Announcement Title

Your first announcement to every user on the forum.

أزمة تم تجنبها في النظام المصرفي الفلسطيني تنذر بانهيار كامل

Admin

مدير شركة انكور التطويرية
طاقم الإدارة
ادارة انكور
في أوائل ديسمبر، تفادت المنظومة المصرفية الفلسطينية بصعوبة الوقوع في انهيار مالي شامل، بعدما لوّح وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بإلغاء ضمانة حاسمة تقوم عليها العلاقة التبادلية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية. تحمي هذه الضمانات الجانب الإسرائيلي من المخاطر القانونية المحلية والدولية التي قد تنشأ عن التعاملات مع نظرائهم الفلسطينيين، إذ توفر لهم الحصانة والتعويض في حال تمت مقاضاتهم بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب أو غسل الأموال. ومن دون هذه الضمانات، من المرجح أن تقطع البنوك الإسرائيلية علاقاتها بشكل كامل. غير أن الاقتصاد الفلسطيني محروم من نظامه النقدي الخاص ويعتمد على العملة الإسرائيلية، الشيكل، كوسيلة تبادل رئيسية، وبالتالي فإن قطع العلاقة بين هذه البنوك سيدفع بالاقتصاد الفلسطيني نحو التفكك.
أزمة تم تجنبها في النظام المصرفي الفلسطيني تنذر بانهيار كامل

في نهاية المطاف، مددت إسرائيل هذه الضمانات لعام إضافي، وذلك عقب حملة ضغط دبلوماسي غير مسبوقة قادتها وزارة الخزانة الأميركية ووزراء خارجية مجموعة السبع ومجموعة من الأطراف الدولية الأخرى. ومع أن هذا التمديد يوفر متنفسًا مؤقتًا، فإن استقرار السلطة الفلسطينية بات هشًا بشكل متزايد. وعلى الرغم من أن إسرائيل استخدمت منذ زمن طويل أدوات اقتصادية للضغط السياسي على السلطة، فإن الأزمة المصرفية الأخيرة تنذر بعواقب أعمق بكثير.

يتماشى القرار الأصلي الذي اتخذه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بسحب هذه الضمانات مع رؤيته الأوسع لإعادة تعريف الحكم الفلسطيني في الضفة الغربية خارج إطار السلطة الفلسطينية، بما يشمل إعادة تصور للهياكل المالية والنقدية. فالقطاع المصرفي، الذي كان يُنظر إليه ذات يوم كركيزة نادرة من ركائز الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يواجه اليوم ضغوطًا غير مسبوقة نتيجة تهديدات إسرائيل المتكررة بقطع العلاقات المصرفية التبادلية، بالإضافة إلى شبكة معقدة من الإجراءات الأخرى التي فرضتها إسرائيل، فضلاً عن البيئة الاقتصادية والسياسية الصعبة نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة. وعلى الرغم من تطمينات سلطة النقد الفلسطينية والبنك الدولي بأن القطاع لا يزال قويًا، فإن الضغوط المتزايدة تشير إلى أن أزمة مالية قد تكون وشيكة.​

حالة القطاع​

يعمل القطاع المصرفي الفلسطيني تحت إشراف سلطة النقد الفلسطينية، وهي بمثابة البنك المركزي للسلطة الفلسطينية، ويتكوّن من 13 بنكًا تُدير أصولًا مجتمعة تُقدَّر بحوالي 23 مليار دولار، منها حوالي 17 مليار دولار على شكل ودائع. وقبل التحديات الأخيرة، كانت البنوك الفلسطينية من بين أكثر المؤسسات المالية ربحية في المنطقة. ومع ذلك، لم يُترجم هذا النجاح إلى نمو اقتصادي مستدام. فجزء كبير من الإقراض المصرفي يتركّز على الاستهلاك والاستثمار السكني، مما أدى إلى تضخّم أسعار العقارات في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مستويات تفوق تلك الموجودة في البلدان المجاورة. كما يبقى رأس مال كبير مجمّدًا في أصول غير منتجة، مما يخلق اقتصادًا مشوّهًا حيث تحقق البنوك أرباحًا بينما يواجه السكان عبئًا متزايدًا من الديون.

وبحلول الربع الرابع من عام 2023، قدّمت البنوك تسهيلات ائتمانية محلية بقيمة 12 مليار دولار، كان 25% منها مرتبطًا بالسلطة الفلسطينية أو موظفيها. أما في غزة، فيبلغ مجموع القروض المستحقة على السكان والشركات حوالي 931 مليون دولار، موجهة في المقام الأول إلى قطاعات الإسكان والعقارات والإنشاءات، وتشكل نحو 10% من إجمالي الائتمان المقدم للقطاع الخاص من قبل البنوك الفلسطينية. وبالنظر إلى الدمار الواسع في غزة، حيث تم تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 80% من المنشآت التجارية و87% من المساكن، فمن المرجح أن جزءًا كبيرًا من الضمانات التي تستند إليها هذه القروض قد أصبح غير صالح.

أما في الضفة الغربية—والتي هي أكثر مديونية بشكل ملحوظ من قطاع غزة، إذ يحتفظ سكانها بـ90% من إجمالي القروض الفلسطينية المستحقة—فقد تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في المحافظات الشمالية في خسائر اقتصادية كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك المنازل والشركات والبنية التحتية. وعلى الرغم من أن ذلك لم يؤدِ بعد إلى أزمة مالية رسمية، إلا أن احتمالية حدوث حالات تخلّف جماعي عن السداد، خاصة في ظل معدل القروض المتعثرة البالغ حاليًا 4%، يشكّل تهديدًا كبيرًا.​

فرض أزمة​

في تفاقم إضافي لهذه التحديات، كثّفت إسرائيل مؤخرًا ضغوطها المالية على السلطة الفلسطينية والقطاع المصرفي. وتتمثل إحدى القضايا الرئيسية في أن البنوك الإسرائيلية ترفض بشكل متزايد معالجة طلبات المقاصة بالشيكل من البنوك الفلسطينية. والمقصود بالمقاصة هنا هو العملية التي يتم من خلالها تحويل فائض العملة النقدية الفعلية في النظام المصرفي الفلسطيني إلى البنوك الإسرائيلية. وتُعدّ هذه الآلية أساسية، نظرًا لأن الشيكل يجب أن يُصفّى في نهاية المطاف عبر بنك إسرائيل، بوصفه السلطة النقدية المصدرة، وبالتالي فهي حيوية للحفاظ على السيولة وسير المعاملات المالية بسلاسة.

منذ عام 1967، يُستخدم الشيكل كعملة فعلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت البنوك الإسرائيلية ترفض بشكل متزايد قبول الشيكل الفعلي من البنوك الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، رفض بنك إسرائيل بشكل متقطع معالجة طلبات المقاصة التي تقدمت بها سلطة النقد الفلسطينية. علاوة على ذلك، لم تقم إسرائيل برفع الحد السنوي للمقاصة، الذي يبلغ 18 مليار شيكل إسرائيلي، رغم أن البنوك الفلسطينية تحتاج إلى ما لا يقل عن 22 مليار شيكل سنويًا.

وقد أدى هذا الوضع إلى تراكم فائض من الشيكل لدى البنوك الفلسطينية، مما زاد من تكاليف التخزين مع امتلاء الخزائن إلى حدودها القصوى. وردًا على ذلك، فرضت البنوك قيودًا على الإيداع النقدي بالشيكل، وخفّضت أسعار الفائدة على القروض بالشيكل مقارنةً بتلك المقدمة بعملات أخرى، مثل الدولار الأميركي أو الدينار الأردني. ومع ذلك، تظل هذه الإجراءات مؤقتة، مما يترك التجار والبنوك في حالة من عدم اليقين بشأن كيفية التعامل مع فائض الشيكل المتزايد.

أما القطاع المالي في غزة فيواجه واقعًا أكثر قتامة بكثير. فمنذ أكتوبر 2023، أوقفت إسرائيل تحويل الأموال النقدية إلى غزة ودمّرت تقريبًا كامل بنيتها التحتية المصرفية. ونتيجة لذلك، استنفدت بنوك غزة احتياطياتها من النقد بشكل فعلي. ويزيد الاستخدام الواسع لأوراق الشيكل المهترئة من المخاوف بشأن مستقبل تداول العملة، حيث من المرجح أن ترفض البنوك الإسرائيلية مثل هذه الأوراق التالفة. ولا تستطيع البنوك الفلسطينية تحمّل الخسائر المالية الناتجة عن مئات الملايين من الشيكلات غير القابلة للاستخدام، كما أن لا سلطة النقد الفلسطينية ولا السلطة الفلسطينية تمتلكان القدرة المالية لمعالجة هذا العجز.​

دعم اقتصادي اصطناعي​

بينما يقف القطاع المصرفي على حافة الانهيار، لا تقل الصورة الكلية للاقتصاد الكلي قتامة. فالحرب الإسرائيلية الإبادة، بحسب التقارير، قلّصت الناتج الاقتصادي في غزة بنسبة 81%، وفي الضفة الغربية بنسبة 19%. كما تراجع مؤشر التنمية البشرية بمقدار 69 عامًا في غزة و16 عامًا في الضفة الغربية. وفي الوقت ذاته، لا تزال السلطة الفلسطينية تعتمد على دعم اقتصادي خارجي بالكاد يبقيها على قيد الحياة، يتمثل في مساعدات أوروبية محدودة ومشروطة. وقد تم مؤخرًا الإبلاغ عن اتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل يقضي بأن تقوم إسرائيل بإفراج مؤقت عن أموال الضرائب الفلسطينية المحتجزة (والمعروفة باسم عائدات المقاصة)، ما قد يساعد مؤقتًا في تمكين السلطة من تغطية بعض نفقاتها المتكررة. ومع ذلك، لا تزال السلطة الفلسطينية تتحمل ديونًا تبلغ 4 مليارات دولار للبنوك، بالإضافة إلى 4 مليارات أخرى من المتأخرات المستحقة لموظفين وموردين، معظمها تراكم خلال العامين الماضيين.

إن انهيار القطاع المصرفي الفلسطيني سيخلف تداعيات بعيدة المدى. فبالنسبة للفلسطينيين، فإن ذلك سيمحو آخر معالم الاستقرار الاقتصادي، وسيفاقم معدل البطالة الذي يقترب من 50%، ويغذي تصاعد الفقر، والذي تتوقع الأمم المتحدة أن يصل إلى 74.3% في عام 2024. كما أن التداعيات ستطال إسرائيل أيضًا، إذ يعتمد اقتصادها على مكاسب كبيرة من التبادل التجاري مع الأراضي الفلسطينية، حيث يتجاوز حجم التبادل الثنائي 800 مليون دولار شهريًا. وفي حال حدوث أزمة مصرفية أو تعليق للعلاقات البنكية، فلن تتمكن البنوك من تمويل العمليات التجارية أو تسوية المدفوعات مقابل السلع والخدمات المشتراة من الشركات والموردين الإسرائيليين، بما في ذلك الواردات الدولية التي تمر عبر وسطاء إسرائيليين.

ولا تمتلك السلطة الفلسطينية أدوات فعالة لتعزيز أو استقرار قطاعها المصرفي. فالإجراءات المؤقتة، مثل تمديد العلاقات التبادلية مع البنوك الإسرائيلية، أو تطوير آليات لإدارة العملة بالتعاون مع بنك إسرائيل، أو سد النقص النقدي المدمر في غزة، قد تخفف الضغط مؤقتًا، لكنها لا تحل المشكلات الجوهرية. فإبداء الثقة في صلابة النظام المصرفي بينما يدمر الجيش الإسرائيلي الضمانات ويفكك الشرايين المالية، ما هو إلا تغطية لحجم الدمار الحقيقي.

وكما هو الحال في كل شيء في فلسطين، فإن مصير القطاع المصرفي مرتبط جوهريًا بالسياسة. لقد كانت خطوة السلطة الفلسطينية في تأسيس بنية تحتية مصرفية تحت الاحتلال خطوة ساذجة متفائلة، قلّلت من شأن التوسع الإسرائيلي المتواصل، واعتمدت بشكل مفرط على الدعم الدولي. إن الحفاظ على ودائع الفلسطينيين وضمان وجود نظام مالي وظيفي يتطلب إرادة سياسية استثنائية، بل ويستلزم إعادة تخيّل جذرية للعلاقات الاقتصادية في ظل الهيمنة الإسرائيلية. هذا التحول الجوهري غائب عن حسابات السلطة الفلسطينية. ومن دونه، ستفشل الحلول المؤقتة وستبقى مواطن الضعف قائمة.
المقال الاصلي: A Crisis Averted in Palestinian Banking Portends a Total Collapse
 

ما هو انكور؟

هو منتدى عربي تطويري يرتكز على محتويات عديدة لاثراء الانترنت العربي، وتقديم الفائدة لرواد الانترنت بكل ما يحتاجوه لمواقعهم ومنتدياتهم واعمالهم المهنية والدراسية. ستجد لدينا كل ما هو حصري وكل ما هو مفيد ويساعدك على ان تصل الى وجهتك، مجانًا.
عودة
أعلى