Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.
تتناول شمّا القطبة في مقالها في تريندز للبحوث والاستشارات التحول الجذري في طبيعة المنافسة العالمية نحو ميدان التكنولوجيا، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي أصلًا استراتيجيًا محوريًا يعيد تشكيل ميزان القوى الدولي، خاصة في سياق التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والصين. يوضح المقال كيف باتت القدرات التكنولوجية في صميم الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز النفوذ العسكري والتفوق الاقتصادي، مع إبراز دور الذكاء الاصطناعي في ميادين الدفاع، والأمن السيبراني، والنمو الصناعي. كما يبيّن أن هذا السباق الثنائي يعمّق الانقسام العالمي، ويدفع دولًا أخرى لدخول حلبة المنافسة، ما يزيد من احتمالات التصعيد وسوء التقدير في الساحات العسكرية. ويختتم المقال بالتأكيد على أن الريادة في الذكاء الاصطناعي تتطلب إطارًا عالميًا متوازنًا يعزز التعاون ويحافظ على الاستقرار الدولي، بحيث يُوظف لخدمة الصالح العام بدل أن يتحول إلى محفز للصراع.
المنافسات في مجال الذكاء الاصطناعي: إعادة تعريف ديناميكيات القوة العالمية

AI Rivalries: Redefining Global Power Dynamics​

لقد شهدت طبيعة المنافسة العالمية تحولًا عميقًا في القرن الحادي والعشرين. فما كان يتمحور في السابق حول النزاعات الإقليمية، والتحالفات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، أصبح يحدث اليوم في ميدان التكنولوجيا، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا ويبرز كقوة مُحددة للمشهد العالمي. وإلى جانب تأثيراته الثورية في عدة قطاعات، برز الذكاء الاصطناعي كمؤشر حاسم على النفوذ والقوة، ما غيّر طبيعة المنافسة العالمية. وقد أدى إدماجه في الأمن القومي، والسياسات الاقتصادية، وإدارة الشؤون الاجتماعية، إلى تحوّله إلى أصل استراتيجي لا يمكن لأي قوة كبرى تجاهله أو إنكار أهميته.

وفي قلب هذا التحول تبرز المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. فبوصفهما القوتين العظميين الرائدتين عالميًا، انخرط البلدان في سباق استراتيجي من أجل التفوق التكنولوجي، معلنين بداية فصل جديد في ديناميكيات القوة العالمية. ومع دفع كل منهما باتجاه الريادة في ميدان الذكاء الاصطناعي، تحوّل هذا المجال إلى ساحة مواجهة حاسمة ذات تداعيات واسعة النطاق تتجاوز حدود التكنولوجيا، لتؤثر في الأمن، والحَوكمة، والنسيج الأساسي للعلاقات الدولية.

ولا يقتصر تأثير التنافس المتنامي بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل العلاقات الثنائية، بل يمتد أيضًا إلى إعادة تعريف ميزان القوى العالمي. إن السعي وراء الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي يسرّع من وتيرة التنافسات الجيوسياسية، ويعيد تشكيل التحالفات، ويضع معايير جديدة للهيمنة التكنولوجية. ومع ازدياد ارتباط تطوير الذكاء الاصطناعي بالأمن القومي والاستراتيجية الاقتصادية، يتسع تأثيره ليشمل دول العالم كافة، ما يفرض عليها التكيف مع بيئة دولية تتغير بسرعة وتتسم بعدم اليقين. ومن هنا، تسعى هذه القراءة إلى تحليل التداعيات الواسعة لهذا السباق في الذكاء الاصطناعي، مبرزة دوره في إعادة تشكيل هياكل القوة العالمية وتأثيره على المسارات الجيوسياسية المستقبلية.​

الذكاء الاصطناعي كأصل استراتيجي نهائي وساحة المعركة الجديدة في الجيوبوليتيك​

باعتباره الأصل الاستراتيجي الأهم في القرن الحادي والعشرين، غيّر الذكاء الاصطناعي بصورة جوهرية مشهد التنافسية العالمية، ونقل أسس ديناميكيات القوة إلى مستوى جديد. تاريخيًا، كانت الركائز الرئيسة التي تحدد قوة الدولة وتغذي التنافسات الجيوسياسية تتمثل في القوة العسكرية، والهيمنة الاقتصادية، والتوسع الإقليمي. وعلى مدى قرون، سعت الدول لتحقيق هذه الركائز بإصرار، لضمان النفوذ وتجاوز الخصوم وتأكيد الهيمنة، دون إغفال أي وسيلة لتحقيق أقصى درجات الأمن والقوة. إلا أن الأمر لم يعد كذلك اليوم. فمع بروز الذكاء الاصطناعي، وضعت القوى الجيوسياسية المتنافسة القدرات التكنولوجية في صميم استراتيجياتها الوطنية.

ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أصل حيوي وتحويلي، يمنح الدول القدرة ليس فقط على فرض الهيمنة على الساحة الدولية، بل أيضًا على تعزيز قدراتها العسكرية وتسريع نموها الاقتصادي. ولعل ما يميز الذكاء الاصطناعي كأصل استراتيجي نهائي هو قدرته على تعزيز أنظمة الدفاع الوطني، وتحسين العمليات الاقتصادية، والتأثير في صياغة السياسات العالمية. ويتجلى ذلك بوضوح في مجال الدفاع؛ إذ تمنح الدول التي تتفوق في سباق الذكاء الاصطناعي وتوظفه في أنظمتها الدفاعية نفسها ميزة استراتيجية في الأمن القومي، بدءًا من الحروب الذاتية التشغيل وصولًا إلى الدفاع السيبراني المتطور.

وتوفر الحرب الروسية–الأوكرانية مثالًا بارزًا على أثر الذكاء الاصطناعي، حيث مكّن استخدام أوكرانيا لتكنولوجيا متقدمة، بدعم من الدول الغربية، من الصمود أمام خصم أكبر حجمًا مثل روسيا. وهذا يثبت أن المعارك غير المتكافئة، المدعومة بتقنيات متقدمة مثل الطائرات المسيّرة والمركبات الذاتية، يمكنها تعديل ميزان القوى في مواجهة القوى الكبرى، ومنح الدول ميزة تنافسية في القدرات العسكرية. ولا يقتصر الأمر على ساحة المعركة، ففي عالم يزداد عرضة للتهديدات السيبرانية، يبرز الذكاء الاصطناعي كخط الدفاع الأول في مواجهة موجات الهجمات الإلكترونية، إذ يمتلك القدرة على كشف هذه التهديدات والتنبؤ بها والقضاء عليها، ما يعزز استراتيجيات الدفاع الوطني.

ولا يقل دور الذكاء الاصطناعي أهمية في دفع عجلة النمو الاقتصادي. فوفقًا للدراسات، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في دعم اقتصادات الدول المتقدمة. فالدول التي تستغل قدرته على معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات تستطيع إحداث تحول جذري في صناعاتها الوطنية، وتحسين عملية اتخاذ القرار على المستوى السياساتي، وتحفيز الابتكار. وإلى جانب تحسين الأنظمة الاقتصادية القائمة، يمكّن الذكاء الاصطناعي الدول من خلق أسواق وصناعات جديدة بالكامل، ما يعزز مرونتها الاقتصادية ويقوي قدرتها التنافسية عالميًا. وبالتالي، في عصر باتت فيه القوة الاقتصادية تضاهي القوة العسكرية كمقياس للنفوذ الجيوسياسي، أصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في الاستراتيجيات الوطنية، والقوة التي تدفع الدول لتبوؤ موقع القيادة في نظام جيوسياسي جديد، مع إعادة تشكيل ميزان القوى بطرق لم يبدأ العالم بعد في إدراكها بالكامل.

إلا أن هذه القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي تؤجج في الوقت نفسه موجة جديدة من التنافسات الجيوسياسية. فمع إدراك الدول لإمكاناته التحويلية في تحقيق التفوق الاقتصادي، وتعزيز القوة العسكرية، والتأثير في المعايير والقواعد العالمية، انخرطت في سباق محموم لتجاوز بعضها البعض وقيادة تطويره وتطبيقاته. وفي سعيها نحو الريادة، تعزز الدول قدراتها التقنية وفي الوقت ذاته تعيد تشكيل هياكل القوة العالمية، مولدة صراعات وتحالفات ستحدد ملامح العلاقات الدولية في المستقبل. ومع استمرار التنافس على قيادة مجال الذكاء الاصطناعي، يرتفع منسوب التوترات الجيوسياسية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تتجاوز الرهانات حدود التكنولوجيا نفسها.​

المنافسة بين الولايات المتحدة والصين: دراسة حالة في سباق الذكاء الاصطناعي​

تمثل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أوضح مثال على كيفية تصاعد حدة المنافسة العالمية بفعل الذكاء الاصطناعي، وكيف أصبح هذا المجال ساحة صراع أساسية في الجغرافيا السياسية العالمية. ومع إدراك أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ابتكار تقني، بل ضرورة استراتيجية قادرة على إعادة تشكيل قوة الدولة، وتعزيز قدراتها العسكرية، وضمان هيمنتها الاقتصادية، دخلت كل من الصين والولايات المتحدة في سباق محموم للريادة في هذا المجال وتوظيفه في أنظمتها. وقد ضخ البلدان موارد هائلة في تطوير الذكاء الاصطناعي، في سباق على الهيمنة يمتد تأثيره إلى مجالات متعددة.

ومع بروز الذكاء الاصطناعي كقوة تحويلية في الاقتصاد العالمي، تسابق كل من الصين والولايات المتحدة على استغلال إمكاناته لدفع النمو الاقتصادي، وإحداث ثورة في الصناعات، وترسيخ التفوق الاقتصادي على المدى الطويل. وقد جعلت الصين الابتكار التكنولوجي في صميم طموحاتها الاقتصادية، وضاعفت جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي مع اشتداد المنافسة مع الولايات المتحدة. وفي عام 2017، أعلنت القيادة الصينية من خلال "خطة تطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي" أن الذكاء الاصطناعي سيكون حجر الأساس في استراتيجيتها للتحول الاقتصادي، مستهدفة أن يكون بحلول عام 2025 محفزًا رئيسيًا للتغيير الاقتصادي، وأن تتبوأ الصين موقع الريادة العالمية في هذا المجال بحلول 2030 لتتحدى وتتفوق على الولايات المتحدة.

ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة، حققت الصين تقدمًا سريعًا واستثمرت بشكل كبير في تطوير قدراتها في الذكاء الاصطناعي. فقد وجهت استثمارات ضخمة في البحث والتطوير والبنية التحتية لدعم الصناعات القائمة على الذكاء الاصطناعي، وأعطت الأولوية لقطاعات مثل التصنيع الذكي، والمركبات الذاتية، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا المالية، باعتبارها محركات أساسية للنمو الاقتصادي والنفوذ العالمي. وبمثل هذه الطموحات والاستثمارات، تسعى الصين للحفاظ على تقدمها في السباق العالمي ومنافسة خصمها على القيادة.

وفي إدراكها لتسارع التقدم الصيني، كثفت الولايات المتحدة جهودها لدمج وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان موقعها الاقتصادي. ووفق "القانون الوطني لمبادرة الذكاء الاصطناعي" لعام 2020، ركزت على تعزيز قدرات البلاد في هذا المجال من خلال خمسة أهداف رئيسية: زيادة الاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي، تحسين موارد الحوسبة والبيانات الفدرالية، وضع المعايير التقنية، بناء قوة عاملة قوية في المجال، وتعزيز التعاون الدولي. ومن خلال هذه الجهود، هدفت الولايات المتحدة إلى الريادة في الابتكار وضمان هيمنتها في الميادين التكنولوجية والاقتصادية.

إلى جانب ذلك، فرضت الولايات المتحدة مجموعة من القيود التجارية والضوابط على التصدير والتعريفات الجمركية على بكين، في محاولة لعرقلة تقدمها في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وقد استهدفت هذه الإجراءات الحد من وصول الصين إلى التقنيات الحيوية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خصوصًا أشباه الموصلات المتقدمة الضرورية لتطويره. كما فرضت قيودًا صارمة على صادرات الرقائق وأدرجت عددًا من شركات الذكاء الاصطناعي الصينية على القائمة السوداء بدعوى مخاوف أمنية، بهدف إضعاف التقدم التكنولوجي الصيني وتعزيز الهيمنة الأميركية في هذا القطاع.

ورغم هذه الجهود، ما زالت الصين تضيق الفجوة مع الولايات المتحدة في تصنيع أشباه الموصلات. إذ حققت تقدمًا سريعًا في إعادة برمجة وإنتاج الرقائق لتعزيز أدائها، ما يطرح تساؤلات حول فعالية العقوبات الغربية. ويظهر ذلك بوضوح في إنجازها الأخير المتمثل في نموذج اللغة الكبير "ديب سيك" الذي صدر في 20 يناير، حيث فاجأت شركة ناشئة صينية الأسواق بأداء نموذجها وتكلفته المنخفضة، متفوقة على نماذج لشركات أميركية كبرى مثل OpenAI وMeta، رغم صغر حجمه وكفاءته العالية وانخفاض تكلفة تدريبه وتشغيله. وقد أظهر ذلك قدرة الصين على تجاوز قيود واشنطن ومفاجأة الأسواق العالمية.

إن هذا الاستخدام الاستراتيجي للأدوات الاقتصادية والتكنولوجية يبرز شدة المنافسة بين القوتين، حيث يسعى كل طرف للهيمنة وقيادة ميدان الذكاء الاصطناعي.

كما أسهمت إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في الاستراتيجيات العسكرية وتعزيز أنظمة الدفاع في زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة، إذ يرى البلدان في هذا المجال عاملًا حاسمًا في تعزيز القدرات العسكرية وضمان التفوق في العلاقات الدولية. فقد عملت الولايات المتحدة على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها الدفاعية بهدف الحفاظ على تفوقها التكنولوجي في الحروب الحديثة وتجاوز القدرات العسكرية للصين، ورصدت لذلك نحو 717 مليار دولار ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني، ووجهت جزءًا كبيرًا من هذا المبلغ إلى البحث والتطوير في تقنيات قائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل المركبات الذاتية التشغيل للدعم اللوجستي والتنقل في ساحات القتال، والطائرات المسيّرة للمراقبة والعمليات التكتيكية، والروبوتات للوجستيات والقتال.

وردًا على ذلك، تبنت الصين نهجًا مشابهًا ولكن أكثر اندفاعًا، خاصة في تعزيز قدراتها البحرية. فقد ركزت بشكل كبير على تطوير أنظمة مستقلة قائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل الطائرات المسيّرة المتقدمة لمهام المراقبة والقتال، والمنصات الروبوتية لتحسين العمليات الميدانية ودعم اتخاذ القرار. وتشير التقديرات إلى أن إنفاق الصين العسكري السنوي على الذكاء الاصطناعي يبلغ "عدة مليارات" من الدولارات، وهو مستوى تمويل يقارب ما تنفقه وزارة الدفاع الأميركية. كما ذهبت الصين خطوة أبعد عبر دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها البحرية في بحر الصين الجنوبي، باستخدام الغواصات المستقلة، والألغام الذكية، والطائرات المسيّرة للمراقبة، بهدف مراقبة وربما مواجهة التحركات العسكرية الأجنبية. ومن خلال هذه الاستثمارات، تعيد الصين صياغة نهجها في الحروب الحديثة وتؤكد نفوذها الاستراتيجي في مواجهة خصمها الأكبر، الولايات المتحدة، في منافسة ستشكل على الأرجح ميزان القوى العالمي في السنوات المقبلة.​

الأثر العالمي: كيف تعيد المنافسة الأميركية–الصينية تشكيل النظام الدولي​

إن تصاعد المنافسة والتوتر بين الولايات المتحدة والصين لا يمثل مجرد صراع ثنائي، بل هو قوة دافعة وتحويلية تعيد تشكيل النظام الدولي جذريًا. فمن الجغرافيا السياسية إلى التكنولوجيا، تمتد تداعيات هذه المنافسة إلى ما هو أبعد من حدود القوتين.

ومن أبرز نتائج هذا التنافس ما يمكن وصفه بالتجزئة أو الاستقطاب في المشهد العالمي، وهو ما ينعكس على بنية العلاقات الدولية بين الدول. فمع اشتداد حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، تجد الدول الأصغر نفسها غالبًا في موقف حرج، حيث تسعى إلى الموازنة بين علاقاتها مع القوتين. وفي كثير من الأحيان، تضطر هذه الدول إلى الانحياز لطرف على حساب الآخر بدافع الاعتماد الاقتصادي، أو الطموحات التكنولوجية، أو الاحتياجات الاستراتيجية. وقد أدى ذلك إلى انقسام منظومة الذكاء الاصطناعي العالمية، حيث تنجذب الدول نحو مجالات نفوذ متمايزة. ويثبت ذلك أن الذكاء الاصطناعي في هذا السباق الحاسم ليس مجرد ساحة تكنولوجية، بل عامل محفز لإعادة تشكيل النظام الدولي وإعادة تعريف ديناميكيات التعاون والمنافسة عالميًا.

لكن ما هو أبعد من التحالفات التقليدية هو البعد الأعمق لهذه المنافسة، والمتمثل في السباق العالمي نحو التفوق التكنولوجي. فالذكاء الاصطناعي ليس سباقًا ثنائيًا بين الولايات المتحدة والصين فحسب، إذ أدركت دول عديدة إمكاناته وسعت إلى وضع نفسها كأطراف رئيسية في السعي وراء الريادة فيه لتعزيز سيادتها. فقد برزت دول مثل المملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وسنغافورة، والهند، وكوريا الجنوبية، وإسرائيل كمساهمين بارزين في مجال الذكاء الاصطناعي. كما سعت روسيا إلى أن تكون رائدة في هذا المجال واستخدمته للتأثير في العمليات داخل الغرب، إلا أن الصراع في أوكرانيا والعقوبات الأميركية أعاقا مبادراتها المتقدمة. وهكذا، ورغم هيمنة الصين والولايات المتحدة على تصنيفات القوة العالمية في الذكاء الاصطناعي، فإن دولًا أخرى تضع استراتيجيات لتقليص الفجوة.

وقد أصبح السباق الدائر بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي خط انقسام رئيسيًا يهدد بإحداث تغيير عميق في بنية الاستقرار والأمن الدوليين. فبينما يسعى البلدان إلى تطوير أسلحة متقدمة وربما قاتلة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي ودمجها في أنظمتهما الدفاعية، فإنهما يعرضان الاستقرار العالمي للخطر. ويرجع ذلك إلى أن المنافسة على مثل هذه التقنيات تزيد احتمالية سوء التقدير والتصعيد غير المقصود، مما قد يؤدي إلى اندلاع صراع، خاصة وأن توظيف الذكاء الاصطناعي في السياقات العسكرية يمكن أن ينتج عنه عواقب غير متوقعة وسوء فهم. وقد يمتد هذا التصعيد إلى مختلف أنحاء العالم، مسببًا آثارًا مدمرة لا تقتصر على طرفي النزاع المباشرين، بل تشمل المجتمع الدولي بأسره.​

الخاتمة: دروس من المنافسة الأميركية–الصينية​

تسلط المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي الضوء على التأثير البالغ للتكنولوجيا في تشكيل ديناميكيات القوة الدولية. فبينما يتنافسان على الريادة في هذا المجال، لا يقتصر الأمر على تطوير التكنولوجيا فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تشكيل عناصر أساسية في الاستراتيجية الجيوسياسية، والتنافس الاقتصادي، والأمن العالمي. وتبرز هذه التجربة الحاجة إلى إعادة التفكير في مقاربة الابتكار في القرن الحادي والعشرين، إذ تتطلب الريادة في الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد تقدم تقني، بل تحتاج إلى بناء إطار عالمي يعزز التعاون، ويوازن بين القوى، ويصون مصلحة الإنسانية. فالقرارات التي تُتخذ اليوم ستحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيصبح محفزًا للتقدم العالمي أم مصدرًا للصراع، وتبقى مسؤولية توجيه هذه القوة التحويلية نحو خدمة الصالح العام مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المجتمع الدولي.​
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى