في مقاله المنشور في Foreign Policy، يناقش ستيفن والت الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران بوصفه جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف خصومها الإقليميين أو القضاء عليهم. ويرى والت أن هذه العمليات، رغم نجاحها التكتيكي، لا تجعل من إسرائيل قوة مهيمنة إقليميًا وفقًا للتعريف التقليدي، إذ لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة، وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الأميركي لضمان تفوقها العسكري. كما يشير إلى أن الهيمنة المستدامة تتطلب قبولًا من الدول المجاورة، وهو ما تفتقر إليه إسرائيل نظرًا لسياساتها المتشددة وانعدام ضبط النفس في تعاملها مع محيطها. في النهاية، يخلص والت إلى أن الأمن الإسرائيلي الحقيقي لن يتحقق إلا عبر تسوية سياسية شاملة، وليس من خلال القوة العسكرية وحدها.
نظرًا لأن كل هذه العمليات حققت نجاحًا جزئيًا على الأقل — على المدى القصير — فهل علينا الآن اعتبار إسرائيل قوة مهيمنة إقليميًا؟ إذا ما عرّفنا الدولة المهيمنة إقليميًا بأنها "القوة الكبرى الوحيدة ضمن منطقة معينة"، بحيث "لا تستطيع أية دولة أخرى (أو تحالف من دول) أن تُشكّل تهديدًا جديًا لها في اختبار شامل للقوة العسكرية"، فهل تُعدّ إسرائيل كذلك؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ينبغي أن نتوقع من جيرانها أن يتصرفوا كما فعلت دول أخرى في مواجهة قوة مهيمنة: أن "تعترف بتفوقها وتُذعن لها في القضايا الحيوية بالنسبة لها"؟
من النظرة الأولى، يبدو هذا الطرح بعيد الاحتمال. فكيف لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة (حوالي 75% منهم فقط من اليهود) أن تهيمن على منطقة شاسعة يسكنها مئات الملايين من العرب المسلمين، بالإضافة إلى أكثر من 90 مليون إيراني فارسي؟
لكنّ الفكرة تكتسب بعض المعقولية عند النظر في امتلاك إسرائيل لعدة مزايا. فمواطنيها أكثر تعليمًا، ويتمتعون بروح وطنية عالية، وغالبًا ما حظوا بقادة أكثر كفاءة من نظرائهم العرب. كما تحظى إسرائيل بدعم سخي وثابت من جاليات يهودية ثرية ومؤثرة سياسيًا حول العالم، وتلقت سابقًا دعمًا حاسمًا من قوى كبرى كبريطانيا وفرنسا. كما عانى خصومها العرب من انقسامات داخلية، واضطرابات، وانقلابات، فضلًا عن التنافسات العربية-العربية.
وعلاوة على ذلك، فإن القوة العسكرية الحديثة باتت تعتمد على التكنولوجيا والتدريب والقيادة الكفؤة أكثر من الاعتماد على الأعداد البشرية. لذا، لطالما تفوّق الجيش الإسرائيلي على خصومه، وهو تفوق ازداد وضوحًا مع تصاعد أهمية الأسلحة المعقدة والمكلفة. رغم أن حزب الله وحماس حسّنا من قدراتهما، إلا أنهما لم يشكلا يومًا تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ولم يقتربا من حجم الدمار الذي كانت إسرائيل قادرة على إلحاقه بهما. وقد عززت الترسانة النووية الإسرائيلية وقدراتها الاستخباراتية الهائلة من موقعها أكثر فأكثر.
لكن الأهم من كل ذلك هو الدعم الأميركي الهائل واللا مشروط في أغلب الأحيان، إذ تدعمها واشنطن بغض النظر عن أفعالها، وهي ملتزمة رسميًا بالحفاظ على "تفوقها العسكري النوعي". من دون هذا الدعم، فإن الإسرائيليين — رغم امتلاكهم للسلاح النووي — قد يتمكنون من الدفاع عن أراضيهم، لكن ليس لديهم فرصة فعلية للهيمنة على المنطقة. بالنظر إلى ما سبق، فإن تصور إسرائيل كقوة مهيمنة على الشرق الأوسط لا يبدو سخيفًا تمامًا. ومع ذلك، من الخطأ اعتبارها كذلك فعليًا.
فأولًا، الدولة المهيمنة لا تواجه أي تهديدات أمنية حقيقية من جيرانها، ولا تقلق من بروز خصم منافس في المدى المنظور. هذا ما حققته الولايات المتحدة مع بداية القرن العشرين، حين انسحبت القوى الكبرى الأخرى من نصف الكرة الغربي، ولم يكن ثمة دولة أو تحالف قادر على مضاهاة القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية. منذ أزمة الصواريخ الكوبية — التي كانت بفعل قوة خارجية (الاتحاد السوفييتي) — لم تواجه واشنطن أي تحدٍ عسكري حقيقي من داخل منطقتها. ومكنها هذا الوضع من التركيز على أوراسيا، لمنع أية قوة أخرى من تحقيق هيمنة مماثلة في منطقة استراتيجية.
أما إسرائيل اليوم، فلا تقترب من هذا الوضع. فالحوثيون ما زالوا في حالة تحدٍ، والجيش الإسرائيلي لا يزال غارقًا في غزة رغم حجم الدمار الهائل. لقد أضعفت إسرائيل حزب الله وحماس، لكنهما فاعلان غير دولتيْن، ولم يشكّلا تهديدًا وجوديًا. ولا توجد دولة عربية أو تحالف عربي يشكل تهديدًا عسكريًا حاليًا، لكن كلًا من تركيا وإيران يمتلكان قوات عسكرية كبيرة وسكانًا أكثر بكثير، ويمكن لكل منهما أن يشكل دفاعًا معتبرًا في حال اندلاع حرب شاملة، حتى وإن انتهت بخسارتهما. ما يعني أن إسرائيل لا يمكنها تجاهلهما أو افتراض أنهما ستذعنان لها. المقاومة الإيرانية المستمرة دليل واضح على ذلك، رغم الضرر الذي لحق بها. لا توجد إشارات على أن طهران ستُخضع مصالحها لإسرائيل، حتى وإن خسرت جولة الصراع الأخيرة. وهذا وحده كافٍ للقول إن إسرائيل ليست قوة مهيمنة.
وفوق ذلك، فإن مبرر الهجمات الأخيرة هو الخوف من أن تمتلك إيران يومًا سلاحًا نوويًا. والخطر لم يكن في استخدام إيران للسلاح فعليًا — وهو سيكون انتحارًا — بل في أن امتلاكها له سيُقيّد قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة بلا محاسبة. حقيقة أن قادة إسرائيل يرون في احتمال الاضطرار إلى ممارسة ضبط النفس خطرًا يُظهر بوضوح أنهم لا يتمتعون بالأمان المطلق الذي تتمتع به الولايات المتحدة، القوة المهيمنة الحقيقية الوحيدة في العالم.
كما أن النجاحات العسكرية الأخيرة لإسرائيل لم تحلّ المعضلة الأساسية: الفلسطينيون الذين يُشكّلون نحو نصف السكان الخاضعين لسيطرتها. تفوقها العسكري والاستخباراتي لم يمنع حماس من قتل مئات الإسرائيليين في أكتوبر 2023، وقتل أكثر من 55,000 فلسطيني لم يقربها من حل سياسي. بل شوّه صورتها عالميًا وقلّص من دعم حلفائها التقليديين.
والأهم من كل ذلك، أن إسرائيل لا تزال تعتمد بشكل حاسم على راعيها الأميركي، الذي يزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ اللازمة لهجماتها، فضلًا عن الحماية الدبلوماسية الدائمة. الدولة المهيمنة الحقيقية لا تحتاج إلى الغير للهيمنة، لكن إسرائيل تفعل. ورغم أن الدعم الأميركي بقي قويًا لعقود بفضل نفوذ مجموعات ضغط قوية، إلا أن العلاقة شهدت مؤخرًا مؤشرات توتر، وقد تزداد هشاشة مع تراجع القوة الأميركية. وإذا ما أدى القتال الحالي إلى جرّ الولايات المتحدة، فسيلاحظ مزيد من الأميركيين — حتى في أوساط "اجعل أميركا عظيمة مجددًا" — الثمن الباهظ الذي يدفعونه بسبب "العلاقة الخاصة".
وأخيرًا، فإن الهيمنة الإقليمية المستقرة تتطلب من الدول المجاورة قبول (وأحيانًا الترحيب) بالهيمنة. وإلا فإن الدولة المهيمنة ستظل قلقة من المعارضة المتجددة وستضطر لاتخاذ إجراءات متكررة لقمعها. ولكي تجعل مكانتها مقبولة، على المهيمن أن يتحلى ببعض ضبط النفس، كما فعل فرانكلين روزفلت بسياسة "الجار الصالح" تجاه أمريكا اللاتينية. ومن المفيد تذكر أن قوى مهيمنة مؤقتة مثل فرنسا النابليونية، وألمانيا النازية، واليابان الإمبراطورية، لم تستطع الحفاظ على مكاسبها وانهارت في النهاية أمام تحالفات أقوى.
إسرائيل، من جهتها، لم تُعرف بمعاملة الجيران بضبط النفس، بل إن تصاعد نفوذ القوى اليمينية والمتدينين المتطرفين يجعل ذلك أقل احتمالًا. وعليه، فإن إسرائيل لا تقترب من كونها قوة مهيمنة. لا شك أن قادتها يتمنون ذلك — ومن لا يتمنى؟ — لكنها ستظل دومًا دون هذا الطموح. وهذا يعني أن أمن إسرائيل الدائم يعتمد في النهاية على تسوية سياسية شاملة مع جيرانها، بما في ذلك الفلسطينيون. وهو تذكير آخر بأن السياسة، لا القوة فقط، هي أساس الأمن المستدام.
Israel Can’t Be a Hegemon
الهجوم الواسع الذي شنّته إسرائيل على إيران يُمثّل أحدث جولة في حملتها الرامية إلى القضاء على كل خصومها الإقليميين أو إضعافهم. في أعقاب هجوم حماس في أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حملة وحشية للقضاء على الشعب الفلسطيني كقوة سياسية ذات معنى، وهي حملة وصفتها منظمات حقوقية رائدة وعدد كبير من الخبراء الأكاديميين بأنها إبادة جماعية. كما قضت على قيادات حزب الله في لبنان من خلال غارات جوية وهواتف مفخخة وأساليب أخرى. وهاجمت الحوثيين في اليمن، وقصفت سوريا بعد الأسد لتدمير مخازن الأسلحة ومنع القوى التي تعتبرها خطيرة من ممارسة نفوذ سياسي هناك. أما الهجمات الأخيرة على إيران، فتهدف لأكثر من مجرد تدمير بنيتها التحتية النووية. فالحد الأدنى لأهداف إسرائيل هو إنهاء المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وشلّ قدرة إيران على الرد من خلال قتل كبار قادتها ومسؤوليها العسكريين والدبلوماسيين والعلماء، وإن أمكن، جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب. أما الهدف الأقصى، فهو إضعاف النظام الإيراني إلى حد الانهيار.نظرًا لأن كل هذه العمليات حققت نجاحًا جزئيًا على الأقل — على المدى القصير — فهل علينا الآن اعتبار إسرائيل قوة مهيمنة إقليميًا؟ إذا ما عرّفنا الدولة المهيمنة إقليميًا بأنها "القوة الكبرى الوحيدة ضمن منطقة معينة"، بحيث "لا تستطيع أية دولة أخرى (أو تحالف من دول) أن تُشكّل تهديدًا جديًا لها في اختبار شامل للقوة العسكرية"، فهل تُعدّ إسرائيل كذلك؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ينبغي أن نتوقع من جيرانها أن يتصرفوا كما فعلت دول أخرى في مواجهة قوة مهيمنة: أن "تعترف بتفوقها وتُذعن لها في القضايا الحيوية بالنسبة لها"؟
من النظرة الأولى، يبدو هذا الطرح بعيد الاحتمال. فكيف لدولة يقل عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة (حوالي 75% منهم فقط من اليهود) أن تهيمن على منطقة شاسعة يسكنها مئات الملايين من العرب المسلمين، بالإضافة إلى أكثر من 90 مليون إيراني فارسي؟
لكنّ الفكرة تكتسب بعض المعقولية عند النظر في امتلاك إسرائيل لعدة مزايا. فمواطنيها أكثر تعليمًا، ويتمتعون بروح وطنية عالية، وغالبًا ما حظوا بقادة أكثر كفاءة من نظرائهم العرب. كما تحظى إسرائيل بدعم سخي وثابت من جاليات يهودية ثرية ومؤثرة سياسيًا حول العالم، وتلقت سابقًا دعمًا حاسمًا من قوى كبرى كبريطانيا وفرنسا. كما عانى خصومها العرب من انقسامات داخلية، واضطرابات، وانقلابات، فضلًا عن التنافسات العربية-العربية.
وعلاوة على ذلك، فإن القوة العسكرية الحديثة باتت تعتمد على التكنولوجيا والتدريب والقيادة الكفؤة أكثر من الاعتماد على الأعداد البشرية. لذا، لطالما تفوّق الجيش الإسرائيلي على خصومه، وهو تفوق ازداد وضوحًا مع تصاعد أهمية الأسلحة المعقدة والمكلفة. رغم أن حزب الله وحماس حسّنا من قدراتهما، إلا أنهما لم يشكلا يومًا تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ولم يقتربا من حجم الدمار الذي كانت إسرائيل قادرة على إلحاقه بهما. وقد عززت الترسانة النووية الإسرائيلية وقدراتها الاستخباراتية الهائلة من موقعها أكثر فأكثر.
لكن الأهم من كل ذلك هو الدعم الأميركي الهائل واللا مشروط في أغلب الأحيان، إذ تدعمها واشنطن بغض النظر عن أفعالها، وهي ملتزمة رسميًا بالحفاظ على "تفوقها العسكري النوعي". من دون هذا الدعم، فإن الإسرائيليين — رغم امتلاكهم للسلاح النووي — قد يتمكنون من الدفاع عن أراضيهم، لكن ليس لديهم فرصة فعلية للهيمنة على المنطقة. بالنظر إلى ما سبق، فإن تصور إسرائيل كقوة مهيمنة على الشرق الأوسط لا يبدو سخيفًا تمامًا. ومع ذلك، من الخطأ اعتبارها كذلك فعليًا.
فأولًا، الدولة المهيمنة لا تواجه أي تهديدات أمنية حقيقية من جيرانها، ولا تقلق من بروز خصم منافس في المدى المنظور. هذا ما حققته الولايات المتحدة مع بداية القرن العشرين، حين انسحبت القوى الكبرى الأخرى من نصف الكرة الغربي، ولم يكن ثمة دولة أو تحالف قادر على مضاهاة القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية. منذ أزمة الصواريخ الكوبية — التي كانت بفعل قوة خارجية (الاتحاد السوفييتي) — لم تواجه واشنطن أي تحدٍ عسكري حقيقي من داخل منطقتها. ومكنها هذا الوضع من التركيز على أوراسيا، لمنع أية قوة أخرى من تحقيق هيمنة مماثلة في منطقة استراتيجية.
أما إسرائيل اليوم، فلا تقترب من هذا الوضع. فالحوثيون ما زالوا في حالة تحدٍ، والجيش الإسرائيلي لا يزال غارقًا في غزة رغم حجم الدمار الهائل. لقد أضعفت إسرائيل حزب الله وحماس، لكنهما فاعلان غير دولتيْن، ولم يشكّلا تهديدًا وجوديًا. ولا توجد دولة عربية أو تحالف عربي يشكل تهديدًا عسكريًا حاليًا، لكن كلًا من تركيا وإيران يمتلكان قوات عسكرية كبيرة وسكانًا أكثر بكثير، ويمكن لكل منهما أن يشكل دفاعًا معتبرًا في حال اندلاع حرب شاملة، حتى وإن انتهت بخسارتهما. ما يعني أن إسرائيل لا يمكنها تجاهلهما أو افتراض أنهما ستذعنان لها. المقاومة الإيرانية المستمرة دليل واضح على ذلك، رغم الضرر الذي لحق بها. لا توجد إشارات على أن طهران ستُخضع مصالحها لإسرائيل، حتى وإن خسرت جولة الصراع الأخيرة. وهذا وحده كافٍ للقول إن إسرائيل ليست قوة مهيمنة.
وفوق ذلك، فإن مبرر الهجمات الأخيرة هو الخوف من أن تمتلك إيران يومًا سلاحًا نوويًا. والخطر لم يكن في استخدام إيران للسلاح فعليًا — وهو سيكون انتحارًا — بل في أن امتلاكها له سيُقيّد قدرة إسرائيل على استخدام القوة في المنطقة بلا محاسبة. حقيقة أن قادة إسرائيل يرون في احتمال الاضطرار إلى ممارسة ضبط النفس خطرًا يُظهر بوضوح أنهم لا يتمتعون بالأمان المطلق الذي تتمتع به الولايات المتحدة، القوة المهيمنة الحقيقية الوحيدة في العالم.
كما أن النجاحات العسكرية الأخيرة لإسرائيل لم تحلّ المعضلة الأساسية: الفلسطينيون الذين يُشكّلون نحو نصف السكان الخاضعين لسيطرتها. تفوقها العسكري والاستخباراتي لم يمنع حماس من قتل مئات الإسرائيليين في أكتوبر 2023، وقتل أكثر من 55,000 فلسطيني لم يقربها من حل سياسي. بل شوّه صورتها عالميًا وقلّص من دعم حلفائها التقليديين.
والأهم من كل ذلك، أن إسرائيل لا تزال تعتمد بشكل حاسم على راعيها الأميركي، الذي يزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ اللازمة لهجماتها، فضلًا عن الحماية الدبلوماسية الدائمة. الدولة المهيمنة الحقيقية لا تحتاج إلى الغير للهيمنة، لكن إسرائيل تفعل. ورغم أن الدعم الأميركي بقي قويًا لعقود بفضل نفوذ مجموعات ضغط قوية، إلا أن العلاقة شهدت مؤخرًا مؤشرات توتر، وقد تزداد هشاشة مع تراجع القوة الأميركية. وإذا ما أدى القتال الحالي إلى جرّ الولايات المتحدة، فسيلاحظ مزيد من الأميركيين — حتى في أوساط "اجعل أميركا عظيمة مجددًا" — الثمن الباهظ الذي يدفعونه بسبب "العلاقة الخاصة".
وأخيرًا، فإن الهيمنة الإقليمية المستقرة تتطلب من الدول المجاورة قبول (وأحيانًا الترحيب) بالهيمنة. وإلا فإن الدولة المهيمنة ستظل قلقة من المعارضة المتجددة وستضطر لاتخاذ إجراءات متكررة لقمعها. ولكي تجعل مكانتها مقبولة، على المهيمن أن يتحلى ببعض ضبط النفس، كما فعل فرانكلين روزفلت بسياسة "الجار الصالح" تجاه أمريكا اللاتينية. ومن المفيد تذكر أن قوى مهيمنة مؤقتة مثل فرنسا النابليونية، وألمانيا النازية، واليابان الإمبراطورية، لم تستطع الحفاظ على مكاسبها وانهارت في النهاية أمام تحالفات أقوى.
إسرائيل، من جهتها، لم تُعرف بمعاملة الجيران بضبط النفس، بل إن تصاعد نفوذ القوى اليمينية والمتدينين المتطرفين يجعل ذلك أقل احتمالًا. وعليه، فإن إسرائيل لا تقترب من كونها قوة مهيمنة. لا شك أن قادتها يتمنون ذلك — ومن لا يتمنى؟ — لكنها ستظل دومًا دون هذا الطموح. وهذا يعني أن أمن إسرائيل الدائم يعتمد في النهاية على تسوية سياسية شاملة مع جيرانها، بما في ذلك الفلسطينيون. وهو تذكير آخر بأن السياسة، لا القوة فقط، هي أساس الأمن المستدام.
التعديل الأخير: