور التطويري ولن تجدها في مكان آخر ومستخرجه من مصادر اكاديمية يمكن استخدامها كمعلومات مرجعية.
حوض النهرين
يشير حوض النهرين في الأصل إلى الأرض الخصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، ويُعرف أيضًا ببلاد ما بين النهرين أو الهلال الخصيب. وبالمعنى الأوسع، يشمل الهلال الخصيب وادي الأردن وأجزاء من آسيا الصغرى وهضبة فارس الغربية. وقد تشكلت في هذه المنطقة حضارات مثل سومر وأكد (وتقابلها ثقافتا بانبو وإرليتو في الصين)، وبابل القديمة (التي تقابل الأسطورة الصينية لأسرة شيا حوالي القرن 21 – 16 ق.م)، والحيثيون (تقابل أسرة شانغ في الصين حوالي القرن 17 – 11 ق.م)، بالإضافة إلى عيلام وأورارتو وآشور (التي بلغت ذروتها بالتزامن مع فترة الربيع والخريف في الصين)، وغيرها من الحضارات.
حوالي عام 3200 ق.م، اخترع السومريون أقدم أشكال الكتابة. وقد بدأت رمزية، ثم أصبحت أصواتية، ونظرًا لأنها نُقشت على ألواح طينية بأعواد ذات رؤوس سهمية، سُميت بـ"الكتابة المسمارية". وقد ورثها الأكاديون، وشكلت الأساس لأنظمة الكتابة في بابل وآشور. وتُعرف دراسة اللغات والثقافات وتاريخ الشعوب التي استخدمت الكتابة المسمارية باسم "الآشوريات". ونظرًا لوجود عدد كبير نسبيًا من الآثار الأدبية الآشورية المكتشفة، والكثير منها ذو أهمية مرجعية كبيرة، فقد أثمر البحث في حضارة آشور مبكرًا وأفضل نسبيًا، رغم أنها نشأت لاحقًا مقارنة بالحضارات الأخرى في المنطقة.
اقتصاد السومريين والأكاديين كان يعتمد على الزراعة المروية، وكان الشعير المحصول الرئيسي. وقد كشفت دراسة الكتابات المسمارية عن دلائل على استخدام المحاريث. كما صُنعت أولى الأدوات النحاسية، وابتُكرت تقنيات تعتمد على عجلة الفخار لإنتاج أوانٍ أكثر دقة. وكانت دول السومريين والأكاديين متفرقة في بلاد الرافدين، وكان الملوك والنبلاء من الكهنة رفيعي المستوى الذين يتحكمون في شرايين الاقتصاد من خلال المعابد. وكانت الآلهة السومرية مرتبطة أساسًا بالزراعة والفلك، وأساطيرهم مثل "الخلق" و"الطوفان" أثرت بشكل واسع على الحضارة الغربية. أما ملحمتهم الأشهر، فهي ملحمة جلجامش، التي يُعد بطلها النموذج الأولي لهيراكليس في الأساطير اليونانية.
حوالي عام 1900 ق.م، وحدت بابل معظم بلاد الرافدين. وعُرفت هذه المملكة بـ"السلالة البابلية الأولى"، وبلغت ذروتها في عهد الملك السادس حمورابي. وفي عام 1901، اكتُشفت ألواح بازلتية سوداء منقوش عليها "قانون حمورابي" في موقع مدينة سوسة القديمة في إيران الحالية، ما وفر دعمًا هامًا لدراسة المجتمع البابلي القديم. وقد أظهرت النصوص القانونية المكتملة أن نظام الرق قد تطور، وأن السلطة المركزية قد ترسخت. وقد امتدت الدولة البابلية القديمة لنحو 1300 سنة، وشملت أربع سلالات متعاقبة. وإلى جانب مساهماتهم البارزة في التشريع، طور البابليون الزراعة، وكان لنظام الري والقنوات الزراعية مكانة مرموقة. كما ظهرت الحِرف والتجارة القائمة على الفضة، وتأسست المدارس والمكتبات. واشتهرت بابل بريادتها في الرياضيات؛ ولا يزال النظام الستيني المستخدم في قياس الوقت وعلم المثلثات والإحداثيات الفلكية معتمدًا حتى اليوم. كما فهم البابليون العلاقة بين مبرهنة فيثاغورس والمجموعات الفيثاغورية، واستخدموا الرموز لتمثيل المعادلات الجبرية، وحلوا أنواعًا متعددة من المعادلات، وحسبوا أحجام بعض المجسمات متعددة الأوجه.
وبعد وقت قصير من السلالة البابلية الأولى، ظهرت قوة الحثيين في الشمال الغربي، حيث نهبوا بابل في أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد، وبلغوا ذروتهم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وقد نشأت إمبراطورية الحثيين في حوض نهر هاليس (في تركيا الحالية)، بين آسيا وأفريقيا، وكانت غنية بالمعادن. وكان الحثيون أول من ابتكر صهر الحديد، مما منح جيوشهم تفوقًا عسكريًا ملحوظًا باستخدام الأسلحة الحديدية. وقد دخل الحثيون في صراعات متكررة مع مصر وآشور، ومن خلال هذه الحروب، وسّعوا نفوذهم ليشمل سوريا وفينيقيا. وأسهمت فتوحات الحثيين في نشر تقنيات صهر الحديد وأدواته، وكان لها دور بارز في التبادل الحضاري بين آسيا وأفريقيا.
أما آشور، فهي في الأصل مدينة تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة شمال مدينة بابل. وتعود حضارتها إلى حوالي عام 2000 ق.م. وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أصبحت آشور إمبراطورية قوية. ومن الجدير بالذكر أن العديد من كتب التاريخ والأعمال الأدبية والفنية أظهرت تحيزًا واضحًا بوصف الآشوريين والحثيين، ومن بعدهم الفرس، بأنهم غزاة دمويون وعشاق للحروب، في مقابل تصوير بابل القديمة كمملكة سلمية مزدهرة ومصدر وحيد للحضارة الغربية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، اكتُشفت مجموعات كبيرة من الكتب التي جمعها القصر الإمبراطوري في نينوى، عاصمة الإمبراطورية الآشورية الحديثة. وبفضل هذه الكتب، أمكن تتبع جميع ملوك تلك الحضارة عبر 1600 عام، كما أُتيح الاطلاع على معلومات قيّمة حول بدايات حضارة بلاد الرافدين. ويحتل الطابق الأرضي من المتحف البريطاني قاعة مليئة بالنقوش البارزة التي تصوّر الحملات العسكرية للجيش والبحرية الآشورية، والتي تُظهر تفاصيل حية عن التنظيم العسكري الآشوري، بما في ذلك الهجوم، الدفاع، الفرسان، وسائل النقل، السفن الحربية، والغواصين المشاركين في المعارك. وقد خاضت آشور حروبًا متعاقبة ضد بابل، وإسرائيل، وسوريا، ومصر، وأرمينيا. وبحلول القرن السابع قبل الميلاد، بدأت الإمبراطورية الآشورية الحديثة في الانهيار. ويُعتقد أن الأكراد المنتشرين حاليًا في مناطق واسعة من غرب آسيا هم من أحفاد الآشوريين.
حوالي عام 3200 ق.م، اخترع السومريون أقدم أشكال الكتابة. وقد بدأت رمزية، ثم أصبحت أصواتية، ونظرًا لأنها نُقشت على ألواح طينية بأعواد ذات رؤوس سهمية، سُميت بـ"الكتابة المسمارية". وقد ورثها الأكاديون، وشكلت الأساس لأنظمة الكتابة في بابل وآشور. وتُعرف دراسة اللغات والثقافات وتاريخ الشعوب التي استخدمت الكتابة المسمارية باسم "الآشوريات". ونظرًا لوجود عدد كبير نسبيًا من الآثار الأدبية الآشورية المكتشفة، والكثير منها ذو أهمية مرجعية كبيرة، فقد أثمر البحث في حضارة آشور مبكرًا وأفضل نسبيًا، رغم أنها نشأت لاحقًا مقارنة بالحضارات الأخرى في المنطقة.
اقتصاد السومريين والأكاديين كان يعتمد على الزراعة المروية، وكان الشعير المحصول الرئيسي. وقد كشفت دراسة الكتابات المسمارية عن دلائل على استخدام المحاريث. كما صُنعت أولى الأدوات النحاسية، وابتُكرت تقنيات تعتمد على عجلة الفخار لإنتاج أوانٍ أكثر دقة. وكانت دول السومريين والأكاديين متفرقة في بلاد الرافدين، وكان الملوك والنبلاء من الكهنة رفيعي المستوى الذين يتحكمون في شرايين الاقتصاد من خلال المعابد. وكانت الآلهة السومرية مرتبطة أساسًا بالزراعة والفلك، وأساطيرهم مثل "الخلق" و"الطوفان" أثرت بشكل واسع على الحضارة الغربية. أما ملحمتهم الأشهر، فهي ملحمة جلجامش، التي يُعد بطلها النموذج الأولي لهيراكليس في الأساطير اليونانية.
حوالي عام 1900 ق.م، وحدت بابل معظم بلاد الرافدين. وعُرفت هذه المملكة بـ"السلالة البابلية الأولى"، وبلغت ذروتها في عهد الملك السادس حمورابي. وفي عام 1901، اكتُشفت ألواح بازلتية سوداء منقوش عليها "قانون حمورابي" في موقع مدينة سوسة القديمة في إيران الحالية، ما وفر دعمًا هامًا لدراسة المجتمع البابلي القديم. وقد أظهرت النصوص القانونية المكتملة أن نظام الرق قد تطور، وأن السلطة المركزية قد ترسخت. وقد امتدت الدولة البابلية القديمة لنحو 1300 سنة، وشملت أربع سلالات متعاقبة. وإلى جانب مساهماتهم البارزة في التشريع، طور البابليون الزراعة، وكان لنظام الري والقنوات الزراعية مكانة مرموقة. كما ظهرت الحِرف والتجارة القائمة على الفضة، وتأسست المدارس والمكتبات. واشتهرت بابل بريادتها في الرياضيات؛ ولا يزال النظام الستيني المستخدم في قياس الوقت وعلم المثلثات والإحداثيات الفلكية معتمدًا حتى اليوم. كما فهم البابليون العلاقة بين مبرهنة فيثاغورس والمجموعات الفيثاغورية، واستخدموا الرموز لتمثيل المعادلات الجبرية، وحلوا أنواعًا متعددة من المعادلات، وحسبوا أحجام بعض المجسمات متعددة الأوجه.
وبعد وقت قصير من السلالة البابلية الأولى، ظهرت قوة الحثيين في الشمال الغربي، حيث نهبوا بابل في أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد، وبلغوا ذروتهم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وقد نشأت إمبراطورية الحثيين في حوض نهر هاليس (في تركيا الحالية)، بين آسيا وأفريقيا، وكانت غنية بالمعادن. وكان الحثيون أول من ابتكر صهر الحديد، مما منح جيوشهم تفوقًا عسكريًا ملحوظًا باستخدام الأسلحة الحديدية. وقد دخل الحثيون في صراعات متكررة مع مصر وآشور، ومن خلال هذه الحروب، وسّعوا نفوذهم ليشمل سوريا وفينيقيا. وأسهمت فتوحات الحثيين في نشر تقنيات صهر الحديد وأدواته، وكان لها دور بارز في التبادل الحضاري بين آسيا وأفريقيا.
أما آشور، فهي في الأصل مدينة تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة شمال مدينة بابل. وتعود حضارتها إلى حوالي عام 2000 ق.م. وفي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أصبحت آشور إمبراطورية قوية. ومن الجدير بالذكر أن العديد من كتب التاريخ والأعمال الأدبية والفنية أظهرت تحيزًا واضحًا بوصف الآشوريين والحثيين، ومن بعدهم الفرس، بأنهم غزاة دمويون وعشاق للحروب، في مقابل تصوير بابل القديمة كمملكة سلمية مزدهرة ومصدر وحيد للحضارة الغربية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، اكتُشفت مجموعات كبيرة من الكتب التي جمعها القصر الإمبراطوري في نينوى، عاصمة الإمبراطورية الآشورية الحديثة. وبفضل هذه الكتب، أمكن تتبع جميع ملوك تلك الحضارة عبر 1600 عام، كما أُتيح الاطلاع على معلومات قيّمة حول بدايات حضارة بلاد الرافدين. ويحتل الطابق الأرضي من المتحف البريطاني قاعة مليئة بالنقوش البارزة التي تصوّر الحملات العسكرية للجيش والبحرية الآشورية، والتي تُظهر تفاصيل حية عن التنظيم العسكري الآشوري، بما في ذلك الهجوم، الدفاع، الفرسان، وسائل النقل، السفن الحربية، والغواصين المشاركين في المعارك. وقد خاضت آشور حروبًا متعاقبة ضد بابل، وإسرائيل، وسوريا، ومصر، وأرمينيا. وبحلول القرن السابع قبل الميلاد، بدأت الإمبراطورية الآشورية الحديثة في الانهيار. ويُعتقد أن الأكراد المنتشرين حاليًا في مناطق واسعة من غرب آسيا هم من أحفاد الآشوريين.
التعديل الأخير:
