بسم الله الرحمن الرحيم
في قرائتي لكتاب في الرياضيات وفلسفتها عند العرب والذي نشرته مسبقًا في موضوع مختلف في قسم الكتب الالكترونية، جذبني نقد ابن ميمون للمتكلمين ذوي الاتجاه العقلاني، في نقد ادعاءاتهم بأن كل ما يستطيع الخيال تصوره يسلم به العقل كممكن. وفي هذا الموضوع سأعرض لكم النصوص كما هي موجودة في الكتاب.
وابن ميمون، في نقده للمتكلمين ذوي الاتجاه العقلاني، يأخذ عليهم التمسُّك بأن كل ما يستطيع الخيال تصوره يُسلِّم به العقلُ كمُمكن. وفي مواجهة هذا الموقف، يريد ابن ميمون البرهنة على أنه يمكن أن توجد أشياء مستحيلة، هي مع ذلك ضرورية وَفقًا للخيال، وكمثال «جسدية الرب ووجوده تعالى كقوة حالَّة في جسد. فالخيال لا يَعي شيئًا إلا الأجساد أو الخصائص القائمة في صلب أجساد.» ومن هنا نجد أنه في سياق هذا النقد يَشرع ابن ميمون في معالجة مسألة السجزي، مُقحِمًا تغيُّرًا كبيرًا حين يستبدل «الخيال» «بالتصور» أنه يصوغ المشكلة على هذا النحو: «لتعرف أن ثمة أشياء معينة يمكن أن تبدو مستحيلة إذا محَّصها الخيال فتكون غير قابلة للتصوُّر، كشأن الترافق في الوجود لخاصيتين متقابلتين في موضوع واحد، وحتى وجود نفس هذه الأشياء، التي لا يستطيع الخيال تمثُّلها، قد أُقيم رغم ذلك بإثبات، ويُصدِّق عليها واقعها.» وكما فعل ابن ميمون مع السجزي، يستخدم مُبرهَنة أبلونيوس كمثال:
وبالمثل تم الإثبات، في الكتاب الثاني من «المخروطات» أن الخطَّين، اللذَين هما في البداية على مسافة مُعينة من بعضهما، يمكن أن يقتربا من بعضهما بنفس النسبة مع امتدادهما أكثر، ومع هذا لا يلتقيان أبدًا، وهذه واقعة لا يمكن تصورها بسهولة، لا تتدخل في مدى إدراك الخيال. ويقرر الكتاب المذكور آنفًا عن هذين الخطَّين، أن الأول مستقيم والآخر مُنحنٍ، وتبعًا لهذا تم إثبات أن الأشياء التي لا يمكن إدراكها أو تخيُّلها، والتي قد نجدها مستحيلة إذا اختبرها الخيال على حدة، هي برغم ذلك قائمة في الوجود الواقعي.»
وبناء على هذا يتضح، بصرف النظر عن الاستبدال، أن هذه الحجة كعَين حجة السجزي، على الرغم من أن ابن ميمون لا يُعيد تصنيف القضايا الرياضية الذي قام سلفُه برسم خطوطه، ومن أجل إيضاح هذه النقطة دعنا نعود باقتضاب إلى ما كان ابن ميمون يعنيه «بالخيال».
في «دلالة الحائرين» يتكشف لنا معنى هذا المصطلح عن طريق المقابلة بينه وبين «العقل» وتبعًا لابن ميمون، فإن الخيال لا يميز البشر عن الحيوانات، فهو مشترك لمعظم الحيوانات. علاوة على هذا، فإن فعل الخيال يقابل فعل العقل، وفي الحق، بينما «يحلل العقل ويقسم الأجزاء المكوِّنة للأشياء … ويشكل أفكارًا مجردة عنها، ويتمثَّلها في صورتها الحقيقية بالإضافة إلى تمثُّلها في علاقاتها السببية … مميزًا ما هو خاصةٌ للجنس عما هو جزئي عارض للفرد»، مما يجعل البرهان ممكنًا، و«يحدد ما إذا كانت صفات مُعيَّنة لشيء ما جوهرية أو غير جوهرية»، فإن الخيال ذاته غير قادر على افتراض أي من هذه الوظائف. إنه «فقط يعي الفردي، المركب في تلك الحالة الحاصلة التي يعرض بها ذاته للحواس، أو أن الخيال يضم الأشياء التي توجد منفصلةً ويربط بعضها معًا.» ويواصل ابن ميمون حديثه قائلًا إن الخيال لا يستطيع البتة «الظفر بصورة عقلية لا مادية تمامًا عن أي موضوع، مهما كان شكل الصورة العقلية مجردًا.»
ومن الواضح أن ابن ميمون لم يفعل أكثر من الارتداد إلى الأرسطيين العرب، وهو مذهب كان قائمًا بصورة مباشرة على الكتاب الثالث من «في النفس De Anima». والآن، فإن الملمَح البارز لهذا المذهب، كما يعبر عنه ابن رشد مثلًا، هو، على وجه الدقة، وجود شكلين للتصور: «تصور خيالي» وفقًا له «الأشياء المتخيلة نتصورها بوصفها فردية ومادية»، و«تصور نطقي»، أو «تصور عقلي» وهو تجريد لكل مادة من الفكرات العامة.
في «دلالة الحائرين» يتكشف لنا معنى هذا المصطلح عن طريق المقابلة بينه وبين «العقل» وتبعًا لابن ميمون، فإن الخيال لا يميز البشر عن الحيوانات، فهو مشترك لمعظم الحيوانات. علاوة على هذا، فإن فعل الخيال يقابل فعل العقل، وفي الحق، بينما «يحلل العقل ويقسم الأجزاء المكوِّنة للأشياء … ويشكل أفكارًا مجردة عنها، ويتمثَّلها في صورتها الحقيقية بالإضافة إلى تمثُّلها في علاقاتها السببية … مميزًا ما هو خاصةٌ للجنس عما هو جزئي عارض للفرد»، مما يجعل البرهان ممكنًا، و«يحدد ما إذا كانت صفات مُعيَّنة لشيء ما جوهرية أو غير جوهرية»، فإن الخيال ذاته غير قادر على افتراض أي من هذه الوظائف. إنه «فقط يعي الفردي، المركب في تلك الحالة الحاصلة التي يعرض بها ذاته للحواس، أو أن الخيال يضم الأشياء التي توجد منفصلةً ويربط بعضها معًا.» ويواصل ابن ميمون حديثه قائلًا إن الخيال لا يستطيع البتة «الظفر بصورة عقلية لا مادية تمامًا عن أي موضوع، مهما كان شكل الصورة العقلية مجردًا.»
ومن الواضح أن ابن ميمون لم يفعل أكثر من الارتداد إلى الأرسطيين العرب، وهو مذهب كان قائمًا بصورة مباشرة على الكتاب الثالث من «في النفس De Anima». والآن، فإن الملمَح البارز لهذا المذهب، كما يعبر عنه ابن رشد مثلًا، هو، على وجه الدقة، وجود شكلين للتصور: «تصور خيالي» وفقًا له «الأشياء المتخيلة نتصورها بوصفها فردية ومادية»، و«تصور نطقي»، أو «تصور عقلي» وهو تجريد لكل مادة من الفكرات العامة.