تهدف هذه السلسلة من المواضيع التي سأنشرها على منتدى انكور التطويري إلى رسم صورة شاملة لتطور الحضارات العالمية، بما تضمنته من اكتشافات علمية وابتكارات تكنولوجية، وذلك لإبراز تنوع أصول الثقافات الإنسانية المبكرة. فلا يمكننا فهم أنفسنا بوضوح إلا من خلال الفهم الكامل للعالم. وفي سلسلة المواضيع هذه، سيتم اختيار حضارات وأحداث ذات تأثير تاريخي عميق على المجتمع البشري وبالتركيز على توضيح أصول ومسارات تطور العلوم في مختلف الحضارات، إلى جانب أهمية بعض الأحداث المفتاحية في تطور الحضارة الإنسانية، فإن السرد التالي سيكون مختلفًا عن السرد التقليدي لتاريخ العالم. وهذا هو الموضوع الثالث من السلسلة بعد موضوع مصر القديمة، وهو حوضا نهري السند والغانج.
حوضا نهري السند والغانج
لقد سكن البشر شبه القارة الهندية منذ زمن بعيد. وكانت مدينة هاراپا الواقعة في حوض نهر السند (في باكستان الحالية) تمثل ثقافة العصر البرونزي، وقد ازدهرت بين عامي 2800 ق.م و2000 ق.م. وفي حوالي عام 1500 ق.م، أو السنوات الأولى من أسرة شانغ في الصين، بدأت قبائل هندوأوروبية عديدة من آسيا الوسطى بغزو حوضي نهري السند والغانج عبر الهضبة الإيرانية. وقد أطلقوا على أنفسهم اسم "آريان" أي "النبيل"، بينما أشاروا إلى القبائل الأصلية باسم "ديفاداسا" والتي تعني في بادئ الأمر "أعداء"، ثم أصبحت تعني لاحقًا "عبيد". ومع تعمّق التمايز الطبقي، نشأ في الهند نظام طبقي خاص، لا تزال آثاره واضحة في الحياة الاجتماعية حتى اليوم.

ومع وصول الآريين، بدأت تظهر السجلات المكتوبة في الهند، وأقدم هذه الوثائق تُعرف باسم "الفيدا"، وتعني "المعرفة"، وكانت محصورة في أيدي البراهمة، وهم "أنبل" سلالة الآريين. وعلى الرغم من استمرار الجدل حول زمن اكتمال الفيدا، إلا أن أقدم أجزاء الفيدا، وهي "ريغفيدا"، ربما تم تدوينها في حوالي عام 1200 ق.م. وتذكر "ريغفيدا" 33 إلهًا، مقسمين إلى ثلاث فئات: السماء، والأرض، والجو. وهم يمثلون مزيجًا من عبادة الطواطم البدائية وعبادة قوى الطبيعة. وقد تطورت ديانة الفيدا البدائية لاحقًا إلى "البراهمانية". أما المؤلفات الفيدية اللاحقة مثل "براهمانا" و"أرانيكا"، فهي من النصوص المهمة في الثقافة الهندية القديمة قبل ظهور البوذية، ويمكن اعتبارها تفسيرات الكهنة للنظام الاجتماعي والظواهر الطبيعية. ويعود زمن ظهورها إلى نحو عام 600 ق.م، أي ما يعادل فترة الربيع والخريف في الصين.
لقد استخدم الهنود النظام العشري منذ عصر حضارة هاراپا. وفي القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، ظهرت رموز تدل على الأعداد، كما ظهرت في "سوترا شلبا" معارف تتعلق بالمساحة، والرسم، وتحديد الاتجاهات، وغيرها من المعارف الهندسية. وتذكر "ريغفيدا" أن السنة تتكون من 13 شهرًا؛ بينما تقسم "تايتيريا براهمانا" السنة إلى ستة فصول، وهي: الربيع، والحر، والمطر، والخريف، والبرد، والشتاء. أما "آيتاريا براهمانا"، فتقسم السنة إلى 360 يومًا، أو 12 شهرًا كل منها يحتوي على 30 يومًا. كما اخترع الهنود تقويمًا قادرًا على التوفيق بين الدورات الشمسية والقمرية. ولأغراض دراسة حركة الشمس والقمر، قسّموا دائرة البروج إلى 27 جزءًا متساويًا، وأطلقوا عليها اسم "محطات القمر". وتُذكر جميع أسماء "ناكشاترا" لأول مرة في "تايتيريا براهمانا".
ويولي الهنود اهتمامًا بالغًا بالعلاقة بين الحياة والطبيعة، وقد بلغت علومهم في الطب والعلاج بالأعشاب مستوى عاليًا من التطور. وقد جُمعت المؤلفات القديمة المتعلقة بالصحة وطول العمر في نظام طبي يُعرف باسم "الأيورفيدا". ومن بين فروع الطب في الهند القديمة، تبرز طب العيون كميزة لافتة، وقد حاز على سمعة كبيرة في الصين بفضل انتشار البوذية. وقد خُصص الفصل السادس من "سوشروتا سامهيتا" لعلم وظائف العين وأمراضها، وذُكرت فيه عدة علاجات جراحية من بينها إزالة إعتام عدسة العين (الساد). ويعتقد العديد من الباحثين أن غالبية محتوى هذا الكتاب يعود إلى فترة ما بعد الفيدا، على الرغم من أن الكتاب نفسه أُنجز بعد تلك الفترة.

ومع وصول الآريين، بدأت تظهر السجلات المكتوبة في الهند، وأقدم هذه الوثائق تُعرف باسم "الفيدا"، وتعني "المعرفة"، وكانت محصورة في أيدي البراهمة، وهم "أنبل" سلالة الآريين. وعلى الرغم من استمرار الجدل حول زمن اكتمال الفيدا، إلا أن أقدم أجزاء الفيدا، وهي "ريغفيدا"، ربما تم تدوينها في حوالي عام 1200 ق.م. وتذكر "ريغفيدا" 33 إلهًا، مقسمين إلى ثلاث فئات: السماء، والأرض، والجو. وهم يمثلون مزيجًا من عبادة الطواطم البدائية وعبادة قوى الطبيعة. وقد تطورت ديانة الفيدا البدائية لاحقًا إلى "البراهمانية". أما المؤلفات الفيدية اللاحقة مثل "براهمانا" و"أرانيكا"، فهي من النصوص المهمة في الثقافة الهندية القديمة قبل ظهور البوذية، ويمكن اعتبارها تفسيرات الكهنة للنظام الاجتماعي والظواهر الطبيعية. ويعود زمن ظهورها إلى نحو عام 600 ق.م، أي ما يعادل فترة الربيع والخريف في الصين.
لقد استخدم الهنود النظام العشري منذ عصر حضارة هاراپا. وفي القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، ظهرت رموز تدل على الأعداد، كما ظهرت في "سوترا شلبا" معارف تتعلق بالمساحة، والرسم، وتحديد الاتجاهات، وغيرها من المعارف الهندسية. وتذكر "ريغفيدا" أن السنة تتكون من 13 شهرًا؛ بينما تقسم "تايتيريا براهمانا" السنة إلى ستة فصول، وهي: الربيع، والحر، والمطر، والخريف، والبرد، والشتاء. أما "آيتاريا براهمانا"، فتقسم السنة إلى 360 يومًا، أو 12 شهرًا كل منها يحتوي على 30 يومًا. كما اخترع الهنود تقويمًا قادرًا على التوفيق بين الدورات الشمسية والقمرية. ولأغراض دراسة حركة الشمس والقمر، قسّموا دائرة البروج إلى 27 جزءًا متساويًا، وأطلقوا عليها اسم "محطات القمر". وتُذكر جميع أسماء "ناكشاترا" لأول مرة في "تايتيريا براهمانا".
ويولي الهنود اهتمامًا بالغًا بالعلاقة بين الحياة والطبيعة، وقد بلغت علومهم في الطب والعلاج بالأعشاب مستوى عاليًا من التطور. وقد جُمعت المؤلفات القديمة المتعلقة بالصحة وطول العمر في نظام طبي يُعرف باسم "الأيورفيدا". ومن بين فروع الطب في الهند القديمة، تبرز طب العيون كميزة لافتة، وقد حاز على سمعة كبيرة في الصين بفضل انتشار البوذية. وقد خُصص الفصل السادس من "سوشروتا سامهيتا" لعلم وظائف العين وأمراضها، وذُكرت فيه عدة علاجات جراحية من بينها إزالة إعتام عدسة العين (الساد). ويعتقد العديد من الباحثين أن غالبية محتوى هذا الكتاب يعود إلى فترة ما بعد الفيدا، على الرغم من أن الكتاب نفسه أُنجز بعد تلك الفترة.