Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.

الصين لا تزال تكسب معركة الجيل الخامس — والجيل السادس أيضًا

تناقش آن نوبرغر في هذا المقال التهديد المتنامي الذي تمثله هيمنة الصين، وتحديدًا شركة هواوي، على شبكات الاتصالات العالمية والجيلين الخامس والسادس، محذرة من أن استمرار تفوق بكين في هذا المجال يُهدد الأمن القومي الأميركي ويمنح الصين امتيازات استخباراتية وتقنية كبيرة. تستعرض الكاتبة كيف دعمت الصين هواوي ماليًا واستراتيجياً لتصبح رائدة عالميًا، بينما تأخرت الولايات المتحدة بسبب اعتمادها على السوق الحرة وضعف التنسيق بين القطاعين العام والخاص. وتدعو نوبرغر إلى تبني سياسات متكاملة تشمل تمويل البحث والتطوير، إصلاح سياسات الطيف الترددي، وتعزيز الشراكات الدولية، بما يضمن توفير بدائل موثوقة لتكنولوجيا الاتصالات الصينية، واستعادة المبادرة الأميركية في قطاع بالغ الأهمية لمستقبل الذكاء الاصطناعي والقدرات العسكرية والاستخباراتية.
الصين لا تزال تكسب معركة الجيل الخامس — والجيل السادس أيضًا

China Is Still Winning the Battle for 5G—and 6G​

عندما أسّس رن تشنغفي شركة هواوي عام 1987، لم تكن الشركة الصينية للاتصالات تملك سوى بضعة آلاف من الدولارات في حسابها المصرفي، وكانت تطمح إلى تقليد التكنولوجيا الأجنبية المتقدمة. وبحلول عام 1994، كانت هواوي تنتج معدّات التحويل، وهي الأجهزة والبرمجيات التي تُشكّل الأساس للبنية التحتية للاتصالات الحديثة، وكان رن يلتقي بالأمين العام للحزب الشيوعي الصيني جيانغ زيمين. وأخبره بأن منتجات شركته تمثل "قضية أمن قومي"، مؤكدًا أن الدولة "التي لا تمتلك معدّاتها الخاصة للتحويل تشبه دولة بلا جيش". فأجابه جيانغ: "أحسنت القول". ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقة بين الدولة والشركة شراكة استراتيجية لحماية أمن الصين في قطاع الاتصالات.

في المقابل، لم تُعر الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا لتفوقها في قطاع الاتصالات خلال أواخر التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد كانت الريادة الأميركية شبه مطلقة، وجرى تبنّي ابتكاراتها في الجيل الثاني والثالث والرابع على نطاق واسع وآمن حول العالم. وبينما استسلمت الولايات المتحدة للرضا عن النفس، وركنت إلى أن السوق الحرة ستكفل استمرار هيمنتها، كانت الصين تُعيد التموضع بهدوء لتصبح المنافس الرئيسي. وقد ضخت بكين موارد ضخمة في هواوي وغيرها من الشركات الصينية، مما مكّنها من التفوق على نظيراتها الأجنبية. وبلغ هذا النجاح حدًّا أنه بحلول عام 2012، كانت معدات هواوي مستخدمة في المناطق الريفية الأميركية، بل حتى في القواعد التي تؤوي الأسلحة النووية الأميركية، مما أتاح للصين مراقبة القدرات والعمليات العسكرية الأميركية الحساسة بشكل مستمر، في انتصار استخباراتي كبير لبكين.

ورغم أن الولايات المتحدة بدأت ترد على هذا التوسع في وقت لاحق، فحظرت شركة هواوي من شبكاتها عام 2016، فإن إنجازات الشركة لم تتوقف. فقد أصبحت اليوم أكبر مزوّد لشبكات الجيل الخامس في العالم، وتسيطر على سوق معدات الاتصالات عالميًا، كما تستعد لتزعم السباق نحو الجيل السادس. ويتهمها المنافسون—بدرجة من الوجاهة—بأنها وصلت إلى هذه المكانة من خلال سرقة الملكية الفكرية، مدعومة بالإعانات الصينية الضخمة وسوق محلي مغلق. وفي الوقت الذي ازدهرت فيه هواوي، انهارت شركات غربية عديدة؛ فقد خرجت شركات أميركية مثل "سيسكو" و"موتورولا" من سوق المعدات، واندمجت شركات مثل "لوسنت" الأميركية و"ألكاتيل" الفرنسية و"سيمنز" الألمانية لتتمكن من الصمود، بينما أعلنت شركة "نورتل" الكندية إفلاسها عام 2009. واليوم، لم يتبقَ سوى شركتين غير صينيتين تستطيعان منافسة هواوي على المستوى العالمي: "إريكسون" السويدية و"نوكيا" الفنلندية، وتعتمد عليهما الولايات المتحدة في خدماتها.

ولا يقتصر الأمر على خسارة الشركات الغربية لحصتها السوقية؛ فشبكات هواوي تنقل بيانات قيّمة، وهي ملزمة بموجب قوانين الاستخبارات الصينية بتوفير هذه البيانات للحكومة عند الطلب. وهذا الوصول يُعد مكسبًا استخباراتيًا لبكين في كل الأوقات، لكنه يصبح أكثر أهمية في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تُستخدم هذه البيانات في تدريب النماذج الذكية. وقد نشرت هواوي خدمات المدن الذكية، التي تشمل كاميرات الشوارع وبيانات عدادات المياه والكهرباء والغاز، وتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي، في أكثر من 200 مدينة في 40 دولة، من سنغافورة إلى إسبانيا. ويمكن تغذية هذه البيانات مباشرة في نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية، ما يمنح الجيش وأجهزة الاستخبارات الصينية تفوقًا مزدوجًا في الاتصالات وفي توظيف الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي والسلامة العامة. وقد كشفت عملية القرصنة الأخيرة "تايفون الملحي"، التي استهدفت شركات اتصالات أميركية كبرى، مدى تصميم الصين على اختراق الشبكات الأميركية بكل الوسائل الممكنة.

اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى، ومن بعده جو بايدن، خطوات لإبطاء صعود الصين في هذا المجال، خاصة من خلال معالجة الفارق في الكلفة بين الشركات الصينية ونظيراتها الغربية. ورغم هذه الجهود، لا تزال هواوي توسّع نطاقها العالمي. وإذا ما تسببت التوترات الدولية والحروب التجارية في تقويض التعاون بين الدول الغربية، فإن بكين ستحقق ميزة أكبر في قطاع الاتصالات. وفي ولايته الثانية، يجب على ترامب أن يُضاعف جهود الولايات المتحدة التنافسية، من خلال تعزيز البرامج الناجحة، واتخاذ قرارات صعبة بشأن توزيع الطيف الترددي اللاسلكي، والعمل مع الحلفاء لتمويل البحث والتطوير ونشر التكنولوجيا عالميًا. وإن لم تفعل واشنطن ذلك، فستُمدد الصين تفوقها في الجيل الخامس وصولًا إلى الجيل السادس، مما يرسّخ هيمنتها على الاتصالات العالمية ويمنحها القدرة على اختراق شبكات الاتصالات التي تعتمد عليها العمليات العسكرية والاستخباراتية الأميركية وحلفاؤها.​

العثرات المبكرة​

في القرن العشرين، أسفرت استثمارات الحكومة الأميركية عن ابتكار الإنترنت، وشبكات الاتصالات عالية السرعة، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS). كما ساهمت الابتكارات الأميركية في تكنولوجيا الاتصالات الخلوية في تشكيل بنية الاتصالات العالمية: فقد جلب الجيل الثاني (2G) الرسائل النصية، والثالث (3G) الإنترنت المتنقل، والرابع (4G) الفيديوهات والتطبيقات. ومع دعمها للبحث والتطوير، تركت واشنطن السوق الحرة تعمل دون تدخل كبير. على النقيض، تعاملت الحكومة والجيش الصيني مع شركات الاتصالات الكبرى بوصفها "أبطالًا وطنيين"، ودعموها بقوة لأن نجاحها يخدم الأهداف الاستراتيجية لبكين. وقد تلقت هواوي وحدها دعمًا حكوميًا يُقدّر بـ75 مليار دولار بين عامي 2008 و2018، مما مكنها من السيطرة على السوق من خلال تسعير منتجاتها بأسعار أقل من الكلفة. ففي أواخر التسعينيات، كانت الشركات الغربية تهيمن على نحو 90% من سوق معدات الاتصالات، ولكن بحلول عام 2025، انخفضت حصة "إريكسون" و"نوكيا"—رغم استحواذهما على منافسين متعثرين—إلى 40% فقط، مقابل 40% إضافية لصالح الشركات الصينية.

اليوم، تقف الولايات المتحدة وأوروبا—موطن إريكسون ونوكيا—على قاعدة سوقية آخذة في التقلص، بينما تواصل الصين تقويض العروض الغربية من خلال دعم نشر هواوي في أنحاء العالم. ورغم أن الهيمنة العالمية لهواوي في شبكات الجيل الخامس تباطأت بفعل العقوبات الأميركية وقيود التصدير، فإن الابتكارات الأميركية وحلفاءها لم تتمكن من زعزعة تنافسية منتجات الشركة الصينية. ومع أن ميزانية البحث والتطوير لدى هواوي تتجاوز مثيلاتها في أقرب شركتين غربيتين مجتمعتين، فمن غير المرجح أن تخسر الشركة تفوقها في الابتكار.

خلال ولاية ترامب الأولى، وبعد إدراك الحاجة لشبكات اتصالات آمنة، حظرت الولايات المتحدة منتجات هواوي وغيرها من المنتجات الصينية من شبكاتها، وبدأت باستبدال المعدات الموجودة. كما شجعت واشنطن حلفاءها، وخاصة المملكة المتحدة، على إزالة معدات هواوي والتعاون مع شركات موثوقة. وواصلت إدارة بايدن هذه الاستراتيجية. لكن كلا الحزبين يعرفان منذ سنوات أن حظر التكنولوجيا الصينية وحده غير كافٍ؛ فلابد من تطوير بديل فعّال من حيث الكلفة يمكنه منافسة المنتجات الصينية المدعومة بقوة. ولهذا الغرض، استعانت إدارة بايدن بوكالتين حكوميتين محوريتين: بنك التصدير والاستيراد الأميركي، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، لتمويل مشاريع من بينها: تحويل شبكة الجيل الرابع في كوستاريكا من هواوي إلى شبكة جيل خامس موثوقة، والتعاون مع بنك استثماري فنلندي لتمويل نشر تقنيات الجيل الخامس من نوكيا في الهند.​

خفض التكاليف​

لم تتغيّر أهداف واشنطن: فهي تحتاج إلى منافسة الصين على نطاق واسع، وتقليص فجوة الأسعار بين التكنولوجيا الأميركية ونظيرتها الصينية، وتشجيع اعتماد أنظمة موثوقة على نطاق أوسع. والطريق إلى تحقيق ذلك يكمن في تحفيز الابتكار التكنولوجي وتمويل مشترك للدول التي تختار بين التكنولوجيا الصينية وغير الصينية.

يجب على إدارة ترامب أن تبدأ بالاستفادة بشكل أفضل من برنامج المنح لمدة عشر سنوات بقيمة 1.5 مليار دولار، والذي أُنشئ بموجب قانون الشرائح العلمية (CHIPS and Science Act) لعام 2022. وقد خُصصت المنح الأولية لتمويل اختبارات التوافقية واسعة النطاق بين تقنيات تدمج معدات وبرمجيات من شركات مختلفة. وقد حصلت شركات وجامعات أميركية وأجنبية على أكثر من 140 مليون دولار، مع تخصيص 420 مليون دولار إضافية في مايو 2024. ورغم أن هذه بداية جيدة، ينبغي تسريع الجولات التمويلية القادمة، مع التركيز على مشاريع تجارية لتكنولوجيا جديدة، تمنح شركات البرمجيات الأميركية حوافز أقوى لدخول السوق. ويُعد توجيه رأس المال نحو "تحويل الشبكات إلى سحابية"—أي دعم تقنيات تخلق نسخًا افتراضية من المعدات المتخصصة—فرصة واعدة للصناعة الأميركية التي تتفوق في تطوير البرمجيات.

تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي على شبكات اتصالات عالية السرعة. لكن الولايات المتحدة متأخرة كثيرًا عن الصين في إقامة البنية التحتية المطلوبة. فاليوم، لا تغطي شبكات الجيل الخامس سوى 45% من مستخدمي الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة، مقارنة بـ88% في الصين. وعندما طُرحت تكنولوجيا 5G لأول مرة، أنشأت الصين 600 ألف محطة أساس خلال ثلاثة أشهر، بينما استغرقت الولايات المتحدة عامين لبناء 100 ألف فقط. ومع أن واشنطن لا تستطيع منافسة بكين في سرعة النشر والبناء، إلا أنها تستطيع التفوق عليها في الكفاءة. فبدمج الذكاء الاصطناعي في عمليات الاتصالات، يمكن للشركات زيادة سرعة نقل البيانات وقدرة الشبكات، مما يُحسن الكفاءة العامة. ويجب توظيف جولة التمويل التالية من برنامج CHIPS لدعم الأبحاث والتطوير والمشاريع التجريبية في هذا المجال.

وتكمن طريقة أخرى لخفض التكاليف على الشركات الأميركية في سياسات الضرائب. على سبيل المثال، يمكن لواشنطن تشجيع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية من خلال الإهلاك المعجل، وهو أداة مالية تسمح للشركات بخفض قيمة أصولها الجديدة بسرعة، ما يُقلل العبء الضريبي ويفسح المجال للاستثمار. وقد تضمّن قانون تخفيض الضرائب والوظائف لعام 2017 مثل هذا البند، لكنه صُمم لفترة محدودة وهو الآن في طور الإلغاء التدريجي. لذلك، ينبغي على الكونغرس تمديد هذه الحوافز الضريبية لتشمل فئة واسعة من معدات البنية التحتية الرقمية، من أجل تعظيم استثمارات القطاع الخاص.​

الربط المتكامل​

حتى بعد تنفيذ الولايات المتحدة لهذه الإصلاحات، فإن ارتفاع كلفة التقنيات غير الصينية سيظل يُضعف جهود واشنطن لإقناع الدول الأخرى بتجنب المورّدين الصينيين. فلا بد أن يكون البديل المعروض متقدمًا تقنيًا وذو سعر تنافسي. ولهذا، تحتاج الولايات المتحدة إلى التعاون مع شركائها في تمويل البنية التحتية الرقمية. وقد نجح هذا النموذج سابقًا، كما في مشروع كابل ميكرونيزيا الشرقي الذي أُطلق في عام 2022، حيث ساهمت كل من أستراليا واليابان والولايات المتحدة بأكثر من 90 مليون دولار لدعم بنية اتصالات آمنة ومستدامة وقادرة على الصمود بين دول جزر المحيط الهادئ.

ومن بين الشركاء المحتملين الذين يمكنهم الإسهام بالخبرة والقدرات التجارية في حملة تمويل أميركية لقطاع الجيل الخامس: الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية. فالشركتان الأوروبيتان الكبيرتان، "إريكسون" و"نوكيا"، تتمتعان بحضور قوي في السوق الأميركية، لكنهما تحتاجان إلى دعم إضافي في البحث والتطوير لتعزيز تنافسيتهما عالميًا في مواجهة هواوي. أما اليابان وكوريا الجنوبية فتمتلكان شركات أصغر يمكنها المنافسة أيضًا إذا حصلت على دعم كافٍ. وقد يُساهم اتفاق مع واشنطن يشمل البحث والتطوير وتمويل تكييف التكنولوجيا في الدول الثالثة في تقليص فجوة القدرة التنافسية بين هذه الشركات ونظيراتها الصينية.

وبينما تُكثّف الصين تمويلها لمثل هذه المشاريع، يجب على الولايات المتحدة وشركائها أن يفعلوا الشيء نفسه. وتُعد بنك التصدير والاستيراد الأميركي، وهو وكالة ائتمان حكومية، المؤسسة الأنسب التي يمكن لواشنطن الاعتماد عليها في هذا الصدد. ومع أن البنك ما زال بحاجة إلى مرونة أكبر لتحمّل المخاطر وتقديم تمويل تنافسي لمشاريع الجيل الخامس، إلا أن خطواته الأخيرة تبشر بالخير. ففي عام 2023، سمح مجلس إدارة البنك بصفقات تتعلق بالجيل الخامس حتى وإن كانت أقل من 51% من مكوناتها أميركية المنشأ، بشرط أن يقدّم المصدّر خطة لتوسيع فرص العمل في الولايات المتحدة. وقد تم بالفعل الموافقة على 313 مليون دولار لدعم بناء شبكة 5G في الهند ضمن اتفاق تمويل مشترك مع وكالة تمويل الصادرات الفنلندية. ومن خلال المزيد من التعاون على هذا النحو، يمكن لواشنطن أن تُظهر للعالم أن الولايات المتحدة وشركاءها مصممون على تقديم بدائل قوية لمورّدي الصين المدعومين حكوميًا.

وللقطاع الخاص دور أيضًا. ففي وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركتا غوغل والحكومة التشيلية إطلاق مشروع كابل هومبولت، وهو كابل بحري يربط تشيلي بأستراليا مرورًا ببولينيزيا الفرنسية. ويمكن أن تُشجع جهود منسّقة من الولايات المتحدة وحلفائها، تشمل إشراك شركات خاصة في استراتيجيتها، على مزيد من الاستثمارات المشابهة للحفاظ على ربط المناطق النائية حول العالم بالتكنولوجيا الغربية، بدلًا من الاعتماد على شركات قد تكون خاضعة لسيطرة بكين.​

نحو مستقبل لاسلكي​

أخيرًا، ينبغي على واشنطن أن تُصلح سياسة الطيف الترددي. يشير "الطيف" إلى نطاق الموجات غير المرئية التي تُستخدم لنقل المعلومات—مثل التلفزيون والواي فاي—عبر الهواء، وهو مورد محدود. وتُعد وزارة الدفاع الأميركية أكبر مالك للطيف في البلاد، لكنها لا تُفصح بشفافية عن حجم الطيف الذي تحتاجه أو عن أوقات استخدامه. ويُعد الطيف أساسيًا لمختلف أنواع نقل البيانات، من بث الأفلام إلى استخدام الطائرات المسيّرة في مراقبة البنى التحتية—أي أن الحاجة إليه لا تقتصر على الحكومة فقط. لكن، وعلى عكس ما يحدث في الصين، يفتقر القطاعان العام والخاص في الولايات المتحدة إلى التعاون لتحقيق أهداف مشتركة؛ بل يتنافسان للحصول على الطيف، مما يعيق تطور التكنولوجيا الأميركية مقارنةً بنظيرتها الصينية. وتُعد هذه الأفضلية من العوامل التي تدعم طموحات الصين للسيطرة على الشبكات العالمية والاستفادة منها عسكريًا واستراتيجيًا. ولذا، يتعيّن على واشنطن اتخاذ قرارات صعبة تتيح استخدام أجزاء من طيف البنتاغون تجاريًا، مع الحفاظ على قدرات الجيش والاستخبارات الحيوية.

وتُعد المكاسب المحتملة كبيرة للغاية؛ إذ ستكون الشركات الأميركية في وضع أفضل لتطوير تقنيات الجيل التالي للاتصالات، مما يُطلق دورة متكاملة من الابتكار. فمع قيامها ببناء واختبار المعدات والمنتجات والتقنيات على الطيف الجديد، ستسير الشركات في الدول الأخرى على خطاها. وهكذا، سيُولّد نظام متكامل من العتاد والبرمجيات تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها، ويُعاد توزيعه عالميًا.

وفي بعض الحالات، لن تتمكن وزارة الدفاع من تحرير طيف إضافي لصالح القطاع الخاص. لكن حتى في هذه الحالات، توجد حلول بديلة. ينبغي على البنتاغون أن يتعاون مع الشركات التجارية لتوسيع استخدام تقنيات مشاركة الطيف الجديدة، وآليات الترخيص، والبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لجعل الشبكات أكثر ذكاءً ومرونة. وبذلك، يمكن لمستخدمي القطاعين العام والخاص تقاسم الطيف بشكل أكثر كفاءة مما هو عليه اليوم، بحيث يتمكّن البنتاغون من استخدام الطيف عند الحاجة، في مهمات أو تدريبات أو اختبارات نادرة ولكنها بالغة الأهمية.

وقد أطلقت إدارة بايدن مشروعًا تجريبيًا لاختبار هذه التقنيات على نطاق واسع وبالتعاون مع القطاع الخاص. ويجب على إدارة ترامب أن تُنهي هذا المشروع بسرعة، وتُسرّع في الانتقال إلى المراحل التالية، عبر وضع قواعد حوكمة لمشاركة الطيف، وتأسيس آليات سريعة لحل النزاعات. هذا سيُطمئن البنتاغون وأجهزة الاستخبارات إلى أن الطيف سيكون متاحًا لها في أوقات الأزمات والنزاعات، كما سيُعزز ثقة القطاع الخاص بإمكانية الاعتماد عليه تجاريًا. وهذه الثقة ضرورية لتحفيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية من قبل الشركات.​

محاولة اللحاق​

حتى الآن، كان معظم البُنى التحتية الرقمية التي قامت عليها الحداثة العالمية من اختراع وتطوير ونشر الولايات المتحدة. لكن إن فقدت أميركا هذه الميزة نهائيًا، فستكون العواقب جسيمة؛ إذ ستتمكن الصين، إن هيمنَت على الشبكات الرقمية العالمية، من مراقبتها بحرية، ومن قيادة مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تدريب نماذجها على البيانات التي تمر عبر شبكات شركاتها والتحكم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على الشبكات عالية السرعة. وقد أدركت الإدارات الأميركية المتعاقبة ضخامة هذا التهديد، لكن الإجراءات التي اتُّخذت حتى الآن لم تُعالج جوهر المشكلة: غياب البدائل التكنولوجية التي تُنافس المنتجات الصينية على مستوى السعر.

تعتمد الأمن القومي الأميركي على استعادة هذا التفوق، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق بشكل منفرد. فرغم أن المنافسة مع الصين ستكون شرسة، خصوصًا في ظل استخدام بكين لقوتها الاقتصادية لتوفير تفوق ساحق لشركاتها، فإن واشنطن يجب أن تنخرط في هذا السباق. فالتقنيات مثل الجيل الخامس، والحوسبة السحابية، والبُنى الافتراضية، والذكاء الاصطناعي ستزداد أهمية بمرور الوقت. أما الدولة التي تتزعم الانتقال إلى الجيل السادس (6G) فستكون في صدارة الابتكارات في تطبيقات متعددة، مثل الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة.

وإذا ما تبنّت الولايات المتحدة السياسات الصحيحة ونفّذتها بالتعاون مع حلفائها وشركائها، فبإمكانها استعادة زمام المبادرة التكنولوجية، وحماية عملياتها الاستخباراتية واتصالاتها العسكرية حول العالم. لكن ذلك يتطلب ضمان توفر بنية تحتية رقمية متقدمة وموثوقة وآمنة، مصمّمة ومنتَجة خارج الصين، لتكون الخيار التقني المفضل داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم.​
 
تبدو مثل الحرب الباردة تماماً 👌
أتذكر كيف كان التنافس في كل المجالات ، حتى الرياضات و غيرها.
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى