Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.

كيف أشعلت الاستراتيجية الكبرى الجديدة والخطيرة لإسرائيل الشرق الأوسط

في مقاله على موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، يحلل روب بينفولد التحول الاستراتيجي الكبير في سياسة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، والذي انتقل من الحفاظ على الوضع القائم إلى اتباع نهج مراجِع وعدواني، بدءًا من رد الفعل على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وصولًا إلى الهجوم العسكري على إيران في يونيو 2025. يوضح بينفولد أن هذا التحول لا ينبع فقط من القلق النووي، بل من رغبة إسرائيل في إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي، متأثرة بأصوات اليمين المتطرف داخل الحكومة. ويذهب المقال إلى أن نتنياهو، الذي كان سابقًا زعيمًا حذرًا، أصبح مقامرًا سياسيًا يسعى لتحقيق "لحظة 1967" جديدة تنقذه سياسيًا، حتى لو كلف ذلك إشعال حرب إقليمية مفتوحة.
كيف أشعلت الاستراتيجية الكبرى الجديدة والخطيرة لإسرائيل الشرق الأوسط

How Israel’s Dangerous New Grand Strategy Has Set Mideast on Fire​

لأكثر من عقد من الزمن، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العالم من الطموحات النووية لإيران. وقد اتهم طهران مرارًا بأنها على وشك امتلاك قنبلة نووية، وأدان أي محاولات دبلوماسية باعتبارها خضوعًا، وتعهد بأن إسرائيل لن تسمح لإيران أبدًا بأن تصبح قوة نووية. ومع ذلك، وعلى الرغم من التهديدات المتواصلة، وخطط الحرب المسربة، والعروض السياسية في الأمم المتحدة والكونغرس الأميركي، لم تُقدِم إسرائيل على استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر، واقتصرت تحركاتها على عمليات سرية.

لكن ذلك تغيّر في 13 يونيو 2025، إذ بينما كان المفاوضون الإيرانيون والأميركيون يستعدون للاجتماع في عمان في اليوم التالي للجولة السادسة من المحادثات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي، نفّذت الطائرات الإسرائيلية هجومًا منسقًا على الأراضي الإيرانية.

ولا تُعدّ الهجمة الإسرائيلية المستمرة مجرد رد فعل على التقدم النووي الإيراني أو على احتمال التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع الولايات المتحدة. بل تمثل النتيجة المنطقية لتحوّل استراتيجي أوسع بدأ في 7 أكتوبر 2023—اليوم الذي شنّت فيه حركة حماس هجومًا مدمرًا عبر الحدود، ما أدى إلى انهيار عقيدة الأمن الإسرائيلية وأشعل تحولًا سياسيًا عميقًا. وردًا على ذلك، شرعت إسرائيل في حملة قصوى في غزة—تجاهلت فيها تمامًا المعايير الدولية وأي نوع من ضبط النفس الاستراتيجي—واتبعت سياسات توسعية في لبنان وسوريا. أعادت حكومة نتنياهو تعريف "التهديدات الوجودية" وأعادت رسم حدود استخدام القوة المقبولة.

وباختصار، عادت إسرائيل من كونها فاعلًا يحافظ على الوضع القائم إلى قوة مراجِعة—كما كانت في مراحل سابقة من تاريخها. وقد أسفر ذلك عن عواقب وخيمة على الشرق الأوسط بأكمله، الذي يقف الآن على حافة حرب شاملة.​

إسرائيل كقوة محافظة على الوضع القائم​

توجد العديد من التعريفات المتنافسة لمفهوم "الاستراتيجية الكبرى"، لكن يمكن القول إن الصيغة الأكثر فعالية هي تلك التي قدّمها باري بوزن، والتي تُعرّفها على أنها "نظرية الدولة القومية حول كيفية تحقيق الأمن لنفسها".

وهذا لا يعني أن الدولة تمتلك أو تحتاج إلى خطة معدّة مسبقًا تحدد استجابتها لكل حدث. بل إن الاستراتيجية الكبرى هي نتاج لتصورات راسخة، وانحيازات، وتجارب تاريخية؛ وهي بمثابة دليل إرشادي يُنتج ردود فعل تلقائية. ومن هذا المنطلق، فإن "الكبرى" لا تعني بالضرورة "الجيدة". فمجرد أن تستجيب الدولة بنفس الطريقة للمحفزات الخارجية لا يعني أن استراتيجيتها الكبرى فعالة. فالاتباع القسري للمسار التاريخي له قوة هائلة، وغالبًا ما تكون النظريات خاطئة.

بعد "حرب الأيام الستة" عام 1967، أصبحت إسرائيل قوة مهيمنة إقليميًا تمتلك تفوقًا عسكريًا على جميع جيرانها. وقد وسّعت من سيطرتها الإقليمية بمقدار أربعة أضعاف. ولذلك، ليس من المستغرب أن تكون إسرائيل قد سعت للحفاظ على هذا الواقع من خلال التحوّل إلى قوة محافظة على الوضع القائم.

وقد غامرت إسرائيل لفترة وجيزة مع النزعة المراجِعة حين غزت لبنان عام 1982، في إطار خطة مغرورة لإحداث إعادة ترتيب جذري في الإقليم. لكنها انتهت بكارثة. وعلى الورق، قد تبدو استراتيجية الاستيطان الإسرائيلية ذات طابع مراجِع، لأنها تسعى إلى تغيير ديموغرافية الضفة الغربية بشكل جذري. لكن هذه السياسة في الواقع تندرج ضمن إطار المحافظة على الوضع القائم، إذ تهدف إلى ترسيخ واقع تلك الأرض الغامض: ما يبدو بشكل متزايد أنه ليس احتلالًا مؤقتًا، بل عملية ضم بحكم الأمر الواقع إن لم يكن بحكم القانون، مصحوبة بنظام فصل عنصري مؤسسي.

وقد مثّل عودة نتنياهو إلى السلطة في عام 2009 ذروة التحول الإسرائيلي نحو استراتيجية كبرى محافظة على الوضع القائم. فقد أنهت إسرائيل تجربتها القصيرة في الانسحاب الجزئي من الأراضي المحتلة. وأبقى نتنياهو على وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لكنه منعها من أن تزداد قوة داخل تلك الأرض. وبالمثل، سهّل نقل الوقود والأموال لإبقاء حركة حماس في السلطة في غزة. وقد خلق هذا حاجزًا اصطناعيًا يتمثل في وجود فلسطين منقسمة، وهو ما كان ذريعة ظاهريًا أمام إسرائيل لتجنب السعي نحو حل الدولتين.

كما أبقت هذه السياسة الحركتين الفلسطينيتين المتنافستين تمامًا في الوضع الذي تريده إسرائيل: ضعيفتين وغير شرعيتين بما لا يسمح لهما بأن تكونا "دولة قيد الانتظار"، لكن قويتين بما يكفي للقيام بكل ما لا ترغب إسرائيل في فعله، مثل فرض الأمن وتقديم الخدمات لسكان كل من الضفة وغزة. وفي كلا المنطقتين، تعاقدت الاستراتيجية الكبرى الإسرائيلية القائمة على الوضع القائم على "توكيل" الحكم لطرف آخر، بينما احتفظت إسرائيل بالسيطرة من بعيد.

كانت هذه الاستراتيجية الكبرى مدمّرة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. لكنها في المقابل عنت أن إسرائيل لن تكون على الأرجح الطرف البادئ في حرب إقليمية، وهو أمر لم يكن يبدو ضمن مصالحها الوطنية. وبدلاً من ذلك، استخدمت إسرائيل جيشها لـ"جزّ العشب"—بمعنى تقليص التهديدات دون اقتلاعها من جذورها. ولهذا السبب، كان نتنياهو يندّد بمجموعة واسعة من الخصوم، من النظام الإيراني ونظام الأسد في سوريا، إلى حماس وحزب الله، من دون اتخاذ خطوات فعلية لإزالتهم: فقد بدت إسرائيل قادرة على أن تأخذ كل شيء دون أن تدفع الثمن.​

التحول نحو النزعة المراجِعة​

كانت الاستراتيجية القائمة على الوضع القائم فعالة بالنسبة لإسرائيل — إلى أن لم تعد كذلك. فقد كشفت هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 عن مدى سوء تقدير إسرائيل لقدرات الحركة، ومبالغتها في تقدير قدرتها على إخضاع خصومها لقبول واقع لا يخدم مصالحهم.

نادراً ما تتغير الاستراتيجيات الكبرى. إذ يتطلب الأمر محفزًا خارجيًا صادمًا — مثل هجمات 7 أكتوبر — لكي يبدأ الرأي العام والنخب السياسية في التشكيك في البديهيات والتصورات الراسخة التي تعزز التبعية للمسار التاريخي المعتاد. تمامًا كما دفعت هجمات 11 سبتمبر إدارة جورج بوش الابن بعيدًا عن استراتيجيتها المزمعة القائمة على الانكفاء، فإن لحظات وطنية فارقة كهذه تدفع الفاعلين السياسيين إلى التفكير في ما كان يُعدّ سابقًا غير قابل للتفكير.

المشكلة أن ليس كل الأفكار متساوية في القيمة أو الحكمة. فقد استغل وزراء اليمين المتطرف مثل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مناصبهم المرموقة لملء الفراغ الاستراتيجي الكبير برؤية إقليمية جديدة وتحولية. ولهذا، فإن دعواتهم لتطهير عرقي وارتكاب إبادة جماعية في غزة، إلى جانب ضم رسمي للضفة الغربية وأجزاء من لبنان وسوريا، لا تُعدّ مجرد خطابات شعبوية أو استعراضات إعلامية؛ فهؤلاء الأشخاص لم يعودوا أصواتًا هامشية.

ففي الضفة الغربية، وافقت إسرائيل على بناء 22 مستوطنة جديدة، قال عنها سموتريتش إنها ستعزز "السيادة بحكم الأمر الواقع" لإسرائيل في المنطقة. وبعد أقل من أسبوع على هجمات 7 أكتوبر، صرّح وزير الخارجية حينها إيلي كوهين بأن "مساحة غزة ستتقلص." وفي الوقت ذاته، أعلن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع أن إدارته لا تضمر نوايا عدائية تجاه إسرائيل، إلا أن الرد الإسرائيلي كان عبر احتلال المزيد من الأراضي السورية، وتهجير المدنيين السوريين، وشن عدد غير مسبوق من الضربات الجوية.

لقد تخلّت إسرائيل عن استراتيجيتها الكبرى المحافظة على الوضع القائم، وتبنت بدلاً منها استراتيجية مراجِعة. وتتشابه رؤيتها وسلوكها الحاليان بشكل أوضح مع السلوك التخريبي الذي طالما اتهمت به إيران. لم تعد إسرائيل تكتفي بـ"جزّ العشب" — أي تقليم التهديدات دون اقتلاعها — بل أصبحت تستخدم القوة العسكرية لتحقيق غاية جديدة: صياغة توازن قوى إقليمي جديد.

ويُفسر هذا التحول الاستراتيجي الضربات الجوية الأخيرة التي نفذتها إسرائيل ضد إيران. فإسرائيل لا تشترك بحدود مع إيران، ولا يمتلك سموتريتش ورفاقه أي طموحات إقليمية مباشرة تجاه الأراضي الإيرانية. لكن حكومة إسرائيل تطبّق استراتيجيتها الكبرى الجديدة — القائمة على القوة والمراجعة — على "التهديد الإيراني". وقد ظهرت هذه النية بوضوح، مثلًا عندما صرّح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن إسرائيل "ستحوّل طهران إلى بيروت" قريبًا.

وقد دافع مؤيدو إسرائيل عن هذه الضربات باعتبارها "ضربة وقائية". وهذا صحيح، ولكن ليس بالطريقة التي يدّعونها. فإسرائيل لم تضرب لمنع هجوم وشيك، بل بهدف إحباط اتفاق نووي كان على وشك التوقيع بين إيران والولايات المتحدة. كان نتنياهو قد استخدم الدبلوماسية لتقويض خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2018، وهو اليوم يستخدم القوة العسكرية الأحادية لتحقيق نفس الهدف.​

نتنياهو يطارد لحظة 1967​

لطالما عُرف بنيامين نتنياهو بأنه من أكثر قادة إسرائيل نفورًا من الحروب. ومن الصعب تصديق أنه يشارك زملاءه في الحكومة رؤيتهم المتطرفة. لكن سواء كان يؤمن بذلك فعلاً أم لا، فإن الأمر لم يعد مهمًا كثيرًا، لأن هجمات 7 أكتوبر خلقت تقاطعًا في المصالح بين نتنياهو وشركائه المهووسين بإشعال الحرائق. فبمجرد أن تسكت البنادق، سيكون تشكيل لجنة تحقيق أمرًا حتميًا، ومن المرجح أن تحمّله المسؤولية عن الفشل في التنبؤ بالهجوم أو الحد من آثاره.

وللتحايل على هذا المصير، قد يكون نتنياهو قد حسب أن عليه تقديم نصر تاريخي للشعب، يشبه انتصار إسرائيل في "حرب الأيام الستة" عام 1967. إنه يطارد "لحظته 1967" الخاصة، التي يعتقد أنها ستبرئه في محكمة الرأي العام. وليس من قبيل المصادفة أن هذه الحرب أجّلت محاكمته الجارية بتهم الفساد. ولهذا السبب تحوّل نتنياهو، بين ليلة وضحاها، من زعيم متحفظ إلى مقامر سياسي.

ويساعد هذا الطموح في تفسير تعهّد نتنياهو بـ"صنع شرق أوسط جديد"، حيث تقضي إسرائيل على "مشكلة غزة"، وتُخضع إيران بالقوة حتى الاستسلام أو تغيير النظام — ما يُزيل آخر عقبة أمام هيمنتها الإقليمية — ثم تطبع العلاقات مع جيرانها. وبذلك، فإن هذا السيناريو، إن تحقق، سيفوق حتى نصر عام 1967، لأنه سيجمع بين الانتصار العسكري والمكاسب السياسية المثلى.

لكن هذه الرؤية الطوباوية مستحيلة بقدر ما تبدو جذابة. إلا أن نتنياهو يحاول إقناع جمهوره بأن بإمكان إسرائيل أن تخوض "حربًا أبدية" وتحظى في الوقت ذاته بالتكامل الإقليمي. ومن أجل ضمان بقائه السياسي، تخلّى نتنياهو عن استراتيجية الوضع القائم وتحوّل إلى مُراجِع جذري من أسوأ الأنواع. فبضربه إيران، زجّ بالمنطقة في مسار طويل من المواجهة المفتوحة دون مخرج واضح.​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى