تتناول إيمي أيالون في مقالها بمجلة Foreign Affairs تداعيات حرب ما بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، مؤكدة أن إسرائيل، رغم نجاحها العسكري في إضعاف حماس، فشلت في وضع رؤية سياسية واضحة لإنهاء الصراع، ما عمّق الكارثة الإنسانية في غزة وحوّل الحرب إلى أزمة إقليمية ودولية. تشير الكاتبة إلى أن تجاهل أهمية القضية الفلسطينية في السياسات الإسرائيلية والدولية، كما ظهر في اتفاقيات أبراهام ومشاريع اقتصادية إقليمية، ساعد على تعزيز نفوذ حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية. وتدعو إلى تبني إطار إقليمي مدعوم دوليًا، مثل المبادرة العربية للسلام، لتحقيق حل الدولتين مع خطوات عملية تشمل وقف إطلاق النار، تشكيل حكومة فلسطينية موحدة، إعادة إعمار غزة، وضمان ترتيبات أمنية متبادلة، إضافة إلى التفاوض مع إيران لوقف برنامجها النووي. وترى أن المسار نحو السلام العادل هو ضرورة استراتيجية لإسرائيل والمنطقة، وأن غياب الأمل لدى الفلسطينيين هو ما يغذي قوة حماس.
Israel Is Fighting a War It Cannot Win
الحرب التي اندلعت بعد المجزرة (العمل البطولي) التي قادتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصبحت أكثر الصراعات تأثيرًا وتحولًا في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي. ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من 22 شهرًا على إطلاق قوات الدفاع الإسرائيلية حملة لتدمير حماس، لا تزال إسرائيل تفتقر إلى هدف سياسي محدد لإنهاء الحرب. فقد تعثرت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وأدى فشل إسرائيل في تصور ما سيحدث "في اليوم التالي" إلى تعميق الكارثة الإنسانية في القطاع، التي تشمل الآن تفاقم أزمة الجوع. ومع تحوّل الصراع تدريجيًا إلى مشكلة إقليمية ودولية دامية، بدأ فاعلون من خارج إسرائيل في التدخل لمحاولة التوصل إلى حل؛ ففي يوم الاثنين الماضي، أطلقت فرنسا والمملكة العربية السعودية خطة في الأمم المتحدة لفرض نهاية أكثر حسماً للقتال، وتشجيع الدول الأخرى على الاعتراف بدولة فلسطين ودعم إقامة دول على حدود عام 1967 استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن. كما أعلنت كندا وفرنسا والمملكة المتحدة أنها ستعترف بدولة فلسطين بحلول سبتمبر/أيلول ما لم تتوقف الحرب.
تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية عاجزة عن تغيير نهجها، رغم أن هدفها العسكري الرئيسي ــ تفكيك البنية التحتية الإرهابية لحماس ــ قد تحقق إلى حد كبير. إن غياب أي رؤية إسرائيلية طويلة الأمد ترك إسرائيل وغزة والمنطقة الأوسع في حالة فوضى ممتدة. الحروب التي تفتقر إلى هدف سياسي واضح لا يمكن كسبها، ولا يمكن إنهاؤها. وكلما طال فراغ التخطيط الإسرائيلي، ازداد لجوء الفاعلين الدوليين للتدخل من أجل منع وقوع كارثة أسوأ من تلك التي تتكشف حاليًا. ويجب عليهم القيام بذلك ليس فقط من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضًا من أجل استقرار المنطقة ومصالحهم الخاصة. الحرب التي تلت مجزرة 7 أكتوبر التي نفذتها حماس كانت عادلة، لكنها اليوم باتت غير عادلة، وغير أخلاقية، وعكسية الأثر، بحيث تنقل مسؤولية الكارثة الإنسانية في غزة من حماس إلى إسرائيل.
تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية عاجزة عن تغيير نهجها، رغم أن هدفها العسكري الرئيسي ــ تفكيك البنية التحتية الإرهابية لحماس ــ قد تحقق إلى حد كبير. إن غياب أي رؤية إسرائيلية طويلة الأمد ترك إسرائيل وغزة والمنطقة الأوسع في حالة فوضى ممتدة. الحروب التي تفتقر إلى هدف سياسي واضح لا يمكن كسبها، ولا يمكن إنهاؤها. وكلما طال فراغ التخطيط الإسرائيلي، ازداد لجوء الفاعلين الدوليين للتدخل من أجل منع وقوع كارثة أسوأ من تلك التي تتكشف حاليًا. ويجب عليهم القيام بذلك ليس فقط من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضًا من أجل استقرار المنطقة ومصالحهم الخاصة. الحرب التي تلت مجزرة 7 أكتوبر التي نفذتها حماس كانت عادلة، لكنها اليوم باتت غير عادلة، وغير أخلاقية، وعكسية الأثر، بحيث تنقل مسؤولية الكارثة الإنسانية في غزة من حماس إلى إسرائيل.
تغيّر المشهد الإستراتيجي
شهد القرن الحادي والعشرون حدثين غيّرا المشهد الإستراتيجي في الشرق الأوسط: الربيع العربي وهجمات 7 أكتوبر. فقد غيّر الربيع العربي، الذي بدأ أواخر 2010، الديناميكيات الداخلية للعديد من الأنظمة في المنطقة بشكل جذري. إذ منح الحركات الشعبية قوة، وأضعف شرعية الحكام التقليدية، وأجبر حتى أكثر القادة استبدادًا على إبداء قدر أكبر من الاستجابة لمشاعر شعوبهم. كان ينبغي للقادة الإسرائيليين والأمريكيين أن يدركوا أن الربيع العربي سيؤثر، على المدى البعيد، في كيفية استجابة مجموعة من الفاعلين الإقليميين للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. فقد شكّلت القضية الفلسطينية منذ زمن طويل راية توحيد لفاعلين متباينين: سنة وشيعة، عرب وفرس، إسلاميين وقوميين. كما كانت تمثل الرابط الأيديولوجي لـ"طوق النار" الإيراني: حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا. ورغم أن هذه المجموعات كانت كثيرًا ما تتناحر، فإن القضية الفلسطينية ظلت نقطة التقاء ومصدر شرعية في العالم الإسلامي الأوسع.
إن تجاهل هذه الحقيقة كان خطأً جوهريًا من جانب صانعي السياسات الإقليميين والعالميين على حد سواء. فمجزرة 7 أكتوبر لم تكن مجرد عمل إرهابي همجي، بل حملت رسالة سياسية متعمدة، متحدية بشكل مباشر عقيدة "إدارة الصراع" التي حددت سياسة إسرائيل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأكثر من عقد. كما كانت رفضًا لافتراضات الولايات المتحدة بأن الدول العربية ستمضي في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل من دون جهود جدية لحل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
انهار هذا الوهم في خريف 2023، كاشفًا هشاشة منطقة كانت متماسكة بدبلوماسية براغماتية لكنها مضطربة بسبب مظالم لم تُحل. وقد اعتُبرت اتفاقيات أبراهام لعام 2020، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، انتصارًا دبلوماسيًا، إذ أرست السلام بين إسرائيل وعدة دول عربية، أبرزها البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. لكن هذه الاتفاقيات استندت إلى قناعة خطيرة ومضللة بأن القضية الفلسطينية فقدت أهميتها في المنطقة، وأنه يمكن التوصل إلى المزيد من اتفاقيات التطبيع مع تجاوز تطلعات الفلسطينيين إلى تقرير المصير. هذا الخطأ الإستراتيجي شجع إسرائيل على تعميق سيطرتها على الضفة الغربية عبر توسيع الاستيطان وتهجير المجتمعات الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، ما أفسح المجال أمام حماس لملء الفراغ السياسي في غزة وتهميش السلطة الفلسطينية المنهكة، مقدمة نفسها كمدافع وحيد عن حقوق الفلسطينيين.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مشروع "الممر الهندي–الشرق الأوسط" الذي يربط الهند بأوروبا عبر مسارات تمر بإسرائيل والأردن والسعودية والإمارات. وقد صُمم كوزن إستراتيجي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لكنه همّش الفلسطينيين بشكل كبير، مقتصرًا على إيماءات رمزية لهم. بالنسبة لحماس، وخاصة لزعيمها يحيى السنوار، مثّل هذا المشروع خيانة من القادة العرب والفاعلين الدوليين، ويُفهم الآن أن الخطة التي قادتها الولايات المتحدة والسعودية كانت عاملًا مركزيًا في قرار السنوار شن هجوم 7 أكتوبر.
أعادت المجزرة والحملة العسكرية الإسرائيلية صياغة الحسابات السياسية لحكام إقليميين آخرين، بما في ذلك حكام دول الخليج. وكما قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصراحة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في سبتمبر/أيلول 2024: "هل أهتم شخصيًا بالقضية الفلسطينية؟ لا، لكن شعبي يهتم." وقد أبرز هذا التصريح حقيقة أوسع: أن الرأي العام، حتى في الأنظمة الاستبدادية، أصبح قوة لا يستطيع القادة تجاهلها.
إن تجاهل هذه الحقيقة كان خطأً جوهريًا من جانب صانعي السياسات الإقليميين والعالميين على حد سواء. فمجزرة 7 أكتوبر لم تكن مجرد عمل إرهابي همجي، بل حملت رسالة سياسية متعمدة، متحدية بشكل مباشر عقيدة "إدارة الصراع" التي حددت سياسة إسرائيل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأكثر من عقد. كما كانت رفضًا لافتراضات الولايات المتحدة بأن الدول العربية ستمضي في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل من دون جهود جدية لحل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
انهار هذا الوهم في خريف 2023، كاشفًا هشاشة منطقة كانت متماسكة بدبلوماسية براغماتية لكنها مضطربة بسبب مظالم لم تُحل. وقد اعتُبرت اتفاقيات أبراهام لعام 2020، التي توسطت فيها الولايات المتحدة، انتصارًا دبلوماسيًا، إذ أرست السلام بين إسرائيل وعدة دول عربية، أبرزها البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. لكن هذه الاتفاقيات استندت إلى قناعة خطيرة ومضللة بأن القضية الفلسطينية فقدت أهميتها في المنطقة، وأنه يمكن التوصل إلى المزيد من اتفاقيات التطبيع مع تجاوز تطلعات الفلسطينيين إلى تقرير المصير. هذا الخطأ الإستراتيجي شجع إسرائيل على تعميق سيطرتها على الضفة الغربية عبر توسيع الاستيطان وتهجير المجتمعات الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية، ما أفسح المجال أمام حماس لملء الفراغ السياسي في غزة وتهميش السلطة الفلسطينية المنهكة، مقدمة نفسها كمدافع وحيد عن حقوق الفلسطينيين.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن مشروع "الممر الهندي–الشرق الأوسط" الذي يربط الهند بأوروبا عبر مسارات تمر بإسرائيل والأردن والسعودية والإمارات. وقد صُمم كوزن إستراتيجي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لكنه همّش الفلسطينيين بشكل كبير، مقتصرًا على إيماءات رمزية لهم. بالنسبة لحماس، وخاصة لزعيمها يحيى السنوار، مثّل هذا المشروع خيانة من القادة العرب والفاعلين الدوليين، ويُفهم الآن أن الخطة التي قادتها الولايات المتحدة والسعودية كانت عاملًا مركزيًا في قرار السنوار شن هجوم 7 أكتوبر.
أعادت المجزرة والحملة العسكرية الإسرائيلية صياغة الحسابات السياسية لحكام إقليميين آخرين، بما في ذلك حكام دول الخليج. وكما قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصراحة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في سبتمبر/أيلول 2024: "هل أهتم شخصيًا بالقضية الفلسطينية؟ لا، لكن شعبي يهتم." وقد أبرز هذا التصريح حقيقة أوسع: أن الرأي العام، حتى في الأنظمة الاستبدادية، أصبح قوة لا يستطيع القادة تجاهلها.
التحوّل الحاسم
بعد نجاحاتها العسكرية غير المسبوقة، تقف إسرائيل الآن عند مفترق طرق تاريخي. المسار الأول ــ وهو الذي تسلكه حاليًا ــ سيقود البلاد نحو تآكل معاهدات السلام القائمة مع مصر والأردن، وتعميق الانقسام الداخلي، والعزلة الدولية. كما سيشجع على مزيد من التطرف في المنطقة، وزيادة العنف الديني–القومي من قبل التنظيمات الجهادية العالمية التي تتغذى على الفوضى، وتراجع الدعم بين صانعي القرار في الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين، وارتفاع معدلات معاداة السامية عالميًا. أما المسار الآخر ــ الذي يعزز الأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ويعزز الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط ــ فيتطلب من إسرائيل التوجه نحو اتفاق إقليمي يشمل حلّ الدولتين بشكل قابل للتطبيق.
هذه الحرب جزء من صراع مستمر وعميق الجذور حول الهوية والتاريخ والانتماء. إنه صراع يتسم بعدم التوازن في القوة، لكنه متماثل في الخوف. ويجب أن يتيح الحل لكل طرف صياغة رواية انتصار خاصة به. وهذا بدوره يتطلب مشاركة دولية نشطة وقيادة واضحة. كما يجب أن يكون أي حل دائم سياسيًا وإقليميًا ونفسيًا ورمزيًا في آن واحد. ولا يمكن لأي إطار سوى الإطار الإقليمي المدعوم دوليًا بشكل متماسك أن يوفر الشرعية الخارجية والحوافز الأوسع والغطاء السياسي اللازم لكلا الطرفين من أجل تقديم التنازلات.
لا تزال "المبادرة العربية للسلام" لعام 2002، التي طرحتها السعودية وأقرها مجلس جامعة الدول العربية، الإطار الأكثر شمولًا والأقل استغلالًا حتى اليوم. وعلى عكس الجهود الدبلوماسية السابقة، احتوت هذه المبادرة على عنصرين حاسمين: هدف نهائي واضح ــ قيام دولتين على أساس حدود 1967 مع تبادل أراضٍ متفق عليه ــ ومشاركة إقليمية كاملة في عملية التفاوض. وقد مثّلت هذه المبادرة انقلابًا على بيان الخرطوم الشهير لعام 1967 الصادر عن الجامعة العربية، محوّلة "اللاءات الثلاث" (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) إلى "نعم" إقليمية جماعية.
تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا المقترح. لكن بالنسبة للإسرائيليين، يمكن اليوم النظر إلى المبادرة باعتبارها انتصارًا استراتيجيًا: تتويجًا لعقود من الجهد الدبلوماسي والعسكري الذي أثمر اعترافًا عربيًا واسعًا بحق الدولة اليهودية في الوجود. فقد كتب زئيف جابوتنسكي، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وأحد واضعي أسس عقيدة الأمن الإسرائيلية، عام 1923 أن المفاوضات الحقيقية مع العالم العربي لن تكون ممكنة إلا بعد أن يدرك أن الشعب اليهودي باقٍ في المنطقة. أما بالنسبة للفلسطينيين، فبعد أكثر من 140 عامًا من النضال، والنكبة عام 1948، والانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال، والكلفة الباهظة للحروب المتعاقبة، فإن الإطار الذي تطرحه المبادرة العربية للسلام يوفر اعترافًا طال انتظاره بالهوية الوطنية والسيادة. والأهم أنه يعالج، إلى جانب قضيتي الحدود والسيادة، البنية الأمنية الإقليمية اللازمة لتحقيق سلام دائم.
هذه الحرب جزء من صراع مستمر وعميق الجذور حول الهوية والتاريخ والانتماء. إنه صراع يتسم بعدم التوازن في القوة، لكنه متماثل في الخوف. ويجب أن يتيح الحل لكل طرف صياغة رواية انتصار خاصة به. وهذا بدوره يتطلب مشاركة دولية نشطة وقيادة واضحة. كما يجب أن يكون أي حل دائم سياسيًا وإقليميًا ونفسيًا ورمزيًا في آن واحد. ولا يمكن لأي إطار سوى الإطار الإقليمي المدعوم دوليًا بشكل متماسك أن يوفر الشرعية الخارجية والحوافز الأوسع والغطاء السياسي اللازم لكلا الطرفين من أجل تقديم التنازلات.
لا تزال "المبادرة العربية للسلام" لعام 2002، التي طرحتها السعودية وأقرها مجلس جامعة الدول العربية، الإطار الأكثر شمولًا والأقل استغلالًا حتى اليوم. وعلى عكس الجهود الدبلوماسية السابقة، احتوت هذه المبادرة على عنصرين حاسمين: هدف نهائي واضح ــ قيام دولتين على أساس حدود 1967 مع تبادل أراضٍ متفق عليه ــ ومشاركة إقليمية كاملة في عملية التفاوض. وقد مثّلت هذه المبادرة انقلابًا على بيان الخرطوم الشهير لعام 1967 الصادر عن الجامعة العربية، محوّلة "اللاءات الثلاث" (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) إلى "نعم" إقليمية جماعية.
تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا المقترح. لكن بالنسبة للإسرائيليين، يمكن اليوم النظر إلى المبادرة باعتبارها انتصارًا استراتيجيًا: تتويجًا لعقود من الجهد الدبلوماسي والعسكري الذي أثمر اعترافًا عربيًا واسعًا بحق الدولة اليهودية في الوجود. فقد كتب زئيف جابوتنسكي، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وأحد واضعي أسس عقيدة الأمن الإسرائيلية، عام 1923 أن المفاوضات الحقيقية مع العالم العربي لن تكون ممكنة إلا بعد أن يدرك أن الشعب اليهودي باقٍ في المنطقة. أما بالنسبة للفلسطينيين، فبعد أكثر من 140 عامًا من النضال، والنكبة عام 1948، والانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال، والكلفة الباهظة للحروب المتعاقبة، فإن الإطار الذي تطرحه المبادرة العربية للسلام يوفر اعترافًا طال انتظاره بالهوية الوطنية والسيادة. والأهم أنه يعالج، إلى جانب قضيتي الحدود والسيادة، البنية الأمنية الإقليمية اللازمة لتحقيق سلام دائم.
الخروج من دائرة الخطاب الضيق
للأسف، أظهرت الحكومة الإسرائيلية الحالية معارضتها الصريحة لقيام دولة فلسطينية. لذلك، حان الوقت ليتحرك الفاعلون الدوليون نحو عملية واقعية متدرجة مستوحاة من المبادرة العربية للسلام، إلى جانب المقترحات المصرية والأحدث فرنسية–سعودية. ويجب على أوسع مجموعة ممكنة من الدول، بما فيها الولايات المتحدة والسعودية والدول العربية المعتدلة، إصدار إعلان مشترك يحدد الهدف: قيام دولتين ذات سيادة، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام واعتراف متبادل. يمكن لمثل هذا الوضوح أن يخترق ضباب انعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويفتح المجال أمام كليهما لتصور مستقبل يستحق السعي من أجله.
الخطوة العملية الأولى هي التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين. ويمكن لحكومة فلسطينية مؤقتة ذات طابع تكنوقراطي، تحت إشراف أميركي–سعودي، أن تدير الشؤون المدنية في غزة، في حين يمكن لقوة أمنية عربية إقليمية، ربما تحت تفويض من جامعة الدول العربية أو بتفويض متعدد الأطراف، أن تحافظ على النظام. ويمكن للسعودية والإمارات، إلى جانب منظمات دولية كبرى، قيادة عملية إعادة إعمار واسعة النطاق للقطاع. أما حماس، فيمكن نزع سلاحها تدريجيًا بواسطة قوات السلطة الفلسطينية وبدعم إقليمي.
في غضون 18 إلى 24 شهرًا من وقف إطلاق النار، ينبغي إجراء انتخابات بإشراف دولي في الضفة الغربية وغزة، بهدف تشكيل حكومة فلسطينية موحدة وشرعية قادرة على تمثيل شعبها في مفاوضات الوضع النهائي. وبالاستناد إلى المبادرة العربية للسلام، وبتوجيه من قرارات الأمم المتحدة القائمة، ومع وساطة دولية قوية، سيتضمن الاتفاق النهائي تحديد الحدود الدائمة مع تبادل أراضٍ قائم على اعتبارات الأمن والديموغرافيا واستمرارية الإقليم. كما سيضع ترتيبات أمنية، ويبتّ في أوضاع الإسرائيليين الراغبين في الإقامة بفلسطين والفلسطينيين الراغبين في الإقامة بإسرائيل، ويقرر مصير اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس، ويؤكد الاعتراف المتبادل.
وبالتوازي، يجب استثمار الإنجازات العسكرية لإسرائيل والولايات المتحدة لإطلاق مفاوضات شاملة مع إيران لوقف حصولها على السلاح النووي. وينبغي أن تنسق الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والصين وإسرائيل والسعودية (ممثلة عن الجامعة العربية) والأمم المتحدة هذه العملية، وأن تضع نظام تفتيش دولي صارم.
الخطوة العملية الأولى هي التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين. ويمكن لحكومة فلسطينية مؤقتة ذات طابع تكنوقراطي، تحت إشراف أميركي–سعودي، أن تدير الشؤون المدنية في غزة، في حين يمكن لقوة أمنية عربية إقليمية، ربما تحت تفويض من جامعة الدول العربية أو بتفويض متعدد الأطراف، أن تحافظ على النظام. ويمكن للسعودية والإمارات، إلى جانب منظمات دولية كبرى، قيادة عملية إعادة إعمار واسعة النطاق للقطاع. أما حماس، فيمكن نزع سلاحها تدريجيًا بواسطة قوات السلطة الفلسطينية وبدعم إقليمي.
في غضون 18 إلى 24 شهرًا من وقف إطلاق النار، ينبغي إجراء انتخابات بإشراف دولي في الضفة الغربية وغزة، بهدف تشكيل حكومة فلسطينية موحدة وشرعية قادرة على تمثيل شعبها في مفاوضات الوضع النهائي. وبالاستناد إلى المبادرة العربية للسلام، وبتوجيه من قرارات الأمم المتحدة القائمة، ومع وساطة دولية قوية، سيتضمن الاتفاق النهائي تحديد الحدود الدائمة مع تبادل أراضٍ قائم على اعتبارات الأمن والديموغرافيا واستمرارية الإقليم. كما سيضع ترتيبات أمنية، ويبتّ في أوضاع الإسرائيليين الراغبين في الإقامة بفلسطين والفلسطينيين الراغبين في الإقامة بإسرائيل، ويقرر مصير اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس، ويؤكد الاعتراف المتبادل.
وبالتوازي، يجب استثمار الإنجازات العسكرية لإسرائيل والولايات المتحدة لإطلاق مفاوضات شاملة مع إيران لوقف حصولها على السلاح النووي. وينبغي أن تنسق الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والصين وإسرائيل والسعودية (ممثلة عن الجامعة العربية) والأمم المتحدة هذه العملية، وأن تضع نظام تفتيش دولي صارم.
من القوة إلى القوة
في مقابلة عام 1997، قدّم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، توقعًا مثيرًا للقلق، متصورًا أنه بحلول عام 2027 ستنشأ دولة إسلامية موحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، تُحكم بالشريعة الإسلامية. وعندما سُئل عمّا قد يمنع ذلك، أجاب: "الشيء الوحيد الذي أخشاه هو واقع يعتقد فيه الفلسطينيون أن اليهود سيسمحون بوجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل."
يكشف هذا التصريح حقيقة جوهرية: تعتمد قوة حماس على غياب الأمل. فهي تزدهر في ظل غياب البدائل. لكن إذا طُرح مسار جاد نحو إقامة دولة فلسطينية، يحظى بدعم دولي موثوق، فإن جاذبية حماس ستنهار.
لقد استعادت إسرائيل قوة ردعها العسكرية، وأظهرت قدرتها على الدفاع عن نفسها وردع أعدائها. لكن القوة وحدها لا تستطيع تفكيك شبكة الوكلاء التابعة لإيران، ولا أن تحقق لإسرائيل سلامًا وأمنًا دائمين لأجيالها القادمة. وحده اتفاق إقليمي قوي مدعوم دوليًا، يفضي في النهاية إلى حلّ الدولتين القابل للتطبيق، يمكنه الحفاظ على أمن إسرائيل وهويتها اليهودية–الديمقراطية، وإنهاء دوامة العنف، وتحويل الشرق الأوسط من ساحة قتال إلى منطقة تعاون. هذا ليس مثالية طوباوية، بل هو مصلحة إقليمية ودولية، ولإسرائيل أصبح ضرورة استراتيجية.
يكشف هذا التصريح حقيقة جوهرية: تعتمد قوة حماس على غياب الأمل. فهي تزدهر في ظل غياب البدائل. لكن إذا طُرح مسار جاد نحو إقامة دولة فلسطينية، يحظى بدعم دولي موثوق، فإن جاذبية حماس ستنهار.
لقد استعادت إسرائيل قوة ردعها العسكرية، وأظهرت قدرتها على الدفاع عن نفسها وردع أعدائها. لكن القوة وحدها لا تستطيع تفكيك شبكة الوكلاء التابعة لإيران، ولا أن تحقق لإسرائيل سلامًا وأمنًا دائمين لأجيالها القادمة. وحده اتفاق إقليمي قوي مدعوم دوليًا، يفضي في النهاية إلى حلّ الدولتين القابل للتطبيق، يمكنه الحفاظ على أمن إسرائيل وهويتها اليهودية–الديمقراطية، وإنهاء دوامة العنف، وتحويل الشرق الأوسط من ساحة قتال إلى منطقة تعاون. هذا ليس مثالية طوباوية، بل هو مصلحة إقليمية ودولية، ولإسرائيل أصبح ضرورة استراتيجية.