أسس الحياة الطيبة
وسائل الحياة الطيبة تقوم على أسس أربعة:
الأساس الأول :
العمل ـ وهو قَدْرٌ لا بدَّ منه للغني والفقير, والرجل و المرأة, و بدونه تصبح الحياة عبئاً ثقيلاً لا يطاق.
إن العمل واجب من ناحية الأخلاق؛ فمن أكل من مال الأُمة وجب أن يقدم لها أجر ما أكل،
ومن لم يعمل عوقب بالسآمة، والملل، والضجر، وكلما كان العمل لنفع الناس كان الجزاءُ عليه أوفى.
فالتاريخ لم يحفظ لنا أسماء الأغنياء، والوزراء، والمترفين بقدر ما حفظ لنا أسماء الخيِّرين.
فالحياة بلا عمل حياة ميتة، و لست مخيراً أن تعمل؛ وكل اختيارك هو نوع العمل الذي يصلح لك،
والأغنياء الذين لا عمل لهم من أشقى الناس, ولذلك يبحثون عن اللذائذ الرخيصة يضعون بها سأمهم
ولكن سرعان ما تنقضي لذائذهم فخير أكلة ما أكلها الإنسان على جوع, وخير نوم بعد تعب،
والراحة الدائمة في حاجة إلى إجازة أكثر من حاجة العمل إلى إجازة،
الأساس الثاني :
الأساس الثاني للحياة الطبيعية: الطبع الراضي, أو المزاج الفرح, أو الطبيعة المتفائلة؛
فكثير من أسباب الشقاء يرجع إلى السخط, الطبع الذي لا يرى في الحياة إلاَّ مصائبها، وشرورها
الطبع الذي يخلق من كل سرور بكاءاً، ومن كل لذة ألماً، ومن كل مسرة محزنة
الطبع الذي إذا أتيت له بعشرين تفاحة كلها جيدة ما عدا واحدة لا تقع عينه إلا على الفاسدة,
وإذا كان في بيته كل ما يسر لم يلتفت إليه، وخَلَقَ الغضبَ من طبق كسر، أو كرسي في غير موضعه.
الطبع الراضي متسامح في الصغائر, خالق للسعادة، باشٌّ مستبشر, يتوقع الخير أكثر مما يتوقع الشر,
يضحك حتى في الهزيمة، وحتى عند الخسارة المادية, يرى أن مسرح الحياة كميدان لعب الكرة
يكسب اللاعب فيضحك، ويخسر فينتظر الغلبة.
الأساس الثالث :
أن يكون للإنسان غرض نبيل في حياته الاجتماعية
يشعر بأن هناك بائسين من نواحيهم؛ فالدنيا مملوءة بآلام الناس من مرض، وفقر؛
فإذا استطاع أن يُشْعَر قَلْبَهَ الرحمة؛ فيعمل في جمعية تخفيف الفقر، أو تواسي المرضى
أو تسعف المنكوبين، أو نحو ذلك شعر بأنَّ حياته غنية بعمل الخير؛ فاغتبط وسعد؛
يَسْعدُ لمشاركة الخيرين في عملهم, ويسعد في شعوره بمحاولته إنقاذ البائسين من بؤسهم.
وهذا عمل في متناول الرجال، والنساء على السواء؛
فكلٌّ يستطيع أن يشترك في خدمة اجتماعية يقدمها؛ فيشعر بالغبطة والسرور،
ولا شيء يبعث الضجر والسأم كمعيشة الإنسان لنفسه فقط.
إن الأنانية وحب الذات خُلُقٌ طفليٌّ يصحب النفس الضيِّقة في دور الطفولة؛
فمن كبر ولا زال لا يحب إلا نفسه كان ذلك علامة طفولته، وصغر نفسه؛
الأناني كثير السأم لأنه لا يشعر إلا بنفسِه ونَفْسُهُ تدور حول نفسها،
أما الذين يشعرون بغيرهم فيضيفون نفوساً إلى نفوسهم، وآفاقاً إلى آفاقهم،
ويجدون لأنفسهم أغذية مختلفة من شعور الآخرين وآرائهم.
الأساس الرابع :
أن يكون لك غرض في الحياة واهتمامٌ في تحقيقه، وتعاون مع من يشاركك في برنامجه،
توسع ثقافتك فيما حدَّدت من غرض وتتعشقه؛ حتى تتلذذ من العمل الذي يقرب من النجاح فيه؛
فحدد الغرض، وارسم برنامجه، ورتب خطواته، وأحب العمل للوصول إليه تشعر بسعادة لا تُقَدَّر.
إن كثيراً من البؤساء في الحياة سبب بؤسهم أنهم يعيشون ولا يدركون لِمَ يعيشون،
وما وظيفتهم في الحياة ؛ فيكون كالسائر في الشارع بلا غرض, يتسكع هنا آناً وهنا آناً؛
فإذا رأيت رجلاً متبرماً من الحياة, ضَيِّقَ الصدر, ملولاً ضجراً يغلب عليه الحزن والكدر فاعلم أنه فقد
عنصراً أو أساساً من عناصر الحياة الطيبة وهو إما فارغ لا عمل له يعتمد على مال موروث
أو مال يأتي من عمل غيره، ويكتفي بهذا، ويركن إلى البطالة، و هو إنسان تعوَّد أن يرى الحياة
بمنظارٍ أسودَ دائماً ولم يقاومه, أو هو عاش لنفسه فقط؛ فلم يشترك في عمل اجتماعي يشعره بالرحمة
والشفقة، وهي من النعم الكبرى على الإنسان أو عاش بلا غرض كالريشة في الهواء
لا يتحمس لعمل، ولا ينظر غاية.