يرى ستيفان والت في مقاله بمجلة Foreign Policy أن الحديث عن "شرق أوسط جديد" مضلل، إذ إن التحولات الأخيرة، رغم أهميتها، لم تغيّر الجذور العميقة لعدم الاستقرار في المنطقة. فـ"محور المقاومة" أُضعف بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 والحملة الإسرائيلية–الأمريكية، وتراجع نفوذ روسيا، وتبدّل أدوار بعض القوى الخارجية، لكن البيئة الإقليمية ما زالت فوضوية متعددة الأقطاب، حيث تتنافس الدول على النفوذ والأمن. الولايات المتحدة ما تزال منخرطة عسكريًا وسياسيًا، في حين أن غياب حل عادل للقضية الفلسطينية — مع تدهور فرص حل الدولتين — يبقي على مصدر دائم للتوتر والتطرف. ويخلص والت إلى أن استمرار القمع وغياب العدالة والحقوق السياسية يعني أن "الشرق الأوسط الجديد" لن يختلف كثيرًا عن القديم، وأن الاستقرار الحقيقي يتطلب توازنًا بين القوة والشرعية قائمًا على العدالة.
Meet the New Middle East, Same as the Old Middle East
في ضوء الأحداث العاصفة التي شهدتها السنوات القليلة الماضية، من المغري الإعلان عن بزوغ “شرق أوسط جديد”. لكن كم مرة سمعنا ذلك من قبل؟ اعتبر البعض أن حرب الأيام الستة كانت نقطة تحول حاسمة — وأن خصوم إسرائيل العرب سيصنعون السلام حينها — ولم يحدث ذلك. والأمر نفسه تكرر مع معاهدة السلام المصرية–الإسرائيلية، وحرب الخليج الأولى، واتفاقيات أوسلو، والغزو الأمريكي للعراق، والربيع العربي. ومع ذلك، ما زالت أحداث مثل هجمات 11 سبتمبر، والحرب الأهلية السورية، وهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، والإبادة المستمرة في غزة، والتدمير المتكرر للبنان، وهجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، والغارات الجوية الأخيرة على إيران، تتكرر مرارًا.
لقد شهدنا تطورات استثنائية خلال العقد الماضي — وخاصة منذ 7 أكتوبر 2023 — لكن الظروف الأساسية التي جعلت المنطقة مسرحًا للصراعات لفترة طويلة ما تزال على حالها. بعض الأطراف اختفت، وأخرى اكتسبت أو فقدت نفوذها، وبعضها تبنى سياسات مختلفة، لكن المصادر الجوهرية لعدم الاستقرار ما تزال قائمة.
عندما أسمع الحديث عن شرق أوسط جديد، أميل إذن إلى التشكيك. ولفهم السبب، فلننظر أولًا إلى ما هو جديد، ثم إلى ما لم يتغير.
أبرز وأهم تطور في السنوات الأخيرة هو الضعف الكبير الذي أصاب "محور المقاومة" (إيران، حماس، حزب الله، الميليشيات العراقية، نظام الأسد في سوريا، والحوثيون في اليمن). فبعد الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أطلقت إسرائيل حملة واسعة النطاق ضد كل جزء من هذا التحالف الفضفاض، وكانت لها آثار واضحة. فقد أُضعفت حماس بشدة، وإن لم تُقضَ عليها، وما زالت تقاوم أفعال إسرائيل الإباديّة. كما قُتل العديد من كبار قادة حزب الله، وأصبح جناحه العسكري أضعف بكثير مما كان عليه قبل عامين. وقد جُرّد نظام الأسد من الدعم وتمت الإطاحة به، واستغلت إسرائيل هذه الفرصة لقصف مخازن الأسلحة في سوريا واحتلال المزيد من الأراضي هناك، وتبادلت الضربات الجوية مع الحوثيين في اليمن. وآخرًا، في يونيو، شنت حملة جوية طموحة ضد إيران (عززتها لاحقًا الولايات المتحدة) في محاولة لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية وربما إسقاط النظام الديني نفسه. وباستثناء الأسد، لم يتم القضاء على أيٍّ من مكونات هذا المحور، وجميعها ما تزال متمسكة بالتحدي، لكنها أضعف بكثير مما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
ثالثًا، تراجع نفوذ روسيا في المنطقة بشكل كبير نتيجة سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وأعباء الحرب الطويلة والمكلفة في أوكرانيا. فلم تستطع موسكو منع سقوط الأسد، ولم تفعل الكثير لمساعدة إيران رغم أشكال الدعم التي قدمتها طهران لروسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا. لم تعد روسيا بقيادة فلاديمير بوتين قادرة على لعب دور المفسد الذي اضطلعت به في العقود الأخيرة، وهذا يمثل تحولًا مهمًا آخر.
أخيرًا، قد يكون دور القوى الخارجية الأخرى — بما في ذلك الولايات المتحدة — في طور تغير كبير الآن. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت معادية لإيران منذ عقود، فإن قرار إدارة ترامب المشاركة النشطة في حملة القصف الإسرائيلية يمثل خطوة مهمة، خاصة في ظل تهديد الرئيس دونالد ترامب بتجديد الهجمات إذا حاولت إيران الاندفاع نحو إنتاج القنبلة النووية. وقد ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأجزاء من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة من أجل هذه الخطوة، وحصلوا أخيرًا على ما يريدون.
لكن في الوقت نفسه، فإن وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة تقوض الدعم السياسي لإسرائيل في كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم. وكما لاحظ الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس مؤخرًا في مجلة New Republic، فإن 60٪ من الأمريكيين يعارضون الآن الحملة الإسرائيلية في غزة، وتُظهر استطلاعات حديثة أن أغلبية (53٪) لديهم صورة سلبية عن ذلك البلد. الصحف الكبرى تزداد انتقادًا لأفعال إسرائيل، وخبراء بارزون في مجال الإبادة — بمن فيهم من داخل إسرائيل — يتهمونها بشكل متزايد بارتكاب هذه الجريمة الشنيعة. وحتى لو رفض المرء هذا الوصف تحديدًا، فلا شك أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب على نطاق واسع. إن حقيقة ارتكاب حماس لجرائمها الخاصة في 7 أكتوبر لا تبرر استمرار قصف وتجويع سكان عاجزين. الحزب الديمقراطي منقسم بشدة بشأن هذه المسألة، كما أن جدار الدعم الصلب المؤيد لإسرائيل داخل الحزب الجمهوري بدأ يتصدع. فعندما تخسر أمثال تاكر كارلسون وستيف بانون والنائبة الجمهورية الموالية لترامب مارجوري تايلور غرين، فأنت تدرك أن الأرضية السياسية بدأت تتغير.
اتجاهات مماثلة تظهر في مختلف أنحاء العالم: فقد أظهر استطلاع حديث لمركز Pew شمل 24 دولة أن الأغلبية في 20 منها لديها آراء سلبية تجاه إسرائيل، كما أن حكومات فرنسا وبريطانيا وكندا وربما أستراليا تعهدت بالاعتراف بدولة فلسطين. وبالنظر إلى أن ترامب ليست لديه روابط عاطفية بإسرائيل (أو بأي دولة أخرى)، وأنه أكثر اهتمامًا باستمالة أثرياء النفط العرب، فمن الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة أخيرًا نفوذها الكبير للضغط على إسرائيل من أجل وقف حربها العبثية وإنهاء مساعيها لخلق "إسرائيل الكبرى" التي تضم الضفة الغربية.
عند جمع كل هذه المعطيات، يمكن فهم سبب اعتقاد البعض أننا نشهد تحولًا كبيرًا محتملًا في المنطقة. لا أشك في تغير بعض العناصر المهمة، لكن "شرق أوسط جديد"؟ ليس بهذه السرعة.
بادئ ذي بدء، يظل الشرق الأوسط بيئة فوضوية متعددة الأقطاب، ولا توجد فيه قوة مهيمنة أو مهيمنة إقليمية قادرة على فرض النظام. حاولت إدارة بوش إعادة تشكيل المنطقة خلال “لحظة القطب الأوحد” القصيرة التي عاشتها الولايات المتحدة، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا. ربما كان نتنياهو وغيره من المتشددين الإسرائيليين يأملون في أن تمنحهم انتصاراتهم الأخيرة مكانة القوة المهيمنة في المنطقة، لكن فإن دولة يحكمها نحو 7.5 مليون يهودي (إلى جانب نحو مليوني عربي إسرائيلي) وتعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي السخي، لن تتمكن من فرض هيمنة دائمة على مئات الملايين من العرب والفرس المسلمين. وللتذكير: لا حماس ولا حزب الله ولا الحوثيون ولا إيران قد اختفوا، وجميعهم ما زالوا يتحدّون. كما أن الدول ذات النفوذ المتزايد في الخليج أو شبه الجزيرة العربية ليست راضية عمّا تفعله إسرائيل مؤخرًا، لأنها تسعى قبل كل شيء إلى الاستقرار، وهذا تحديدًا ما لا توفره إسرائيل.
يعني هذا أن الشرق الأوسط سيظل منطقة تتنافس فيها الدول المختلفة على القوة والأمن والنفوذ. ما زالت إيران تسعى إلى امتلاك قدرة نووية كامنَة لتحقيق توازن مع إسرائيل، ورغبتها في امتلاك رادع خاص بها ازدادت بلا شك بعد الحملة الإسرائيلية–الأمريكية الجوية. وستواصل السعودية والإمارات وقطر ومصر التنافس على المكانة والنفوذ داخل العالم العربي؛ وستتدخل تركيا أحيانًا لحماية مصالحها الخاصة؛ وجميع هذه الدول ستسعى لاستمالة القوى الخارجية لدعم مواقفها. ولا يبدو أن أيًا من أحداث السنوات الأخيرة سيغير هذه السمة المتكررة للسياسة الإقليمية، كما أن مؤسسات مثل جامعة الدول العربية العريقة أو مجلس التعاون الخليجي شبه المعطل أضعف من أن تحدث فارقًا كبيرًا.
وفوق ذلك، ما زالت الولايات المتحدة موجودة هناك. فعلى الرغم من أن القادة الأمريكيين حاولوا مرارًا الانسحاب من المنطقة — جزئيًا ليتسنى لواشنطن التركيز على آسيا — فإن أحدًا منهم لم ينجح. حاول ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا في ولايته الأولى وفشل، كما أن الوجود العسكري الأمريكي لا يزال على حاله تقريبًا منذ توليه الحكم في 2017. وكما ذُكر سابقًا، فإن قرار ترامب بمهاجمة إيران مباشرة لا يعد علامة على الانسحاب، كما أن القوات الخاصة الأمريكية استهدفت مؤخرًا قادة بعض الفصائل المتبقية من تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا ما بعد الأسد. كما قصف ترامب الحوثيين (من دون جدوى تذكر)، ويواصل المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف القيام برحلات مكوكية حتى الآن بلا فائدة لإنهاء المجازر في غزة. وعلى الرغم من الاستياء الشعبي المتزايد من أفعالها، ما زالت الحكومة الأمريكية تغدق الأموال والأسلحة على إسرائيل. “كلما تغيرت الأمور، كلما بقيت على حالها.”
للأسف، هذا الوضع يشكّل وصفة مثالية لعودة التطرف الإسلامي، وسيكون من قبيل المعجزة ألا نشهد موجات جديدة من الإرهاب كرد فعل على أحداث العامين الماضيين. وهذا الخوف أحد أسباب انزعاج دول النفط العربية من أفعال إسرائيل؛ فربما لا تملك هذه الدول الكثير من التعاطف الصادق مع الفلسطينيين، لكنها تدرك أن معاناتهم ما تزال أداة فعالة لتجنيد المتطرفين، وتسلط الضوء على فشلها في معالجة المشكلة.
وهناك أمر آخر لم يتغير: نحن لسنا أقرب إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، بل ربما أبعد. فحتى بعد مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، لا يزال هناك عدد متقارب تقريبًا من العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين يعيشون في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. معظم هؤلاء الفلسطينيين لا يتمتعون بحقوق سياسية، ولا يملكون نفوذًا، ولا يملكون أي أفق واقعي للحصول على دولة خاصة بهم. وحتى يتغير هذا الوضع، سيواصل بعضهم مقاومة حكامهم الإسرائيليين بكل ما يستطيعون، تمامًا كما فعل الصهاينة ضد البريطانيين، وكما كان الإسرائيليون اليهود سيفعلون لو كانت الأوضاع معكوسة اليوم. وإذا كان حل الدولتين لم يعد ممكنًا — كما هو مرجح — فسيكون على الإسرائيليين والفلسطينيين وبقية العالم استكشاف رؤى بديلة. (انظر مثلًا الدراسة القادمة التي أعدها مايكل شافِر عمر-مان وسارة ليا ويتسن). وحتى يحدث ذلك، سيظل هذا المصدر الدائم للاضطراب الإقليمي حاضرًا.
الخلاصة أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة تتسم بانقسامات سياسية عميقة، حيث يهيمن أقوى الفاعلين على الآخرين ويحرمونهم من الحقوق والنفوذ والاعتراف. يتضح ذلك في الجهود المتكررة لتهميش إيران عبر العقوبات، وعدم الاعتراف، واستبعادها من الجهود الدبلوماسية الإقليمية، وأخيرًا عبر الغارات الجوية. ويتضح أيضًا في الحملة الطويلة لحرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم (أو حتى الإصرار على أنه “لا وجود لأمة فلسطينية”). كما يظهر داخل العالم العربي نفسه، حيث يقوم الملوك والجنرالات الديكتاتوريون بقمع الدعوات لمزيد من الانفتاح والحقوق السياسية (تذكرون الربيع العربي، أليس كذلك؟).
مثل هذه الظروف تنتج حتمًا مقاومة، تؤدي بدورها إلى أعمال قمع أشد، وهو ما يعني استمرار عدم الاستقرار. “اغسل وأعد الكرّة”. إن استقرار النظام الإقليمي يتطلب توازنًا أكثر عدلًا بين القوة والشرعية، وهذه الأخيرة تتطلب في نهاية المطاف قدرًا من العدالة والإنصاف وتوفير الحقوق السياسية. وطالما استمرت هذه السمات، فإن “الشرق الأوسط الجديد” سيشبه كثيرًا الشرق الأوسط القديم. ضع هذا في حسبانك جيدًا، وكما تقول الأغنية: “لن تُخدع مرة أخرى.”
لقد شهدنا تطورات استثنائية خلال العقد الماضي — وخاصة منذ 7 أكتوبر 2023 — لكن الظروف الأساسية التي جعلت المنطقة مسرحًا للصراعات لفترة طويلة ما تزال على حالها. بعض الأطراف اختفت، وأخرى اكتسبت أو فقدت نفوذها، وبعضها تبنى سياسات مختلفة، لكن المصادر الجوهرية لعدم الاستقرار ما تزال قائمة.
عندما أسمع الحديث عن شرق أوسط جديد، أميل إذن إلى التشكيك. ولفهم السبب، فلننظر أولًا إلى ما هو جديد، ثم إلى ما لم يتغير.
أبرز وأهم تطور في السنوات الأخيرة هو الضعف الكبير الذي أصاب "محور المقاومة" (إيران، حماس، حزب الله، الميليشيات العراقية، نظام الأسد في سوريا، والحوثيون في اليمن). فبعد الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أطلقت إسرائيل حملة واسعة النطاق ضد كل جزء من هذا التحالف الفضفاض، وكانت لها آثار واضحة. فقد أُضعفت حماس بشدة، وإن لم تُقضَ عليها، وما زالت تقاوم أفعال إسرائيل الإباديّة. كما قُتل العديد من كبار قادة حزب الله، وأصبح جناحه العسكري أضعف بكثير مما كان عليه قبل عامين. وقد جُرّد نظام الأسد من الدعم وتمت الإطاحة به، واستغلت إسرائيل هذه الفرصة لقصف مخازن الأسلحة في سوريا واحتلال المزيد من الأراضي هناك، وتبادلت الضربات الجوية مع الحوثيين في اليمن. وآخرًا، في يونيو، شنت حملة جوية طموحة ضد إيران (عززتها لاحقًا الولايات المتحدة) في محاولة لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية وربما إسقاط النظام الديني نفسه. وباستثناء الأسد، لم يتم القضاء على أيٍّ من مكونات هذا المحور، وجميعها ما تزال متمسكة بالتحدي، لكنها أضعف بكثير مما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
ثالثًا، تراجع نفوذ روسيا في المنطقة بشكل كبير نتيجة سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وأعباء الحرب الطويلة والمكلفة في أوكرانيا. فلم تستطع موسكو منع سقوط الأسد، ولم تفعل الكثير لمساعدة إيران رغم أشكال الدعم التي قدمتها طهران لروسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا. لم تعد روسيا بقيادة فلاديمير بوتين قادرة على لعب دور المفسد الذي اضطلعت به في العقود الأخيرة، وهذا يمثل تحولًا مهمًا آخر.
أخيرًا، قد يكون دور القوى الخارجية الأخرى — بما في ذلك الولايات المتحدة — في طور تغير كبير الآن. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت معادية لإيران منذ عقود، فإن قرار إدارة ترامب المشاركة النشطة في حملة القصف الإسرائيلية يمثل خطوة مهمة، خاصة في ظل تهديد الرئيس دونالد ترامب بتجديد الهجمات إذا حاولت إيران الاندفاع نحو إنتاج القنبلة النووية. وقد ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأجزاء من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة من أجل هذه الخطوة، وحصلوا أخيرًا على ما يريدون.
لكن في الوقت نفسه، فإن وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة تقوض الدعم السياسي لإسرائيل في كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالم. وكما لاحظ الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس مؤخرًا في مجلة New Republic، فإن 60٪ من الأمريكيين يعارضون الآن الحملة الإسرائيلية في غزة، وتُظهر استطلاعات حديثة أن أغلبية (53٪) لديهم صورة سلبية عن ذلك البلد. الصحف الكبرى تزداد انتقادًا لأفعال إسرائيل، وخبراء بارزون في مجال الإبادة — بمن فيهم من داخل إسرائيل — يتهمونها بشكل متزايد بارتكاب هذه الجريمة الشنيعة. وحتى لو رفض المرء هذا الوصف تحديدًا، فلا شك أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب على نطاق واسع. إن حقيقة ارتكاب حماس لجرائمها الخاصة في 7 أكتوبر لا تبرر استمرار قصف وتجويع سكان عاجزين. الحزب الديمقراطي منقسم بشدة بشأن هذه المسألة، كما أن جدار الدعم الصلب المؤيد لإسرائيل داخل الحزب الجمهوري بدأ يتصدع. فعندما تخسر أمثال تاكر كارلسون وستيف بانون والنائبة الجمهورية الموالية لترامب مارجوري تايلور غرين، فأنت تدرك أن الأرضية السياسية بدأت تتغير.
اتجاهات مماثلة تظهر في مختلف أنحاء العالم: فقد أظهر استطلاع حديث لمركز Pew شمل 24 دولة أن الأغلبية في 20 منها لديها آراء سلبية تجاه إسرائيل، كما أن حكومات فرنسا وبريطانيا وكندا وربما أستراليا تعهدت بالاعتراف بدولة فلسطين. وبالنظر إلى أن ترامب ليست لديه روابط عاطفية بإسرائيل (أو بأي دولة أخرى)، وأنه أكثر اهتمامًا باستمالة أثرياء النفط العرب، فمن الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة أخيرًا نفوذها الكبير للضغط على إسرائيل من أجل وقف حربها العبثية وإنهاء مساعيها لخلق "إسرائيل الكبرى" التي تضم الضفة الغربية.
عند جمع كل هذه المعطيات، يمكن فهم سبب اعتقاد البعض أننا نشهد تحولًا كبيرًا محتملًا في المنطقة. لا أشك في تغير بعض العناصر المهمة، لكن "شرق أوسط جديد"؟ ليس بهذه السرعة.
بادئ ذي بدء، يظل الشرق الأوسط بيئة فوضوية متعددة الأقطاب، ولا توجد فيه قوة مهيمنة أو مهيمنة إقليمية قادرة على فرض النظام. حاولت إدارة بوش إعادة تشكيل المنطقة خلال “لحظة القطب الأوحد” القصيرة التي عاشتها الولايات المتحدة، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا. ربما كان نتنياهو وغيره من المتشددين الإسرائيليين يأملون في أن تمنحهم انتصاراتهم الأخيرة مكانة القوة المهيمنة في المنطقة، لكن فإن دولة يحكمها نحو 7.5 مليون يهودي (إلى جانب نحو مليوني عربي إسرائيلي) وتعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي السخي، لن تتمكن من فرض هيمنة دائمة على مئات الملايين من العرب والفرس المسلمين. وللتذكير: لا حماس ولا حزب الله ولا الحوثيون ولا إيران قد اختفوا، وجميعهم ما زالوا يتحدّون. كما أن الدول ذات النفوذ المتزايد في الخليج أو شبه الجزيرة العربية ليست راضية عمّا تفعله إسرائيل مؤخرًا، لأنها تسعى قبل كل شيء إلى الاستقرار، وهذا تحديدًا ما لا توفره إسرائيل.
يعني هذا أن الشرق الأوسط سيظل منطقة تتنافس فيها الدول المختلفة على القوة والأمن والنفوذ. ما زالت إيران تسعى إلى امتلاك قدرة نووية كامنَة لتحقيق توازن مع إسرائيل، ورغبتها في امتلاك رادع خاص بها ازدادت بلا شك بعد الحملة الإسرائيلية–الأمريكية الجوية. وستواصل السعودية والإمارات وقطر ومصر التنافس على المكانة والنفوذ داخل العالم العربي؛ وستتدخل تركيا أحيانًا لحماية مصالحها الخاصة؛ وجميع هذه الدول ستسعى لاستمالة القوى الخارجية لدعم مواقفها. ولا يبدو أن أيًا من أحداث السنوات الأخيرة سيغير هذه السمة المتكررة للسياسة الإقليمية، كما أن مؤسسات مثل جامعة الدول العربية العريقة أو مجلس التعاون الخليجي شبه المعطل أضعف من أن تحدث فارقًا كبيرًا.
وفوق ذلك، ما زالت الولايات المتحدة موجودة هناك. فعلى الرغم من أن القادة الأمريكيين حاولوا مرارًا الانسحاب من المنطقة — جزئيًا ليتسنى لواشنطن التركيز على آسيا — فإن أحدًا منهم لم ينجح. حاول ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا في ولايته الأولى وفشل، كما أن الوجود العسكري الأمريكي لا يزال على حاله تقريبًا منذ توليه الحكم في 2017. وكما ذُكر سابقًا، فإن قرار ترامب بمهاجمة إيران مباشرة لا يعد علامة على الانسحاب، كما أن القوات الخاصة الأمريكية استهدفت مؤخرًا قادة بعض الفصائل المتبقية من تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا ما بعد الأسد. كما قصف ترامب الحوثيين (من دون جدوى تذكر)، ويواصل المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف القيام برحلات مكوكية حتى الآن بلا فائدة لإنهاء المجازر في غزة. وعلى الرغم من الاستياء الشعبي المتزايد من أفعالها، ما زالت الحكومة الأمريكية تغدق الأموال والأسلحة على إسرائيل. “كلما تغيرت الأمور، كلما بقيت على حالها.”
للأسف، هذا الوضع يشكّل وصفة مثالية لعودة التطرف الإسلامي، وسيكون من قبيل المعجزة ألا نشهد موجات جديدة من الإرهاب كرد فعل على أحداث العامين الماضيين. وهذا الخوف أحد أسباب انزعاج دول النفط العربية من أفعال إسرائيل؛ فربما لا تملك هذه الدول الكثير من التعاطف الصادق مع الفلسطينيين، لكنها تدرك أن معاناتهم ما تزال أداة فعالة لتجنيد المتطرفين، وتسلط الضوء على فشلها في معالجة المشكلة.
وهناك أمر آخر لم يتغير: نحن لسنا أقرب إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، بل ربما أبعد. فحتى بعد مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، لا يزال هناك عدد متقارب تقريبًا من العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين يعيشون في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. معظم هؤلاء الفلسطينيين لا يتمتعون بحقوق سياسية، ولا يملكون نفوذًا، ولا يملكون أي أفق واقعي للحصول على دولة خاصة بهم. وحتى يتغير هذا الوضع، سيواصل بعضهم مقاومة حكامهم الإسرائيليين بكل ما يستطيعون، تمامًا كما فعل الصهاينة ضد البريطانيين، وكما كان الإسرائيليون اليهود سيفعلون لو كانت الأوضاع معكوسة اليوم. وإذا كان حل الدولتين لم يعد ممكنًا — كما هو مرجح — فسيكون على الإسرائيليين والفلسطينيين وبقية العالم استكشاف رؤى بديلة. (انظر مثلًا الدراسة القادمة التي أعدها مايكل شافِر عمر-مان وسارة ليا ويتسن). وحتى يحدث ذلك، سيظل هذا المصدر الدائم للاضطراب الإقليمي حاضرًا.
الخلاصة أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة تتسم بانقسامات سياسية عميقة، حيث يهيمن أقوى الفاعلين على الآخرين ويحرمونهم من الحقوق والنفوذ والاعتراف. يتضح ذلك في الجهود المتكررة لتهميش إيران عبر العقوبات، وعدم الاعتراف، واستبعادها من الجهود الدبلوماسية الإقليمية، وأخيرًا عبر الغارات الجوية. ويتضح أيضًا في الحملة الطويلة لحرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم (أو حتى الإصرار على أنه “لا وجود لأمة فلسطينية”). كما يظهر داخل العالم العربي نفسه، حيث يقوم الملوك والجنرالات الديكتاتوريون بقمع الدعوات لمزيد من الانفتاح والحقوق السياسية (تذكرون الربيع العربي، أليس كذلك؟).
مثل هذه الظروف تنتج حتمًا مقاومة، تؤدي بدورها إلى أعمال قمع أشد، وهو ما يعني استمرار عدم الاستقرار. “اغسل وأعد الكرّة”. إن استقرار النظام الإقليمي يتطلب توازنًا أكثر عدلًا بين القوة والشرعية، وهذه الأخيرة تتطلب في نهاية المطاف قدرًا من العدالة والإنصاف وتوفير الحقوق السياسية. وطالما استمرت هذه السمات، فإن “الشرق الأوسط الجديد” سيشبه كثيرًا الشرق الأوسط القديم. ضع هذا في حسبانك جيدًا، وكما تقول الأغنية: “لن تُخدع مرة أخرى.”