Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.
يستعرض إيفان كراستيف وليونارد بيناردو في مقالهما بمجلة Foreign Policy كيف حلت التشبيهات التاريخية محل الرؤى المستقبلية في فهم السياسات العالمية بعد الحرب الباردة، إذ أصبحت أداة مهيمنة لصياغة المواقف وتفسير الأزمات المعاصرة من خلال مقارنتها بمحطات تاريخية مثل الثلاثينيات أو السبعينيات أو حتى سقوط روما. ويرى الكاتبان أن هذه التشبيهات، رغم مخاطرها واحتمال إساءة استخدامها لتبرير قرارات خاطئة كما حدث في فيتنام والعراق، توفر إطارًا معرفيًا يسهل على صناع القرار والجمهور فهم الأوضاع المعقدة وقياس حدتها. كما أنها أقل عرضة للتفكير الجماعي وأكثر تنوعًا من الأيديولوجيات، وتكشف اختلاف التصورات بين مناطق العالم — فبينما يرى الغرب الأزمة الحالية عودةً للفاشية، تراها الصين نهايةً لـ"قرن الإذلال". ويؤكد المقال أن التحدي لا يكمن في إيجاد التشبيه الصحيح، بل في فهم كيفية تأثير التشبيهات المتناقضة على القرار السياسي، وأن انتشارها قد يكون مؤشرًا على أننا نعيش تحولات ثورية عميقة، كتلك التي يراها ترامب ضرورة للحفاظ على الهيمنة الأمريكية.
لماذا نقارن الحاضر بالماضي؟

Why Compare the Present to the Past?​

في أعقاب الحرب الباردة، ركّز عدد من المفكرين البارزين اهتمامهم على ملامح العالم القادم. فقد كانت مقالات فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ؟" (1989)، وصمويل هنتنغتون "صدام الحضارات؟" (1993)، وكين جوويت "بعد اللينينية: الفوضى العالمية الجديدة" (1991)، وكتاب هانس ماغنوس إنتسنسبيرغر "الحروب الأهلية" (1994) كلها تنبؤات حول نظام عالمي جديد. وخلال العقود الثلاثة التالية، وبصرف النظر عن مدى دقة هذه التنبؤات، أصبحت كثير من أطروحاتهم جزءًا من الخطاب السياسي العام.

في واقعنا الجيوسياسي الحالي، حلت التشبيهات التاريخية محل الرؤى المستقبلية. أصبح التفكير عبر القياس التاريخي الطريقة المفضلة لمواجهة قلق الحاضر. نادرًا ما يمر يوم دون أن نُستَحضر إلى فترة ما بين الحربين في أوروبا المأساوية، أو إلى سبعينيات القرن الماضي المضطربة (لكن الأقل مأساوية)، أو حتى إلى التاريخ القديم. إيلون ماسك يعترف بأنه لا يستطيع التوقف عن التفكير في سقوط روما، ويكرر دائمًا: "سقطت روما لأن الرومان توقفوا عن إنجاب الرومان". وبالنسبة له، فإن انخفاض معدلات المواليد في روما خلال القرن الأول قبل الميلاد يفسر كل ما نحتاج معرفته عن الوضع العالمي اليوم — أي أن الديموغرافيا هي القدر.

بعض المعلقين يرون في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نسخة القرن الحادي والعشرين من أندرو جاكسون، نظيره الشعبوي في القرن التاسع عشر. وفي أوروبا الشرقية، يُقارَن الاضطراب الراديكالي في الولايات المتحدة بالتجربة المرة-الحلوة لانهيار الاتحاد السوفييتي الذي أدى إلى نهاية الحرب الباردة، ليستنتج كثيرون أن الفوضى الحالية تمثل أزمة في القوة الأمريكية. أما المتخصصون في الشأن الصيني، فيطاردهم بطبيعة الحال إرثهم التاريخي؛ إذ كتب الخبير المعروف أورفيل شيل في فبراير أن ماو تسي تونغ — رغم اختلافه عن ترامب في الجغرافيا والأيديولوجيا وحتى تسريحة الشعر — يشترك معه في كونه "عامل تمرد".

لكن، هل التشبيهات التاريخية مفيدة حقًا في فهم اللحظة الراهنة؟ وهل نحن قادرون على اختيار التشبيه الصحيح من الأساس؟

منذ زمن، لاحظ عالم السياسة روبرت جيرفيس أن صناع القرار يختارون انتقائيًا التشبيهات التي تتوافق مع معتقداتهم أو ميولهم المسبقة، ما قد يؤدي أحيانًا إلى قرارات خاطئة. وكان محقًا، إذ إن الطبيعة الارتجالية لبعض التشبيهات التاريخية يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة. فقد لعبت الاستعارة المفرطة لفترة جمهورية فايمار في ثلاثينيات القرن الماضي — للدلالة على صعود الفاشية — ومقارنتها باتفاق ميونيخ عام 1938 — كرمز للاسترضاء — دورًا مهمًا في قرارات واشنطن الكارثية في فيتنام والعراق.

غير أن التشبيهات مغرية ليس لأنها تبرز أوجه التشابه فقط، بل لأنها تساعدنا أيضًا على إبراز الاختلافات. فروح برنامج ترامب "الثورية" تختلف بوضوح عن سياسة البيريسترويكا التي انتهجها الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، رغم أن النخبة الروسية ما زالت ترى في ترامب شخصية مشابهة لغورباتشوف، قادرة على صدم النظام الداخلي الأمريكي ودفعه نحو الانحدار. وبالمثل، فإن مقارنات ترامب بالثورة الثقافية الصينية تعكس تفكيرًا ضعيف الأساس. فليست كل التشبيهات التاريخية على درجة واحدة من الصلاحية.

كما يمكن أن تكون شعبية استخدام التشبيهات التاريخية مرتبطة بالظروف، لا بمجرد فهمنا للماضي. فمثلاً، ربما تأثر رد الغرب على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 بكون أوروبا كانت في الوقت ذاته تحيي الذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى. وقد أثار سيل المنتجات الثقافية التي أُنتجت بالمناسبة نقاشًا فكريًا حذر بعض المشاركين فيه من خطر المبالغة في رد الفعل أكثر من خطر التقاعس.

وبالمثل، يمكن القول إنه لولا تزامن سقوط جدار برلين عام 1989 مع الذكرى المئتين للثورة الفرنسية، لكان تفسيرنا للتغيرات في أوروبا الوسطى والشرقية مختلفًا. فما نصفه اليوم بالثورة كان يمكن أن يُصنَّف في عام 1979 مثلًا كـ "انهيار دولة" أو "إنهاك إمبراطورية" أو "حراك اجتماعي مناهض للاستبداد" — لكن ليس بالضرورة "ثورة".

وعلى الرغم من أن التشبيهات التاريخية محفوفة بالمخاطر وقد تكون وليدة الصدفة، فإنها أدوات فكرية مهمة لرسم خيارات صناع القرار. فبخلاف أدوات التحليل الأخرى، تساعد التشبيهات على فهم شعور صناع القرار إزاء أزمة معينة، وقياس حدتها. فمقارنة الوضع الراهن بالثلاثينيات أو السبعينيات تكشف مستوى معينًا من القلق والإنذار.

ورغم أن التشبيهات الخاطئة كانت سببًا في قرارات سيئة لا حصر لها، فإنها تظل ضرورية لتجاوز أزمة فقدان البوصلة. فهي توفر إطارًا معرفيًا لتنظيم المعلومات وفهم العالم، وتساعد صناع القرار على ربط الحاضر بالماضي، ما يبسّط المواقف المعقدة ويجعلها أكثر وضوحًا، ويجعل المألوف في الماضي أداة لفهم المستجدات.

كما أن لها مزايا خاصة في اللحظة الراهنة؛ فبخلاف النبوءات التي أعقبت الحرب الباردة، تميل التشبيهات التاريخية إلى أن تكون أقل تمركزًا حول أوروبا وأكثر انفتاحًا على تواريخ وطنية متنوعة. ففي تلك المرحلة، كانت الديمقراطيات الليبرالية الغربية تُعتبر نموذج العالم القادم، ولم يحظَ فهم الكيفية التي كان ينظر بها من هم خارج أوروبا أو الولايات المتحدة إلى التغيرات السياسية الجذرية التي مروا بها باهتمام يُذكر. أما الآن، فهناك إدراك متزايد بأننا لا نستطيع فهم عالم متغير إذا تجاهلنا التشبيهات التاريخية المتداولة في مناطق مختلفة من العالم. ولا يمكننا إغفال حقيقة أن ما يُرى في الغرب كعودة للفاشية يُنظر إليه في الصين بشكل مختلف تمامًا — باعتباره نهاية مرحبًا بها ونهائية لـ "قرن الإذلال" الطويل الذي عاشته البلاد.

كما أن التشبيهات التاريخية أقل عرضة لظاهرة "التفكير الجماعي" مقارنة بالأيديولوجيات أو النظريات. فقد وصف عالم السياسة يوان فونغ خونغ بدقة عملية صنع القرار الأمريكية خلال حرب فيتنام بأنها "حرب تشبيهات". إذ كان صناع القرار والمخططون يدافعون عن مواقفهم من خلال استدعاء تشبيهات تاريخية مختلفة. إن التفكير عبر التشبيهات التاريخية يعزز عملية صنع القرار الديمقراطي لأنه يقوي التواصل السياسي، فبخلاف المفاهيم التحليلية المجردة، تملأ التشبيهات التاريخية عالم صنع القرار بشخصيات وأحداث من الماضي، مما يجعل الحجج المطروحة أكثر وضوحًا وفهمًا لدى الجمهور.

والتحدي في اللحظة الراهنة لا يكمن في الوصول إلى "التشبيه الصحيح"، بل في فهم كيفية تأثير التشبيهات المتناقضة وسيطرتها ودورها في توجيه عملية صنع القرار. التحدي هو أن نضع هذه التشبيهات "على الأريكة" — بالمعنى النفسي التحليلي — ونفهم من خلالها إمكانياتنا السياسية المستقبلية.

فإذا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يعتقد أن "هناك الآن تغييرات لم نشهد مثلها منذ مئة عام"، فمن المرجح أنه يفسر عالم ترامب من خلال منظور فترة أمراء الحرب الفوضوية التي سبقت الثورة الشيوعية. وإذا قارن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاضطرابات الحالية في الغرب بما حدث في الكتلة الشيوعية قبل 35 عامًا، فسوف يميل إلى استنتاجات تؤكد حتمية الانهيار. وإذا تبنّى سكان أوروبا الشرقية هذا التفسير بناءً على خبراتهم التاريخية، فسيسهل علينا فهم تصوّرهم لمستقبل الاتحاد الأوروبي. ويُعزى إصرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على تشبيه الاتحاد الأوروبي بالاتحاد السوفييتي، جزئيًا على الأقل، إلى اعتقاده بأن تفكك الاتحاد أمر محتوم وأن على المجر الاستعداد لانهياره.

وفي عالم لم تعد فيه الأيديولوجيات السياسية الشاملة تصوغ شخصيات الفاعلين الرئيسيين في الجغرافيا السياسية، تتيح التشبيهات التاريخية فرصة لتجاوز الرؤية التقليدية المبتذلة للسياسة الخارجية الواقعية، التي تفسر القرارات السياسية بناءً على عامل أو فئة سياسية واحدة. فالتشبيهات، في نهاية المطاف، متنوعة بقدر تنوع التاريخ نفسه.

وقد يكون الانتشار الواسع للتفكير عبر التشبيه التاريخي دليلاً واضحًا على أن ما نشهده في الولايات المتحدة هو في الواقع ثورة. ففي تصوّر ترامب، لا يمكن الحفاظ على الهيمنة العالمية للبلاد إلا من خلال تدمير النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا يمكن إنقاذ الرأسمالية إلا بثورة مناهضة للرأسمالية يقودها ملياردير. وإن كان من الممكن تفسير "ثورة" ترامب بأفضل صورة ليس عبر رؤى طوباوية، بل من خلال التشبيهات التاريخية، فهذا يبرر شعورنا بأننا نعيش ثورة على طريقة ما جاء في رواية جوزيبي تومازي دي لامبيدوزا "الفهد"، التي تقوم على الفكرة القائلة: "حتى تظل الأمور على حالها، يجب أن يتغير كل شيء". Ask ChatGPT​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى