أهلاً بك في منتدى انكور التطويري

شرفتنا بحضورك لمنتدى انكور التطويري، المجتمع العربي للمحتوى المفيد والحصري حيث ستجد لدينا ما تحتاج لتزيد من معرفتك وخبراتك والمساحة الآمنة لنشر معرفتك ومشاركتها مع الاعضاء والزوار

مقال التحول الثوري وحركة التاريخ - مهدي عامل

بعد الخامس من حزيران تهاوت أوهام من اعتادوا العيش في أوهامهم ، فدوت صرخة اليأس تكسح الوعي وتشله ، وغاب العقل منهم في ما يشبه البحث عن الأسباب ، فتوقف عند عجزه ، وارتاح لما وجد ما يبرر استقالته في ما ظن أنه السبب ، فكان الضحية الانسان العربي إذ صار جوهراً. قالوا إنها أزمة الانسان تمتد في جذورها الى ما قبل بدايته ، والهزيمة ليست حدثاً، إنها فيه قبل حدوثها، ضرورة الصيرورة من جوهره . والجوهر واحد وان تغير - ، إنه لعنة التاريخ تحيل التاريخ زماناً يتكرر . رفعوا راية العدم على أنقاض أوهامهم وقالوا : إنه النصر يأتي حين يأتي الجوهر الآخر . فأخذ الأفق شكل أعينهم : ضباباً يحجب الرؤيا ، فظنوا أنه الآتي - وما يأتي لعين الوهم إلا الوهم - وما علموا أن في هذا القول منهم تبريراً ، ثورياً » لمن هم أصل الهزيمة : قيادات طبقية همها الحفاظ على بناء اجتماعي طبقي وجدت فيه البرجوازية الكولونيالية أساساً لسيطرتها الطبقية.

كان سهلا على عقل أسير وهمه الطبقي أن يجد في جوهر الانسان العربي ما ليس فيه من أسباب هزيمة يستلزم الكشف عن أسبابها الفعلية مقاربتها من زاوية نظر طبقية أخرى ، هي زاوية نظر الطبقات الاجتماعية التي تخوض فعلا معركة التحرر الوطني في صراعها الطبقي نفسه ضد التحالف الطبقي المسيطر . وكان شجاعة أن يتصدى من تصدى لذلك التيار الجارف من العدمية الذي هيمن على القسم الأعظم من نتاج الفكر بعد الهزيمة ، سواء في حقل الشعر أم القصة أم الرواية أم المسرح . والشجاعة الفكرية في الصمود نفسه ، حين قل من صمد فاجتاحه موج الظاهر رذاذاً قد تناثر ، وبقي من الفكر عميقه ، فالفكر الى العمق ينفذ ، فإن لم يفعل كان باطلا . والعمق من واقع التاريخ ليس جوهراً متماثلا يلتقطه الفكر العدمي حدثاً مسطحاً - وان طغى - ، يسقطه على ما سبق وما سيلحق ، فيجعل منه مطلقاً ، والمطلق هذا وجه الجمود من الفكر ، أي صورة عجزه وقصوره عن تملك زمانية الواقع . العمق ذلك بنية الأساس من الواقع تتحكم بظاهراته الحديثة ولا تتكشف إلا لعقل علمي قادر على تملكها بمنطق التناقض المادي من زاوية نظر الطبقة العاملة الثورية التي تضعها صيرورتها الطبقية بالضرورة في موقع القيادة من معركة التحرر الوطني . ولقد صمد العقل العلمي في وجه نقيضه ، وأكد ، في حقل ممارسته ، وفي حقول بقية الممارسات من الصراع الطبقي، أن السلاح الأيديولوجي للبرجوازية الكولونيالية ، سواء التقليدية منها أم المتجددة ، هو أن تظهر هزيمتها الطبقية التي هي الشكل الحدثي لمأزقها التاريخي ، بمظهر هزيمة الانسان العربي ، فكان الصمود بنقض هذا الوهم الطبقي في تيار العدمية ممارسة ايديولوجية ثورية للصراع الطبقي ضد البرجوازية الكولونيالية.

وأتت حرب تشرين تدعم - سلباً وإيجاباً - صمود العقل العلمي في سيطرة الايديولوجية البرجوازية المسيطرة ، فتثبت أن العلة ليست حيث رآها الفكر الغيبي في إنسان - جوهر لا وجود له إلا بغياب الشروط التاريخية المادية لوجوده ، بل هي في هذه الشروط نفسها التي يجد ذلك الفكر الطبقي المسيطر مصلحة وضرورة في إخفائها . كل شعب قادر على القتال ، فما التاريخ سوى حركة الصراعات الطبقية ، ولا استثناء على الاطلاق من هذه القاعدة وليس بالقدرة أو بالعجز يتميز شعب من آخر ، بل بتميز حركة الصراعات الطبقية فيه . حين وسموا الانسان - العربي بالعجز ، غاب ذلك التناقض الطبقي المحرك لتاريخنا المعاصر بين طبقات مسيطرة تدعي الوطنية وطبقات كادحة تخوض معركة التحرر . وتبددت أسطورة العجز حين رأت جماهير شعبنا قدرة الجيوش على القتال والانتصار - حين يسمح لها بالقتال - ، وتبددت الأسطورة أيضاً حين تبدى العجز الطبقي للبرجوازية الكولونيالية المسيطرة في ما يسمى بالأنظمة التقدمية ، عن متابعة السير في معركة التحرر الوطني الى منتهى درب منطقها : وكيف يكون لهذه البرجوازية المتجددة قدرة طبقية على تحقيق منطق التحرر الوطني بقطع علاقة التبعية البنيوية للامبريالية - أي بتحويل بنية علاقات الانتاج الكولونيالية - حين هي ترى في تأبد هذه البنية الأساس المادي لبقاء سيطرتها الطبقية ؟ لكنها بسبب هذا العجز نفسه ، تجد في منطق أيديولوجيتها القدرة على إحالة العدو صديقاً حليفاً والحليف الصديق عدواً ، فكأن حرب تشرين كانت لها عبوراً من موقع العداء للامبريالية الى موقع التحالف معها . والحرب هذه لم تكن لها ما كانته لجماهير شعبنا، كالواقع نفسه يختلف ، في وجوده المادي ، باختلاف زاوية النظر الطبقية اليه : بحرب تشرين رفعت البرجوازية الكولونيالية المتجددة عبء الوطنية عن كاهلها ، بعد أن تحملته مرغمة ، فتحررت منه فرحة بشرعية العودة الى طبيعتها الطبقية كطبقة مسيطرة هي في علاقة عداء وطني مع جماهيرنا الكادحة ، وفي علاقة تحالف تبعي مع الامبريالية . أما بالنسبة لجماهيرنا ، فلقد كشفت لها تلك الحرب عن أن العجز ليس فيها قدراً ، بل أسطورة من نتاج الايديولوجية البرجوازية المسيطرة.

و بانتهاء الحرب ، تدخل معركة التحرر الوطني لشعوبنا العربية مرحلة من الصراع الطبقي لم يعد ممكنا فيها فصل هذا الصراع عن الصراع الوطني الذي هو منه شكل التحرك التاريخي ، فالصراعان واحد هو الذي تحدده بنية علاقات الانتاج الكولونيالية القائمة . وما التحرر الوطني سوى التحويل الثوري البنية هذه العلاقات التي بتجددها ، تتجدد دوماً علاقة التبسية البنيوية للامبريالية ، فقطع هذه العلاقة هو هو ذلك التحويل الثوري . لذا ، يمكن القول إن القيادة الطبقية المعركة التحرر الوطني تعود بالضرورة الى الطبقة العاملة ، وبفكر هذه الطبقة وحده ، أي بالماركسية اللينينية ، يمكن التملك المعرفي الحركة التاريخ المعاصر في عالمنا العربي .​

المصدر: مجلة مواقف | عنوان المقالة: التحول الثوري وحركة التاريخ | بقلم: مهدي عامل | رقم العدد: 27 | تاريخ الإصدار:1 يناير 1974
 

✔ نبذة عنا

منتدى انكور التطويري لدعم وتطوير المواقع والمنتديات والمحتوى العربي. نسعى للارتقاء في المحتوى العربي وتقديم الخدمات المتنوعة لأصحاب المواقع والمنتديات بأحدث الامكانيات والشروحات مجانًا.
عودة
أعلى