في مقاله لمجلة Foreign Affairs، يناقش أساف أوريون التحول الاستراتيجي والسياسي في الحملة الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ 20 شهرًا، مشيرًا إلى اتساع أهداف الحرب من إزالة خطر حماس وتحرير الرهائن إلى مشاريع أيديولوجية كاحتلال القطاع وإعادة توطين سكانه. ومع تبني الحكومة لخطة "مركبات جدعون"، تتجه إسرائيل نحو حرب شاملة وطويلة الأمد تهدد بإعادة احتلال غزة وفرض سيطرة عسكرية غير محدودة، وسط انقسامات داخلية، وتدهور في الوضعين الإنساني والأمني. يبرز المقال التناقض بين الأهداف الأمنية الواقعية والطموحات المتطرفة لليمين الإسرائيلي، مسلطًا الضوء على كيفية تداخل اعتبارات سياسية — أبرزها بقاء حكومة نتنياهو — مع قرارات الحرب، على حساب الأرواح والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية. ومع انعدام رؤية واضحة لليوم التالي، وتزايد الضغط الدولي، يتخوف أوريون من أن الحرب قد تستمر بلا نهاية، وتتحول إلى كارثة أمنية وسياسية وأخلاقية لإسرائيل، ما لم تُفرض تسوية من الداخل أو الخارج.
Israel’s Dangerous Escalation in Gaza
على مدار الأسابيع القليلة الماضية، بلغ الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ 20 شهرًا في قطاع غزة نقطة مفصلية جديدة. ففي 18 مارس، أعادت قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) إطلاق الهجوم، مع أهداف جديدة طموحة، شملت استهداف ما تبقى من البيروقراطية المدنية التابعة لحماس بالإضافة إلى مقاتليها، وزيادة الضغط على الحركة من خلال وقف دخول المساعدات الإنسانية — التي قامت حماس بتسليحها لاستخدامها في السيطرة على سكان غزة وإعادة بناء قوتها العسكرية. ثم، في 4 مايو، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على خطة أكثر اتساعًا تُدعى "عملية مركبات جدعون"، تهدف ليس فقط إلى الهزيمة الكاملة لحماس، بل أيضًا إلى السيطرة الكاملة على القطاع بأكمله واحتلاله، وهو ما قد يعني سيطرة عسكرية غير محددة المدة.
وعلى الرغم من أن هذه العملية الأخيرة قد بدأت لتوها، إلا أنها سلّطت بالفعل الضوء على مخاطر التوسع المستمر في الحرب. فمن بين 255 رهينة احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر 2023، لا يزال 58 منهم محتجزين، ويُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة. ومع ذلك، وحتى أوائل يونيو، ورغم الجهود الأمريكية المكثفة للتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، لا يزال من المشكوك فيه ما إذا كانت المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن المتبقين — فضلًا عن إنهاء الحرب — ستؤتي ثمارها. في غضون ذلك، وضعت هذه الحملة إسرائيل تحت ضغط سياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي هائل. ففي الداخل، تواجه دولة إسرائيل تحديات تلوح في الأفق تتعلق بالقوى البشرية والموارد؛ وعلى الصعيد الدولي، تواجه انتقادات وإدانات متزايدة، حتى من حلفاء مقرّبين.
ومن منظور استراتيجي، تكمن المشكلة الأكبر بالنسبة لإسرائيل في التوتر المتزايد بين أهدافها الأمنية الجوهرية من الحرب والخطط الحكومية المتغيرة لتحقيق هذه الأهداف. فجوهر الأهداف المعلنة للحرب يتمثل في إزالة تهديد حماس وإطلاق سراح الرهائن. لكن الحملة العسكرية المطوّلة باتت تتشكل بشكل متزايد بفعل الأهداف الأيديولوجية للأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة، والتي تشمل الاحتلال الإسرائيلي الدائم، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية، وإرساء السيادة الإسرائيلية الكاملة على غزة.
ومع استمرار الحملة، باتت هذه الأهداف غير الرسمية تؤثر بشكل متزايد على استراتيجية الحكومة. فالقرارات في زمن الحرب تعكس دائمًا مجموع الضغوط الملقاة على عاتق قادة الحرب، ومن الواضح الآن أن اتخاذ القرار بشأن حملة غزة لم يعد يتشكل فقط من اعتبارات عسكرية واستراتيجية، بل أيضًا من أيديولوجيا، ومكافآت سياسية، وحسابات تتعلق بالبقاء السياسي الشخصي. وبينما تتوسع الحملة إلى ما هو أبعد بكثير من نطاقها الأصلي، قد ينتهي المطاف بأطول حرب في تاريخ إسرائيل إلى تقويض أمنها القومي بدلًا من تعزيزه.
وعلى الرغم من أن هذه العملية الأخيرة قد بدأت لتوها، إلا أنها سلّطت بالفعل الضوء على مخاطر التوسع المستمر في الحرب. فمن بين 255 رهينة احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر 2023، لا يزال 58 منهم محتجزين، ويُعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة. ومع ذلك، وحتى أوائل يونيو، ورغم الجهود الأمريكية المكثفة للتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، لا يزال من المشكوك فيه ما إذا كانت المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن المتبقين — فضلًا عن إنهاء الحرب — ستؤتي ثمارها. في غضون ذلك، وضعت هذه الحملة إسرائيل تحت ضغط سياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي هائل. ففي الداخل، تواجه دولة إسرائيل تحديات تلوح في الأفق تتعلق بالقوى البشرية والموارد؛ وعلى الصعيد الدولي، تواجه انتقادات وإدانات متزايدة، حتى من حلفاء مقرّبين.
ومن منظور استراتيجي، تكمن المشكلة الأكبر بالنسبة لإسرائيل في التوتر المتزايد بين أهدافها الأمنية الجوهرية من الحرب والخطط الحكومية المتغيرة لتحقيق هذه الأهداف. فجوهر الأهداف المعلنة للحرب يتمثل في إزالة تهديد حماس وإطلاق سراح الرهائن. لكن الحملة العسكرية المطوّلة باتت تتشكل بشكل متزايد بفعل الأهداف الأيديولوجية للأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة، والتي تشمل الاحتلال الإسرائيلي الدائم، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية، وإرساء السيادة الإسرائيلية الكاملة على غزة.
ومع استمرار الحملة، باتت هذه الأهداف غير الرسمية تؤثر بشكل متزايد على استراتيجية الحكومة. فالقرارات في زمن الحرب تعكس دائمًا مجموع الضغوط الملقاة على عاتق قادة الحرب، ومن الواضح الآن أن اتخاذ القرار بشأن حملة غزة لم يعد يتشكل فقط من اعتبارات عسكرية واستراتيجية، بل أيضًا من أيديولوجيا، ومكافآت سياسية، وحسابات تتعلق بالبقاء السياسي الشخصي. وبينما تتوسع الحملة إلى ما هو أبعد بكثير من نطاقها الأصلي، قد ينتهي المطاف بأطول حرب في تاريخ إسرائيل إلى تقويض أمنها القومي بدلًا من تعزيزه.
الأمن من خلال الدفاع أم من خلال الغزو؟
منذ بداية الحملة في غزة تقريبًا، كان هناك توتر بين الأهداف الاستراتيجية الجوهرية لإسرائيل والطموحات القصوى لليمين السياسي فيها. فعلى المستوى الأساسي، كانت الأهداف الاستراتيجية تتمثل في إزالة التهديد الإرهابي لإسرائيل من غزة على المدى الطويل من خلال تدمير القدرات العسكرية لحماس وإنشاء مناطق عازلة داخل القطاع وفي محيطه، وتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق عودة جميع الرهائن. ومن ثم، صاغت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مفهومًا للحرب يميز بين الإرهابيين والسكان المدنيين في غزة، ويسعى لإلحاق أضرار كبيرة بحماس، حتى وإن لم يتم القضاء على كل مقاتل تابع لها. وكان التفكير حينها أن جيش حماس الإرهابي سيُهزم وبنيته التحتية العسكرية سيتم تفكيكها، وبعد ذلك يمكن للقوات الإسرائيلية أن تبقى في الغالب خارج غزة وتتصدى لأي تهديدات إضافية من خلال عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة، مستندة جزئيًا إلى المفهوم الأمني القائم بالفعل في الضفة الغربية.
ولتحقيق هذه الأهداف، خططت القيادة العسكرية الإسرائيلية لحملة على مراحل. أولًا، بعد ضربات جوية مكثفة، تقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بشن هجوم بري واسع يستهدف القوات المعادية في مناطق محددة، لتفكيك ألوية وكتائب حماس فيها، ثم الانتقال إلى المناطق التالية. كما كانت القوات الإسرائيلية ستنفذ غارات متكررة في أي مناطق قد يظهر فيها العدو من جديد، وتُنشئ مناطق عازلة بين مجتمعات إسرائيل الحدودية والتهديدات الجديدة المحتملة من غزة. ولضمان استدامة الإنجازات العسكرية للحملة على المدى الطويل ومنع سقوط المناطق الآمنة في أيدي حماس أو في فوضى أو تمرد، افترضت الخطة بروز هيكل حكم بديل لحماس في المناطق التي تُهزم فيها الحركة.
ومع ذلك، كانت خطة المؤسسة الأمنية تنافس طوال الوقت رؤية مختلفة روّجت لها الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تملك تأثيرًا كبيرًا في الحكومة. فبحسب رؤيتهم، غزة جزء من "أرض إسرائيل" ولإسرائيل حق طبيعي فيها، والمنظمات الإرهابية في القطاع وسكانه المدنيين يشكلون معًا جزءًا من التهديد الذي يجب إزالته — حتى لو كان ذلك على حساب الرهائن المتبقين. كما تعارض هذه الأحزاب بشدة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ذوي القيمة العالية من السجون الإسرائيلية كجزء من أي صفقات تبادل للرهائن، نظرًا إلى أن كثيرًا من هؤلاء الأسرى السابقين عادوا إلى النشاط الإرهابي بعد الإفراج عنهم — بما في ذلك يحيى السنوار، زعيم حماس الذي خطط لعملية 7 أكتوبر. ويزعمون أن حياة الرهائن يجب أن تُوازن مع حياة الضحايا المحتملين للإرهابيين الذين سيُطلق سراحهم من أجل استعادة الرهائن.
وبين هاتين الرؤيتين المتناقضتين، تجنّب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الالتزام بأي سيناريو نهائي محدد. ففي مقال كتبه لصحيفة وول ستريت جورنال في ديسمبر 2023، وصف نتنياهو وضعًا نهائيًا يتم فيه تدمير حماس، وتجريد غزة من السلاح، ونزع التطرف من المجتمع الفلسطيني. لكن في الوقت نفسه، كانت الحكومة الإسرائيلية تفكر في ترحيل الإرهابيين من غزة وتحاول إقناع مصر ودول أخرى باستقبال مهاجرين طوعيين من غزة. وعلى الرغم من أن نتنياهو صرّح بأن هذا المقترح الخاص بإعادة التوطين غير واقعي، واستبعد علنًا إنشاء إدارة عسكرية إسرائيلية في غزة، إلا أنه ترك هذه الخيارات مفتوحة وتجنب اتخاذ أي قرار بشأن بديل فلسطيني لحكم القطاع.
ولتحقيق هذه الأهداف، خططت القيادة العسكرية الإسرائيلية لحملة على مراحل. أولًا، بعد ضربات جوية مكثفة، تقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بشن هجوم بري واسع يستهدف القوات المعادية في مناطق محددة، لتفكيك ألوية وكتائب حماس فيها، ثم الانتقال إلى المناطق التالية. كما كانت القوات الإسرائيلية ستنفذ غارات متكررة في أي مناطق قد يظهر فيها العدو من جديد، وتُنشئ مناطق عازلة بين مجتمعات إسرائيل الحدودية والتهديدات الجديدة المحتملة من غزة. ولضمان استدامة الإنجازات العسكرية للحملة على المدى الطويل ومنع سقوط المناطق الآمنة في أيدي حماس أو في فوضى أو تمرد، افترضت الخطة بروز هيكل حكم بديل لحماس في المناطق التي تُهزم فيها الحركة.
ومع ذلك، كانت خطة المؤسسة الأمنية تنافس طوال الوقت رؤية مختلفة روّجت لها الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تملك تأثيرًا كبيرًا في الحكومة. فبحسب رؤيتهم، غزة جزء من "أرض إسرائيل" ولإسرائيل حق طبيعي فيها، والمنظمات الإرهابية في القطاع وسكانه المدنيين يشكلون معًا جزءًا من التهديد الذي يجب إزالته — حتى لو كان ذلك على حساب الرهائن المتبقين. كما تعارض هذه الأحزاب بشدة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ذوي القيمة العالية من السجون الإسرائيلية كجزء من أي صفقات تبادل للرهائن، نظرًا إلى أن كثيرًا من هؤلاء الأسرى السابقين عادوا إلى النشاط الإرهابي بعد الإفراج عنهم — بما في ذلك يحيى السنوار، زعيم حماس الذي خطط لعملية 7 أكتوبر. ويزعمون أن حياة الرهائن يجب أن تُوازن مع حياة الضحايا المحتملين للإرهابيين الذين سيُطلق سراحهم من أجل استعادة الرهائن.
وبين هاتين الرؤيتين المتناقضتين، تجنّب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الالتزام بأي سيناريو نهائي محدد. ففي مقال كتبه لصحيفة وول ستريت جورنال في ديسمبر 2023، وصف نتنياهو وضعًا نهائيًا يتم فيه تدمير حماس، وتجريد غزة من السلاح، ونزع التطرف من المجتمع الفلسطيني. لكن في الوقت نفسه، كانت الحكومة الإسرائيلية تفكر في ترحيل الإرهابيين من غزة وتحاول إقناع مصر ودول أخرى باستقبال مهاجرين طوعيين من غزة. وعلى الرغم من أن نتنياهو صرّح بأن هذا المقترح الخاص بإعادة التوطين غير واقعي، واستبعد علنًا إنشاء إدارة عسكرية إسرائيلية في غزة، إلا أنه ترك هذه الخيارات مفتوحة وتجنب اتخاذ أي قرار بشأن بديل فلسطيني لحكم القطاع.
معضلة الرهائن
في مرحلتها الأولى، عززت الحملة الإسرائيلية في غزة الانجراف التدريجي عن الأهداف الأصلية للحرب. فبعد إطلاق الهجوم البري الواسع في 27 أكتوبر 2023، واصلت قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) تنفيذ خطتها، مهاجمة منطقة تلو الأخرى للتركيز على جهودها، وتقليل الخسائر، والسماح للسكان المدنيين بالإخلاء بعيدًا عن مناطق الخطر.
ومع استمرار الحرب، واجهت الحملة عدة تحديات من الجانب المعادي. فقد استخدمت حماس ساحة المعركة الحضرية الكثيفة التي أعدتها بعناية، بما في ذلك مئات الأميال من الأنفاق التي حفرتها تحت الأرض. كما استخدمت المدنيين في غزة كدروع بشرية بشكل منهجي، وحوّلت المستشفيات والمدارس ومواقع الأمم المتحدة إلى ملاجئ عسكرية آمنة (هذا كله لا دليل ملموس عليه وانما ادّعاءات من الجيش الاسرائيلي). ولأغراض لوجستية، سخّرت المساعدات الإنسانية للحفاظ على قبضتها على السكان، ولتمويل جهودها العسكرية وانتعاشها من خلال تجنيد مقاتلين جدد لملء صفوفها المتناقصة. من الناحية التكتيكية، اختارت حماس أسلوب حرب العصابات بدلًا من المعارك المباشرة، وتجنّبت القوات الإسرائيلية عند تقدمها في مناطق معينة، ثم عادت بمجرد انسحابها.
من الجانب الإسرائيلي، كانت هناك أيضًا مشكلة تتعلق بتمهيد الطريق لهيكل حوكمة بديل لغزة — "لا حماس ولا قوات الدفاع الإسرائيلية"، كما وصفها يوآف غالانت، وزير الدفاع حينها. لكن نتنياهو تجنب بعناية الموافقة على أي من هذه الخطط. كما رفض فكرة الحكم من قبل السلطة الفلسطينية، مستبعدًا بذلك الدول العربية التي جعلت مشاركتها في إعادة إعمار غزة مشروطة بموافقة السلطة. وبغياب حوكمة محلية بديلة في المناطق التي تم فيها القضاء على حماس أو طردها، أعاد مقاتلو الحركة تجميع صفوفهم تدريجيًا واستعادوا السيطرة، مستمرين في استخدام المدنيين كدروع ومراقبة دخول المساعدات الخارجية. وقد حدث ذلك في جباليا والشجاعية في شمال القطاع، وفي خان يونس في الجنوب، وهي جميعها مناطق نفذت فيها قوات الدفاع الإسرائيلية عمليات رئيسية ثم انسحبت.
وفي الوقت ذاته، سرعان ما أصبح واضحًا أن هناك توترًا جوهريًا بين تدمير حماس واستعادة الرهائن. فعلى المستوى العملياتي، لم تسفر العمليات الخاصة الإسرائيلية خلال الحرب سوى عن استعادة ثمانية رهائن فقط. في المقابل، جاءت الغالبية العظمى من عمليات إطلاق سراح الرهائن في إطار اتفاقات وقف إطلاق نار في نوفمبر 2023 ويناير 2025، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين والسماح بتدفق كبير للمساعدات الإنسانية إلى القطاع. من ناحية أخرى، قُتل عشرات الرهائن الإسرائيليين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، بعضهم أُعدموا عندما اقتربت القوات الإسرائيلية من مواقعهم. وهكذا، فإن العمليات العسكرية التي تهدف إلى إنقاذ الرهائن أو الضغط على حماس لإطلاق سراحهم بشروط إسرائيلية قد تعجّل فعليًا بمقتلهم.
استراتيجيًا، سعت حماس منذ البداية إلى استخدام الرهائن كورقة مساومة لكبح جماح إسرائيل وإجبارها على إنهاء الحرب — ومن ثم ضمان بقاء الحركة. وكان الهدف فرض خيار على إسرائيل: إما استعادة رهائنها أو تدمير حماس. وفي الواقع، كلما أصرت حماس على أن الإفراج عن الرهائن لن يتم إلا إذا ضمنت إسرائيل وقف الحرب، كلما أبدت إسرائيل تصميمها على مواصلة الحرب، وأصبح التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة. لقد أصبح هذا التوتر موضوعًا جدليًا في إسرائيل، يقسّم الرأي العام على خطوط الانقسام السياسي في البلاد. فالعائلات والنشطاء الذين يطالبون بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين يتهمهم البعض بدعم العدو.
ولأسبابه الخاصة، اختار نتنياهو أن يصوّر معضلة الرهائن على أنها لعبة صفرية. فقد قال علنًا: "إعادتهم ليست الهدف الأول من الحرب"، مضيفًا أن الهدف الرئيسي هو "الانتصار على حماس وأعداء إسرائيل". لكن من خلال خلق هذا التناقض، تكون الحكومة قد تبنت فعليًا الخيار الزائف الذي فرضته حماس، بين الإفراج عن الرهائن وهزيمتها. وهذا الخيار يطيل أمد الحرب حتمًا، ويستقطب إسرائيل داخليًا، ويعزز التحالف اليميني، بينما يعرّض حياة الرهائن المتبقين للخطر.
في الواقع، لا يتعارض هذان الهدفان. فزمنيًا، قد يستمر الصراع ضد حماس حتى هزيمتها الكاملة لسنوات أو عقود، لكن الرهائن يواجهون تهديدًا فوريًا وواضحًا بالموت. وبحكم طبيعتها، فإن اتفاقات وقف إطلاق النار قابلة للعكس ومرنة، بينما لا يمكن إحياء الرهائن القتلى. وبالمقابل، يمكن إعادة اعتقال الإرهابيين المفرج عنهم أو حتى قتلهم، كما حدث بالفعل مع بعضهم. إن حل هذا التوتر بين مسألة الرهائن والحرب يتطلب تأمين الإفراج عن الرهائن أولًا، ثم القضاء على حماس لاحقًا. إنها ليست لعبة صفرية إذا رتبت إسرائيل أهدافها بشكل مرحلي. لكن باختيارها توسيع العمليات العسكرية والسعي لتحقيق أهداف أكثر تطرفًا، تزيد الحكومة الإسرائيلية الضغط على حماس، لكنها أيضًا تخاطر بفقدان الرهائن المتبقين قبل أن يتم إزالة التهديد القادم من غزة.
ومع استمرار الحرب، واجهت الحملة عدة تحديات من الجانب المعادي. فقد استخدمت حماس ساحة المعركة الحضرية الكثيفة التي أعدتها بعناية، بما في ذلك مئات الأميال من الأنفاق التي حفرتها تحت الأرض. كما استخدمت المدنيين في غزة كدروع بشرية بشكل منهجي، وحوّلت المستشفيات والمدارس ومواقع الأمم المتحدة إلى ملاجئ عسكرية آمنة (هذا كله لا دليل ملموس عليه وانما ادّعاءات من الجيش الاسرائيلي). ولأغراض لوجستية، سخّرت المساعدات الإنسانية للحفاظ على قبضتها على السكان، ولتمويل جهودها العسكرية وانتعاشها من خلال تجنيد مقاتلين جدد لملء صفوفها المتناقصة. من الناحية التكتيكية، اختارت حماس أسلوب حرب العصابات بدلًا من المعارك المباشرة، وتجنّبت القوات الإسرائيلية عند تقدمها في مناطق معينة، ثم عادت بمجرد انسحابها.
من الجانب الإسرائيلي، كانت هناك أيضًا مشكلة تتعلق بتمهيد الطريق لهيكل حوكمة بديل لغزة — "لا حماس ولا قوات الدفاع الإسرائيلية"، كما وصفها يوآف غالانت، وزير الدفاع حينها. لكن نتنياهو تجنب بعناية الموافقة على أي من هذه الخطط. كما رفض فكرة الحكم من قبل السلطة الفلسطينية، مستبعدًا بذلك الدول العربية التي جعلت مشاركتها في إعادة إعمار غزة مشروطة بموافقة السلطة. وبغياب حوكمة محلية بديلة في المناطق التي تم فيها القضاء على حماس أو طردها، أعاد مقاتلو الحركة تجميع صفوفهم تدريجيًا واستعادوا السيطرة، مستمرين في استخدام المدنيين كدروع ومراقبة دخول المساعدات الخارجية. وقد حدث ذلك في جباليا والشجاعية في شمال القطاع، وفي خان يونس في الجنوب، وهي جميعها مناطق نفذت فيها قوات الدفاع الإسرائيلية عمليات رئيسية ثم انسحبت.
وفي الوقت ذاته، سرعان ما أصبح واضحًا أن هناك توترًا جوهريًا بين تدمير حماس واستعادة الرهائن. فعلى المستوى العملياتي، لم تسفر العمليات الخاصة الإسرائيلية خلال الحرب سوى عن استعادة ثمانية رهائن فقط. في المقابل، جاءت الغالبية العظمى من عمليات إطلاق سراح الرهائن في إطار اتفاقات وقف إطلاق نار في نوفمبر 2023 ويناير 2025، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين والسماح بتدفق كبير للمساعدات الإنسانية إلى القطاع. من ناحية أخرى، قُتل عشرات الرهائن الإسرائيليين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، بعضهم أُعدموا عندما اقتربت القوات الإسرائيلية من مواقعهم. وهكذا، فإن العمليات العسكرية التي تهدف إلى إنقاذ الرهائن أو الضغط على حماس لإطلاق سراحهم بشروط إسرائيلية قد تعجّل فعليًا بمقتلهم.
استراتيجيًا، سعت حماس منذ البداية إلى استخدام الرهائن كورقة مساومة لكبح جماح إسرائيل وإجبارها على إنهاء الحرب — ومن ثم ضمان بقاء الحركة. وكان الهدف فرض خيار على إسرائيل: إما استعادة رهائنها أو تدمير حماس. وفي الواقع، كلما أصرت حماس على أن الإفراج عن الرهائن لن يتم إلا إذا ضمنت إسرائيل وقف الحرب، كلما أبدت إسرائيل تصميمها على مواصلة الحرب، وأصبح التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة. لقد أصبح هذا التوتر موضوعًا جدليًا في إسرائيل، يقسّم الرأي العام على خطوط الانقسام السياسي في البلاد. فالعائلات والنشطاء الذين يطالبون بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين يتهمهم البعض بدعم العدو.
ولأسبابه الخاصة، اختار نتنياهو أن يصوّر معضلة الرهائن على أنها لعبة صفرية. فقد قال علنًا: "إعادتهم ليست الهدف الأول من الحرب"، مضيفًا أن الهدف الرئيسي هو "الانتصار على حماس وأعداء إسرائيل". لكن من خلال خلق هذا التناقض، تكون الحكومة قد تبنت فعليًا الخيار الزائف الذي فرضته حماس، بين الإفراج عن الرهائن وهزيمتها. وهذا الخيار يطيل أمد الحرب حتمًا، ويستقطب إسرائيل داخليًا، ويعزز التحالف اليميني، بينما يعرّض حياة الرهائن المتبقين للخطر.
في الواقع، لا يتعارض هذان الهدفان. فزمنيًا، قد يستمر الصراع ضد حماس حتى هزيمتها الكاملة لسنوات أو عقود، لكن الرهائن يواجهون تهديدًا فوريًا وواضحًا بالموت. وبحكم طبيعتها، فإن اتفاقات وقف إطلاق النار قابلة للعكس ومرنة، بينما لا يمكن إحياء الرهائن القتلى. وبالمقابل، يمكن إعادة اعتقال الإرهابيين المفرج عنهم أو حتى قتلهم، كما حدث بالفعل مع بعضهم. إن حل هذا التوتر بين مسألة الرهائن والحرب يتطلب تأمين الإفراج عن الرهائن أولًا، ثم القضاء على حماس لاحقًا. إنها ليست لعبة صفرية إذا رتبت إسرائيل أهدافها بشكل مرحلي. لكن باختيارها توسيع العمليات العسكرية والسعي لتحقيق أهداف أكثر تطرفًا، تزيد الحكومة الإسرائيلية الضغط على حماس، لكنها أيضًا تخاطر بفقدان الرهائن المتبقين قبل أن يتم إزالة التهديد القادم من غزة.
المركبات في المستنقع
تسعى الحملة الإسرائيلية الثانية في غزة، التي بدأت في مارس وتطورت لاحقًا إلى عملية "مركبات جدعون"، إلى هزيمة حماس وإخضاعها "حتى النهاية". وتهدف هذه الخطة أيضًا إلى زيادة الضغط على حماس من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن. ومع ذلك، وبينما شدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي مرارًا على أن أولويات العملية هي الإفراج عن الرهائن وهزيمة حماس، صرّح نتنياهو بالعكس. ووفقًا لترتيب الأولويات الذي عُرض على وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الأهداف العسكرية هي هزيمة حماس، والسيطرة العملياتية على غزة، ونزع سلاح القطاع، وضرب جميع الأهداف المتبقية التابعة لنظام حماس، وتركيز السكان الغزيين وتحريكهم — وأخيرًا، إعادة الرهائن إلى الوطن.
تهدف الحملة الجديدة إلى فصل حماس عن السكان وكذلك عن المساعدات الإنسانية، ومنع مقاتليها من العمل انطلاقًا من مناطق مكتظة بالسكان أو من السيطرة على مناطق رئيسية في غزة. ولتحقيق ذلك، تنص الخطة على إجلاء كامل للسكان من مناطق القتال المستهدفة، مثل شمال القطاع، إلى مناطق مخصصة، معظمها في الجنوب. وستُقدَّم المساعدات الإنسانية فقط في هذه المناطق — عبر شركة أمريكية تحت ترتيبات أمنية إسرائيلية مباشرة — لتجنب ترتيبات التوزيع السابقة التي استغلتها حماس. بموجب هذه الخطة، سيتم تطهير مناطق القتال من جميع "الإرهابيين"، وتسوية أي "بُنى مهددة" بالأرض وتدمير الأنفاق. ستبقى قوات الدفاع الإسرائيلية في هذه المناطق وكذلك في المنطقة الأمنية، بما في ذلك الحدود مع مصر، لفترة غير محددة. كما تشجع العملية بشكل علني على الهجرة الطوعية للغزيين من قطاع غزة.
أُطلقت عملية "مركبات جدعون" رسميًا في 16 مايو عبر تكثيف الغارات الجوية، وتحذيرات للغزيين بالإخلاء نحو الجنوب، وبدء الهجمات البرية. وأعلن نتنياهو أن "قرارًا قد اتُّخذ للمضي حتى النهاية، سنحتل غزة والسيطرة الأمنية هناك ستكون دائمة." وبنشر جميع ألوية القتال النظامية وبعض الاحتياطية تحت قيادة خمس فرق، سيطرت قوات الدفاع الإسرائيلية على حوالي 40% من القطاع بحلول نهاية مايو، وهي نسبة تخطط لزيادتها إلى 70% خلال شهرين. تسير العملية ببطء: فقد وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها حملة "تسوية وتدمير"، يقوم فيها الجيش بتسوية المباني المتبقية في مناطق القتال وتدمير الأنفاق تحتها. ولا تزال الخطط لبقية غزة، ولما سيبدو عليه النصر الكامل على حماس، غير واضحة.
بالنسبة لليمين المتطرف في إسرائيل، تشكل الحملة الجديدة فرصة لتحقيق أهداف أيديولوجية أوسع. ووفقًا لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإن الحملة ستقوم بـ"تدمير ما تبقى من قطاع غزة". وكما قال: "سيتوجه سكان غزة إلى جنوب القطاع ومن هناك، إن شاء الله، يسافرون إلى دول ثالثة كجزء من خطة الرئيس ترامب." وقال سموتريتش في أواخر مايو: "لسنا خائفين من النصر، الغزو، والاحتلال."
في الوقت الحالي، تسمح الحملة الجديدة بإمكانية التوصل إلى نتائج متعددة. فهي قادرة على إلحاق أضرار إضافية بما تبقى من حماس والسعي إلى استسلامها من دون إلزام إسرائيل بالحكم العسكري في غزة. أو أنها يمكن أن تمهد الطريق للاحتلال الإسرائيلي المباشر، ما قد يفتح الباب أمام الاستيطان والضم. وبينما يتجنب اتخاذ قرارات بشأن "اليوم التالي" ويمنع بروز بدائل أخرى لحكم حماس، يواصل نتنياهو الحفاظ على هامش المناورة بين هذين الخيارين، لكنه ينحدر تدريجيًا نحو منحدر زلق يؤدي إلى الحكم العسكري، مع أو من دون إعادة توطين الفلسطينيين. وستكون التكاليف الاستراتيجية والدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية لمثل هذه النتيجة عميقة. كما ستنطوي على تكاليف عسكرية واقتصادية هائلة.
إن احتلالًا إسرائيليًا طويل الأمد لغزة — التي تضم أكثر من مليوني نسمة يعيشون في جحيم حضري، يعانون من كارثة إنسانية مستمرة وسط تمرد لا يلين — سيكون التعريف الدقيق للكابوس العسكري. إذ تواجه قوات الدفاع الإسرائيلية، التي تعاني بالفعل من نقص يزيد عن 10,000 جندي نتيجة الإصابات وطول أمد الحرب، خطر الوقوع في مستنقع دموي لسنوات قادمة. وستبلغ تكلفة الحفاظ على هذه القوات مليارات الدولارات. وفي مثل هذا الوضع، سيمهد وجود جيش احتلال كبير الساحة لتمرد يعيش مقاتلوه بين الكثافة السكانية مثل السمك في البحر. وفي حال انسحبت إسرائيل دون تمهيد الأرضية لحكم بديل، فإن حماس قد تعود، أو قد يسود الفوضى، ويتقاتل زعماء محليون من أجل السيطرة وسط معاناة بشرية مروّعة.
تهدف الحملة الجديدة إلى فصل حماس عن السكان وكذلك عن المساعدات الإنسانية، ومنع مقاتليها من العمل انطلاقًا من مناطق مكتظة بالسكان أو من السيطرة على مناطق رئيسية في غزة. ولتحقيق ذلك، تنص الخطة على إجلاء كامل للسكان من مناطق القتال المستهدفة، مثل شمال القطاع، إلى مناطق مخصصة، معظمها في الجنوب. وستُقدَّم المساعدات الإنسانية فقط في هذه المناطق — عبر شركة أمريكية تحت ترتيبات أمنية إسرائيلية مباشرة — لتجنب ترتيبات التوزيع السابقة التي استغلتها حماس. بموجب هذه الخطة، سيتم تطهير مناطق القتال من جميع "الإرهابيين"، وتسوية أي "بُنى مهددة" بالأرض وتدمير الأنفاق. ستبقى قوات الدفاع الإسرائيلية في هذه المناطق وكذلك في المنطقة الأمنية، بما في ذلك الحدود مع مصر، لفترة غير محددة. كما تشجع العملية بشكل علني على الهجرة الطوعية للغزيين من قطاع غزة.
أُطلقت عملية "مركبات جدعون" رسميًا في 16 مايو عبر تكثيف الغارات الجوية، وتحذيرات للغزيين بالإخلاء نحو الجنوب، وبدء الهجمات البرية. وأعلن نتنياهو أن "قرارًا قد اتُّخذ للمضي حتى النهاية، سنحتل غزة والسيطرة الأمنية هناك ستكون دائمة." وبنشر جميع ألوية القتال النظامية وبعض الاحتياطية تحت قيادة خمس فرق، سيطرت قوات الدفاع الإسرائيلية على حوالي 40% من القطاع بحلول نهاية مايو، وهي نسبة تخطط لزيادتها إلى 70% خلال شهرين. تسير العملية ببطء: فقد وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها حملة "تسوية وتدمير"، يقوم فيها الجيش بتسوية المباني المتبقية في مناطق القتال وتدمير الأنفاق تحتها. ولا تزال الخطط لبقية غزة، ولما سيبدو عليه النصر الكامل على حماس، غير واضحة.
بالنسبة لليمين المتطرف في إسرائيل، تشكل الحملة الجديدة فرصة لتحقيق أهداف أيديولوجية أوسع. ووفقًا لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإن الحملة ستقوم بـ"تدمير ما تبقى من قطاع غزة". وكما قال: "سيتوجه سكان غزة إلى جنوب القطاع ومن هناك، إن شاء الله، يسافرون إلى دول ثالثة كجزء من خطة الرئيس ترامب." وقال سموتريتش في أواخر مايو: "لسنا خائفين من النصر، الغزو، والاحتلال."
في الوقت الحالي، تسمح الحملة الجديدة بإمكانية التوصل إلى نتائج متعددة. فهي قادرة على إلحاق أضرار إضافية بما تبقى من حماس والسعي إلى استسلامها من دون إلزام إسرائيل بالحكم العسكري في غزة. أو أنها يمكن أن تمهد الطريق للاحتلال الإسرائيلي المباشر، ما قد يفتح الباب أمام الاستيطان والضم. وبينما يتجنب اتخاذ قرارات بشأن "اليوم التالي" ويمنع بروز بدائل أخرى لحكم حماس، يواصل نتنياهو الحفاظ على هامش المناورة بين هذين الخيارين، لكنه ينحدر تدريجيًا نحو منحدر زلق يؤدي إلى الحكم العسكري، مع أو من دون إعادة توطين الفلسطينيين. وستكون التكاليف الاستراتيجية والدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية لمثل هذه النتيجة عميقة. كما ستنطوي على تكاليف عسكرية واقتصادية هائلة.
إن احتلالًا إسرائيليًا طويل الأمد لغزة — التي تضم أكثر من مليوني نسمة يعيشون في جحيم حضري، يعانون من كارثة إنسانية مستمرة وسط تمرد لا يلين — سيكون التعريف الدقيق للكابوس العسكري. إذ تواجه قوات الدفاع الإسرائيلية، التي تعاني بالفعل من نقص يزيد عن 10,000 جندي نتيجة الإصابات وطول أمد الحرب، خطر الوقوع في مستنقع دموي لسنوات قادمة. وستبلغ تكلفة الحفاظ على هذه القوات مليارات الدولارات. وفي مثل هذا الوضع، سيمهد وجود جيش احتلال كبير الساحة لتمرد يعيش مقاتلوه بين الكثافة السكانية مثل السمك في البحر. وفي حال انسحبت إسرائيل دون تمهيد الأرضية لحكم بديل، فإن حماس قد تعود، أو قد يسود الفوضى، ويتقاتل زعماء محليون من أجل السيطرة وسط معاناة بشرية مروّعة.
دوافع خفية
كما تُظهر التطورات الأخيرة، فإن صنع القرار الإسرائيلي في هذه الحرب لا يُحرّك فقط برؤى استراتيجية متنافسة، بل في كثير من الأحيان — وربما بالدرجة الأولى — باعتبارات سياسية. فمنذ البداية، دعم أعضاء الحكومة الإسرائيلية من أقصى اليمين التدمير الكامل لحماس وإطالة أمد الحرب، وعارضوا جميع اتفاقات وقف إطلاق النار، حتى على حساب حياة الرهائن. وقد اتُخذت قرارات نتنياهو بشأن مفاوضات الرهائن وسير الحرب في ظل تهديدات متكررة من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، بالاستقالة إذا توقفت الحرب؛ وإذا ما استقالا فعلاً، فقد تسقط الحكومة، ويفقد نتنياهو السلطة. وقد قال غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو مجلس الحرب المشكل بعد 7 أكتوبر، إنه لاحظ أن الحكومة كثيرًا ما تتأثر باعتبارات خارجية في صنع قراراتها، سواء على المستوى الشخصي أو السياسي، في خدمة بقاء الائتلاف والحكومة.
ومن خلال توسيع نطاق الحرب باستمرار في ظل تصاعد التكاليف وغياب هدف نهائي واضح، تناقضت الحكومة بالكامل مع المفهوم الأمني الجوهري لإسرائيل. فقد شدد مؤسسو الدولة على أهمية خوض حروب قصيرة وحاسمة يمكن من خلالها الحد من الخسائر والتكاليف، مع الحفاظ على الشرعية الدولية والتماسك الداخلي. وكان نتنياهو نفسه قد تجنّب سابقًا الحروب المطولة مفضّلًا عمليات قصيرة بتكاليف محدودة. لكن هذه المرة، الأمر مختلف — إنه نتنياهو مختلف.
لا يمكن تفسير إطالة نتنياهو لحملة غزة وتجنبه المستمر لإبرام صفقات نهائية ووضع خطط لليوم التالي بمجرد ميله المعروف للتأجيل واتخاذ القرارات في اللحظة الأخيرة. فلعدة أشهر، تفادى اتخاذ قرارات كبرى في حرب غزة. والأهم من ذلك، أنه أجّل قرار شن الهجوم على لبنان، تاركًا القوات الإسرائيلية على الحدود الشمالية تقضي 11 شهرًا مرهقة في وضع دفاعي. وفي النهاية، لم يتخذ قرار مهاجمة حزب الله إلا عندما واجه معضلة "الاستخدام أو الفقدان": ففي سبتمبر 2024، حين كانت عملية "حصان طروادة" الإسرائيلية — والتي هدفت إلى تزويد أعضاء حزب الله بأجهزة استدعاء مفخخة — معرضة للاكتشاف. حينها فقط اضطر إلى إعطاء الضوء الأخضر لحملة التخريب، التي أدت سريعًا إلى هزيمة حزب الله.
في الوقت نفسه، وفي مفاوضات الرهائن في غزة، أصر نتنياهو على صفقات جزئية، رافضًا قبول أي اتفاق يؤدي إلى الإفراج عن جميع الرهائن وإنهاء الحرب. وقد اقترح البعض أن قراراته تقتصر على المستوى التكتيكي الفوري لأنه يفتقر إلى استراتيجية أوسع. لكن من الممكن أن لديه ببساطة استراتيجية على مستوى مختلف. فقد زعم نتنياهو ومؤيدوه مرارًا أن هناك أشياء لا يمكن القيام بها "في منتصف الحرب": مثل تنظيم احتجاجات عامة ضد الحكومة، أو إنشاء لجنة وطنية للتحقيق في كارثة 7 أكتوبر، أو حتى إجراء انتخابات. وفي الوقت نفسه، أصبحت الحرب "سببًا" للمساعي العاجلة لعزل مسؤولين يدافعون عن سيادة القانون، مثل النائب العام الإسرائيلي أو رئيس جهاز الشاباك، واستبدالهم بولاءين مطيعين. وقد ازدادت هذه المساعي إلحاحًا خصوصًا مع بدء التحقيق في "قطر غيت"، أو التدخل المشتبه فيه من قِبل قوة أجنبية في مكتب رئيس الوزراء نفسه — في مفارقة، خلال الحرب ذاتها.
ومهما بلغت شدة القتال، فقد منحت حالة الحرب الرسمية وحملة غزة حكومة نتنياهو سلطات طوارئ وحرية كبيرة في التصرف. مرارًا وتكرارًا، استشهدت الحكومة بحالة الحرب وحاجتها لقيادتها كذريعة لتأجيل جلسات الاستماع في محاكمة نتنياهو الجنائية المتعلقة بالفساد — وهي المحاكمة التي تُعد شاغله الوجودي الأكبر. ومع دخول الحرب مرحلة جديدة، يبدو أن التأثير النسبي للسياسة الداخلية — بقاء الائتلاف الحكومي وبقاء نتنياهو نفسه — على القرارات، مرتفع بشكل خاص. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تسعى لتحقيق مصلحة إسرائيل وشعبها، أم أنها ببساطة تُعطي الأولوية لبقاء الحكومة وقائدها.
ومن خلال توسيع نطاق الحرب باستمرار في ظل تصاعد التكاليف وغياب هدف نهائي واضح، تناقضت الحكومة بالكامل مع المفهوم الأمني الجوهري لإسرائيل. فقد شدد مؤسسو الدولة على أهمية خوض حروب قصيرة وحاسمة يمكن من خلالها الحد من الخسائر والتكاليف، مع الحفاظ على الشرعية الدولية والتماسك الداخلي. وكان نتنياهو نفسه قد تجنّب سابقًا الحروب المطولة مفضّلًا عمليات قصيرة بتكاليف محدودة. لكن هذه المرة، الأمر مختلف — إنه نتنياهو مختلف.
لا يمكن تفسير إطالة نتنياهو لحملة غزة وتجنبه المستمر لإبرام صفقات نهائية ووضع خطط لليوم التالي بمجرد ميله المعروف للتأجيل واتخاذ القرارات في اللحظة الأخيرة. فلعدة أشهر، تفادى اتخاذ قرارات كبرى في حرب غزة. والأهم من ذلك، أنه أجّل قرار شن الهجوم على لبنان، تاركًا القوات الإسرائيلية على الحدود الشمالية تقضي 11 شهرًا مرهقة في وضع دفاعي. وفي النهاية، لم يتخذ قرار مهاجمة حزب الله إلا عندما واجه معضلة "الاستخدام أو الفقدان": ففي سبتمبر 2024، حين كانت عملية "حصان طروادة" الإسرائيلية — والتي هدفت إلى تزويد أعضاء حزب الله بأجهزة استدعاء مفخخة — معرضة للاكتشاف. حينها فقط اضطر إلى إعطاء الضوء الأخضر لحملة التخريب، التي أدت سريعًا إلى هزيمة حزب الله.
في الوقت نفسه، وفي مفاوضات الرهائن في غزة، أصر نتنياهو على صفقات جزئية، رافضًا قبول أي اتفاق يؤدي إلى الإفراج عن جميع الرهائن وإنهاء الحرب. وقد اقترح البعض أن قراراته تقتصر على المستوى التكتيكي الفوري لأنه يفتقر إلى استراتيجية أوسع. لكن من الممكن أن لديه ببساطة استراتيجية على مستوى مختلف. فقد زعم نتنياهو ومؤيدوه مرارًا أن هناك أشياء لا يمكن القيام بها "في منتصف الحرب": مثل تنظيم احتجاجات عامة ضد الحكومة، أو إنشاء لجنة وطنية للتحقيق في كارثة 7 أكتوبر، أو حتى إجراء انتخابات. وفي الوقت نفسه، أصبحت الحرب "سببًا" للمساعي العاجلة لعزل مسؤولين يدافعون عن سيادة القانون، مثل النائب العام الإسرائيلي أو رئيس جهاز الشاباك، واستبدالهم بولاءين مطيعين. وقد ازدادت هذه المساعي إلحاحًا خصوصًا مع بدء التحقيق في "قطر غيت"، أو التدخل المشتبه فيه من قِبل قوة أجنبية في مكتب رئيس الوزراء نفسه — في مفارقة، خلال الحرب ذاتها.
ومهما بلغت شدة القتال، فقد منحت حالة الحرب الرسمية وحملة غزة حكومة نتنياهو سلطات طوارئ وحرية كبيرة في التصرف. مرارًا وتكرارًا، استشهدت الحكومة بحالة الحرب وحاجتها لقيادتها كذريعة لتأجيل جلسات الاستماع في محاكمة نتنياهو الجنائية المتعلقة بالفساد — وهي المحاكمة التي تُعد شاغله الوجودي الأكبر. ومع دخول الحرب مرحلة جديدة، يبدو أن التأثير النسبي للسياسة الداخلية — بقاء الائتلاف الحكومي وبقاء نتنياهو نفسه — على القرارات، مرتفع بشكل خاص. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تسعى لتحقيق مصلحة إسرائيل وشعبها، أم أنها ببساطة تُعطي الأولوية لبقاء الحكومة وقائدها.
ثمن الحرب الدائمة
نظرًا لكون أهداف الحرب لم تكن محددة بوضوح منذ البداية، فقد تُرك مجال واسع للتأويل. وبالفعل، كلما طالت مدة الحملة، اتّضح أكثر أن هناك هدفين متناقضين قيد التنفيذ: أحدهما أمني–براغماتي، والآخر أيديولوجي–مسياني. في مواجهة حماس التي تتجدد باستمرار، فإن المطالبة بـ"نصر كامل" وإزالة التهديد القادم من غزة "حتى النهاية" هي وصفة لحرب لا نهاية لها. وحتى وإن لم تتبنَ الحكومة رسميًا أهدافًا أوسع، فإن مدرسة "النصر الكامل" تبدو وكأنها تزداد نفوذًا. ومع ذلك، قد يكون وقت المحاسبة في الطريق.
في أسابيعه الأولى، واجهت عملية "مركبات جدعون" الشاملة بالفعل صعوبة في تأمين مشاركة الاحتياط. ولكن فرض السيطرة العسكرية على غزة والحفاظ عليها، كما يُطالب الآن، سيتطلب استثمارًا أكبر بكثير في القوى والموارد — على نطاق سيؤثر في أولويات إسرائيل الوطنية، وفي حالة المجتمع والاقتصاد والجيش لعقود قادمة. وبعد أشهر من متابعة حملتها دون معارضة كبيرة من الحلفاء، قد تكون الحكومة قد افترضت خطأً أنه يمكنها تصعيد الحرب بشكل حاد من دون عوائق. ولكن مع اتساع نطاق الدمار والمعاناة المدنية، تصاعدت أيضًا أصوات الإدانة في الشرق الأوسط والعالم، مما أدى إلى مؤشرات متزايدة على ضغوط سياسية واقتصادية، بما في ذلك من أطراف صديقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
تجد إسرائيل نفسها الآن في أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية لا مثيل لها منذ تأسيسها. ويبدو الآن أن نهاية الحرب لن تأتي إلا عندما تصطدم الحكومة بصخور الواقع القاسية، سواء بسبب التكاليف المتصاعدة في الدم والمال، أو القيود الحادة في الموارد، أو الضغط الدولي الساحق، مع كون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الأكثر احتمالًا لوضع حد للحرب في الوقت الحالي، إذا قرر اتخاذ هذا المسار. أو لنفترض أن أزمة سياسية تكشف الفجوة بين سياسات الحكومة وإرادة غالبية الجمهور الإسرائيلي. وحتى يحدث مثل هذا الحدث، فإن المستقبل الأكثر ترجيحًا هو حرب تتوسع باستمرار بتكاليف متزايدة للإسرائيليين والفلسطينيين، ومردودات أمنية متناقصة لإسرائيل.
في أسابيعه الأولى، واجهت عملية "مركبات جدعون" الشاملة بالفعل صعوبة في تأمين مشاركة الاحتياط. ولكن فرض السيطرة العسكرية على غزة والحفاظ عليها، كما يُطالب الآن، سيتطلب استثمارًا أكبر بكثير في القوى والموارد — على نطاق سيؤثر في أولويات إسرائيل الوطنية، وفي حالة المجتمع والاقتصاد والجيش لعقود قادمة. وبعد أشهر من متابعة حملتها دون معارضة كبيرة من الحلفاء، قد تكون الحكومة قد افترضت خطأً أنه يمكنها تصعيد الحرب بشكل حاد من دون عوائق. ولكن مع اتساع نطاق الدمار والمعاناة المدنية، تصاعدت أيضًا أصوات الإدانة في الشرق الأوسط والعالم، مما أدى إلى مؤشرات متزايدة على ضغوط سياسية واقتصادية، بما في ذلك من أطراف صديقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
تجد إسرائيل نفسها الآن في أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية لا مثيل لها منذ تأسيسها. ويبدو الآن أن نهاية الحرب لن تأتي إلا عندما تصطدم الحكومة بصخور الواقع القاسية، سواء بسبب التكاليف المتصاعدة في الدم والمال، أو القيود الحادة في الموارد، أو الضغط الدولي الساحق، مع كون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الأكثر احتمالًا لوضع حد للحرب في الوقت الحالي، إذا قرر اتخاذ هذا المسار. أو لنفترض أن أزمة سياسية تكشف الفجوة بين سياسات الحكومة وإرادة غالبية الجمهور الإسرائيلي. وحتى يحدث مثل هذا الحدث، فإن المستقبل الأكثر ترجيحًا هو حرب تتوسع باستمرار بتكاليف متزايدة للإسرائيليين والفلسطينيين، ومردودات أمنية متناقصة لإسرائيل.