كعادتي في حين يُعجبني مقال او كتاب قراته، أقترجه عليكم وادلكم عليه لتقرأوا وتستمعوا وتستفيدوا أيضًا. وفي هذه المقالة اليوم أعرض لكم كتابًا صغيرًا، ولكنه زغم بالمعرفة الفلسفية. كتاب الدكتور زكي نجيب محمود، نظرية المعرفة. كتاب حقًا مليء بالمعلومات، ويجيب على العديد من الاسئلة التي قد تخطر في بالك بشان المعرفة وماهيتها ومصدرها وكيف تطور او تندمج مع حواسك. كتاب حقًا يستحق القراءة من الجميع ولن يأخذ منك أكثر من يوم. وفي هذا المقالة سأعرض لكم تلخيص وجدته على موقع GoodReads، نُشر من عضو اسمه Rawabu في المراجعات، وفي اعتقادي هو كافي للحديث عن الكتاب واختصاره لكم. وستسطيع تحميل الكتاب من خلال المرفقات.
يجيب الكتاب على أسئلة ثلاثة ، مُختصرًا موجزًا سلسًا لغةً و معنًى
ماطبيعة المعرفة بصفة عامة ، بغض النظر عن الحقائقة المعروفة ؟
ماهو المصدر الذي يستسقي منه الإنسان معرفته ؟
هل في مستطاع الإنسان أن يتناول بمعرفته كل شيء بغير تحديد ؟ أم أن لوسعه حدودًا ؟
و يتطرّق مُختصرًا الإجابات وفقًا للإتجاهات بفروقاتها
السؤال الأول : ما طبيعة المعرفة؟
فبدءًا طبيعة المعرفة عند الواقععين ، انقسم لقسمين :
أولًا : الواقعية الساذجة أن المعرفة هي الصورة الذهنية للشيء المرئي ، بينما لا تصف كامل الحقيقة فمثلًا حين ترى القمر مستويًا ، و حين تراه بمجهر سيختلف رأيك عنه ، و هُنا فارقٌ ناشئ حين ترى سطح طاولتك الأملس ، و يراهُ الطبيعيون الواقعيون كهرباء و شحنات
و كذلك لو المعرفة لشيءٍ ما هي صورته ، لزم أن تبقى تلك الصورة كما هي .. لكنّ الحادث أن تصورنا عن الأشياء يتغيّر بناءً على إدراكنا ، و غيره من تغيّر للزوايا التي نراه بها ، أو للفهم ، أو حسب أي مؤثرٍ آخر
ثانيًا ، الواقعية النقدية : بدأت بنقدٍ للواقعية الساذجة إذ أنها تجعل المعلوم مقيدًا بطبيعةٍ واحدة لاتتغيّر كأن تعرف للبرتقال طعمًا و لونًا و شكلًا واحد ، فتأتيك برتقالةُ فردة مُختلفة فلا تُصنّفها برتقالًا !
كذلك أن مصدر المعرفة سيختلف و لا تكتفي بالنظر فحسب .. فأنت لا تعرف الطعم مالم يلتقي بلسانك !
و هكذا عليك ألا تكتفي بالبصر ، و أن تُشرك حواسًا أخرى ، و يشترك إدراكك و معرفتك المسبقة عن كل شيءٍ في تشكيل معرفتك الجديدة
ثم ، طبيعة المعرفة عند البراجماتيين :
جعلوا المعرفة أداة للسلوك العملي ، ف أفكارنا هي خطط مسيرتنا في الحياة . فمثلًا لو رأيت إشارةً حمراء في الشارع سيقول لك الواقعيون أنك ترى الواقع ، بينما يقول لك البرجماتييون أنّك تستهدي بهذه الصورة إلى سلوك معين ، و هو الوقوف !
و أخيرًا ، طبيعة المعرفة عند المثاليين :
و الذي يستند إلى الإعتقاد بألا وجود لكل ماهو خارج العقل ، فلا وجود إلا للمدركات الحسية
أي : طبيعة المعرفة هي نفسها طبيعة الوجود
فلا فارق بين أصل الشيء المعروف في الخارج ، و صورته في عقل العارف
فيذهب المثاليون إلى القول بأن لكل فرد دنياه المنحصرة في داخله ، و حين أُنتقدوا بألا وجود لمُحكمٍ موضوعيٍ يلجؤون إليه عند الخلاف ـ أجابوا أن للعقل الإنساني أصل واحد ، فليست العقول فرادى لكن الإدراك فردي
السؤال الثاني : ما مصدر المعرفة ؟
مصدر المعرفة عند التجريبيين : و هو الخبرة الحسية ، أي ما نراه و نشعره من ملمس و مرآى و غيره مما نعرفه بحواسنا
فأن ترى شيئًا ، هو أثر حسيّ ، ثم تُغمض و تبقى محتفظًا بالصورة التي رأيتها فتلك هي الفكرة التي تعرفها . و تلك الأفكار لا تُقبل مالم تكن مردودة إلى الانطباعات الحسيّة و تُقبل .
و لتبيان ذلك المبدأ مزيدًا في ثلاث أفكار يُطبق فيها المبدأ :
1- السببية : إذا قلنا أن هناك حادثتين متتاليتين دائمًا ، هل هذا يعني إلزام حدوث إحداهما بالأخرى دائمًا ؟ كأن تتحرك كرة ، فتصطدم بأخرى لتحركها .. ف هل هذا يعني أن حركة الكرة الثانية لا تكون إلا بحركة الأولى ؟
و على الرغم من أننا حتى في التفسيرات للظواهر الطبيعية نعتمد على السببية و ألا حدوث لشيء بدون مسبب .. و لكن هذه العلاقة ليست ضرورية ، و التلازم بين الحوادث غير واجب لأننا رأيناها تحدث متتالية فلا يعني التزامهما بالتوالي دائمًا .
2- الجوهر : فالفلسفة تفرض وجود جوهر لكل شيء ، أن ترى برتقالةً بلونٍ غير البرتقالي ، أو بطعمٍ غير ما اعتدته لا يغيّر من أنها لا تزال برتقالة !
و رجوعًا إلى مبدأ التجريبيين الذي يرفض فكرةً لم تنطبع على حواسنا ، فنحن على قدرة على تمييز الصفات الشاذة عن المألوف في الأشياء دون الإعتقاد بأن الشيء اختلف .
3- الذات الإنسانية : الإنسان يميل إلى أن يجعل من نفسه شخصًا واحدًا قد تطوّر من الطفولة و الشباب إلى الكهولة ، بمختلف الحالات التي يمر بها ، لكنه لا يزال نفس الشخص ، و هذه الذات ليست بالضرورة أن تكون تأثرت بالانطباعات الحسية لتصبح ماهي عليه .
مصدر المعرفة عند العقليين : بدءًا يجيب أنصار هذا المذهب على التجريبيين أن الحواس من الممكن أن تُخدع بأن ترى شيئًا واهمًا ، كالسرّاب في الصحراء مثلًا ! و بذلك ستفقد هذه المعرفة شرطين أساسين ، هما : الضرورة ، و صدق التعميم .
الضرورة : إذا كانت ( أ ) أكبر من ( ب ) ، و ( ب ) أكبر من ( ج ) ؛ فإن ( أ ) بالضرورة أكبر من ( ج ) .
هذه الحقيقة مُدركة حتّى دون الإعتماد على الانطباعات الحسية ، فمصدرها العقل لا الحواس . و ما يصدر عن العقل صدقه روري محتوم ، و مايصدر عن الحواس فصدقه مرهون بالمشاهدة و الإحصاء ، و تغيّر النتائج يعني تغيّر صدق المعرفة بينما ما تدركه بالعقل لستَ بحاجة للمشاهدة و الإحصاء مرةً أخرى لتتتيقن من صدق النتيجة .
أمّا الشرط الثاني ، و هو : إمكان التعميم على أفراد النوع كله تعميمًا لا شكّ فيه ، مثلًا أن تعمم على ذرات المماء انها مكونة من ثرتي هيدروجين و ذرة أوكسجين ، هذا التعميم صحيح و حقيقي قد توصلت إليه باستخدام العقل ليس الحواس فحسب .
و بالمقارنة بين المذهبين ، فإن التجريبيين يرفضون مالم يدركوه بالحواس و يكون فكرةً باطلة ، بينما العقليون لا يردّون ما يدركونه بالحواس لكنّهم لا يتيقنون مالم يكن ضروريًا و قابلًا للتعميم .
مثالٌ آخر طرحه ديكارت : الشمعة الصلبة ، حين تضعها بجوار النار فهي تذوب و تتغير هيئتها ، لكنها تبقى شمعةً بدرجة حرارة و شكل مختلف و هذا لا يمكن إدراكه يقينًا إلا بالعقل لا بالحواس .
و قد قسم ديكارت الأفكار ، قائلًا إن الناس يظنون خطأً أن الأفكار كالأشياء الخارجية متشابهة ، و قد قسمها ثلاثًا :
1- أفكار فطرية .
2- أفكار تأتي إلينا من خارج أنفسنا - و الخطأ السالف ذكره يأتي في هذا النوع من الأفكار ، و هي مما تحدث دون إرادتنا لذلك نعتقدها مشابهةً لما نراه - .
3- أفكار نخلقها نحن .
ثالثًا : مصدر المعرفة عند النقديين :
و هو يجمع بين المذهبين السالف ذكرهما ، إذ أن المعرفة لا تتم إلا بالخبرة الحسيّة و المبادئ العقلية معًا .
و المقصود بالنقد هُنا تحليل الأحكام
لفهم أكثر : قد قسّم كانط العبارات الني نعبّر فيها عن أفكارنا إلى : قضايا اخبارية ، و قضايا تكرارية
و قسّمها ثانيةً إلى قبل الخبرة الحسيّة ، و بعد الخبرة الحسية
أمّا التكرارية فهي الجملة التي تكون جزءًا من الخبر الذي جاءت تابعةً له ، مثلًأ هذا المصباح المضي ، مصباح .
فالخبر ، جزء من المُخبر عنه ، فلا جديد في هذه الجملة
مثالٌ آخر لا يكون فيه التكرار واضحًا ، كقول : الكواكب تدور حول الشمس ، فلو سألت ماهو الكوكب لقيل لك : هو ما يدور حول الشمس ، فلا جديد
و النوع الثاني ، الإخباري ، كقول إن يوم السبت الماضي يومٌ ممطر ، ف يوم السبت لا يحمل دلالةً على أنه يومٌ ماطر مالم أقله خبرًا
و هذا الخبر قد اُستنتج بناءً على الخبرة الحسية في يوم السبت الماذي .
بينما لا تحتاج الجملة التكرارية إلى خبرة حسية تؤيدها أو تفندها
و في التقسيم المضاعف القبلي و البعدي ، البعدي فلا نصل إليها إلا بعد إدراك حسّي و كذلك كل قوانين العلوم فنحن لا نصل إليها إلا بعد إدراك حسي . أمّا القبلي فلا تعتمد على الخبرة الحسية مثلًا الرياضيات ، ف 2+2=4 ، قلمان و قلمان ، برتقالتان و برتقالتان ... إلخ
رابعًا ، مصدر المعرفة عند المتصوفة :
الحق المطلق عند المتصوفة هو الله، و وسيلة معرفته لا الحواس و العقل ، بل " الحدس " أو البصيرة .
فكما لا يمكنك استخدام الحواس لتعرف أنك موجود ، فأنت لا تراك ، و لكنك تدرك أنك موجود بالحدس ، و هكذا ندرك الله بالحدس .
فكذلك يتفق المتصوفة أن الحقيقة التي لا تُدرك غلا بالعقل لا يمكن التعبير عنها بالكلمات ، كأنك تتكلم عن الحب بين عاشقين أو أن تشعر أنت ذاتك بالحب ! فالشعور يصلك مباشرةً للمعنى .
و عندهم أن الحقيقة المطلقة الكامنة واحدة ، لا كثرة فيها و لا تعدد، فكل ما يدل على كثرة فهو باطل ، و لهذا الزمان وهم لأنه سلسلة لحظات باعتقادهم ، و أمّا الحقيقة المطلقة ( الله ) لا زمان لها ، و لا وجود لها قبلًا و لا بعدًا .
و قد جعل المتصوفة للمعرفة ثلاث درجات ، أدناها بالحواس ، أوسطها بالعقل ، و أعلاها بالحدس و فيها يكون اليقين التام .
السؤال الثالث : إمكان المعرفة ، و حدوها ؟
عند الإعتقاديّون ، و الشكّاك :
عند الإعتقاديون ، فلا حدود للمعرفة ، و ذلك ليس قصورًا في عقل الإنسان ، أو في طبيعة الأشياء .
و عند الشكاكون ، فلا حدود لجهل الإنسان بحقائق العالم ، إذ لا وسيلة للإنسان ليعرف شيئًا خارج نفسه .
الاعتقاديون هم أصحاب المذهبين : العقلي و التجريبي
فكلاهما يعتمد على مالا بداية له ، و إن أعتقدوا أن نقطةً ما هي البداية لا يتناولونها بالنقد و التحليل ، إلا أن هناك ما سبقها ابتدئت به لذلك أُطلق عليهم " الانتقاديون " ، لأن للعالم نقطة ابتداء يبني عليها علمه لا يبحث خلفها عن أساسٍ آخر .
و يجيبك كلا المذهبين أن المعرفة ممكنة و لا حدود لها مع إختلافاتهم .
بينما النقيض عند الشكاك ، إذ يرون أن المعرفة بمعنى الشيء كما هو في حقيقته الخارجية مستقلًا عن الشخص ، العارف أمرًا مستحيلًا . فهم يرون ألا قدرة للإنسان على معرفة ما لا صلة له به ، و إن عرف ذلك فقد صار جزءًا من ذاته يصير عاجزًا عن نقله للآخرين حتّى و إن استخدم الكلمات فهو غير قادر على نقله لهم ليصير ذاتًا للآخرين .
فهو يرى أن المعرفة ممكنة ، و لكن المعرفة اليقينية بحاجة إلى حرص و حذر .
حدود المعرفة الممكنة عند النقديين و الوضعيين :
إذا كانت المعرفة الصادقة صدقًا مطلقًا في مستطاع الإنسان بواسطة حواسه ، و عقله معًا . فلابد أن تكون حدودها هي حدود الخبرة الحسية .
فالمعرفة اليقينية عن العالم الخارجي ممكنة على شرط ألا تتجاوز حدود ظواهر الأشياء كما تتلقاها حواسنا .
فلا قدرة للعقل على تجاوز الظواهر الحسية .
مثلًا فكرة أن لكل حدٍ مكانيٍ حد أبعد منه ، إلى اللانهاية ، فإن الحس و العقل عاجز عن إستيعاب ذلك .
فسنقع في المغالطات لو بحثنا عن مسببات لأسباب ، و مسببات لتلك الأسباب إلى اللانهاية الغير قادر العقل على استيعابها و تتجاوز الخبرات الحسية
قد حاول العقل استخدام أداتي الزمان و المكان ، و السببية ليستخدمها في مجال خبراته الحسية لا أن يستخدمها في فهم المكان نفسه و الزمان نفسه و السببية نفسها .
فترى جماعة النقديين تقول بضرورة أن يقف الإنسان بمعرفته عند الحدود التي لا يجوز له أن يتعدّاها، و يؤيدهم في ذلك جماعة الوضعيون
ذلك أن الفكر الإنساني قد اجتاز في سيره و تطوره ، مراحلًا ثلاثة :
في المرحلة الأولى كان الإنسان يعلل الظواهر تعليلًا دينيًا .
و في المرحلة الثانية عللها تعليلًا ميتافيزيقيًا .
و في كلاهما كانت التفسيرات غيبية لا يمكن إدراكها بالخبرة الحسية
أمّا في المرحلة الثالثة ، فقد صار الإنسان يفسّر الظواهر الطبيعية تفسيرًا علميًا دقيقًا قائمًا على الملاحظة الدقيقة ، و الفروض العلمية ، و التجارب المُحكمة .