تهدف هذه السلسلة من المواضيع التي سأنشرها على منتدى انكور التطويري إلى رسم صورة شاملة لتطور الحضارات العالمية، بما تضمنته من اكتشافات علمية وابتكارات تكنولوجية، وذلك لإبراز تنوع أصول الثقافات الإنسانية المبكرة. فلا يمكننا فهم أنفسنا بوضوح إلا من خلال الفهم الكامل للعالم. وفي سلسلة المواضيع هذه، سيتم اختيار حضارات وأحداث ذات تأثير تاريخي عميق على المجتمع البشري وبالتركيز على توضيح أصول ومسارات تطور العلوم في مختلف الحضارات، إلى جانب أهمية بعض الأحداث المفتاحية في تطور الحضارة الإنسانية، فإن السرد التالي سيكون مختلفًا عن السرد التقليدي لتاريخ العالم. وهذا هو الموضوع الخامس من السلسلة بعد موضوع السلالة الجديدة لبابل، وهو المدينة الاغريقية.
المدينة الاغريقية
بعد القرن السادس قبل الميلاد، بدأت ديمقراطية المدن الإغريقية المعتمدة على نظام الرق بالنضوج تدريجيًا، وقد شهدت تحولًا سياسيًا بارزًا في عام 594 قبل الميلاد عندما قاد "سولون" إصلاحًا سياسيًا مهمًا، وهو ما حدث تقريبًا في الوقت نفسه الذي قام فيه "زي تشان" من مملكة "تشنغ" في الصين بنقش قانون العقوبات على قاعدة نحاسية. كما أُطلق إصلاح آخر على يد "بريكليس" عام 443 قبل الميلاد، وهو ما يتزامن تقريبًا مع فترة حكم "لي لي"، الوزير الأول لمملكة "وي" في الصين.

وخلال هذه المرحلة، ظهر في البر الرئيسي لليونان وجزر بحر إيجه وآسيا الصغرى، جماعة تُعرف باسم "فيلوسوفيا"، وهي الكلمة التي تطورت لاحقًا إلى مصطلح "فيلسوف" في اللغات الغربية. ويُعد "طاليس" أول من يُعرف اسمه كفيلسوف. وتُروى عنه أسطورة مفادها أنه نجح في التنبؤ بكسوف شمسي، وتوقّع محصول الموسم التالي بناءً على التغيرات المناخية. وكان "فيثاغورس" وتلاميذه يؤمنون بأن الأعداد هي أصل كل شيء، وقد مهدت أفكارهم الطريق لتطور العلوم الغربية خلال الألفي سنة التالية.
وبعد إصلاح "بريكليس"، جاءت الحقبة الذهبية للفلسفة اليونانية الكلاسيكية، التي تمثلت في أعظم فلاسفتها "أفلاطون" و"أرسطو". ففي كتابه "المدينة الفاضلة" (يوتوبيا)، طرح أفلاطون فكرة "الملك الفيلسوف"، وهو مفهوم سياسي يدعو إلى إدارة الدولة من قبل الفلاسفة.
وقد سادت في الفلسفة اليونانية الكلاسيكية فكرة مركزية تقوم على العقل والمنطق (Logos). وفي حوالي عام 388 قبل الميلاد، أسّس أفلاطون أكاديمية (مدرسة) في ضواحي أثينا، هدفها نقل المعرفة ومناقشة القضايا العلمية والفكرية، وظلت هذه الأكاديمية تؤثر في الحياة الفكرية على مدى 900 عام. ويقال إن أفلاطون علّق عند مدخل الأكاديمية لافتة كتب عليها: "لا دخول لمن يجهل الهندسة". أما تلميذه "أرسطو"، فقد أتقن المنطق الصوري الكلاسيكي، وجاء تلميذه "أقليدس" ليجمع المعارف الرياضية المتاحة آنذاك مستخدمًا أدوات المنطق، ويؤلف كتابه الشهير "عناصر الهندسة"، الذي اعتُبر لاحقًا "إنجيل العلوم".
وفي وقت لاحق، ازدهرت أثينا بمراكز أكاديمية متعددة، منها أكاديمية "ليكيون" التي أسسها أرسطو، و"الرواق الرواقي" (الستوا) الذي أنشأه "زينون" وغيره في أحد أركان السوق وسط المدينة، ومدرسة الحديقة التي أسسها "إبيكور" خارج المدينة. وهذا كله يعكس مدى ازدهار الحياة الأكاديمية في أثينا، والتي يُعتبرها الكثيرون منشأ الفكر الغربي.
وبعد القرن الثالث قبل الميلاد، انتشرت التقاليد الأكاديمية لأثينا في منطقة البحر المتوسط كلها، وكذلك في آسيا وأفريقيا، بفضل حملات الإسكندر الأكبر. وقد أسس ضباطه مملكة البطالمة الهلنستية، وكانت عاصمتها "الإسكندرية"، وهي مدينة استعمارية تقع عند مصب نهر النيل. وقد بنى حكّام السلالة الجديدة قصورًا فخمة بالقرب من القصر الإمبراطوري. وسُمّيت هذه القصور باسم "الميوز"، نسبة إلى الإلهات التسع في الأساطير اليونانية اللواتي كنّ مسؤولات عن العلوم والفنون.
وقد احتوت هذه القصور على أكبر مكتبة في العالم آنذاك. وعمل فيها عدد من أعظم العلماء، من بينهم "أقليدس"، و"أبولونيوس"، و"هيبارخوس"، و"إراتوستينس"، و"بطليموس". كما كان العالم العظيم "أرخميدس"، الذي يُعد أعظم علماء العالم القديم، على تواصل وثيق مع العلماء العاملين في قصور الميوز.

وخلال هذه المرحلة، ظهر في البر الرئيسي لليونان وجزر بحر إيجه وآسيا الصغرى، جماعة تُعرف باسم "فيلوسوفيا"، وهي الكلمة التي تطورت لاحقًا إلى مصطلح "فيلسوف" في اللغات الغربية. ويُعد "طاليس" أول من يُعرف اسمه كفيلسوف. وتُروى عنه أسطورة مفادها أنه نجح في التنبؤ بكسوف شمسي، وتوقّع محصول الموسم التالي بناءً على التغيرات المناخية. وكان "فيثاغورس" وتلاميذه يؤمنون بأن الأعداد هي أصل كل شيء، وقد مهدت أفكارهم الطريق لتطور العلوم الغربية خلال الألفي سنة التالية.
وبعد إصلاح "بريكليس"، جاءت الحقبة الذهبية للفلسفة اليونانية الكلاسيكية، التي تمثلت في أعظم فلاسفتها "أفلاطون" و"أرسطو". ففي كتابه "المدينة الفاضلة" (يوتوبيا)، طرح أفلاطون فكرة "الملك الفيلسوف"، وهو مفهوم سياسي يدعو إلى إدارة الدولة من قبل الفلاسفة.
وقد سادت في الفلسفة اليونانية الكلاسيكية فكرة مركزية تقوم على العقل والمنطق (Logos). وفي حوالي عام 388 قبل الميلاد، أسّس أفلاطون أكاديمية (مدرسة) في ضواحي أثينا، هدفها نقل المعرفة ومناقشة القضايا العلمية والفكرية، وظلت هذه الأكاديمية تؤثر في الحياة الفكرية على مدى 900 عام. ويقال إن أفلاطون علّق عند مدخل الأكاديمية لافتة كتب عليها: "لا دخول لمن يجهل الهندسة". أما تلميذه "أرسطو"، فقد أتقن المنطق الصوري الكلاسيكي، وجاء تلميذه "أقليدس" ليجمع المعارف الرياضية المتاحة آنذاك مستخدمًا أدوات المنطق، ويؤلف كتابه الشهير "عناصر الهندسة"، الذي اعتُبر لاحقًا "إنجيل العلوم".
وفي وقت لاحق، ازدهرت أثينا بمراكز أكاديمية متعددة، منها أكاديمية "ليكيون" التي أسسها أرسطو، و"الرواق الرواقي" (الستوا) الذي أنشأه "زينون" وغيره في أحد أركان السوق وسط المدينة، ومدرسة الحديقة التي أسسها "إبيكور" خارج المدينة. وهذا كله يعكس مدى ازدهار الحياة الأكاديمية في أثينا، والتي يُعتبرها الكثيرون منشأ الفكر الغربي.
وبعد القرن الثالث قبل الميلاد، انتشرت التقاليد الأكاديمية لأثينا في منطقة البحر المتوسط كلها، وكذلك في آسيا وأفريقيا، بفضل حملات الإسكندر الأكبر. وقد أسس ضباطه مملكة البطالمة الهلنستية، وكانت عاصمتها "الإسكندرية"، وهي مدينة استعمارية تقع عند مصب نهر النيل. وقد بنى حكّام السلالة الجديدة قصورًا فخمة بالقرب من القصر الإمبراطوري. وسُمّيت هذه القصور باسم "الميوز"، نسبة إلى الإلهات التسع في الأساطير اليونانية اللواتي كنّ مسؤولات عن العلوم والفنون.
وقد احتوت هذه القصور على أكبر مكتبة في العالم آنذاك. وعمل فيها عدد من أعظم العلماء، من بينهم "أقليدس"، و"أبولونيوس"، و"هيبارخوس"، و"إراتوستينس"، و"بطليموس". كما كان العالم العظيم "أرخميدس"، الذي يُعد أعظم علماء العالم القديم، على تواصل وثيق مع العلماء العاملين في قصور الميوز.