يستعرض المقال الذي نشرته لورانس فريدمان في Foreign Affairs التحوّل في طبيعة الحروب من نماذج الحسم السريع كما في "عاصفة الصحراء" عام 1991، إلى صراعات طويلة الأمد تُعرف بـ"الحروب الأبدية"، حيث تفشل الجيوش الحديثة في تحقيق نصر سريع رغم التفوق التكنولوجي. يسلط المقال الضوء على مغالطة التمسك باستراتيجيات الحرب القصيرة رغم التاريخ الحافل بفشلها، محذرًا من أن تجاهل احتمال استمرار الحرب يعرض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة لمخاطر استراتيجية خطيرة. كما يناقش كيف تؤدي الطموحات السياسية غير الواقعية إلى تعقيد الحروب، كما حدث في أوكرانيا، ويؤكد أن عدم الخسارة لا يعني النصر. ويرى الكاتب أن الحروب الحديثة، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، أصبحت أكثر غموضًا واستمرارية، ولا تنتهي عادةً بانتصارات حاسمة بل تترك خلفها صراعات مفتوحة بسبب فشل المعالجات السياسية والجذرية للنزاع.
The Age of Forever Wars
في عملية عاصفة الصحراء عام 1991، وهي الحملة التي هدفت لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحالف قوة هائلة من البر والجو والبحر. وانتهت الحملة خلال بضعة أسابيع. وكان التباين صارخًا بين حرب الولايات المتحدة الشاقة وغير الناجحة في فيتنام، وحرب الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. وأدى هذا النصر السريع إلى الحديث عن عصر جديد في الحروب، أطلق عليه "ثورة في الشؤون العسكرية"، حيث أصبح يُعتقد أن الحروب المستقبلية ستحسم عبر السرعة والمناورة، باستخدام معلومات استخباراتية فورية توفرها أجهزة استشعار ذكية، توجه هجمات فورية بأسلحة ذكية.
لكن تلك الآمال لم تدم طويلًا. فقد اتسمت حملات مكافحة التمرد التي خاضها الغرب في العقود الأولى من هذا القرن، والتي أصبحت تُعرف بـ"الحروب الأبدية"، بأنها لم تكن سريعة. وكانت الحملة العسكرية الأميركية في أفغانستان الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، وانتهت بالفشل: فبالرغم من طرد طالبان في بداية الغزو الأميركي، إلا أن الحركة عادت لاحقًا. ولا تقتصر هذه المشكلة على الولايات المتحدة وحلفائها؛ ففي فبراير 2022، شنت روسيا غزوًا شاملًا لأوكرانيا كان يُفترض أن يُحسم في غضون أيام، لكن الحرب استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، واتسمت بمعارك استنزافية مدمرة بدلًا من المناورات الجريئة. وبالمثل، عندما أطلقت إسرائيل غزوها لغزة ردًا على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 واحتجاز الرهائن، حث الرئيس الأميركي جو بايدن أن تكون العملية الإسرائيلية "سريعة وحاسمة وكاسحة". إلا أن الحرب استمرت 15 شهرًا، وامتدت إلى جبهات أخرى في لبنان وسوريا واليمن، قبل التوصل إلى وقف إطلاق نار هش في يناير 2025. وبحلول منتصف مارس، اشتعلت الحرب من جديد. وهذا لا يشمل العديد من النزاعات في إفريقيا، مثل تلك في السودان ومنطقة الساحل، والتي لا يلوح في الأفق أي نهاية لها.
بدأت فكرة أن الهجمات المباغتة قد تحقق انتصارات حاسمة تترسخ في الفكر العسكري منذ القرن التاسع عشر. لكن، مرارًا وتكرارًا، أثبتت القوى التي شنت هذه الهجمات مدى صعوبة إنهاء الحرب بسرعة وبنتائج مرضية. كان القادة العسكريون الأوروبيون واثقين أن الحرب التي بدأت في صيف عام 1914 "ستنتهي بحلول عيد الميلاد" — وهي عبارة لا تزال تُستخدم كلما بدا القادة العسكريون مفرطين في التفاؤل — لكن القتال استمر حتى نوفمبر 1918، وانتهى بهجمات سريعة لكن بعد سنوات من حرب الخنادق المدمرة على جبهات شبه ثابتة. وفي عام 1940، اجتاحت ألمانيا معظم أوروبا الغربية خلال أسابيع باستخدام تكتيك الحرب الخاطفة، الذي جمع بين الدبابات والقوة الجوية، لكنها لم تستطع إنهاء المهمة، وبعد تقدم سريع ضد الاتحاد السوفييتي عام 1941، انخرطت في حرب وحشية أسفرت عن خسائر ضخمة على الجانبين، ولم تنتهِ إلا بعد أربع سنوات بانهيار الرايخ الثالث بالكامل. وبالمثل، فإن قرار القيادة العسكرية اليابانية بشن هجوم مفاجئ على الولايات المتحدة في ديسمبر 1941 انتهى بهزيمة كارثية للإمبراطورية اليابانية في أغسطس 1945. في كلتا الحربين العالميتين، كان مفتاح النصر ليس التفوق العسكري فقط، بل القدرة على الصمود الطويل.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من الحروب الممتدة، لا يزال الاستراتيجيون العسكريون يبنون تفكيرهم حول حروب قصيرة، يُفترض أن تُحسم في الأيام أو حتى الساعات الأولى من القتال. ووفقًا لهذا النموذج، لا تزال هناك استراتيجيات يمكن أن تفاجئ العدو بسرعة الهجوم واتجاهه وقسوته. ومع الاحتمال الدائم لانخراط الولايات المتحدة في حرب مع الصين بشأن تايوان، أصبحت جدوى مثل هذه الاستراتيجيات مسألة ملحة: هل يمكن للصين أن تستولي على الجزيرة بسرعة باستخدام قوة خاطفة، أم أن تايوان، بدعم من الولايات المتحدة، ستكون قادرة على صد هذا الهجوم؟
الواضح أن هناك اختلالًا حرجًا في التخطيط الدفاعي وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وخصومها. واعترافًا بميل الحروب إلى الامتداد، بدأ بعض الاستراتيجيين بالتحذير من الوقوع في "مغالطة الحرب القصيرة". فالتركيز على الحروب القصيرة يؤدي إلى الاعتماد المفرط على خطط المعركة الأولية، والتي قد لا تسير كما هو متوقع — مما يترتب عليه عواقب وخيمة. وقد جادل أندرو كريبينيفيتش بأن حربًا مطولة بين الولايات المتحدة والصين "ستشمل أنواعًا من الحروب لا يملك المتحاربون خبرة كبيرة فيها"، وقد تشكل "الاختبار العسكري الحاسم في عصرنا". علاوة على ذلك، فإن الفشل في الاستعداد لحروب طويلة يخلق مواطن ضعف بحد ذاته. فلكي تتحول الدول من حرب قصيرة إلى حرب مطولة، يجب أن تفرض متطلبات مختلفة على جيوشها وعلى المجتمع بأكمله، كما يتوجب عليها إعادة تقييم أهدافها وما هي مستعدة للالتزام به لتحقيقها.
وعندما يدرك المخططون العسكريون أن أي حرب كبرى معاصرة قد لا تنتهي بسرعة، يصبح من الضروري اعتماد ذهنية مختلفة. فالحروب القصيرة تُخاض بالموارد المتاحة في اللحظة، أما الحروب الطويلة فتتطلب تطوير قدرات تتماشى مع متغيرات العمليات، كما تُظهر التحولات المستمرة في حرب الطائرات المسيّرة في أوكرانيا. وقد تؤدي الحروب القصيرة إلى تعطيلات مؤقتة في الاقتصاد والمجتمع، ولا تحتاج إلى خطوط إمداد موسعة؛ لكن الحروب الطويلة تتطلب استراتيجيات للحفاظ على دعم الجمهور، واستمرار أداء الاقتصاد، وتأمين سبل إعادة التسلح والتزويد والتعويض عن الخسائر. وتتطلب الحروب الطويلة أيضًا قدرة دائمة على التكيف والتطور: فكلما طال أمد الصراع، زاد الضغط لتطوير تكتيكات وتقنيات قد تحقق اختراقًا حاسمًا. وحتى بالنسبة لقوة عظمى، فإن الفشل في الاستعداد لهذه التحديات والتعامل معها قد يكون كارثيًا.
ومع ذلك، من العدل أيضًا التساؤل عن مدى واقعية التخطيط لحروب بلا نهاية واضحة. فخوض حملة مكافحة تمرد مطولة شيء، والاستعداد لنزاع يتضمن خسائر بشرية ومادية مستمرة على مدى زمني طويل شيء آخر تمامًا. وقد تواجه استراتيجيات الدفاع عقبات كبيرة في هذا النوع من التخطيط، إذ قد تفتقر الجيوش إلى الموارد اللازمة للاستعداد لحرب طويلة. والحل لهذه المعضلة ليس الاستعداد لحروب ذات مدة غير محددة، بل تطوير نظريات للنصر تكون واقعية في أهدافها السياسية ومرنة في كيفية تحقيقها.
لكن تلك الآمال لم تدم طويلًا. فقد اتسمت حملات مكافحة التمرد التي خاضها الغرب في العقود الأولى من هذا القرن، والتي أصبحت تُعرف بـ"الحروب الأبدية"، بأنها لم تكن سريعة. وكانت الحملة العسكرية الأميركية في أفغانستان الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، وانتهت بالفشل: فبالرغم من طرد طالبان في بداية الغزو الأميركي، إلا أن الحركة عادت لاحقًا. ولا تقتصر هذه المشكلة على الولايات المتحدة وحلفائها؛ ففي فبراير 2022، شنت روسيا غزوًا شاملًا لأوكرانيا كان يُفترض أن يُحسم في غضون أيام، لكن الحرب استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، واتسمت بمعارك استنزافية مدمرة بدلًا من المناورات الجريئة. وبالمثل، عندما أطلقت إسرائيل غزوها لغزة ردًا على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 واحتجاز الرهائن، حث الرئيس الأميركي جو بايدن أن تكون العملية الإسرائيلية "سريعة وحاسمة وكاسحة". إلا أن الحرب استمرت 15 شهرًا، وامتدت إلى جبهات أخرى في لبنان وسوريا واليمن، قبل التوصل إلى وقف إطلاق نار هش في يناير 2025. وبحلول منتصف مارس، اشتعلت الحرب من جديد. وهذا لا يشمل العديد من النزاعات في إفريقيا، مثل تلك في السودان ومنطقة الساحل، والتي لا يلوح في الأفق أي نهاية لها.
بدأت فكرة أن الهجمات المباغتة قد تحقق انتصارات حاسمة تترسخ في الفكر العسكري منذ القرن التاسع عشر. لكن، مرارًا وتكرارًا، أثبتت القوى التي شنت هذه الهجمات مدى صعوبة إنهاء الحرب بسرعة وبنتائج مرضية. كان القادة العسكريون الأوروبيون واثقين أن الحرب التي بدأت في صيف عام 1914 "ستنتهي بحلول عيد الميلاد" — وهي عبارة لا تزال تُستخدم كلما بدا القادة العسكريون مفرطين في التفاؤل — لكن القتال استمر حتى نوفمبر 1918، وانتهى بهجمات سريعة لكن بعد سنوات من حرب الخنادق المدمرة على جبهات شبه ثابتة. وفي عام 1940، اجتاحت ألمانيا معظم أوروبا الغربية خلال أسابيع باستخدام تكتيك الحرب الخاطفة، الذي جمع بين الدبابات والقوة الجوية، لكنها لم تستطع إنهاء المهمة، وبعد تقدم سريع ضد الاتحاد السوفييتي عام 1941، انخرطت في حرب وحشية أسفرت عن خسائر ضخمة على الجانبين، ولم تنتهِ إلا بعد أربع سنوات بانهيار الرايخ الثالث بالكامل. وبالمثل، فإن قرار القيادة العسكرية اليابانية بشن هجوم مفاجئ على الولايات المتحدة في ديسمبر 1941 انتهى بهزيمة كارثية للإمبراطورية اليابانية في أغسطس 1945. في كلتا الحربين العالميتين، كان مفتاح النصر ليس التفوق العسكري فقط، بل القدرة على الصمود الطويل.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من الحروب الممتدة، لا يزال الاستراتيجيون العسكريون يبنون تفكيرهم حول حروب قصيرة، يُفترض أن تُحسم في الأيام أو حتى الساعات الأولى من القتال. ووفقًا لهذا النموذج، لا تزال هناك استراتيجيات يمكن أن تفاجئ العدو بسرعة الهجوم واتجاهه وقسوته. ومع الاحتمال الدائم لانخراط الولايات المتحدة في حرب مع الصين بشأن تايوان، أصبحت جدوى مثل هذه الاستراتيجيات مسألة ملحة: هل يمكن للصين أن تستولي على الجزيرة بسرعة باستخدام قوة خاطفة، أم أن تايوان، بدعم من الولايات المتحدة، ستكون قادرة على صد هذا الهجوم؟
الواضح أن هناك اختلالًا حرجًا في التخطيط الدفاعي وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وخصومها. واعترافًا بميل الحروب إلى الامتداد، بدأ بعض الاستراتيجيين بالتحذير من الوقوع في "مغالطة الحرب القصيرة". فالتركيز على الحروب القصيرة يؤدي إلى الاعتماد المفرط على خطط المعركة الأولية، والتي قد لا تسير كما هو متوقع — مما يترتب عليه عواقب وخيمة. وقد جادل أندرو كريبينيفيتش بأن حربًا مطولة بين الولايات المتحدة والصين "ستشمل أنواعًا من الحروب لا يملك المتحاربون خبرة كبيرة فيها"، وقد تشكل "الاختبار العسكري الحاسم في عصرنا". علاوة على ذلك، فإن الفشل في الاستعداد لحروب طويلة يخلق مواطن ضعف بحد ذاته. فلكي تتحول الدول من حرب قصيرة إلى حرب مطولة، يجب أن تفرض متطلبات مختلفة على جيوشها وعلى المجتمع بأكمله، كما يتوجب عليها إعادة تقييم أهدافها وما هي مستعدة للالتزام به لتحقيقها.
وعندما يدرك المخططون العسكريون أن أي حرب كبرى معاصرة قد لا تنتهي بسرعة، يصبح من الضروري اعتماد ذهنية مختلفة. فالحروب القصيرة تُخاض بالموارد المتاحة في اللحظة، أما الحروب الطويلة فتتطلب تطوير قدرات تتماشى مع متغيرات العمليات، كما تُظهر التحولات المستمرة في حرب الطائرات المسيّرة في أوكرانيا. وقد تؤدي الحروب القصيرة إلى تعطيلات مؤقتة في الاقتصاد والمجتمع، ولا تحتاج إلى خطوط إمداد موسعة؛ لكن الحروب الطويلة تتطلب استراتيجيات للحفاظ على دعم الجمهور، واستمرار أداء الاقتصاد، وتأمين سبل إعادة التسلح والتزويد والتعويض عن الخسائر. وتتطلب الحروب الطويلة أيضًا قدرة دائمة على التكيف والتطور: فكلما طال أمد الصراع، زاد الضغط لتطوير تكتيكات وتقنيات قد تحقق اختراقًا حاسمًا. وحتى بالنسبة لقوة عظمى، فإن الفشل في الاستعداد لهذه التحديات والتعامل معها قد يكون كارثيًا.
ومع ذلك، من العدل أيضًا التساؤل عن مدى واقعية التخطيط لحروب بلا نهاية واضحة. فخوض حملة مكافحة تمرد مطولة شيء، والاستعداد لنزاع يتضمن خسائر بشرية ومادية مستمرة على مدى زمني طويل شيء آخر تمامًا. وقد تواجه استراتيجيات الدفاع عقبات كبيرة في هذا النوع من التخطيط، إذ قد تفتقر الجيوش إلى الموارد اللازمة للاستعداد لحرب طويلة. والحل لهذه المعضلة ليس الاستعداد لحروب ذات مدة غير محددة، بل تطوير نظريات للنصر تكون واقعية في أهدافها السياسية ومرنة في كيفية تحقيقها.
مغالطة الحرب القصيرة
تُعد مزايا الحروب القصيرة — النجاح الفوري بتكلفة محتملة — واضحة لدرجة أنه لا يمكن تقديم حجة عقلانية للانخراط عمدًا في حرب طويلة. وعلى العكس، فإن مجرد الاعتراف بإمكانية أن تطول الحرب قد يُعد دليلاً على الشك في قدرة الجيش على الانتصار على خصمه. وإذا لم يكن لدى الاستراتيجيين ثقة كافية في أن الحرب المرتقبة يمكن أن تُحسم بسرعة، فإن السياسة الحكيمة الوحيدة ربما تكون عدم خوضها أصلًا. ومع ذلك، بالنسبة لدولة مثل الولايات المتحدة، قد لا يكون من الممكن استبعاد نشوب صراع مع قوة عظمى أخرى مماثلة في القوة، حتى وإن لم يكن النصر السريع مضمونًا. ورغم نفور القادة الغربيين المفهوم من التدخل في الحروب الأهلية، إلا أن أفعال خصم غير دولتي قد تصبح مؤذية ومستمرة إلى درجة تجعل التدخل المباشر لمعالجة التهديد أمرًا لا مفر منه، بغض النظر عن المدة التي قد يستغرقها ذلك.
لهذا السبب، لا يزال الاستراتيجيون العسكريون يبنون خططهم على أساس الحروب القصيرة، حتى عندما لا يمكن استبعاد احتمال أن تطول الحرب. خلال الحرب الباردة، كان السبب الرئيسي لعدم تخصيص الجانبين موارد واسعة للإعداد لحرب طويلة هو الافتراض بأن الأسلحة النووية ستُستخدم عاجلًا أم آجلًا. ولا يزال هذا التهديد قائمًا في العصر الحالي. لكن احتمال تحول صراع بين قوى عظمى إلى حرب كارثية شبيهة بالحربين العالميتين في القرن العشرين يجعل من الضروري التخطيط لتحقيق نصر سريع بالقوات التقليدية.
تركّز استراتيجيات تنفيذ هذا النمط المثالي من الحروب على التحرك السريع، مع عنصر المفاجأة وقوة كافية لإرباك العدو قبل أن يتمكن من تنظيم رد فعّال. وغالبًا ما تُقيّم التقنيات القتالية الجديدة بناءً على قدرتها على تحقيق نصر سريع في ساحة المعركة، وليس بناءً على ما إذا كانت تساهم في تأمين سلام دائم. خذ الذكاء الاصطناعي مثالًا: الفكرة السائدة هي أن الجيوش، من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي، ستكون قادرة على تقييم المواقف القتالية وتحديد الخيارات وتنفيذها في غضون ثوانٍ. وقد تُتخذ قرارات حيوية بسرعة كبيرة لدرجة أن القادة — فضلًا عن العدو — بالكاد يدركون ما يحدث.
وقد ترسخت الهوس بالسرعة لدرجة أن أجيالًا من القادة العسكريين الأميركيين اعتادوا على النفور من مجرد ذكر "حرب الاستنزاف"، مفضلين المناورة الحاسمة كطريق للنصر السريع. أما الحملات الطويلة المرهقة كالتي تحدث الآن في أوكرانيا — حيث يسعى الطرفان لاستنزاف قدرات بعضهما البعض، ويُقاس التقدم بعدد القتلى والمعدات المدمرة والمخزونات المستهلكة — فهي ليست فقط محبطة للدول المتحاربة، بل أيضًا تستهلك وقتًا وموارد ضخمة. ففي أوكرانيا، أنفقت الأطراف المتحاربة موارد غير مسبوقة، ومع ذلك لم تقترب أيٌّ منها من تحقيق نصر حاسم. ليست كل الحروب بهذه الكثافة، لكن حتى الحروب غير النظامية الطويلة قد تُخلّف آثارًا باهظة وتؤدي إلى شعور متزايد باللاجدوى إلى جانب التكاليف المتصاعدة.
ورغم المعرفة بأن الهجمات المفاجئة الجريئة غالبًا ما تأتي بأقل مما وعدت به، وأن بدء الحروب أسهل بكثير من إنهائها، لا يزال الاستراتيجيون قلقين من أن الخصوم المحتملين قد يكونون واثقين من خططهم لتحقيق نصر سريع ويتصرفون على هذا الأساس. وهذا يتطلب منهم التركيز على المرحلة الافتتاحية المحتملة من الحرب. فعلى سبيل المثال، قد يُفترض أن لدى الصين خطة للاستيلاء على تايوان تهدف إلى مفاجأة الولايات المتحدة وهي غير مستعدة، ما يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات لا أمل لها في النجاح أو تؤدي إلى تفاقم الوضع. واستعدادًا لهجوم مفاجئ كهذا، خصص الاستراتيجيون الأميركيون وقتًا طويلًا لتقييم كيف يمكن للولايات المتحدة وحلفائها مساعدة تايوان على صد التحركات الصينية الأولية — كما فعلت أوكرانيا مع روسيا في فبراير 2022 — ثم جعل من الصعب على الصين مواصلة عملية معقدة على مسافة بعيدة من البر الرئيسي. لكن حتى هذا السيناريو قد ينتهي إلى حرب طويلة: فإذا نجحت التحركات المضادة للقوات التايوانية وحلفائها الغربيين، وتعطلت القوات الصينية دون انسحاب، ستظل تايوان والولايات المتحدة تواجهان مشكلة التعامل مع وجود عسكري صيني على الجزيرة. كما أدركت أوكرانيا، يمكن أن تنجرّ إلى حرب طويلة لأن خصمًا متسرعًا قد أخطأ في حساب المخاطر.
وهذا لا يعني أن النزاعات المسلحة الحديثة لا تنتهي أبدًا بانتصارات سريعة. ففي يونيو 1967، احتاجت إسرائيل إلى أقل من أسبوع لهزيمة تحالف من الدول العربية في حرب الأيام الستة؛ وبعد ثلاث سنوات، عندما تدخلت الهند في حرب استقلال بنغلاديش، استغرقت قواتها 13 يومًا فقط لهزيمة باكستان. كما أن انتصار المملكة المتحدة على الأرجنتين في حرب فوكلاند عام 1982 جاء بسرعة نسبيًا. لكن منذ نهاية الحرب الباردة، شهد العالم عددًا أكبر بكثير من الحروب التي انهارت فيها النجاحات المبكرة، أو فقدت زخمها، أو لم تكن كافية، فتحولت إلى نزاعات معقدة يصعب حسمها.
في الواقع، قد تشكل مشكلة الحروب الطويلة المستعصية ميزة مهمة لبعض أنواع المتحاربين. فالمتمردون، والإرهابيون، والانفصاليون، والمجموعات الثورية يعرفون مسبقًا أن حملاتهم ستستغرق وقتًا طويلًا لتقويض البُنى القائمة، ويعتمدون على قدرتهم على الصمود أمام أعدائهم الأقوى. وقد تدرك مجموعةٌ ما أنها غير قادرة على الانتصار في مواجهة سريعة، لكنها ترى فرصة أفضل في صراع طويل ومرير يُرهق العدو ويفقده المعنويات. لذا، خاضت الحركات المناهضة للاستعمار في القرن الماضي، ومؤخرًا الجماعات الجهادية، حروبًا استمرت لعقود، ليس بسبب سوء التخطيط، بل لأنه لم يكن أمامها خيار آخر. وعند مواجهة تدخل عسكري من جيش أجنبي قوي، فإن الخيار الأفضل غالبًا هو ترك العدو يمل من القتال غير الحاسم، ثم العودة لاحقًا — كما فعلت طالبان في أفغانستان.
في المقابل، تميل القوى العظمى إلى الاعتقاد بأن تفوقها العسكري الكبير سيسحق الخصوم بسرعة. هذا الإفراط في الثقة يؤدي بها إلى تجاهل حدود القوة العسكرية، ويجعلها تضع أهدافًا لا يمكن تحقيقها إلا من خلال صراع طويل الأمد، إن أمكن تحقيقها أصلًا. وتكمن المشكلة الأكبر في أن تركيزها على النتائج الفورية في ساحة المعركة يدفعها إلى إهمال عناصر النجاح الأوسع، مثل تأمين شروط سلام دائم، أو إدارة بلد محتل أُسقط فيه نظام معادٍ دون أن يُقام فيه بعدُ نظام شرعي. لذا، فإن التحدي الحقيقي لا يتمثل في التخطيط لحروب طويلة بدلًا من القصيرة فحسب، بل في التخطيط لحروب تقوم على نظرية قابلة للتحقق للنصر، مع أهداف واقعية، مهما استغرق تحقيقها من وقت.
لهذا السبب، لا يزال الاستراتيجيون العسكريون يبنون خططهم على أساس الحروب القصيرة، حتى عندما لا يمكن استبعاد احتمال أن تطول الحرب. خلال الحرب الباردة، كان السبب الرئيسي لعدم تخصيص الجانبين موارد واسعة للإعداد لحرب طويلة هو الافتراض بأن الأسلحة النووية ستُستخدم عاجلًا أم آجلًا. ولا يزال هذا التهديد قائمًا في العصر الحالي. لكن احتمال تحول صراع بين قوى عظمى إلى حرب كارثية شبيهة بالحربين العالميتين في القرن العشرين يجعل من الضروري التخطيط لتحقيق نصر سريع بالقوات التقليدية.
تركّز استراتيجيات تنفيذ هذا النمط المثالي من الحروب على التحرك السريع، مع عنصر المفاجأة وقوة كافية لإرباك العدو قبل أن يتمكن من تنظيم رد فعّال. وغالبًا ما تُقيّم التقنيات القتالية الجديدة بناءً على قدرتها على تحقيق نصر سريع في ساحة المعركة، وليس بناءً على ما إذا كانت تساهم في تأمين سلام دائم. خذ الذكاء الاصطناعي مثالًا: الفكرة السائدة هي أن الجيوش، من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي، ستكون قادرة على تقييم المواقف القتالية وتحديد الخيارات وتنفيذها في غضون ثوانٍ. وقد تُتخذ قرارات حيوية بسرعة كبيرة لدرجة أن القادة — فضلًا عن العدو — بالكاد يدركون ما يحدث.
وقد ترسخت الهوس بالسرعة لدرجة أن أجيالًا من القادة العسكريين الأميركيين اعتادوا على النفور من مجرد ذكر "حرب الاستنزاف"، مفضلين المناورة الحاسمة كطريق للنصر السريع. أما الحملات الطويلة المرهقة كالتي تحدث الآن في أوكرانيا — حيث يسعى الطرفان لاستنزاف قدرات بعضهما البعض، ويُقاس التقدم بعدد القتلى والمعدات المدمرة والمخزونات المستهلكة — فهي ليست فقط محبطة للدول المتحاربة، بل أيضًا تستهلك وقتًا وموارد ضخمة. ففي أوكرانيا، أنفقت الأطراف المتحاربة موارد غير مسبوقة، ومع ذلك لم تقترب أيٌّ منها من تحقيق نصر حاسم. ليست كل الحروب بهذه الكثافة، لكن حتى الحروب غير النظامية الطويلة قد تُخلّف آثارًا باهظة وتؤدي إلى شعور متزايد باللاجدوى إلى جانب التكاليف المتصاعدة.
ورغم المعرفة بأن الهجمات المفاجئة الجريئة غالبًا ما تأتي بأقل مما وعدت به، وأن بدء الحروب أسهل بكثير من إنهائها، لا يزال الاستراتيجيون قلقين من أن الخصوم المحتملين قد يكونون واثقين من خططهم لتحقيق نصر سريع ويتصرفون على هذا الأساس. وهذا يتطلب منهم التركيز على المرحلة الافتتاحية المحتملة من الحرب. فعلى سبيل المثال، قد يُفترض أن لدى الصين خطة للاستيلاء على تايوان تهدف إلى مفاجأة الولايات المتحدة وهي غير مستعدة، ما يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات لا أمل لها في النجاح أو تؤدي إلى تفاقم الوضع. واستعدادًا لهجوم مفاجئ كهذا، خصص الاستراتيجيون الأميركيون وقتًا طويلًا لتقييم كيف يمكن للولايات المتحدة وحلفائها مساعدة تايوان على صد التحركات الصينية الأولية — كما فعلت أوكرانيا مع روسيا في فبراير 2022 — ثم جعل من الصعب على الصين مواصلة عملية معقدة على مسافة بعيدة من البر الرئيسي. لكن حتى هذا السيناريو قد ينتهي إلى حرب طويلة: فإذا نجحت التحركات المضادة للقوات التايوانية وحلفائها الغربيين، وتعطلت القوات الصينية دون انسحاب، ستظل تايوان والولايات المتحدة تواجهان مشكلة التعامل مع وجود عسكري صيني على الجزيرة. كما أدركت أوكرانيا، يمكن أن تنجرّ إلى حرب طويلة لأن خصمًا متسرعًا قد أخطأ في حساب المخاطر.
وهذا لا يعني أن النزاعات المسلحة الحديثة لا تنتهي أبدًا بانتصارات سريعة. ففي يونيو 1967، احتاجت إسرائيل إلى أقل من أسبوع لهزيمة تحالف من الدول العربية في حرب الأيام الستة؛ وبعد ثلاث سنوات، عندما تدخلت الهند في حرب استقلال بنغلاديش، استغرقت قواتها 13 يومًا فقط لهزيمة باكستان. كما أن انتصار المملكة المتحدة على الأرجنتين في حرب فوكلاند عام 1982 جاء بسرعة نسبيًا. لكن منذ نهاية الحرب الباردة، شهد العالم عددًا أكبر بكثير من الحروب التي انهارت فيها النجاحات المبكرة، أو فقدت زخمها، أو لم تكن كافية، فتحولت إلى نزاعات معقدة يصعب حسمها.
في الواقع، قد تشكل مشكلة الحروب الطويلة المستعصية ميزة مهمة لبعض أنواع المتحاربين. فالمتمردون، والإرهابيون، والانفصاليون، والمجموعات الثورية يعرفون مسبقًا أن حملاتهم ستستغرق وقتًا طويلًا لتقويض البُنى القائمة، ويعتمدون على قدرتهم على الصمود أمام أعدائهم الأقوى. وقد تدرك مجموعةٌ ما أنها غير قادرة على الانتصار في مواجهة سريعة، لكنها ترى فرصة أفضل في صراع طويل ومرير يُرهق العدو ويفقده المعنويات. لذا، خاضت الحركات المناهضة للاستعمار في القرن الماضي، ومؤخرًا الجماعات الجهادية، حروبًا استمرت لعقود، ليس بسبب سوء التخطيط، بل لأنه لم يكن أمامها خيار آخر. وعند مواجهة تدخل عسكري من جيش أجنبي قوي، فإن الخيار الأفضل غالبًا هو ترك العدو يمل من القتال غير الحاسم، ثم العودة لاحقًا — كما فعلت طالبان في أفغانستان.
في المقابل، تميل القوى العظمى إلى الاعتقاد بأن تفوقها العسكري الكبير سيسحق الخصوم بسرعة. هذا الإفراط في الثقة يؤدي بها إلى تجاهل حدود القوة العسكرية، ويجعلها تضع أهدافًا لا يمكن تحقيقها إلا من خلال صراع طويل الأمد، إن أمكن تحقيقها أصلًا. وتكمن المشكلة الأكبر في أن تركيزها على النتائج الفورية في ساحة المعركة يدفعها إلى إهمال عناصر النجاح الأوسع، مثل تأمين شروط سلام دائم، أو إدارة بلد محتل أُسقط فيه نظام معادٍ دون أن يُقام فيه بعدُ نظام شرعي. لذا، فإن التحدي الحقيقي لا يتمثل في التخطيط لحروب طويلة بدلًا من القصيرة فحسب، بل في التخطيط لحروب تقوم على نظرية قابلة للتحقق للنصر، مع أهداف واقعية، مهما استغرق تحقيقها من وقت.
عدم الخسارة لا يعني النصر
إن الاستراتيجية الفعّالة في خوض الحروب ليست مجرد مسألة تتعلق بالأسلوب العسكري، بل تتعلق أيضًا بالغرض السياسي. من الواضح أن التحركات العسكرية تكون أكثر نجاحًا حين تقترن بطموحات سياسية محدودة. فقد نجحت حرب الخليج عام 1991 لأن إدارة جورج بوش الأب اكتفت بطرد العراق من الكويت دون السعي لإسقاط صدام حسين. وربما كانت روسيا ستحقق نجاحًا أكبر في غزوها لأوكرانيا عام 2022 لو ركزت فقط على منطقة دونباس بدلاً من محاولة السيطرة السياسية على كامل البلاد.
ومع الطموحات المحدودة، يكون من الأسهل الوصول إلى حلول وسط. فالنظرية القابلة للتطبيق للنصر تتطلب استراتيجية تتماشى فيها الأهداف العسكرية والسياسية. قد تكون الهزيمة الكاملة للعدو السبيل الوحيد لحل النزاع، وفي هذه الحالة يجب تخصيص الموارد اللازمة. وفي أوقات أخرى، قد يُطلق عمل عسكري بناءً على توقع قوي بأنه سيقود إلى مفاوضات مبكرة. هذا ما ظنته الأرجنتين في أبريل 1982 عندما استولت على جزر فوكلاند. وعندما أمر الرئيس المصري أنور السادات قواته بعبور قناة السويس في أكتوبر 1973، كان هدفه خلق ظروف تتيح إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل. ورغم أن قواته دُفعت إلى الخلف، إلا أنه حقق هدفه السياسي.
إن التقليل من شأن موارد العدو السياسية والعسكرية يُعد أحد الأسباب الرئيسية لفشل استراتيجيات الحرب القصيرة. فقد افترضت الأرجنتين أن المملكة المتحدة ستتقبل الأمر الواقع بعد الاستيلاء على فوكلاند، ولم تتوقع أن ترسل بريطانيا قوة مهام لتحرير الجزر. وغالبًا ما تُشن الحروب على أساس الاعتقاد الخاطئ بأن سكان الدولة العدوة سينهارون بسرعة تحت الضغط. وقد يفترض الغزاة أن جزءًا من السكان سيرحب بهم، كما حدث في غزو العراق لإيران عام 1980، والعكس في الغزو الإيراني المضاد. وقد بنت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا على قراءة خاطئة مماثلة: ظنت بوجود أقلية مضطهدة من الناطقين بالروسية ستستقبل قواتها بالترحيب، وأن الحكومة في كييف تفتقر إلى الشرعية ويمكن إسقاطها بسهولة، وأن وعود الغرب بدعم أوكرانيا لن تكون ذات قيمة حقيقية. لم يصمد أي من هذه الافتراضات في وجه الأيام الأولى من الحرب.
وعندما تفشل خطة الحرب القصيرة في تحقيق النصر المتوقع، يكون التحدي أمام القادة العسكريين هو إعادة التوازن بين الوسائل والغايات. وبحلول سبتمبر 2022، أدرك الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا مهددة بهزيمة مذلة ما لم تُرسل المزيد من الجنود إلى الجبهة وتُحول اقتصادها إلى وضع الحرب الشاملة. وبصفته زعيمًا لدولة استبدادية، استطاع بوتين قمع المعارضة الداخلية والسيطرة على الإعلام دون أن يقلق كثيرًا من الرأي العام. ومع ذلك، كان بحاجة إلى رواية جديدة. فبعد أن ادعى قبل الحرب أن أوكرانيا ليست دولة حقيقية وأن قادتها "النازيين الجدد" وصلوا إلى الحكم عبر انقلاب عام 2014، لم يستطع تفسير لماذا لم تنهَر الدولة الأوكرانية عندما تعرضت لهجوم من قوة روسية متفوقة. وهكذا غيّر بوتين روايته: أوكرانيا، بحسب زعمه، تُستخدم من قبل دول الناتو، خصوصًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لتحقيق أهداف معادية لروسيا.
ورغم أن الغزو قُدم في البداية كـ"عملية عسكرية خاصة" محدودة، أصبح يُصوَّر الآن كصراع وجودي. وهذا يعني أن هدف روسيا لم يعد مجرد منع أوكرانيا من التسبب بالمشاكل، بل إثبات لدول الناتو أن روسيا لا يمكن كسرها عبر العقوبات الاقتصادية أو تزويد أوكرانيا بالسلاح. ومن خلال تصوير الحرب كدفاعية، كانت الحكومة الروسية تخبر شعبها بأن ما هو على المحك كبير جدًا، وأنه لم يعد من الواقعي توقع نصر سريع. وبدلاً من تقليص أهدافها اعترافًا بصعوبة هزيمة الأوكرانيين، وسّعت الكرملين هذه الأهداف لتبرير المجهود الإضافي. فمن خلال ضم أربع مقاطعات أوكرانية جديدة إلى جانب القرم، واستمرار مطالبتها بحكومة خاضعة في كييف، جعلت روسيا من الحرب أصعب لا أسهل على الإنهاء. ويُظهر هذا الوضع مدى صعوبة إنهاء الحروب عندما لا تسير كما هو مخطط لها: فإمكانية الفشل تضيف هدفًا سياسيًا جديدًا — الرغبة في تجنب الظهور بمظهر الضعف أو عدم الكفاءة. وكانت المخاوف على السمعة أحد الأسباب التي دفعت الحكومة الأميركية للاستمرار في حرب فيتنام حتى بعد أن أصبح واضحًا أن النصر بعيد المنال.
إن استبدال نظرية فاشلة للنصر بأخرى أكثر واقعية يتطلب ليس فقط إعادة تقييم نقاط القوة الفعلية للعدو، بل أيضًا إدراك العيوب في الافتراضات السياسية التي بُنيت عليها الخطوات الأولى من الحرب. فلو نجحت مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، وأدى ذلك إلى تجميد الحرب على خطوط الجبهة الحالية، قد تتمكن موسكو من تصوير مكاسبها الإقليمية كنوع من النجاح، لكنها لن تستطيع الزعم بالنصر طالما بقيت أوكرانيا دولة مستقلة وموالية للغرب. وإذا قبلت أوكرانيا مؤقتًا بخسارة أراضٍ لكنها استمرت في بناء قواتها وحصلت على شكل من أشكال الضمانات الأمنية بمساعدة شركائها الغربيين، فإن النتيجة ستكون بعيدة جدًا عن مطلب روسيا المعلن دومًا بوجود أوكرانيا منزوعة السلاح ومحايدة. وستكون روسيا عالقة في إدارة وتمويل أراضٍ مدمرة ذات سكان ناقمين، إلى جانب مسؤوليتها عن حماية خطوط وقف إطلاق النار الطويلة.
ومع ذلك، ورغم أن روسيا لم تتمكن من الفوز بالحرب، فإنها حتى الآن لم تخسر. فقد اضطرت للانسحاب من بعض الأراضي التي استولت عليها في بداية الحرب، لكنها منذ أواخر عام 2023 أحرزت تقدمًا بطيئًا لكنه مستمر في الشرق. ومن جهة أخرى، لم تخسر أوكرانيا أيضًا، فقد نجحت في مقاومة محاولات روسيا لإخضاعها، وأجبرت موسكو على دفع ثمن باهظ مقابل كل ميل مربع يتم احتلاله. والأهم من ذلك، أنها لا تزال دولة قائمة وتعمل.
ومع الطموحات المحدودة، يكون من الأسهل الوصول إلى حلول وسط. فالنظرية القابلة للتطبيق للنصر تتطلب استراتيجية تتماشى فيها الأهداف العسكرية والسياسية. قد تكون الهزيمة الكاملة للعدو السبيل الوحيد لحل النزاع، وفي هذه الحالة يجب تخصيص الموارد اللازمة. وفي أوقات أخرى، قد يُطلق عمل عسكري بناءً على توقع قوي بأنه سيقود إلى مفاوضات مبكرة. هذا ما ظنته الأرجنتين في أبريل 1982 عندما استولت على جزر فوكلاند. وعندما أمر الرئيس المصري أنور السادات قواته بعبور قناة السويس في أكتوبر 1973، كان هدفه خلق ظروف تتيح إجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل. ورغم أن قواته دُفعت إلى الخلف، إلا أنه حقق هدفه السياسي.
إن التقليل من شأن موارد العدو السياسية والعسكرية يُعد أحد الأسباب الرئيسية لفشل استراتيجيات الحرب القصيرة. فقد افترضت الأرجنتين أن المملكة المتحدة ستتقبل الأمر الواقع بعد الاستيلاء على فوكلاند، ولم تتوقع أن ترسل بريطانيا قوة مهام لتحرير الجزر. وغالبًا ما تُشن الحروب على أساس الاعتقاد الخاطئ بأن سكان الدولة العدوة سينهارون بسرعة تحت الضغط. وقد يفترض الغزاة أن جزءًا من السكان سيرحب بهم، كما حدث في غزو العراق لإيران عام 1980، والعكس في الغزو الإيراني المضاد. وقد بنت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا على قراءة خاطئة مماثلة: ظنت بوجود أقلية مضطهدة من الناطقين بالروسية ستستقبل قواتها بالترحيب، وأن الحكومة في كييف تفتقر إلى الشرعية ويمكن إسقاطها بسهولة، وأن وعود الغرب بدعم أوكرانيا لن تكون ذات قيمة حقيقية. لم يصمد أي من هذه الافتراضات في وجه الأيام الأولى من الحرب.
وعندما تفشل خطة الحرب القصيرة في تحقيق النصر المتوقع، يكون التحدي أمام القادة العسكريين هو إعادة التوازن بين الوسائل والغايات. وبحلول سبتمبر 2022، أدرك الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا مهددة بهزيمة مذلة ما لم تُرسل المزيد من الجنود إلى الجبهة وتُحول اقتصادها إلى وضع الحرب الشاملة. وبصفته زعيمًا لدولة استبدادية، استطاع بوتين قمع المعارضة الداخلية والسيطرة على الإعلام دون أن يقلق كثيرًا من الرأي العام. ومع ذلك، كان بحاجة إلى رواية جديدة. فبعد أن ادعى قبل الحرب أن أوكرانيا ليست دولة حقيقية وأن قادتها "النازيين الجدد" وصلوا إلى الحكم عبر انقلاب عام 2014، لم يستطع تفسير لماذا لم تنهَر الدولة الأوكرانية عندما تعرضت لهجوم من قوة روسية متفوقة. وهكذا غيّر بوتين روايته: أوكرانيا، بحسب زعمه، تُستخدم من قبل دول الناتو، خصوصًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لتحقيق أهداف معادية لروسيا.
ورغم أن الغزو قُدم في البداية كـ"عملية عسكرية خاصة" محدودة، أصبح يُصوَّر الآن كصراع وجودي. وهذا يعني أن هدف روسيا لم يعد مجرد منع أوكرانيا من التسبب بالمشاكل، بل إثبات لدول الناتو أن روسيا لا يمكن كسرها عبر العقوبات الاقتصادية أو تزويد أوكرانيا بالسلاح. ومن خلال تصوير الحرب كدفاعية، كانت الحكومة الروسية تخبر شعبها بأن ما هو على المحك كبير جدًا، وأنه لم يعد من الواقعي توقع نصر سريع. وبدلاً من تقليص أهدافها اعترافًا بصعوبة هزيمة الأوكرانيين، وسّعت الكرملين هذه الأهداف لتبرير المجهود الإضافي. فمن خلال ضم أربع مقاطعات أوكرانية جديدة إلى جانب القرم، واستمرار مطالبتها بحكومة خاضعة في كييف، جعلت روسيا من الحرب أصعب لا أسهل على الإنهاء. ويُظهر هذا الوضع مدى صعوبة إنهاء الحروب عندما لا تسير كما هو مخطط لها: فإمكانية الفشل تضيف هدفًا سياسيًا جديدًا — الرغبة في تجنب الظهور بمظهر الضعف أو عدم الكفاءة. وكانت المخاوف على السمعة أحد الأسباب التي دفعت الحكومة الأميركية للاستمرار في حرب فيتنام حتى بعد أن أصبح واضحًا أن النصر بعيد المنال.
إن استبدال نظرية فاشلة للنصر بأخرى أكثر واقعية يتطلب ليس فقط إعادة تقييم نقاط القوة الفعلية للعدو، بل أيضًا إدراك العيوب في الافتراضات السياسية التي بُنيت عليها الخطوات الأولى من الحرب. فلو نجحت مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، وأدى ذلك إلى تجميد الحرب على خطوط الجبهة الحالية، قد تتمكن موسكو من تصوير مكاسبها الإقليمية كنوع من النجاح، لكنها لن تستطيع الزعم بالنصر طالما بقيت أوكرانيا دولة مستقلة وموالية للغرب. وإذا قبلت أوكرانيا مؤقتًا بخسارة أراضٍ لكنها استمرت في بناء قواتها وحصلت على شكل من أشكال الضمانات الأمنية بمساعدة شركائها الغربيين، فإن النتيجة ستكون بعيدة جدًا عن مطلب روسيا المعلن دومًا بوجود أوكرانيا منزوعة السلاح ومحايدة. وستكون روسيا عالقة في إدارة وتمويل أراضٍ مدمرة ذات سكان ناقمين، إلى جانب مسؤوليتها عن حماية خطوط وقف إطلاق النار الطويلة.
ومع ذلك، ورغم أن روسيا لم تتمكن من الفوز بالحرب، فإنها حتى الآن لم تخسر. فقد اضطرت للانسحاب من بعض الأراضي التي استولت عليها في بداية الحرب، لكنها منذ أواخر عام 2023 أحرزت تقدمًا بطيئًا لكنه مستمر في الشرق. ومن جهة أخرى، لم تخسر أوكرانيا أيضًا، فقد نجحت في مقاومة محاولات روسيا لإخضاعها، وأجبرت موسكو على دفع ثمن باهظ مقابل كل ميل مربع يتم احتلاله. والأهم من ذلك، أنها لا تزال دولة قائمة وتعمل.
لا نهاية تلوح في الأفق
في التحليل المعاصر للحروب، يُعد التمييز بين "النصر" و"عدم الخسارة" أمرًا بالغ الأهمية، لكنه يصعب فهمه. هذا التمييز ليس بديهيًا لأن هناك افتراضًا دائمًا بوجود طرف منتصر في كل حرب، ولأن أحد الأطراف قد يبدو في أي لحظة كأنه منتصر، حتى لو لم يحقق النصر فعليًا. كما أن مصطلح "عدم الخسارة" لا يُختزل بدقة في مفاهيم مثل الجمود أو الطريق المسدود، لأن هذه تشير إلى غياب الحركة العسكرية، بينما "عدم الخسارة" قد ينطبق على طرفين لا يستطيع أي منهما فرض النصر، حتى وإن تمكن أحدهما أو كلاهما أحيانًا من تحسين وضعه. ولهذا السبب، غالبًا ما تأتي المقترحات لإنهاء الحروب الطويلة على هيئة دعوات لوقف إطلاق النار. لكن المشكلة في هذه الهدن أنها غالبًا ما تُعتبر مجرد توقف مؤقت للقتال، لا تمسّ جوهر النزاع، بل تتيح للطرفين إعادة التنظيم والاستعداد للجولة التالية. لقد استمرت هدنة الحرب الكورية منذ عام 1953 لأكثر من 70 عامًا، لكن الصراع لم يُحل، ولا يزال الطرفان يستعدان لاحتمال نشوب حرب جديدة.
لا تزال معظم النماذج الحربية تفترض وجود صراع بين قوتين نظاميتين. وفق هذا التصور، يتحقق النصر العسكري الحاسم عندما تصبح قوات العدو غير قادرة على القتال، وهو ما يجب أن يُترجم إلى نصر سياسي، لأن الطرف المهزوم لن يكون لديه خيار سوى قبول شروط المنتصر. وبعد سنوات من التوتر والقتال المتقطع، قد يتمكن أحد الطرفين من الوصول إلى موقع يسمح له بادعاء نصر لا لبس فيه. من الأمثلة على ذلك الهجوم الأذربيجاني على ناغورنو قره باغ عام 2023، الذي أنهى على الأرجح حربًا استمرت ثلاثة عقود مع أرمينيا.
وبالمقابل، حتى وإن بقيت القوات المسلحة لدولة ما سليمة نسبيًا، فقد تتراكم الضغوط على حكومتها للبحث عن مخرج من الصراع بسبب التكاليف البشرية والاقتصادية المتزايدة. وقد لا يكون هناك أمل حقيقي في نصر حاسم، كما أدركت صربيا في حربها مع الناتو حول كوسوفو عام 1999. وقد يؤدي تغيير النظام السياسي في إحدى الدول المتحاربة إلى إنهاء مفاجئ للأعمال العدائية. وعندما تنتهي الحروب الطويلة، فإنها غالبًا ما تخلّف إرثًا مريرًا وطويل الأمد.
حتى في الحالات التي يتم فيها التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية، وليس مجرد وقف إطلاق نار، فقد لا يُحلّ الصراع بالكامل. فإعادة ترسيم الحدود، وتقديم تنازلات سياسية واقتصادية كبيرة من الطرف المهزوم، قد تُنتج شعورًا بالمرارة ورغبة في الانتقام لدى الشعب الخاسر. وقد تبقى الدولة المهزومة مصممة على استعادة ما خسرته. كان هذا حال فرنسا بعد خسارة الألزاس واللورين لصالح ألمانيا عام 1871 عقب الحرب الفرنسية البروسية. وفي حرب فوكلاند، ادعت الأرجنتين أنها كانت تستعيد أراضي فقدتها قبل 150 عامًا. وعلاوة على ذلك، فإن أي إقليم يُستولى عليه ويُضمّ يحتاج إلى إدارة ومراقبة، وإذا لم يُخضع سكانه، فقد تتحول السيطرة عليه إلى وضع متفجر من التمرد والإرهاب.
وعلى عكس النماذج التقليدية للحروب التي تبدأ وتنتهي بوضوح، فإن النزاعات المعاصرة غالبًا ما تكون ضبابية. تمر هذه الحروب بمراحل تشمل فترات من الحرب وفترات من الهدوء النسبي. خذ الصراع الأميركي مع العراق كمثال: ففي عام 1991، هُزمت القوات العراقية بسرعة على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة في حرب حاسمة وسريعة ظاهريًا. لكن لأن واشنطن لم تحتل العراق حينها، بقي صدام حسين في الحكم، مما ترك شعورًا بأن المهمة لم تكتمل. وفي عام 2003، أعادت الولايات المتحدة غزو العراق، وأطاحت بنظام صدام، لكن عملية استبداله بنظام جديد أدت إلى سنوات من العنف الطائفي المدمر، اقتربت في بعض الأحيان من مستوى الحرب الأهلية. ولا تزال بعض آثار ذلك الاضطراب مستمرة حتى اليوم.
ونظرًا لأن الحروب الأهلية وعمليات مكافحة التمرد تُخاض بين السكان المدنيين وفي وسطهم، فإن المدنيين هم من يتحملون العبء الأكبر من الأذى، سواء من خلال العنف الطائفي المتعمد أو الوقوع في تبادل إطلاق النار، أو من خلال اضطرارهم لترك منازلهم. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من هذه الحروب نزاعات طويلة وفوضوية. حتى عندما تقرر قوة خارجية الانسحاب — كما فعل الاتحاد السوفييتي، ولاحقًا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان — فإن ذلك لا يعني نهاية الصراع، بل فقط تحوله إلى أشكال جديدة.
في عام 2001، كانت لدى الولايات المتحدة خطة واضحة لـ"حرب قصيرة" للإطاحة بطالبان، وقد نفذتها بنجاح نسبي باستخدام القوات النظامية وتحالف الشمال بقيادة أفغانية. لكن لم تكن هناك استراتيجية واضحة للمرحلة التالية. لم يكن التحدي يتمثل في عدو عنيد بقوات نظامية، بل في عنف متفشٍ، تتولد تهديداته من المجتمع نفسه، ويعتمد النجاح فيه على تحقيق أهداف غير ملموسة مثل توفير الحوكمة الجيدة والأمن. ومع غياب القوات الأجنبية الداعمة للحكومة، عادت طالبان، واستمر تاريخ الصراع في أفغانستان.
حتى انتصار إسرائيل في عام 1967 — الذي يُعد نموذجًا للنصر السريع — تركها تسيطر على أراضٍ شاسعة يسكنها سكان ناقمون، مما مهد الطريق للعديد من الحروب اللاحقة، ومنها حرب الشرق الأوسط التي تفجرت إثر هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، خاضت إسرائيل حملات ضد الحركة في غزة — التي انسحبت منها في 2005 — وضد حزب الله في لبنان، حيث خاضت عملية فاشلة في 1982. وقد اتخذت الحملتان شكلًا مشابهًا، يجمع بين العمليات البرية لتدمير منشآت العدو، بما في ذلك الأنفاق، والضربات ضد مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ وقادة العدو. وقد أسفرت هاتان الحملتان عن عدد هائل من الضحايا المدنيين ودمار واسع للبنى التحتية. ومع ذلك، قد يُعتبر لبنان "نجاحًا" لأن حزب الله وافق على وقف إطلاق النار بينما كانت الحرب في غزة لا تزال مستمرة — وهو أمر قال سابقًا إنه لن يفعله. أما وقف إطلاق النار في غزة، فقد كان قصيرًا ولم يُعتبر نصرًا، لأن هدف الحكومة الإسرائيلية المعلن كان القضاء الكامل على حماس، وهو ما لم يتحقق. وفي مارس، وبعد انهيار المفاوضات، استأنفت إسرائيل الحرب دون وجود استراتيجية واضحة لإنهاء الصراع. ورغم تضررها الشديد، لا تزال حماس فاعلة، ومن دون خطة متفق عليها لحكم غزة أو بديل فلسطيني واقعي، ستظل الحركة قوة مؤثرة.
أما في إفريقيا، فتبدو النزاعات المستمرة وكأنها سمة دائمة. والمؤشر الأفضل للعنف القادم هو العنف الماضي. فالحروب الأهلية تشتعل ثم تخمد في القارة، وتعكس غالبًا انقسامات عرقية واجتماعية عميقة، تتفاقم بتدخلات خارجية وصراعات على السلطة. وتؤدي حالة عدم الاستقرار المزمنة إلى حروب مستمرة يشارك فيها الأفراد والجماعات، ربما لأن القتال يوفّر غطاءً لتهريب الأسلحة والبشر والبضائع غير المشروعة. وتشمل الحرب الحالية في السودان اضطرابات أهلية وتحالفات متقلبة، حيث أُطيح بنظام قمعي على يد تحالف، سرعان ما انقلب على نفسه، مما أدى إلى حرب أكثر وحشية. وتشترك في هذا الصراع جهات خارجية مثل مصر والإمارات، التي تهدف إلى منع خصومها من كسب اليد العليا أكثر من سعيها لإنهاء العنف أو خلق ظروف للتعافي وإعادة الإعمار.
ومن خلال هذه النماذج، يتبيّن أن اتفاقات وقف إطلاق النار ومعاهدات السلام، عندما تحدث، غالبًا ما تكون قصيرة الأجل. فقد وقعت الأطراف السودانية أكثر من 46 اتفاق سلام منذ استقلال البلاد عام 1956. وغالبًا ما تُعرّف الحروب عندما تتحول إلى مواجهات عسكرية مباشرة، لكن مرحلة ما قبل الحرب وما بعدها جزء من السياق نفسه. فبدلاً من اعتبار الحروب أحداثًا منفصلة ذات بداية ووسط ونهاية، قد يكون من الأدق فهمها على أنها نتائج لعلاقات سياسية فاشلة أو معطوبة، يصعب إدارتها بوسائل سلمية.
لا تزال معظم النماذج الحربية تفترض وجود صراع بين قوتين نظاميتين. وفق هذا التصور، يتحقق النصر العسكري الحاسم عندما تصبح قوات العدو غير قادرة على القتال، وهو ما يجب أن يُترجم إلى نصر سياسي، لأن الطرف المهزوم لن يكون لديه خيار سوى قبول شروط المنتصر. وبعد سنوات من التوتر والقتال المتقطع، قد يتمكن أحد الطرفين من الوصول إلى موقع يسمح له بادعاء نصر لا لبس فيه. من الأمثلة على ذلك الهجوم الأذربيجاني على ناغورنو قره باغ عام 2023، الذي أنهى على الأرجح حربًا استمرت ثلاثة عقود مع أرمينيا.
وبالمقابل، حتى وإن بقيت القوات المسلحة لدولة ما سليمة نسبيًا، فقد تتراكم الضغوط على حكومتها للبحث عن مخرج من الصراع بسبب التكاليف البشرية والاقتصادية المتزايدة. وقد لا يكون هناك أمل حقيقي في نصر حاسم، كما أدركت صربيا في حربها مع الناتو حول كوسوفو عام 1999. وقد يؤدي تغيير النظام السياسي في إحدى الدول المتحاربة إلى إنهاء مفاجئ للأعمال العدائية. وعندما تنتهي الحروب الطويلة، فإنها غالبًا ما تخلّف إرثًا مريرًا وطويل الأمد.
حتى في الحالات التي يتم فيها التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية، وليس مجرد وقف إطلاق نار، فقد لا يُحلّ الصراع بالكامل. فإعادة ترسيم الحدود، وتقديم تنازلات سياسية واقتصادية كبيرة من الطرف المهزوم، قد تُنتج شعورًا بالمرارة ورغبة في الانتقام لدى الشعب الخاسر. وقد تبقى الدولة المهزومة مصممة على استعادة ما خسرته. كان هذا حال فرنسا بعد خسارة الألزاس واللورين لصالح ألمانيا عام 1871 عقب الحرب الفرنسية البروسية. وفي حرب فوكلاند، ادعت الأرجنتين أنها كانت تستعيد أراضي فقدتها قبل 150 عامًا. وعلاوة على ذلك، فإن أي إقليم يُستولى عليه ويُضمّ يحتاج إلى إدارة ومراقبة، وإذا لم يُخضع سكانه، فقد تتحول السيطرة عليه إلى وضع متفجر من التمرد والإرهاب.
وعلى عكس النماذج التقليدية للحروب التي تبدأ وتنتهي بوضوح، فإن النزاعات المعاصرة غالبًا ما تكون ضبابية. تمر هذه الحروب بمراحل تشمل فترات من الحرب وفترات من الهدوء النسبي. خذ الصراع الأميركي مع العراق كمثال: ففي عام 1991، هُزمت القوات العراقية بسرعة على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة في حرب حاسمة وسريعة ظاهريًا. لكن لأن واشنطن لم تحتل العراق حينها، بقي صدام حسين في الحكم، مما ترك شعورًا بأن المهمة لم تكتمل. وفي عام 2003، أعادت الولايات المتحدة غزو العراق، وأطاحت بنظام صدام، لكن عملية استبداله بنظام جديد أدت إلى سنوات من العنف الطائفي المدمر، اقتربت في بعض الأحيان من مستوى الحرب الأهلية. ولا تزال بعض آثار ذلك الاضطراب مستمرة حتى اليوم.
ونظرًا لأن الحروب الأهلية وعمليات مكافحة التمرد تُخاض بين السكان المدنيين وفي وسطهم، فإن المدنيين هم من يتحملون العبء الأكبر من الأذى، سواء من خلال العنف الطائفي المتعمد أو الوقوع في تبادل إطلاق النار، أو من خلال اضطرارهم لترك منازلهم. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من هذه الحروب نزاعات طويلة وفوضوية. حتى عندما تقرر قوة خارجية الانسحاب — كما فعل الاتحاد السوفييتي، ولاحقًا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان — فإن ذلك لا يعني نهاية الصراع، بل فقط تحوله إلى أشكال جديدة.
في عام 2001، كانت لدى الولايات المتحدة خطة واضحة لـ"حرب قصيرة" للإطاحة بطالبان، وقد نفذتها بنجاح نسبي باستخدام القوات النظامية وتحالف الشمال بقيادة أفغانية. لكن لم تكن هناك استراتيجية واضحة للمرحلة التالية. لم يكن التحدي يتمثل في عدو عنيد بقوات نظامية، بل في عنف متفشٍ، تتولد تهديداته من المجتمع نفسه، ويعتمد النجاح فيه على تحقيق أهداف غير ملموسة مثل توفير الحوكمة الجيدة والأمن. ومع غياب القوات الأجنبية الداعمة للحكومة، عادت طالبان، واستمر تاريخ الصراع في أفغانستان.
حتى انتصار إسرائيل في عام 1967 — الذي يُعد نموذجًا للنصر السريع — تركها تسيطر على أراضٍ شاسعة يسكنها سكان ناقمون، مما مهد الطريق للعديد من الحروب اللاحقة، ومنها حرب الشرق الأوسط التي تفجرت إثر هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، خاضت إسرائيل حملات ضد الحركة في غزة — التي انسحبت منها في 2005 — وضد حزب الله في لبنان، حيث خاضت عملية فاشلة في 1982. وقد اتخذت الحملتان شكلًا مشابهًا، يجمع بين العمليات البرية لتدمير منشآت العدو، بما في ذلك الأنفاق، والضربات ضد مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ وقادة العدو. وقد أسفرت هاتان الحملتان عن عدد هائل من الضحايا المدنيين ودمار واسع للبنى التحتية. ومع ذلك، قد يُعتبر لبنان "نجاحًا" لأن حزب الله وافق على وقف إطلاق النار بينما كانت الحرب في غزة لا تزال مستمرة — وهو أمر قال سابقًا إنه لن يفعله. أما وقف إطلاق النار في غزة، فقد كان قصيرًا ولم يُعتبر نصرًا، لأن هدف الحكومة الإسرائيلية المعلن كان القضاء الكامل على حماس، وهو ما لم يتحقق. وفي مارس، وبعد انهيار المفاوضات، استأنفت إسرائيل الحرب دون وجود استراتيجية واضحة لإنهاء الصراع. ورغم تضررها الشديد، لا تزال حماس فاعلة، ومن دون خطة متفق عليها لحكم غزة أو بديل فلسطيني واقعي، ستظل الحركة قوة مؤثرة.
أما في إفريقيا، فتبدو النزاعات المستمرة وكأنها سمة دائمة. والمؤشر الأفضل للعنف القادم هو العنف الماضي. فالحروب الأهلية تشتعل ثم تخمد في القارة، وتعكس غالبًا انقسامات عرقية واجتماعية عميقة، تتفاقم بتدخلات خارجية وصراعات على السلطة. وتؤدي حالة عدم الاستقرار المزمنة إلى حروب مستمرة يشارك فيها الأفراد والجماعات، ربما لأن القتال يوفّر غطاءً لتهريب الأسلحة والبشر والبضائع غير المشروعة. وتشمل الحرب الحالية في السودان اضطرابات أهلية وتحالفات متقلبة، حيث أُطيح بنظام قمعي على يد تحالف، سرعان ما انقلب على نفسه، مما أدى إلى حرب أكثر وحشية. وتشترك في هذا الصراع جهات خارجية مثل مصر والإمارات، التي تهدف إلى منع خصومها من كسب اليد العليا أكثر من سعيها لإنهاء العنف أو خلق ظروف للتعافي وإعادة الإعمار.
ومن خلال هذه النماذج، يتبيّن أن اتفاقات وقف إطلاق النار ومعاهدات السلام، عندما تحدث، غالبًا ما تكون قصيرة الأجل. فقد وقعت الأطراف السودانية أكثر من 46 اتفاق سلام منذ استقلال البلاد عام 1956. وغالبًا ما تُعرّف الحروب عندما تتحول إلى مواجهات عسكرية مباشرة، لكن مرحلة ما قبل الحرب وما بعدها جزء من السياق نفسه. فبدلاً من اعتبار الحروب أحداثًا منفصلة ذات بداية ووسط ونهاية، قد يكون من الأدق فهمها على أنها نتائج لعلاقات سياسية فاشلة أو معطوبة، يصعب إدارتها بوسائل سلمية.